وَضعتِ قِطعَة اللّحمِ والبَيض فِي فمّ الصّغيرَةِ وعيُونُها تترَاقصُ عَلى الوجُوهِ ألغَيرُ مُكثرِثةٍ. حِينمَا لمّ ينتبِه أحَد أكمَلتِ إطعَام إبنتِهَا والبَسمةُ لمّ تُفارِق ثُغرهَا…تُظهِر دماثَةً عكَس كُلّ الإضطِرابِ داخِلهَا.
لا تَسرِق! الطّعامُ الّذِي تأكُلهُ إِيمَا مِن عرقِ جبِين والِدتِها ، تعبّ التّنظِيف والطّبخِ بهذَا المنزِل. لكِن حِينما تكُون فِي مكَانٍ لا يُدعى مَنزِلك! أنتَ ببساطَةٍ تكُون عِلّةً غَير مُرحبٍ بِهَا.
إرتجَف جسُدُها وبضِحكَةٍ واسِعةٍ نظّرتِ لمّن وقَفتِ عَلى رأسِهَا تنبِس بتَذمُرٍ :
"أرجُوكِ إيلِينُور قُومِي بخياطَتِه لدَيّ موعِدُ بعَد نِصفِ ساعَة"
أومَأتِ الّتي غادَرتِ كُرسِيها الخشبِي وهِي تُخاطِب إيمَا بتحذِيرٍ :
"أكملِي الأكلَ وَإيَاك وصُنع الفَوضى!"
أخذّتِ الفُستان الأسَود وإتجهتِ صَوب آلةِ الخيَاطةِ فِي أقسّى الزّاويّةِ تُلبِي الطّلب ، الّذِي كَان واحِدًا مّن طلبَاتِ هذِه العائِلة الّتِي لا تنتَهِي.
لمّ تُجبّر عَلى العَيشِ تحَت ظِلّهِم مّن فرَاغٍ…
مِثلمَا هُم راضِيين عَن بقاءِها برَحابةِ صَدرٍ.
لا تملِكُ شهادَةً أو حتّى مُستوَى دراسِي يُؤهِلُها لتكُون مُستقلَةً ، إلا أنّها تملِكُ مّا يُريدُه كلّ البَشر!
صبرًا كبِيرًا ،بالإظَافوِ لأنّها أبدًا لا تقُول لا. مُنذ ثلاثِ سنوَاتٍ وهِي مع هذِه العائِلة كَانتِ كالمارِد مُحققِ الأمنِياتِ ، هذَا كان كافٍ ليجعلَها خفِيفةً لا تُثقِلُ بوجُودِها كاهِل أحَدٍ.
توقَفتِ لِلحظَةٍ عَن العمَلِ ونظّرتِ لِلأعلَى حَيثُ وقفَتِ صدِيقتُها أولِيڤيا ، فتَاةٌ فِي السّادِس والعِشرُون مِن العُمرِ. بعيُونٍ بنيّةٍ واسِعةٍ ، وبشَرةٍ سمرَاء تُعطِيها جاذبيّةً كبِيرة! ذاتُ قوامٍ نحِيفٍ ناسُب طُولها الفارِع…
تمَددتِ للجانبِينِ وبتعَبٍ واضِحٍ فركَتِ فرَوةَ رأسِها وهِي تتفوّهُ بالكَلماتِ :
"أولِيڤيا ستمُوت قرِيبًا مّن التّعب!"
تنهَدتِ إيلِينُور بتفهُمٍ وربَتتِ عَلى ظهرِ صدِيقتها لتقُول مُواسيّةً :
"لَو بإمكَانِي فِعل شَيءٍ ، مّا كُنت لأشُحّ علَيكِ أولِيڨيا"
عانَقنها الأخِيرةُ بحبٍّ وبغتّةً إِستوعَبتِ كلامَها لتُلقِي العِبارةَ بشرُودٍ :
"أنتِ تقدرِين عزٍيزتِي!"
قطّبتِ إيلِينُور حاجِباهَا وفَور أنّ تفهَمتِ مّا قَصدتهُ عادَتِ لِلإكمَالِ عملِها! هِي بالكَادِ تستطِيع الذّهاب لدُكانِ وحدَها ، كَيف لهَا الإقدَامُ علىٰ شَيءٍ كهذَا!
لكِن لأولِيڤيَا رأيٌّ أخَرٌ. وجعلَتِ تُقبّلُ خدّ صدِيقتهَا وهِي تتوسَلُ بفَيضِ آسى :
"أرجُوكِ ، كلّ مّا سَتفعلِينهُ تقدِيم الأكلِ وتنظِيف الطّائِرة!"
كَانتِ إيلِينُور بالكامِل صائمَة الحدِيث ، لمّ تقبّل مِثلما لمّ ترفُض. لمّ تُحاوّل حتّى الدّفاع عَن نفسِها والجَهر بأنّهُ إن حدَث شَيءٌ وكُشِفتِ هُويتُه ستُرمى بالسّجنِ…
والّتي لأجلِها تفعُل كلّ هذَا -إِيما- ستبقَى وحدَها ، وأبدًا لا تُؤمِن بأنّ أحَدًا سيكُون سَببًا ليَحمِيها الرَّبُ عَبرهُ.
كَانتِ أضعَف مّن أنّ تكُون ثابِتة الجأشِ لا تتنَازلُ.
ضعِيفةٌ لِلحدِ الّذِي جعلَها بَعد أنّ أنهَتِ الخِياطة بساعَةٍ ونِصف ، تكُون جاهِزةً لذهَابِ للعمَلِ مكانِ أولِيڤيا.
لمّ يكُن أحَدٌ غَير إيمَا وأولِيڤيا سعِيدَان ، حتّى الأنِسة غولدِينر لمّ تكُون راضيّةً عَلى الفِكرةِ.
أدَارتِ أولِيڤيَا جَسد إيلِينُور أمامهَا ، لتمسِك كتِفاهَا وتردّف بإنزِعاجٍ :
"فقّط لو أنّك عِوض الزّواجِ بذَاك الفاسِق أكمَلتِ دِراستَكِ وتخرجَتِي لتكُونِي سيدَة أعمَالٍ"
أبعدتِ إيلِينُور صَدِيقتها بحدّةٍ ونزّلتِ تحمِل إِيمَا بَيد ذِراعَيها وهِي تستَطرِدُ :
"هَل الزّواجُ الّذِي نتَّجَ عَنهُ فتاةً كإِيما يُدعى فاشِلًا؟ قطعًا لا! أيضًا رُوبن لَيس شخصًا سيئًا ، هُو كان لِيكُون أبًا رائِعًا لو أنّ الظّروف لمّ تكُن أقوَى مِن حُبّنا"
قلَبتِ أولِيڤيا عَيناهَا ورُغمّ أنّ الأمّ أمَامها حثّتها عَلى الصّمتِ هِي بقَيتِ تتقَززُ بملامِحهَا…إلا أنّ إِيما إقتنَعتِ ومسحَة الحُزنِ بوجهِها صارَتِ بسمَةً.
وإن رُوبِن بالفِعل شخصٌ فاسِقٌ؟ وإِن كَان الزّواجُ بهِ أسوَأ قرَارٍ أخدتهُ إيلِينُور؟
هِي لَن تُخبّر إبنتهَا بهذَا ، لنّ تكُون حقِيرةً وتِسمِم أفكَار صغِيرتها عَن والِدِها ، هُو يظلّ والِدهَا الّذِي وإِن كان وحشًا يبقَى أبَاها.
عانَقتِ إيمَا بحبّ كبِيرٍ ووضعتهَا بعتبّةِ البابِ لتطلّبَ بلُطفٍ بالِغٍ :
"إصعدِي فَوق الكُرسِي الوردِي بالمطبَخِ وإغسلِي أطبَاقكِ عزُيزتي عندَما تنتهِين قومِي بالرّسمِ قلِيلًا وإقرئِي القَصص بهاتفِي حسنًا!"
هزّتِ الصّغيرةُ رأسَها بتأكِيدٍ لتقتّرب مّن أمِها وتهمِس بأذنِها :
"عُودِي بسُرعَةٍ أمِي"
وعدَتها وعَد الخِنصرِ ونهضتِ لتُغادِر وهِي داخِلها تُرتِل كلّ التّرانِيم الّذِي حفِظتهَا بالصّغر.
لمّ تتأخَر سيارَةُ الأجرَة وبسُرعَةٍ وصَلتِ لبوابَةِ قَصر آل ديستُوغوَاي.
فتشهَا الحارِسُ بآلةِ كشفِ المعادِن ، الّتي عندَما رنتِ تحَت ثأثِير إسوارَةِ بيدِيها كادّتِ تُبلِل تنُروتها!
أسوَأ خَمسِ دقائِقٍ عاشتَها بهذَا اليَومِ. ولجَتِ القَصر الفَاخِر أخِيرًا…
ناظّرتهُ بفاهٍ فاغِرٍ ورمشَتِ مراتً عدِيدَةٍ وهِي تُحدّق بالحدَائِق حوَلها كادّتِ تتعثّرُ بالأحجَارِ الملسَاءِ ليمُد الحارِس يدَه لهَا بنُبلٍ ، إلا أنّها بسُرعةٍ نفّتِ برأسِها وأكمَلتِ المشَي خلفَهُ حِينما فعَل.
لأوَل مرّةٍ ترَى طَائِرة…تصّعدُ سلالِمها…وَأكثَر مِن هذَا تُنظِيفهَا.
كفتاةٍ مهوُوسةٌ بالنّظافةِ وبالأصلِ لا تُجيدُ غَير التّنظِيف.
كَان شيئًا رائِعًا تنظِيفُ طائِرة ، وطائِرة خاصَة أيضًا.
حسّدتِ صدِيقتهَا عَلى هذَا العمَلِ الرّائِع.
وعاتَبتها عَلى تذمُرها الكبِير وكونهَا تتعبُ بينمَا لا شَيءَ مُتعِبٌ.
أنهَتِ العمَلِ لتذهَب لِلمطبخِ تُحضِر القهَوة ، شعرّتِ بحرَكةِ فِي الخارِج.
لتَرمِي خُطواتٍ رصِينةٍ نَحو المقصُورةِ ، لمّ ترَىّ شَيئًا غَير جَسدٍ عالٍ يرتدِي الأسوَد يتحرّكُ هُنا وهُناك ، تكهنّتِ أنّهُ يبحَثُ عَن شَيءٍ لتظهَر لهُ وهِي تتساءَل بإِبتسامَةٍ :
"هَل تبحَثُ عَن شَيءٍ سَيدِي؟ أنا هُنا لخِدمتِك"
إِستدَار كامِلًا إِليهَا ، رامِقّا إِياهَا بإهتِمامٍ ، عضّ شفتَهُ السّفلى مِن الدّاخِل ليدنُوّ مِنها وهُو يَتكلَّمُ بإنشِداهِ مُصطنَع :
"هَل حقًا هُنا لخِدمتِي؟"
أومأتِ لهُ بسكِينةٍ ولمّ تُغادِر البسمةُ ثُغرهَا. حرَّكَ رأسهُ بتفهَمٍ وَوضع إصبَعهُ عَلى ذقنِهِ وهُو يتساءَلُ برَيبةٍ :
"مّا إِسمُكِ؟"
لتُجِيب إيلِينُور بحصافَةٍ وحذَرٍ أكثَر مِن شدِيدٍ :
"أولِيڤيا غولدِينر"
هزَّ رأسهُ ثانيّةٍ ونظّر نظرَاتٍ خاطِفةٍ لجِهةِ ص*رِها وأعَاد نظّرهُ لهَا :
"ألمّ تقرئِي شرُوط العَملِ عندِي؟"
نال مِنها التّوتُر كادّتِ تبكِي ، بل عَلى بُعدِ إنشٍ مّن الرّكُوعِ والبوحِ بكلّ شَيءٍ والإِقرارِ بالحقِيقةِ…
كَانتِ لتفعَل لَو أنّهُ لمّ يضحَك مّن أنفِه وينبِس بإرتِياحٍ :
"حبذَا لو تَفتحِين ثلَاث أزرَارٍ مّن قمِيصكِ! أنَا لا أرَى شَيئًا"
جمدّتِ مكَانها وَبسهُولةٍ رأى جُرعَة الرّمقِ كالحنظّلِ تنزِل معَ حُنجرتِها. رُويدًا ، رُويدًا بدَأ ينتابُه الشّكُ حوَلها…
لطَالما إِستطَاع أنّ يعرّف كلّ شَيءٍ مّن الولهَةِ الأُولى ، لكِن هذِه تُخفِي شَيئًا سيعرِفُه!
نادِرًا عندَما تُخفى علَيهِ خافيّة وهُو يُدرِكُ جيدًا أنّهُ سيكشِفهُ مّا تخفِيهِ ، لكِن بالوقتِ الرّاهِنِ لن يَشغِل بالَهُ. أمعَن فِيها النّظر لِيُغمّغِم بمَكرٍ :
"القهَوة؟ هَل القهَوة جاهِزة؟ عندَما تُقلّع الطّائِرة أحضرِها هِي والعسَل"
غمَّز بعينِه اليُسرَى وأغلّق السّتار الّذِي يفصِلُ بينهُما.
ظلّتِ لثلاثِ دقائِق بتِلك الهيئة واقِفة ولمّ يُدرِكها إِلا صَوتُ القُبطانِ يطلّب مِنها الجلُوس وربطّ الحِزامِ.
فعلتِ بلامُبالاةٍ وَحدسُها بدَأ يُؤكِد لهَا عَلى أنّ هذا اليَوم بدَايةٌ لكلّ المَشاكِل بحياتِها…وحَدسُ المرأةٍ لمّ يُخطِئ يَومًا.
حمّلتِ رُغمّ كلّ الزّوابِع داخِلهَا الطّبق فَور أنّ أذِن القُبطان بالتّجولُ بالمقصُورةِ.
حرّكتِ السّتار وتوجهَتِ نحوَهُ ، ركَزتِ بالطّاولَةِ أمامهُ ونسّتِ الجالِسانِ فوق الأرائِكِ…والّذِي صمتُوا فَور ظهُورِها ، رُغمّ أنّها بفِعلتِها أكدّتِ لهُ الشّكُوك حوَلها لكِنهُ لمّ يهتّم كثِيرًا وكَان فقّط يُحرّك ساقَيهِ ينظُر لهَا.
بدُون إزاحَةِ النّظرِ علَيهَا خاطّب الجالِسانِ :
"إذهبَا لِلمقصُورة الثّانيّة"
شزّرتِ إيلِينُور بنظَرِها فِيهِ وبلَلتِ شِفاهها الّتي مّن الخَوفِ جفّتِ. بلعثَمةٍ واضِحةٍ قالَتِ :
"شهيّة طَيبة"
إستقَام مّن مكانِهِ وإِلتقَط ذِراعهَا ، ثبت رسغَها داخِل أصابِعهُ القاسيّةِ وإستشعَرتِ بكلّ ذَاك الجزعِ داخِلها أنّهُ وضَع يدَهل فَوق شَيءٍ مّا.
وعقِبهُ إستَفسَر بحُزنٍ غَير حقِيقيٍّ :
"أنَا وَسأشرُب القهَوة ، وهذَا؟"
نظّرتِ خِلسةً لهُ تمّ لِيدِيها الّتي كَانتِ برِيئةً جدًا عَلى أنّ تتخيلَها موضُوعةً هُناك! وتحدِيدًا أسفَل بطنِهِ بقلِيلٍ!
لمّ تستطِيع أبدًا أنّ لا تَفعلهَا!
كَانتِ لحظَةً مّن التّهوُر المُطلَقِ!
بذَاك الطّبقِ بيدِيها لطَمتِ وجههُ حتّى صنَعتِ جُرحًا صغِيرًا مرّتِ عَبرَهُ الدّماء ، إلتَصقتِ بالحائِط ويدُها عَلى بُعدٍ مُعتبرٍ مِنهَا! ستقطعُها إِن إِضطرَتِ.
تفحَص الجُرح بخدّيهِ وضحِك بغَير تصدِيقٍ…
صَمتُ طفِيفٌ مرّ عَلى المكَانِ قَبل أنّ يَهسهِس كثُعبانِ وجَد فرِيسةً بَعد أشهُرٍ مّن البَحثِ :
"سأبدَأ أنَا وبعدَها ظُيوفِي! لَن أكُون كرِيستُوفَر ديستُوغوَاي إِن خرِجتِ حيّةً مِن هُنا أنِسة أولِيڤيَا"
يُتبع…
الفصَل كَتبته فساعَة بس والأغرَب إستمَتعت بالكِتابة!
لِيه؟ محدّش بيعرَف. ??
مّا أدرِي ليه صرّت أحبّ الدّخول بالموضُوع كدّه بس يلَا الفَصل الاوَل بصرَاحة راضيّة علِيه ولا سِيما قُدرتِ على إظهَار أنّه شخَص عَادِي محدِش مُمكن يظَنّه سيء بس هُو شيطَان فبِذلة ?
المُهم عجبك الفَصل؟
أتمنّى يكُون عجبّ صدِيقتِي يلِي أيّ شِيء منِي بيعجبَها وأنا جدًا أحبّها ??❤
كريستُوفر؟
مّا أدرِي لِيه بس كلَامه بيضَحك ??
إيلِينُور؟
أحسّ حزِينة علِيها بس بتعكَس واقِع كثِير أمهَات أمِيات وما عندَهُم شُغل ومطلقَات وكدّه. ㅠㅠ
أولِيڤيا؟
ضرُوري عندَك شِي صدِيقة زي أولِيڤيا ورَاه المصائِب بس!
برضُو مش أبدًا تحقِير لمِهنة المُظِيفات ، ترا بنعرّف فِي هيك وهِيك وَبس والله ?
عَلى كلٍ أقُولها ثانِي ? الرّوايّة جرِيئَة جدًا ، بِمُحتوَى غَير هادِف أبدًا!
أتمنّى مّن أنّه الفَصل نال إعجَاب الّتي أَهدَى لهَا! ❤?
وأخيرًا شُكرًا لكُن وَدمتُن سالِماتٌ غانِماتٌ لأجلِي.