جلس فوق مكتبه داخل المحل الخاص بتجارتهم (مغلق لبيع الاخشاب) يحاول التطلع فى احدى الملفات امامه لكنه كان من بين حين واخر يتطلع الى ساعته زافر بقلق حتى تخلى اخيرا عن محاولة التركيز تاركا القلم من يده ثم يهم بالنهوض ليتوقف عن الحركة معاودا الجلوس مرة اخرى حين دلف من الباب صديقه المقرب عادل والذى هتف مبتسما بمرح فور رؤيته له
:صالح ابن الحاج منصور...اللى مابقاش بيسأل على حد....فينك ياعم كده مختفى
تراجع صالح فى مقعده يهتف به هو الاخر بمرح
:لاا حوش ياض انت اللى مقطع السؤال عليا اووى
اقترب عادل جالسا فوق احدى المقاعد امامه قائلا بتبرم مصطنع
:هى اختك سيبالى فرصة اسال عن حد...دى مخليانى ماشى الف حوالين نفسى
ابتسم صالح قائلا بسخرية مرحة
:انت لسه شوفت حاجة...دى لسه بتسمى عليك....اتقل التقيل جاى ورا
تن*د عادل بطريقة مسرحية قائلا بحزن مصطنع
:لااا لو من اولها كده يبقى مش لاعب...دول ياعم ليهم دماغ لوحدهم وبيقلبوا فى ثانية ..ومتعرفش ليه وازاى ولا علشان ايه
تبدلت ملامح صالح فورا للوجوم تمحى عن شفتيه ابتسامته المرحة يكفهر وجهه بشدة فلا يخفى عن صديقه تبدل حاله لي**ت فورا يلعن نفسه لعدم المراعاة فى حديثه لكن شعر بوجود ماهو اكثر من هذا فيسأله بعدها بقلق واهتمام
: مالك يا صالح.... حالك مش عجبنى.... هو حصل جديد
تطلع اليه صالح بعيون شاردة غير مقرؤة التعبير ليهمس له عادل بصوت متردد قلق
: لسه برضه اهلك بيكلموك ترجعها؟
اغمض صالح عينيه بارهاق زافرا بحرقة كانه يحاول اخراج نيران ص*ره معها يهز راسه له بالايجاب ليغمم عادل من بين انفاسه لاعنا بحنق قبل ان يسأله بحرص بعدها وبصوت خرج رغما عنه متعاطف مشفق رغم علمه بكره صديقه لهذا منه
: تحب تحكيلى ونتكلم هنا... ولا تجى نخرج نشم هوا و....
فتح صالح عينيه فجأة يظهر داخلهم القوة والت**يم وقد تبدل حاله فورا قائلا بقسوة وحدة
:لاااهنا...ولا هناك....مفيش حاجة مستاهلة كلام
ثم اعتدل فى جلسته يمسك باحدى الدفاتر امامه يتظاهر بالتطلع به قائلا بخشونة متعمدة
:خلص انت بس وقول كنت جاى ليه...علشان ورايا شغل
تجاهل عادل قسوته وحدته تلك فهو يعلم ان ما يمر به صديقه ويثقل كاهله تحت وطأته ليس بالهين حتى على اعتى الرجال لذا تدارك الامر سريعا هاتفا بمرح ممازحا
:براحة ياعم....مش لما تطلبلى حاجة اشربها الاول... ولا اقولك ابعت هات اكل علشان انا جعاان
رفع صالح رأسه متطلعا اليه ليكمل عادل بحدة مصطنعة ووجهه متجعد يشيح بيده
:اخلص يا جدع يلاا بقولك جعااان
ابتسم صالح هازا راسه بالموافقة تنف*ج اسارير وجهه استجابة لمزاح صديقه قبل ان يتعال صوته مناديا لاحد العاملين لديه والذى استغرق بعض الوقت قبل يلبى النداء يأتى مهرولا مجيبا اياه بلهاث ليسأله صالح بحدة
:ايه يا سيد بيه...كنت فين كل ده؟
اجابه سيد العامل سريعا
:كنت على اول الحارة بشوف اللمة اللى هناك دى ليه
صالح ساخرا وهو يتراجع فى جلسته باسترخاء لظهر مقعده
:حلو اوى.... وياترى جنابك عرفت بقى اللمة دى ليه
اقترب سيد يهتف بتأكيد ومعرفة
: اااه... دى البت بنت الست لبيبة الله يرحمها الظاهر دخل فى رجليها حاجة وواقفة تعيط والحارة ملمومة هناك عليها
توترت الاجواء فور نطقه لتلك الكلمات يعتدل صالح فى جلسته بتوتر واضطراب جعل عادل يسرع برميه بنظرة محذرة استجاب لها على مضض وهو يتراجع فى مقعده مرة اخرى لكن هذه المرة بجسد متحفز قلق ليلتفت عادل الى العامل يسأله بصوت اظهره عادى النبرات غير مهتم
:بت مين فيهم يا سيد اللى اتعورت..الكبيرة ولا الصغيرة
اسرع سيد يجيبه بحزم سعيدا باهتمامهم بمعرفة الاخبار منه
:البت الصغيرة...الظاهر جزمتها اتقطعت ودخل فى رجليها مسمار وواقفة هى و .....
قطع حديثه بغتة يتطلع نحو صالح بدهشة واستغراب حين وجده ينهض فورا من مكانه يتجه الى الخارج مغادرا بخطوات سريعة متلهفة يعقبه عادل والذى اخده يناديه محاولا ايقافه او اللحاق به ليهمس سيد بحيرة فور غيابهم
:غريبة دى هو ماله كده اتخض عليها زاى ما تكون من باقية اهله ولا تهمه فى حاجة...
ليكمل بعدها هازا راسه بتاكيد وحزم
: لاا بس هو كده طول عمره.... جدع وبيخاف على غلابة الحارة... ربنا يديله على اد نيته وطيبته
*********
كان قد وصل الى مكان تجمهر الاهالى فى اقل من دقيقتين ليتسمر مكانه حين رأها تجلس فوق احدى المقاعد وهى تبكى متألمة تجاورها شقيقتها الباكية هى الاخرى لكن ما جعل الدماء تتأجج بثورة فى شراينه وتثور معاها ثأئرته هو رؤيته لذلك الا**ق الجالس اسفل قدميها ممسك بها بين يديه انامله تتلمسها بتلك الطريقة فلم يدرى بنفسه سوى هو يتحرك ويقوم بدفعه بقسوة بعيدا عنها ليسقط انور بعدها جالسا ارضا بعنف يرفع وجهه بخشية ورعب نحوه حين هدر صوته به بغضب اعمى
:انت بتهبب ايه ياجدع انت...ابعد ايدك عنها
توتر انور يتطلع اليه قائلا بتلعثم واضطراب
:ابدا ياصالح باشا دانا...دانا كنت بطلع لها المسما...
انحنى عليه يهتف به بأستنكار غاضب وهو يكاد يفتك به لولا ذراع عادل والذى اسرع بالوقوف حائل بينهم يدفعه بعيد عنه بصعوبة
: بتعمل ايه؟!.... سمعنى كده تانى حلاوة صوتك...مسمار ايه اللى بطلعه فى وسط الشارع ده
اخذ عادل يدفعه الى الخلف بعيدا عن انور الساقط ارضا والمرتعب من رؤية صالح بكل هذا الغضب امامه تتعال همهمات المتابعين للموقف من حولهم بفضول حتى نجح اخيرا عادل اخيرا فى ابعاده بعد ان همس بعدة كلمات مهدئة له لكنه التفت بعدها بوجهه الحانق وعينيه التى تطلق الشرر ناحية تلك الجالسة تتابع ما يحدث بعيون متسعة بذهول لايخلو من الانبهار وقد توقفت دموعها تماماً كانها لم تكن يسألها بحدة وخشونة
: وانتى كمان ازاى تسبيه....
**ت عن اكمال كلمات كادت ان تفلت منه رغما عنه يضغط فوق اسنانه بحنق وقد وعى للتجمهر من حولهم يكمل بدلا عنها كلمات لم تكن اقل حدة او غضبا ينفث بها عن عما يعتمل بداخله
: مش تاخدى بالك انت كمان... ازاى المسمار ده دخل رجلك
تبدل حالها فورا نطقه كلماته بنبرة الاتهام تلك تمحو فورا عنها حالة الانبهار وفرحتها برؤيتها له محتلا مكانها غضبها الشديد كأن احدهم قد عبث بأزرار تحكمها تهتف به هى الاخرى بصوت حانق متشدد غير عابئة بمن حولهم
: انت بتزعقلى ليه؟! هو انا كنت قاصدة يعنى ولا كنت قاصدة ادخله فى رجلى علشان تزعقلى كده!
التفتت سماح شقيقتها حولهم تتطلع الى الجمع بتوتر قبل ان تنحنى عليها تنكزها خفية هامسة لها بحرج
: اتلمى يخربيتك... انتى هتزعقيله وسط الحارة
لم تعيرها فرح اهتماما تنظر اليه بتحدى وقد التمعت عينيها بشدة تتطاير شرارت غضبها كالبرق فى سماء عاصفة نحوه وقد وقف مكانه يتطلع اليها كالمصعوق حتى تعال صوت سماح تهتف بنبرة معتذرة حرجة فى محاولة لتدارك الموقف
: معلش ياسى صالح... حقك عليا يا خويا.... هى بس بتهبل من الوجع اللى فيها...
التفت ببطء اليها بعيون شاردة مذهولة وهو يطبق على شفتيه حتى اصبحا كخط رفيع دليل على محاولته التحكم فى ذاته لكن حين اتت على ذكر المها نفض عنه حالة الذهول تلك موجها الحديث الى عادل وهو يشير ناحية المقعد قائلا بحزم
: شيل الكرسى قصادى من الناحية التانية... خلينا نوديها الصيدلية
اسرع عادل لتنفيذ ما قاله بينما هو يقترب منها من الناحية الاخرى لتتململ فى جلستها باضطراب حين شعرت به قريباً منها وقد تسللت اليها رائحة عطره لتخ*ف نبضة من قلبها وتتسابق انفاسها ولكن لم يكن هذا بشيئ مقارنة بما اصابها حين تقابلت نظراتهم وهو ينحنى نحوها يهمس لها بصوت خفيض للغاية فى اذنيها وصل اليها كرفرفة الفراشة فى رقته
: والله وكبرتى يا فرح...كبرتى وبقيتى تعرفى تردى و تاخدى حقك...
التفتت نحوه وعينيها متسعة ذهولا مما سمعته لكن فوجئت به تراه وقد عادت صفحة وجهه بيضاء خالية من التعبير كأنه لم يهمس لها بشيئ حتى ظنت انها تخيلت كلماته تلك لها وقد انحنى حاملا لمقعدها من ناحيته بوجهه متجمد بعد ان هتف بصوت امر بالجمع الملتف حولهم بأن يذهب كلا الى طريقه ليسرعوا فى التلبية الا شخص واحد وقف ببطء ينفض عن ملابسه الغبار العالق بها وعينيه تتابع ذهابهم وهى تطلق سهام غيرته نحوهم
************
: يخرب بيتك ويخرب بيت جنانك يافرح يابنت امى وابويا...
نطقت سماح بكلماتها الحانقة تلك موجهة اياها الى شقيقتها الجالسة فوق اريكة داخل شقتهم متواضعة الاثاث تمدد قدميها المصابة امامها وهى تزم شفتيها بحزن وندم لتكمل سماح غير عابئة بحالتها تلك
: انتى اكيد عقلك ساح... ولا ض*ب منك... بقى مش كفاية اللى عملتيه فيه ادام الحارة.... لاااا رايحة تكملى عليه وعلينا فى الصيدلية كمان
صرخت فرح بطفولية بها
: مانتى عارفة انا بخاف من الحقن اد ايه... وهو م**م يخلينى اخد الحقنة
سماح بصراخ هى الاخرى مستنكرة
: هو يا حبة عينى ل**م ولا ليه ذنب... دى الدكتورة اللى قالت كده... وهو خاف عليكى وخلاها تدهالك بعد ما فضحتينا صويت زاى العيال الصغيرة وهو بيخرج من رجلك المسمار
ضمت فرح شفتيها معا بحزن هامسة
: زمانه بيقول عليا ايه دلوقت....وانا اللى كنت بتمنى اليوم اللى هيكلمنى فيه بعد ما كبرت كده وبقيت البت العاقلة
قاطعتها سماح تلوى شفتيها يمينا وشمالا قائلة
:بلا نيلة عليكى ياست العاقلة.. قولى ياختى زمانه مابيقولش عليكى ايه....قال وبتحبيه قال
زمت اكثر شفتيها حزناً وقد ارتفعت غصة البكاء تخنقها من اثر حديث شقيقتها لكنها تجاهلتها تهمس متألمة بصوت مختنق حزين
:متفرقش كتير بقى.... هو كده ولا كده عمره ما هيشوف غير فرح العيلة الهبلة اللى كانت بتيجى مع امها علشان تخدم..يبقى ليه الزعل بقى
**********
تقدم بخطوات سريعة غاضبة الى داخل محل عمله ووجهه شديد الاحتقان يلاحقه عادل محاولا تهدئته قائلا بمهادنة
:براحة ياصالح محصلش حاجة لكل ده
التفت اليه سريعا قبل ان يتوجه الى مقعده يصرخ بغضب لم يعد يستطع احكام السيطرة عليه بعد الان
:محصلش حاجة؟ انت مش شوفت ابن ال****كان قاعد وماسك رجليها ازى و ....
لكن قاطعه عادل سريعا عن اكمال حديثه وهو يهتف مناديا لسيد العامل الواقف يتابع ما يحدث بفضول واهتمام شديد
:سيد ...روح هات القهوة بتاعتى انا وصالح من عند المعلم ابراهيم وتعال
تغضن وجه سيد امتعاضا لطلبه وعدم قدرته على معرفة الباقى من حديثهم قائلا برجاء
:طيب ما اعملها ليكم هنا يا استاذ عادل وبلاها مرواح للقهوة
تجمد وجه صالح يلتفت اليه ببطء قائلا بهدوء ماقبل العاصفة
:والله عال انت كمان هتشربنى على مزاجك ولا ايه ياسيد بيه
اخذ سيد بهز رأسه نافياً بخوف يتلعثم بكلمات غير مفهومة قبل ان يسرع بالمغادرة بتلهف وخطوات سريعة حتى خرج تمام ليلتفت عادل ثانياً الى صالح هاتفا به باستنكار
:فى ايه ياجدع انت ماتهدى كده ..هتف*ج علينا الخلق
جز صالح فوق اسنانه حنقا وعينيه تضيق بنظراتها يفح من بين انفاسه غضباً
:هو انا كده مش هادى ...دانا المفروض كنت جبته من قفاه وعرفته شغله ادام الحارة كلها ابن ال***ده
بقى الكلب قاعد تحت رجليها وبيلمسها ويقولى بطلع المسمار
خبط فوق المكتب الخشبى بكفيه بقوة شديدة احدثت شرخ فى لوحه الزجاجى لكنه لم يعيره اهتماما يكمل بقسوة
: المسمار ده بقى انا اللى هحطه فى فى عينه ابن ال*** بعد ما اكون **رت له ايده اللى اتجرأ ومدها عليها
**ت ينهج بعنف وص*ره يرتفع وينخفض بسرعة عينيه تلتمع بشراسة ليسرع عادل فى محاولة تهدئته قائلا بهدوء ورفق
:خلااص طلعت اللى جواك ...حلو اووى اهدى بقى وبلاش فضايح ...صوتك هيلم الناس علينا
زفر صالح بقوة يغمض عينيه للحظات قبل ان يلقى بجسده فوق المقعد قائلا بخفوت وقد عاوده بعضاً من تعقله
:غصب عنى يا عادل ...اول مرة احس بكده ...كأن ستارة حمرا ادام عنيا من ساعة ما شوفت المنظر ...سبحان من صبرنى انى امسك نفسى لحد ما اطمن عليها
ابتسم عادل يجلس هو الاخر قائلا بسخرية مرحة
:لاا كنت ماسك نفسك اووى ياض ...ده انت كنت هتخنق البت كذا مرة فى الصيدلية ...ده غير جنان اللى جابوك وانت عاوز تطلع على محل انور تدغدغه
هتف صالح بعتاب حانق
:يعنى هو انت سبتنى ...دانت لزقت فيا ولا اللزقة بغرا لحد ما جبتنى هنا ...عيل غتت صحيح
تهتف عادل مستنكراً
:متشكر يا رجولة ...لا كنت اسيبك تعمل اللى فى دماغك ...علشان الحارة كلها تسأل ليه وعلشان ايه وتبقى لبانة وحدوتة
تغيرت ملامح عادل للجدية وهو يكمل قائلا بهدوء
:بجد يا صالح ...لازم تهدى شوية ...ومتنساش اننا فى حارة كلامها كتير ....وانت لسه مطلق من مفيش...ولا نسيت كلامنا قبل كده
سكنت ملامح صالح يرتفع الحزن داخل عينيه يزيح الغضب من طريقه وهو يهمس بصوت مرتعش اجش
:لاا متخفش مش ناسى ..يمكن بس النهاردة لما ردت عليا مشفتش فيها فرح العيلة بنت سبعتاشر اللى انا .....
اغمض عينيه يستنشق الهواء بقوة الى داخل ص*ره هو يتراجع الى ظهره مقعده صامتا لعدة لحظات احترمها عادل دون مقاطعة منه قبل ان يقول يكمل بألم وصوت جريح
:بس متخفش ياصاحبى ...وان كان زمان صعب .. فدلوقت بقى من المستحيل
**********