الفصل الأول
الفصل الاول
زفر دخان غليونه. ثم دهسها أرضا وهو يقول:
_ بقولك ايه ياض يا منصور،. ماتيجي نض*ب رغيفين كبدة وكلاوي .من البت أمنية. اللي على ناصية الحارة.
_ بقولك ايه ممدوح. فكك مني انت مش عايز تاكل .انت عايز تجر شكلها.. أنا لسه مافوقتش من علقة المرة اللي فاتت..لو ضايقناها تاني .هتلم علينا الحارة كلها.
رمقه بامتعاض: تصدق انت واد خيخة وجبان؟
_ ماشي ياعم انا جبان وخيخية .عايز حاجة تاني؟ وادي قومة..سايبهالك مخضرة.
_ واد يامنصور رايح فين؟.. أنت ياض!
تجاهل نداء ممدوح. فبصق خلفه بضجر: واطي.. ثم عزم أن يذهب وحده. ليعكر صفوها ويشا**ها، .رغم الشراسة والخشونة. التي تص*ره للجميع وبالأخص له .. تروقه تلك النمرة.. تروقه كثيرا.
================
_ بنمسي علي الوحشين المخربشين..عايز رغيف كبدة يابت يا أمنية .. ثم غمز بعينه بمعنى بذيء: بس عايزه مفلفل يابت.. واخدالي بالك.
زفرت بوجهه: معندناش،. يلا اتكل علي الله من هنا.
أشار بعينه وهو يقول: أمال اللي قدامك دي ايه؟. كبدة ولا لحم كلب.
_ الكلب هو اللي واقف قدامي دلوقت.. امشي ياممدوح من هنا وقول يامسى.
غمزها ثانيا: يامسى.
" أمنية، .عايز رغفين كبدة وواحد مشكل"
_ من عيوني يا وائل،. ازاي أبلة نعمة عاملة ايه؟
_ بتسلم عليكي، .وصحيح بتقولك ابقي عدي عليها أما تفضي .عشان عايزاكي.
_ حاضر بكره اعدي عليها.
أنجزت طلب الشاب الصغير سريعا وغادر..ليعترض الأخر بحنق: أشمعنى بتبيعي للزباين وأنا لأ؟ .فاكراني مش هدفعلك ولا ايه؟
قالت بنفاذ صبر: استغفر الله العظيم،. دي باينها ليلة. مش فايتة.. يمين بالله لو ما اتقصرت عني. لاخليك تبات ليلتك في القسم .والعساكر يصقفوا على قفاك، .هتمشي ولا لأ؟؟؟
بنظرة غاضبة .نفث دخان غليونه وغمغم: ماشي يا أمنية، .خليكي فاكرها.
ابتعد لتبصق بأثره ممتعضة. ثم جالت محيطها بضيق لحالها..ليس هذا مكانها..أحلامها تتخطى تلك الحارة بكثير، .تتخطى رائحة الكبدة التي تبيعها..من يصدق أن خريجة جامعة. كانت تتطلع للدراسات عليا .ومستقبل باهر .يرسو بها المقام هنا. خلف عربة الكبدة..لكن ماذا تفعل وأبيها .الذي أضحى مريض،. وقعيد الفراش.. وبرقبتها أخواتها الصغار، .ليت كان لها أخ يزود عنها. و يشاركها أعباء الحياة ومصاعبها.. تن*دت وهي تتمتم: الحمد لله.. اللهم لا اعتراض علي حكمك يارب.. جمعت عدتها. ودثرت العربة بغطائها .وتوجهت لمنزلها قبل أن ينتصف الليل عليها..ليوقفها أحدهم في الطريق. بتحية مهذبة:
.
_ سلامو عليكم يا ست البنات. ، كويس اني لحقتك قبل ما تمشي..
تبسم ثغرها بود: الحمد لله يا استاذ هارون..عامل ايه؟
_ الحمد لله فضل ونعمة، .الحاج كامل عامل ايه؟
_ نحمد ربنا.. ابقي تعالي شوفه منتش غريب.
_ والله أنا مقصر معاه. بس انتي عارفة زحمة الدخلة بتاعة رمضان.. وده الموسم الاساسي بتاعي.
_ ربنا يوسع عليك.. اي وقت اتفضل البيت مفتوح.
_ تسلمي،. ثم تنحنح علي الاستحياء. قبل أن يهتف: طب لا مؤاخذة يعني. أنا كنت جايب هدية لاخواتك.. خديها معاكي وفرحيهم.
مد لها حقيبة كرتونية، .بفضول تفقدتها لتبتسم مع قولها: فوانيس رمضان؟ .ميفوتكش الواجب ابدا يا أستاذ هارون.. كل سنة تجيبلهم الفوانيس،. ربنا يجازيك خير. المفاعيص اخواتي هيفرحوا أوي.
_ كل عام وهما طيبين وبخير.
ثم تنحنح بحرج زائد. وأردف وهو يمد لها حقيبة أخرى: ودي عشان ست البنات.. ياريت تقبليها مني.
شهقت وهي تبصر ما جلبه لها: بوجي وطمطم؟!
ابتسم وهو يراقب فرحتها: حبايبك.
ضحكت برقة: أه والله بعشق بوجي وطمطم،. فيهم ريحة رمضان.
ثم نظرت له بتقدير جم: والله كلفت نفسك أوي يا أستاذ هارون،. طب اخواتي ماشي انما أنا….
_ أنتي أجدع بنت في الجارة كلها.. ودي حاجة. بسيطة يعني مش مقامك يا أمنية.
**تت برهة قبل أن تواصل: تعرف يا أستاذ هارون. أنت الوحيد في الحارة. اللي ممكن اقبل منه هدية زي دي. عارف ليه؟
_ ليه ياست البنات؟.
_ لأنك راجل حر ونضيف .وعمر نيتك ما كانت عاطلة.
ثم انقلب وجهها بامتعاص: مش زي الجعر ممدوح.
عبس وجهه: هو اتعرضلك تاني؟. انا شوفته ماشي من ناحيتك.
_ يقدر؟ .والله ما له عندي غير الشبشب لا مؤاخذة.
برقت عينه بإعجاب أخفاه سريعا:
حتي شبشبك خسارة فيه يا أمنية، .أي وقت يتجاوز حدوده .عرفيني بس وانا كفيل به..
_ تسلم يا رب،. متخافش أنا مش لقمة طرية.. ومحدش يقدر يهضمني بالساهل.
رمقها بنظرة غامضة. قبل أن يتسائل: هو أنا ممكن اسألك سؤال؟
_ طبعا اتفضل.
_ مش بتحسي بالنقمة علي عيشتك. إنك يعني متعلمة. ومع كده شغالة على عربية كبدة؟
تن*دت وهمست بقلة حيلة: أكل العيش مر،. وده قدري ولازم ارضى به،. أخواتي الصغيرين في رقبتي وابويا زي ما انت شايف،. مافيش وظيفة مرتبها هيكفي عيشتنا،. انما عربية الكبده م**بها ساترنا..الناس من سنين بتتعامل مع ابويا. وانا جيت كملت على حسه برضو.. وأهي ماشية.
_ ربنا يصلحلك الحال يا أمنية.. يلا اوصلك للبيت
_ والله ابدا.. روح انت بالسلامة .دول خطوتين يعني.
_ماشي،. سلمي على عم كامل.
_ يوصل يا استاذ هارون..والسلام أمانة لعم شوكت. ولابنك طارق العسل ده.
_ يوصل يا ست البنات.
.
الصبر. !
====
هكدا ذاع صوت الشيخ بركات. بقوة عبر المكبر. أثناء ألقاء خطبته عن هذا المعنى العظيم. ألا وهو الصبر. لينتبه الحاضرين من أهل الحارة. ومن ببنهم هارون وبائع اافول. وبائع الكنافة .وغيرهم من رواد المسجد. ليسترسل الشيخ طرحه. كل القصص التي تدعم. عنوان خطبته مع صياحه.
_ لقد ض*بت الصحابة يا إخواتي. أروع الأمثال في الصبر على البلاء. ومن أبرز هذه الأمثلة. الصحابي بلال بن رباح .مؤذن الرسول. عليه الصلاة والسلام. الذي سبق إلى الإيمان. بالرسول عليه الصلاة والسلام . كان الكفار ينتظرون حتى تصبح الشمس حامية جدا .ويقومون بوضع الحجر. على ص*ر بلال رضي الله عنه. ولكنه كان غاية بال**ود والقوة. ويردد دائما أحد أحد. وأبى الاستجابة لهم والتنازل عن إيمانه. مقابل هذا العذاب. كرمه الرسول عليه الصلاة والسلام. وجعله المؤذن الخاص به. لما يمتلكه من صوت شجي. وإيمان قوي بالله تعالى.
.
توقف الشيخ ليبتلع جرعة ماء ليهتف: لموتنتهي بعد يا إخواني. قصصنا عن الصبر في عهد الصحابة. رضوان الله عليهم.
فمن أبرزهم صبر آل ياسر. من القصص العظيمة. التي يمكن الحديث عنها بموضوع الصبر. ، حيث كان ياسر وزوجته سمية بنت خياط. والابن وعمار .خير مثال الإيمان القوي .والصبر على البلاء والعذاب. آمنت هذه العائلة مع بدايات الدعوة. وقام الكفار بت***بهم وعرضوهم لأشد أنواع العذاب. ولكنهم صبروا واحتسبوا. وماتت الأم والأب. وأصبح عمار بن ياسر. واحدا من أعظم الصحابة الذين جاهدوا مع النبي. بالعديد من الغزوات. كان الرسول عليه الصلاة والسلام. يمر بآل ياسر يعدهم بالجنة .جزاء صبرهم قائلا. ” صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”.
.
وتوقف الشيخ برهة أخرى. كما فعل سابقا. ليسترسل:
هذه قصة ثالثة .من القصص العظيمة جدا عن الصبر. والتي توضح مدى إيمان الشخص. وقربه من الله تعالى. روى شخص صالح أنه كان يمر على مكان ما. فرأى شخص مريض جدا .وجسمه هزيل. لدرجة خروج الدود من كل أجزائه. رأى الشخص الصالح. هذا المريض الهزيل وهو يقول .،الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه. فشعر بالدهشة وسأل الرجل. لقد رأيت بك كل أنواع الابتلاء. فعلى ماذا تحمد الله تعالى. قال له الرجل .لقد أعطاني الله ل**نا فصيحا يمكنني من ذكره. والنطق باسمه والتسبيح له.
ليختتم الشيخ خطبته لهذه القصة. عن الصبر مفتاح الف*ج .كان هناك شخص معين. يتصف بالصلاح والصدق .وكان كلما ابتلاه الله تعالى. كان يشكر الله تعالى ويردد دائما .خيرا بإذن الله. كان الرجل يعمل على تربية الدجاج والديوك. وخلال أحد الليالي جاء له ذئب. فأكل الد*ك الخاص به فقال. خيرا إن شاء الله. وهي الجملة التي اعتاد قولها. وخلال نفس الليلة مات الكلب الذي يقوم بحراسته. فلم يتراجع عن قول خير ان شاء الله. بعد هذه الأمور مات ا****ر الخاص به .فقال نفس الشيء. تعجب الناس كثيرا منه .ووصفوه بأنه شخص بارد .ولا يبالي ولم يهتم لكلامهم. خلال اليوم التالي .جاء مجموعة من اللصوص. وقاموا بالهجوم على كل من كان في الدولة .ما عدا هذا الرجل فكانت من حكمة الله. أنهم لم يتمكنوا من الوصول له .حيث لا يوجد لديه كلاب أو حمير. يص*رون أصواتا. كانت هذه هي العاقبة الرائعة .اصبر هذا الرجل والتي جعلت الجميع يتعجب مما حدث. و فهمت السبب وراء شكر الرجل لله تعالى .بعد كل مصيبة أصابته.
انتهت خطبة الشيخ. وانفض الجمع من حوله. وگالعادة لكلملته أثرا قويا في نفوسهم. فالكل راح يراجع مواقف صبره. ويحمد الله علي حاله