الرهان الكبير
في مساء بارد، كان "بارك غانغ-هو" جالسًا في زاوية الحانة المظلمة، بين ضجيج القهقهة ورائحة السجائر الرخيصة. أمامه زجاجة خمر نصف فارغة، وأوراق لعب مهترئة. عيناه الحمراوتان تحدقتان في الرهان الأخير — كل ما تبقى من نقوده. أصابعه المرتعشة حركت العملات المعدنية، وكأنها تستعطف الحظ.
"غانغ-هو، ألن تمل من الخسارة؟" ضحك أحد رفاقه بسخرية، بينما أدار الآخرون رؤوسهم بعيدًا. لم يعد أحد يثق به، حتى في لعبة صغيرة.
فجأة... صمت.
الباب الخشبي للحانة صرخ مفتوحًا، ودخل رجل يرتدي معطفًا أ**دَ باهظًا. "لي دايسيك". حتى هواء الغرفة بدا يتجمد حوله. خلفه وقف حارسه الشخصي، عضلاته تشبه جدارًا من حجر. توقفت الموسيقى الخافتة. كل العيون التفتت إليهم.
دايسيك مشى ببطء نحو طاولة غانغ-هو، وابتسم — ابتسامة لا تصل إلى عينيه. جلس دون أن يُدعى، ووضع حقيبة جلدية على الطاولة. صوت العملات داخلها جعل قلب غانغ-هو يخفق.
"ما رأيك... ببيع منزلك؟" قال دايسيك بهدوء، كما لو كان يعرض كوبًا من الشاي. "سأعطيك مبلغًا... معقولًا."
غانغ-هو ضحك، لكنه كان صوتًا أجوف. "منزلي؟ إنه كل ما تبقى لعائلتي!"
دايسيك لم يرمش. "إذن... لنلعب لعبة واحدة. إذا ربحت، سأسامحك بديونك كلها. إذا خسرت... توقع منزلك."
الحانة كلها حبست أنفاسها. غانغ-هو نظر إلى أوراق اللعب المتسخة على الطاولة، ثم إلى زجاجة الخمر الفارغة. تذكر وجه زوجته "مي-سون" المُنهك، وابنه "داي-هيون" الذي لم يعد يقترب منه.
في تلك اللحظة... شعر أن ليس لديه ما يخسره.
"حسنًا... لعبة واحدة."
أخذ الورقة والقلم الذي مدّه له دايسيك، ووقع على العقد. لم ينتبه إلى الكلمات الصغيرة المكتوبة أسفل الصفحة...
انطلقت اللعبة وسط جو مشحون بالتوتر. أوراق اللعب تتهاوى على الطاولة الخشبية المهترئة، وكل حركة من غانغ-هو كانت محسوبة بدقة. عيناه المتعبتان تتلألآن بشراهة بينما كان يجمع أفضل الأوراق بين يديه. ابتسامة انتصار بدت تعلو شفتيه، وكأن الأمل قد عاد إليه أخيراً.
"هذه المرة سأربح!" همس لنفسه، وهو يلقي بورقته الأخيرة على الطاولة. رفاقه هتفوا حوله، بعضهم صفق على كتفيه، والبعض الآخر حدق في الأوراق بدهشة. حتى الحارس الشخصي لدايسيك بدا منفعلاً للحظة.
لكن دايسيك لم يبد أي انزعاج. ببرودة أعصاب محترف، قلب أوراقه واحدة تلو الأخرى. كل بطاقة كانت أفضل من سابقتها. ابتسامته الباردة اتسعت تدريجياً، حتى تحولت إلى ضحكة مكتومة ثم إلى قهقهة عالية كصوت زجاج ين**ر.
"للأسف يا صديقي العزيز..." قال دايسيك وهو يطوي الورقة الموقعة بعناية ويضعها في جيبه الداخلي، "الحظ ليس حليفك اليوم."
غانغ-هو تجمد في مكانه. يداه ارتختا فجأة، والأوراق تساقطت من بين أصابعه. "انتظر... لا، هذا مستحيل!" صوت ارتجف بينما كان يحاول الوقوف، لكن ركبتيه خانتاه. "لنلعب مرة أخرى، فقط مرة واحدة أخرى!"
دايسيك كان قد نهض بالفعل، يعدل ربطة عنقه بلا مبالاة. "العقد موقع، واللعبة انتهت." أشار إلى الحارس الذي بدأ يدفع الطاولة بعيداً. "لد*ك أسبوع لإخلاء المنزل."
في تلك اللحظة، كأن صاعقة قد ضربت غانغ-هو. فجأة أدرك كم كان أ**قاً. النظراء الذين كانوا يهتفون له قبل دقائق بدأوا يبتعدون عنه واحداً تلو الآخر، نظراتهم مزيج من الشفقة والازدراء. حتى صاحب الحانة أدار ظهره، وكأنه لم يعرفه أبداً.
بقي وحيداً في الزاوية المظلمة، أمام زجاجة خمر فارغة وأوراق لعب ممزقة. في الخارج، بدأت تسمع أصوات سيارة دايسيك وهي تبتعد، محملة بكل أحلامه البائسة.
عاد بارك غانغ-هو إلى منزله المتواضع، خطواته متثاقلة تحت وطأة الخمر واليأس. الباب صرخ عند فتحه، كأنه يصرخ من الألم الذي جلبه معه. في الداخل، اصطدم بنظرات عائلته:
زوجته مي-سون وقفت في منتصف الغرفة، عيناها الحمراوان تفيضان بالدموع المكبوتة. "كم مرة سنخسر بسببك؟" همست بصوت م**ور، بينما كان ابنهما الصغير داي-هيون يتشبث بثوبها، عيناه الواسعتان تع**ان براءة لم تعد تتحمل المزيد.
أما إيرين، ابنته الثامنة عشرة، فاكتفت بالوقوف عند النافذة، ظهرها له. لكنه رأى انعكاسها في الزجاج - عيناها كانتا تحملان نظرة لم يراها من قبل: خليط من الحزن والاحتقار.
ارتعش غانغ-هو وسقط على الفراش البالي. الدموع سالت بصمت على وسادته الممزقة، بينما كان صوت ضحكات دايسيك لا يزال يدوي في أذنيه.
في قصر دايسيك الفخم، كانت ثريا الكريستال توزع أضواء ذهبية على مائدة العشاء. دايسيك جلس في رأس المائدة، سكاكين العشاء الفضة تلمع بين أصابعه وهو يقطع شريحة اللحم الباهظة.
"بهذا العقد الجديد، سنحول أحياء الفقراء تلك إلى مجمعات سكنية راقية"، قال بفخر وهو يرفع كأس النبيذ. "سيتذكرونني كمنقذ المدينة".
ابنه دونيون، الشاب الوسيم ذو العشرين عاماً، التفت إليه بفضول: "لكن أين سيعيش هؤلاء الناس يا أبي؟"
دايسيك ضحك بينما كان خادمه يملأ كأسه من جديد. "هذا ليس مشكلتنا، أليس كذلك؟"
على الطرف الآخر من المائدة، جلس كوان صامتاً كالعادة. عيناه الداكنتان كانتا تراقبان المشهد بتمعن، بينما زوجة دايسيك، شيناي، كانت تبتسم ابتسامة لا تصل إلى عينيها بينما تداعب عقدها الماسي.
في تلك اللحظة، بينما كان غانغ-هو يغرق في بحر من اليأس في منزله الفقير، كان دايسيك يرفع كأسه في عشاء النصر: "لصحة التقدم! ولصحة أولئك الذين يجرؤون على أخذ ما يريدون!"
صباح اليوم التالي لم يحمل أي رحمة.
انبعثت صرخةٌ مروعة من داخل المنزل الصغير، اخترقت جدرانه الرقيقة ودفعت الجيران إلى التجمهر أمام الباب. مي-سون، التي استيقظت على أملٍ ضعيفٍ أن يكون كل شيء مجرد كابوس، وجدت زوجها **معلقًا بحبلٍ خشن من عارضة السقف**، جسده البارد يتأرجح بهدوءٍ مخيف. عيناها اتسعتا رعباً، ثم انهارت على الأرض، صراخها يتحول إلى نحيبٍ أشبه بعواء جرحى.
"لا... لا... لا!" كانت تردد بينما كانت تحاول الوصول إليه، لكن ساقيها رفضتا حملها.
إيرين، التي ركضت عند سماع الصراخ، لم تتردد. أسرعت إلى أخيها الصغير **داي-هيون**، الذي كان واقفاً عند الباب بوجه شاحب، وغطت عينيه بيديها، ثم أحكمت حضنه بقوة بينما كانت هي نفسها ترتجف. "لا تنظر... لا تنظر أبداً..." همست في أذنه بصوتٍ م**ور، لكن عيناها كانتا مثبتتين على المشهد المقيت. **أبيها... مشنوقاً. ميتاً. منتحراً.**
الجيران بدأوا يتدفقون إلى الداخل، بعضهم حاول إنزال الجثة، والبعض الآخر وقف عاجزاً، يغطي أفواههم أو يبكي. **غانغ-هو** كان قد تحول إلى جثة زرقاء، لسانه متورمٌ وعيناه مفتوحتان جزئياً، كأنهما لا تزالان تنظران إلى شيءٍ بعيد.
وفي زاوية الغرفة، على الطاولة الصغيرة، وُجدت **ورقةٌ ممزقة** مكتوبٌ عليها بخطٍ غير ثابت:
*"سامحوني... لم أعد أستحق العيش."*
●●●
### **في عالمٍ آخر تماماً...**
في نفس اللحظة، داخل مكتبه الفخم في الطابق العلوي من شركة ميلان للمقاولات، كان دايسيك يوقع على مجموعة من الأوراق بقلمه الذهبي، مبتسماً برضا بينما كان ابنه دونيون يدخل بخطوات واثقة.
"صباح الخير، أبي!" قال دونيون وهو يقترب، يضع ملفاً آخر أمامه. "العقود الجديدة جاهزة للتوقيع. الأحياء الفقيرة ستختفي قريباً."
دايسيك نظر إليه بإعجاب. "أحسنت. التقدم لا ينتظر الضعفاء."
في الزاوية، وقف كوان صامتاً كالعادة، يدخن سيجارته بنظرةٍ غامضة. عيناه كانتا تنظران من النافذة، كأنهما تريان شيئاً بعيداً... أو ربما شيئاً لم يحدث بعد.
أما دايسيك، فبعد أن أنهى توقيع الأوراق، التفت نحو ابنه مبتسماً:
"اليوم يومٌ عظيم. سنبني مستقبلاً جديداً."
لكنه لم يكن يعلم... أن المستقبل كان يحمل في طياته انتقاماً لم يُحسب حسابه بعد.
جلسَت إيرين في زاوية المعبد الخشبي القديم، حيثُ انتشرت رائحة البخور الكثيفة في الهواء. أمامها، تحت قطعة قماش بيضاء بسيطة، كانت جثة والدها الممددة. أصابعها تشبثت بثوب الحداد الأ**د الذي ارتدته أمها، بينما كان أخوها الصغير ينام منهكًا من البكاء في حضنها.
حولهم وقف الجيران، يهمسون بكلمات المواساة التي لم تعد تعني شيئًا. "الله يصبركم"، "كان رجلًا طيبًا"، "الدنيا زائلة". كل هذه العبارات بدت فارغة أمام الحقيقة القاسية: لقد مات وحيدًا، مهزومًا، تاركًا لهم ديونًا لا يستطيعون سدادها.
خرجت إيرين إلى الفناء الخلفي للمعبد، حيث كان الهواء البارد يُنعش دموعها الجافة. هناك، سمعت أصواتًا مكتومة تتصاعد من مجموعة رجال يتحدثون في زاوية مظلمة.
"الرجل الثري هو السبب، لقد خدعه"، قال أحدهم بصوت خافت.
"بل تهاونه وغباؤه الذي أهلكه"، رد آخر بفظاظة.
هرعت إيرين نحوهم، عيناها تحترقان بلهفة معرفة الحقيقة. "ماذا تقصدون؟ أخبروني!"
توقف الرجال عن الكلام فجأة، نظراتهم تتجنب مواجهتها. أحدهم، وهو رجل عجوز بظهر منحني، همس لرفاقه: "دعوها تذهب، هي لا تحتاج إلى معرفة المزيد".
لكن إيرين أمسكت بذراع الرجل . "أخبرني، من فضلك!"
تردد الرجل للحظة، ثم أدار وجهه نحوها، عيناه تع**ان شفقة عميقة. "في الليلة الماضية، في الحانة... جاء رجل ثري، غريب عن البلدة. تحدى والدك بلعبة قمار، وكان الرهان منزلكم."
أحسست إيرين وكأن الأرض تتحرك تحت قدميها. "ومن... من هو؟"
هز الرجل رأسه. "لا نعرفه، لكنه كان معه حارس شخصي. وبعد أن خسر والدك... قالوا له إن لديه أسبوعًا لمغادرة المنزل."
أحد الرجال الآخرين أضاف بنبرة حازمة: "الآن بعد وفاته، سيأخذون المنزل بالتأكيد. أنتم... لن يكون لكم مكان تعيشون فيه."
لم تبكِ إيرين. وقفت هناك، يداها مشدودتان إلى جانبيها، بينما كان كلام الرجل يتردد في رأسها كجرس إنذار.
الرجل الثري الغريب.
المنزل الذي سيُسلب منهم.
العائلة التي ستُرمى في الشارع.
في تلك اللحظة، بينما كانت الشمس تغرب خلف الجبال، ولد شيء جديد في قلب إيرين...
شيء أ**د، و خطير