08 ᎒ الكاذِبة

2065 Words
نهَض من مكانِهُ وفِي سكُونٍ ورتابَةٍ ، مشّى نحوّها وهُو يُخبّرُها بإنجلِيزيّةٍ تقلِيديّةٍ : "أنسة ويلسُون ، زوجَتُكِ السّابِقة رُوبن هي الوَحيدة الّتي تستّطيعُ مُساعدتَكِ ، ستجدِينهَا فِي ملهّى بُول" غيَّر مسَار قدَمِهِ حِين إِلتَّقطتِ يدُهُ عُلبَتيّ الكبرِيتِ والسّجائِر. ولمّ يُغادر الدُّخانُ فَمَّهُ ، إِلا حِينمَا جَاورَ النَّافِذة. تَدانِهُما من بَعضٍ مَكنَّهُ سمَاعَها تُناشِدُ إِيمّا : "رجاءً عزِيزتي ضعِي السَّماعَاتِ ، ولا تَتنَّصتِي" مَا بينهُما لَيس حُبًّا صَادِقًا… المَحبةُ بين الأُم وأطفَالِها مُزَيفَةٌ. مُنذ ملَايينِ السّنِين والنّاسُ يُحاوِلُون ترسِيخ هَذا المُعتَقدِ بالنِّساءِ…ونجَحُوا. ينمُو أحدّهُم ببطنُها بدُونِ إِذنٍ. يُتعِبُها ويزِيدُ وزنَها ويُفسِدُ نِظامهَا الغِذائِي. يُمزِقُ مَهبلها إِبَان خرُوجِهُ. تمّدُهُ لها تِلك المُمرِضة السَّافِلة ، وتُمسِكُه ، تُعانِقُه وتُقبِّلهُ وتُخبّرهُ بأنّها تُحبُّه… كَذِبٌ وبُهتَانٌ! تُحبُّه؟ تُحبّهُ بحَق السّماء؟! تُحبُّهُ بذَاك الشّكلِ المُقزِز المُحتَقن؟ تُحبُّهُ قَبل أن تَراهُ؟ تُحبُّه وهُو سَبب المخَاضٌ ، إرَاقةِ دمُها بالأَرجَاءِ ، خرّق مَهبلهَا؟ فيَأتِي شَهرٌ وَعشرَةُ أيامٍ من الأَلم والتّقلُصاتِ والكثِير من الدِّماءِ. شهُورٌ من الإِستِيقاظِ وخلّلٍ بالنّومِ ، وسنتّينِ من إِرضاعِهِ ، تَترهَّلُ أثدَاءُهَا ، خطُوطٌ بيضَاءٌ في أردَافِها وبطنِها ، دوَائِرٌ سودَاءٌ تُحاوِطُ عَيناها ، تَساقُطُ شَعرٍ وَتصفِيدٌ لِلحُريَّةِ! لَولا المُجتمَع ، ما كُنّ -النّسوّة- لِقبَلنّ تَربِيّةِ إِنسَانٍ فعَل كلّ ما سَبق. مُنذ الوجُودُ النِّساءُ تلقَّين دُروس تَرسِيخٍ فكرَة أنَ حُبّها لِطفلِها واجِبٌ ، بَل فِطرِيٌّ. حُبّ الأُمهاتِ لَيس فطرِيًّا… وإِن كَان فطرِيًّا فلِما بَعضُ النِّساءِ يتخلّون عَن أطفالِهُن؟ العَاهرَة الصّغِيرة ، حِين تَتُوقُ لإِيلينُور تَبكِي. لَوحُ شُوكُولاطة ، دُميّة ، هديّة ، كَعكة…وغَيرهُم يَصرِفُون بَصرَها وبَصِيرتَها عن إيلينُور. وهِي -إيلينُور- تَفعلُ كلّ هذا لأَجلِ إِيمَّا…بحُجّةِ الحُبّ. حُبّ؟ عاطِفَةُ الأُم أمّ رِياءٌ لتَبدُو أُمًا صالِحةً؟ أمَام مُجتمَعٍ يُقيّدُ كلّ أُنثى أنجبّت بأنّ تُحبّ ما أنجَبّتهُ بِغضّ النّظرِ عن رَغبتِها وإِرَادتِها. ألوّى نَفسهُ لهَا -حِين إِقتّربتِ مِنهُ- يَأخُذ حِيطتَهُ. فإِن إيلِينُور عَلمَتهُ شيئًا؟ كان (الشَّيءُ) أن يتَوَّقع مِنهَا كلّ شَيءٍ. احْتَقنا خَدَّاها بالهوَاءِ -فأقرَّ كرِيستُوفر أنَّها لا تَبدُو لطِيفَةً- لِتَزفِر بعُمقٍ. رَفعتِ كتِيفيَّها بإِزدِرادٍ ، وَبَاشَرتْ الحَدِيث : "وتعتّقدُ أنّني ببسَاطةٍ سأُصدّق؟ لا! وسأترُكُها هُنا؟" لمّ يُحرِك سَاكِنًا ، ظلَّ فِي مكَانِهِ بأُنفَةٍ يُذخِنُ ، وهُو يرَاها مُصدِقَةً! بَل أَكثر مِنهُ واعِيَّةً بأَن إِيمَّا تَبتعِدُ مِنهَا إِلَيهِ. إِيمَّا قانُونيًّا لا وَالِد لهَا ، لمّ تكُن حتّى مُتزوِجَةً برُوبِن… إِن كرِيستُوفر زعِم أنَّهُ والِدُها! هُو مُحِقٌ بنِسبةِ خمسِين بالمائة ، وبَعد تزوِير تحالِيل الحِمض النّوَوِي بات الوَالِد البيُولُوجي لهَا ، أمَام القانُون. لمَ يُحاوِل ألبتّة جَعلهَا تَتيقَّنُ! إيلِينُور مِن تِلقاءِ نفسِهَا فعَلت. ظُلِمت ، ومَا تزَالُ تُظلّم. أهَانَتهُ -وهِي تعتَّذِر- ، لكِن أيّ تحجُر هَذا الّذي وَصلَهُ قَلبُهُ؟ ألا حَيَاة لهُ غَيرُها؟ مَن هِي ليَتفرَّغ لهَا هكَذا؟ أيُّ كُرهٍ هَذا يضمِّرُهُ ناحِيتَها؟ نفَّث ذُخَانهُ بعيدًا ، رامِيًّا أخِير جُزءٍ مِن سِجارتِه الأُولَى ، وَوضَّع السَّجارة الثَّانِيّة بَين شفتَيّهِ ونبَّس : "لمّ أُغيّر رقمِي مُنذ عَشرِ سنوَاتٍ ، أيّ أنّكِ طِوالِ السِّتِ السَّنوَاتِ الفَائِتة ، حرفيًّا مَتّى ما إِتصَلتِ بي كُنت سأجِيب ، متّى مَا قُلتِ لِي كريستُوفر بَيننا طِفلَة سأَتِي لكِ وإِن كُنتِ بالجحِيم. كُنتِ الأَدرى بأنّني أسمّى ما أرَدتهُ مِنكِ كَان طِفلة تُشبِهُكِ" شكَّكهَا بنفسِهَا! بَات ص*رُها ينبِضُ بعُنفٍ كأنّها بسِباقٍ لِجَريّ السّّرِيع. لمّ تَشأ أنّ تبكِي لكِنهَا وبحُزنٍ وبُطءٍ شدِيدينِ أَجهشّتِ بالبُكاءِ ، بصَوتٍ مِلءُ القَهرِ. مِن بَين إِغتِصاصِها وشهقَاتِ الضُّعفِ قَالت : "الجمِيعُ سيُصدِقُك ، الجمِيعُ سيَقِفُ مَعكَ ، ستأخُذ طِفلتِي ، سيُغرِي مَالُكَ كلّ المُختَبراتِ ، وستفُوز بالقضِيَّةِ ، ستَحظَّى بحضَانِةِ طِفلةٍ لَيستِ إِبنتَك. بَل لمّ ترَها يَومًا ، وأنا والِدتُها الّتي كُنتُ معهَا فِي كلّ لَحظاتِ حَياتِها سأرَاها بالأعيَادِ وأيَامِ الأحَادِ" فقَدتِ صَوتهَا بين النَّحِيبِ ، لِتَشهَق بقُوّةٍ ، وتزفِر بتَقطُعٍ وهِي تُظِيفُ : "وأنَا سأُجَن يا كرِيستُوفر ، أُقسم لَك أنّني سأجَن" تأَفَّفَ كرِيستُوفر وهُو يَعرُجُ ناحِيّة السّلالِم ، أَغْذَّتِ فِي السَّيرِ صَوبّهُ ، منّعها أحدُ الحُراسِ عَن صعُودِ الدَّرج لتهتِف : "لمّ نُنهِي حدِيثنَا ، لا يُمكنُكَ فقّط تجاهُلي هكذا ، أتوَسلُ إِليكَ استّمِع لـ…" وبِخُذلانٍ أَمسَكتِ عن المُقاوَمةِ والصِّياحِ. أسنَّدتِ رَأسهَا عَلى صَدرِ الحارِس الصَّلدِ ، ثوَانٍ من السُّكُوتِ وتسَاءَلتِ : "هذا ظُلمٌ ، أَليس كذَلِك؟" فقَال الحارِسُ خافِضًا صَوتهُ : "السّيد كريستُوفر لَيس بهذِه القَسوة ، كمّا أنّهُ أعطَاكِ الحَلّ" شدّ قَبضتُه عَلى ذِراعِها ، ومشّى بِها وهُو يقُولُ : "إِذا تدّخل والِدُها البيُولُوجي ، المحكمة من ستُشرِفُ على تحلِيل الأُبوة ، وستُصبحُ قضيّة إِثباتِ نسبٍ ولَيس حضَانة" لمَّعتِ عَيناهَا بمسَرَّةٍ ، لتُبعِد يدّهُ مُتَّجهةً لِإيمّا. فبَادر الأَشقَرُ طوِيلُ القَامةِ بإِقتِراحِهِ : "بصَرفِ النَّظرِ أنّ الشُّرطة ستمنعُكِ من أخذِّها ، مِن الأَفضلِ أَن تَبقى الأنِسة إِيمّا هُناك لتكُون في أمانٍ" معهُ حَقٌ! إِيمّا مَعها تكُون مُضطهَدة ، فِي خَطرٍ وجائِعة ، تشعُر بالبَردِ وطَلباتِها كالأُمنياتِ تحتَاجُ السِّحر لِتتحَقق. أما هُنا…فهِي تُدعى الأَنِسة إِيمّا ، ترتدِي ملابِسٌ نظِيفةٌ ، لدّيها سَقفٌ ومِدفأة ، ولَيستِ جائِعَةً. يظُّن كرِيستُوفر أن سَلْبها مِنها هُو قِصاصٌ قاسٍ. لكِنهُ مُخطِيءٌ! تقسِيمُها لِفرعَيْنِ أشدُّ قَسوةً. جَعلُها سَاحةَ حَربٍ لِطَرفيْنِ أكثَر قسَاوَةً. واحِدٌ يُريدُ إِيمّا قرِيبةً وهُو مُدرِّكٌ أنّها ستَذُوقُ مرَارة الفَقرِ والشّقاءِ… وأَخرٌ يوَّدُها بعيدَةً لتعِيش الرَّغد والرَّخاء. خصمَان لا يَتقطعَانِ إِلا فِي أنّهُما يعشَقانِ إِيمّا جمًّا. - حدِيقَة منزِل غُولدِينَر - القُبُول بِمّا لا مَهرَب مِنهُ أيسَّرُ مِن الإِنْصِياعِ مُرغمًا. كَان أَلفرِيد أَكثر مِن وَاضِحٍ أَن الحدِيث بينهُما لَيس طلَبًا يأمَّلُ أن يُستجَاب! ولا إِلتِماسًا يرجُو أن يُلَّبى! هُو كَان إِخطارًا. كَانتِ دمُوعُ عَيناها تشُّقُ طرِيقًا يَختّفي بين ن*دَيّها. تلوَّن وَجهُها بالقرمِزِي ، وإنتّفختِ جُفون عَيناها السّفليّة الدَّاكِنة. كانتِ أشبَه بجُثةٍ عَادتِ لِلحيَاةِ…إمرَأةً تعرَّضتِ لِلإِغتِصابِ. تأَفأَف أَلفرِيد ، وفكَّر بجَهرٍ : "تظُّنُ أن لِي اللّيل بطُولِه" إِزْدرَمتِ رِيقهَا ونبَستِ برِقَّةٍ : "أَخشّى أن لا تكُون الأخِيرة" خشَّتِ يدَاهُ جيُوب سِروَالِ الجِينزِ ، وإنحنّى قليلًا يُقابِلُ مُحيَّاها الباكِي. ارتفَعتِ زاوِيّةُ شِفاهِه ليهمِس : "هُناك نظريَّة تقُول ، الجمِيلاتُ فاشِلاتٌ بالجِنس" نزَّلتِ مُقلتَاهُ لص*رِها ليُتابِع : "كمَا أنّني أُؤمِنُ بمقُولَةِ الأَثداءُ الكبِيرَةُ نِصفُ جمَالِ المرَأة" سحَب الهوَاء لِرأتَيّهِ وأخرّجهُ إِبان قَولِهِ : "أنا لَستُ مُنجذِبًا لكِ ، أنَا أُصحِحُ تِلك اللّيلَة" بدُونِ النَّظرِ إِليهِ أومَأتِ…وبكَّتِ بقُوَّةٍ لثوَانٍ عدِيدةٍ. إِستَّقام بجسَدهِ النَّحِيلِ مُضجَّرًا. فقَالتِ لِيليَانا بِبسمةٍ صغِيرَةٍ : "أتمنّى أن تكُون رَجُلٌ لا يَلمِسُ كلامَهُ الأَرض" لمّ ينبِّس ببنتِ شفّةٍ ، لِتسَأل : "أَين نَلتّقي؟" فَأجَاب : "اصعَدي السَّيارَة" سكَّ الأبوَاب بَعد دخُولِها ، لتبدَأ النّوافِذُ بالإرتِفاعِ. كَان شبَارد رَجُلًا خجُولًا. قَبل الشُّروعِ في خَلِّعِ ملابِسها ، يُقبِّلُ عُنقَها ، وقَبل تقبِيلِ عُنقِها يلمِسُ يدِيها ، وقَبل لَمس يديها يُخبِّرُها أنّها جمِيلةٌ. أمعنَتِ النَّظَر فِي يدِيهِ بَين فخذيّها ، وتيقَّظتِ لعضَّاتٍ طفِيفةٍ عَلى عُنقِها ، وكَان هَذا ما بَدأ بِه أَلفرِيد… ولَا كفِكرةٍ عَابرَةٍ ، فكَّرتِ فِي إِرضَاءِه والتَّجاوبِ مَعهُ. كَان بصّرُ لِيليانَا يختَّرِقُ زُجاج النَّافِذةِ ، وبصِيرتُها فِي شبارد المفقُودِ.لمّ تُزِح قطٌّ مُقلتَيْها عَن الحيِّ الشّعبِي الأبيَضِ بالثُّلُوجِ. أمّا ألفرِيد بمَشقَّةِ أَنفُسٍ أكمّل عَشر دقَائِقٍ ، الّتي مرَّتِ عَليهِ كالسّاعاتِ. تناءَى عَنها بتَأنٍّ وبَاح بتفكُّرٍ : "لأنَّكِ ضعِيفَةٌ ، وعاجِزَة! أشعُر باللّذةِ مَعكِ لِهذا السّبب ، تِلك المَرة كُنتِ مُستضعَفةٌ ، وبكُلّ مرَةٍ أراكِ تبكِين وتُظهرِين العَجز" نظَّر لها مُنشرِحًا وأَكمل : "ضُعفُكِ هُو ما يرُوقُني" ضحِك بخفَّةٍ وأظّاف ساخِرًا : "الجمِيلاتُ قلِيلاتُ النَّفعِ مِثلكِ ، لا ينجذَّبُ لهُن إلا أمثَال ذَاك البرِيطانِي الرِّيفي الأَخرَق" اتسعَتِ عينَاها لتتساءَل بنَفسٍ مُضطرِبٍ : "شـ…شبارد؟ أتعرِفُ شبا…رد؟ أَين…" اكفهَر مُحيَّاهُ ، ليتفوَّه مُتهكِّمًا : "لِيلِي ، أنا لَستُ صدِيقكِ" غمَز لِلخارِج…فغَادرتِ السَّيارَة بَعد طَردٍ صرِيحٍ لهَا. قذّفتِ كُتلة ثَلجٍ على سَيارتِهِ. تأوَهتِ مِن شدّةِ البَردِ ، فحَشرتِ كفيّها الصّغيرتينِ ، بَين فخدَّيها تُدفِؤُها. أجهَشتِ قهرًا بالبُكاء ، إِنهَارتٍ عَلى الأَرضِ ، وَشدّت أنامِلُها الثَّلج القَارِصِ. …وصَاحتِ حَوْل مَا تمَكَّنتِ : "بحَق الله ، عَلى ماذا أُعَاقب؟ بِحقِ فاطِر السِّماءِ أوّدُ أن أعرِف" إِنتبَّهتِ لِيليانا لأُولِيڤيا الّتي تُهروِلُ ، فقَالتِ بصوتٍ جُهُوريٍّ : "أُولِيڤيا ، أنا أمُوتُ ، أنا ضعِيفةٌ؟ ومَا عسايّ أكُون يا إِبن اللّعينة؟ ما عسَايّ أكُون؟" بمَشقَّةِ صَدرٍ ، أدخَلتِ أُولِيڤيا شقِيقتهَا الصُّغرى. إِندكّتا عَلى عَتبةِ البَابِ. لتُحرِكها أُولِيڤيا بعُنفٍ وتُحاوِط وجهَ الصّغِيرةِ المُمتلِئ ، تبَّسمتِ بجمُودٍ وسَألت : "كالينينغراد؟ ننتَّقِلُ لِكالينينغراد؟ ونبدَأُ من جدِيدٍ!" أومَأتِ لِيليانا بمُوافَقةٍ وتردَّتِ على صَدرِ أُولِيڤيا المُكتنِز. حضّنتها بقُوَّةٍ ، كَان حُضنًا يُشبِهُ ذَاك الّذي منَحتهُ لها حِين رَحل وَالِدُها فِي تابُوثٍ. عِناقٌ طوِيلٌ وعمِيقٌ ، أُولِيڤيا مَن بحاجتِهِ. عَاشتِ أُولِيڤيا تَحتَ جنَاحِ الجُوعِ والعرَاءِ. لكِنهَا مَا توَقفتِ يومًا عَن مدّ العَونِ لِكُلّ محرُومٍ ، عَن ضمِّ كُلّ مُحتاجٍ ، ما ندّمتِ يومًا عَن دَعْمٍ منّحتهُ… لَا تَتحسَّرُ عَلى عَوْنٍ قدّمتهُ. لَكِنها تمنَّتِ لَو سيَارةً دهَستها قَبل الإِلتِقاءِ بفتَاةٍ عشرِينيّةٍ تحمِلُ رضِيعتها… عرِفت لاحِقًا أن إِسمهَا إيلِينُور. - مَدِينة سَانتْ بطرسبَرْغ - الخَيباتُ فِي حَياتِها مَألُوفَةٌ. الخُذلَانُ شعُورٌ يُشابِكُ مَعها الأَصابِع. فِي كُلّ خُطواتِها تتوّقعُهُ… إِلا أن لا حَصانةَ تُنجِدُها وَقْعَهُ. قضَّتِ أسابِيعًا كُثُرًا تَبحَثُ عَنهُ. ترّكتِ طفلَتهُما لِغرِيبٍ ، وفِي سرِيرتِها كَان لهذَا اللّقاءِ شَيءٌ من الحمَاسِ. يظَّلُ الحُبَّ الأَولِ ، ورَجُلًا ترجُو فِيهِ نصِيبًا. من يدرِي قَد يتَدفَقُ حُبهُما من جدِيدٍ بعد لِقاءِ إِبنتِه! سحَبتِ ربَطة الشّعرِ بسُرعَةٍ. وسرَحتِ بأصابِعها شَعرَها من الأمامِ. تَاهتِ بُرهةً فِي حُلمِ يقظَّةٍ ، لِتقضِم شفَتها السُّفلى مُحرجَةً مِمّا باتَتِ تتوَقعُهُ. أدخَلتِ الرّبطة المطاطيّة فِي رسغِها وولَّجتِ المَلهى تتزَاحمُ. أدَارتِ بَصرها فِي كُلّ الجِهاتِ وَلم تلمَّح لهُ أثرًا. فرَضختِ واتجهَتِ لِساقِي ، تستّفسِرُهُ : "رجاءً هل تستّطِيعُ مُساعدَتي؟" فأجَاب لُكنَةٍ ماكِرَةٍ : "مُقابِل رَقمِ هاتِفك" توّسعتِ بَسمتُها لتَقُول بأَسفٍ : "لا أملِكُ هاتِفًا حاليًا" هزّ رَأسهُ بشّكّ وحرّك الزُّجاجة فِي يدِيهِ ، فمَالتِ نَحوَهُ تتكلَّمُ : "هَل أنتَ السَّاقِي الوَحيدَ هُنا؟ لا رَيب أنّك تعرِفُ كلّ النّادلِين هُنا ، أبحَثُ عن واحِدٍ يُدعى رُوبن ، إِنّهُ رَجُل فِي أواخِر عشرِيناتِه ، وسِيمٌ ويملِكُ عُيُـ…" فقَاطعها بسُؤالِهِ : "العَابِرُ الجِنسي؟" ضحِكتِ بصَدمةٍ ، ونفّتِ : "لا بحَقِ السَّماء…" صامتِ الكلَام حِين تذّكرتِ جُملة كريستُوفر ؛ الّتي كان الغائِبُ فيها مُؤنثًا. تناءَتِ جفُونُها ، ونظّرتِ ببطءٍ حَيثُ أشَار السَّاقِي مُستمتِعًا. فكرّر جُوليان طلّبهُ : "اعيدِي النَّظر بِي" تجَاهلتهُ ، وفِي تلكُّؤٍ زلَّفتِ من الجالِسِ عَلى الأرِيكَةِ داخِل فُستانٍ لامِعٍ قصِيرٍ. واضِعًا قدمًا فوق أُخرى. قَهقهتِ مِلء تُغرهَا وقَالتِ : "رُو…رُوبن!" وَطأةُ هذِه المُصِيبةِ كَانتِ على كِلاهُما قويَّة. جذَّبها خَلفهُ كَرجُلٍ ، وفُؤادُه يكَادُ يتوّقفُ عن النَّبضِ. ألَيث الم**ّة وَافتهُ قَبل رُؤيةِ تِلك النَّظرَةِ تعتّلِي وَجهها. أما إيلينُور فشرَّدتِ فِي مُؤخرتِهِ الكبِيرَةِ تهتَّزُ. شعَرثِ بالغثَيانِ ، لتُلقِي بجُلّ ما كَان فِي بطنِها من بسكوِيتٍ مالِحٍ. هرَّع يَمسحُ فمَّها بكفِيهِ…لِيُبعِد يدّهُ حِين كَادتِ تُعيدُ الكَرّةَ. إِقْشَعَرّ سائِرُ جِسمِها مِن تماسِّهُما ، وَمن أظافِرهِ الطَّوِيلةِ الحمرَاءِ. إبتعَدتِ عَنهُ خُطوةً ، وَوبَّختهُ : "لِما؟ لما؟ لما؟ لماذا يا رُوبن؟ لِماذا؟" نزّع شَعرهُ المُستعَار الطَّويل ، ومَسح وَجهِهِ بعُنفٍ ساخِطًا… فأتلَف مساحِق التّجمِيل وأحمر الشِّفاهِ القانِي. أجهَشتِ بالبُكاءِ واهِنةٍ ، ولَطمتِ وَجههُ بضعُفٍ تُسكِتُهُ. رُوبن ماضِي لكِنهُ أوَلُ حُبٍ ، قُبلةٍ ، وعِناقٍ ورَجُلٍ في حَياتِها… رُوبن كَان حُلمًا جمِيلًا ، راوَدها طِوال هذه الأسابِيعِ الّتي كانتِ فِيها تبحَثُ عَنهُ. رُوبن كان الأَمل الأَخِير. كفّكفّتِ بِضع عِبراتِها ونطقتِ بتخَاذُلٍ : "الّذي حَول فمِكَ ، لَيس حُمرَة شِفاهي يا رُوبن" أدَامتِ النّظر في عينَاهُ المُحمَرةِ ، لِتنزِل دُموعُه كاللُّؤلُؤِ. كانتِ إيلِينُور مهوُوسَةً بأصابِعِ الحُمرَةِ ، كَانتِ حوَافُ ثُغرِهِ لا تَنجُو مِنهُ. أضرّهُ التّغييرُ…الّذي طرَأ على كِلاهُما. إِزدَرم لُعابَهُ بِعُسرٍ ، ودنّى مِنها -حرفيًّا- يُحاذِي شِفاهَهُما بِعضٍ. أَبعدتهُ حَالما لمَستِ صدَرها كُرتيّ السّيليكُون ، لتُكمِّل القِيئَ…حتّى ما ظلّ شَيءٌ لتُقذِفهُ عَلى الأَرضِ. جلَّس عَلى الأرضِ مُمسكًا برَأسهِ ، فِي حين هِي تبكِي ، وتبكِي وتبكِي كأنَها لمّ تعرِف البُكاء يومًا. طوِيلًا دام الصّمتُ ، إلا من شهقاتِها بين الحِين والأَخرِ. أعَادتِ ظبّ شعرِها ، ولمَّستِ سِوَار التّورُمِ الّذي خلّفتهُ الرّبطةُ. رَفعتِ كتفيّها بإستِخفافٍ ، وضحِكتِ بسُخريّةٍ بدايّة كلامِها : "أتَيتُ لأَعتذِر ، والحقِيقة كُنتُ طامِعةً لغُفرانِك" أوّلى حدِيثها إِهتِمامهُ ، ومُذ أنّهُ لا يعرِفُ أنّها كاذِبة مُحنكَة إِلتَّمس الصّدق فِيها ، فإِستَأنَّفتِ : "حاوّلتُ الإِعترَاف أنذَاك ، أُقسم لك أنّني لمرَاتٍ عدِيدةٍ أردّتُ إرسَال رِسالةٍ أو إِخبَارك فحَسب ، لكِنني كُنتُ ضعِيفةً" عقّد حاجِباهُ المُرتبانِ ، وبعِنايّةٍ سمَعها تقُول : "ذَاك الجنين اللّعينُ الّذي أَفسد كلّ شَيءٍ بيننَا لمّ يكُن مِنكَ" يُتبع… ربّنا لا يحطّنا فموقفها يختيّ ? جديًّا ودّي أعرِف رُوبن كان بيفكر فإِيه وهُو رايح يبُوسها؟ ? عادي بتحصَل بس المُهم بالفصل الجَايّ إن شاء الله هنعرَف كثير عن رُوبن. بس جدّ أحس قلبي وجعني علِيها ، يا عُمري كانت متوّقعة يرجعُون لبعض ? برضُو عشان الفصل زاحمنِي ما قدرت أحكي عن تجربتها القاسيّة وهي بتبحَث عليه وخاصةً كريستُوفر ما حدّد المدينة وعطاها إسم الكلوب بس. وكريستُوفر ده! لمن أقُول شيطان في بذلة فهُو بجدّ شيطان ، يا خي إنسان سيء جدًا ??? المُهم ليليانا وأُولِيڤيا مش عارفة كيف أرجع حقّهُم ? مرات وربّي أحس إيلينُور تستاهل (الفصل الجايّ بقولكم ليه "إن شاء الله") ، بس برضُو مش فبنتها ???? المُهم كِيفه الفَصل؟ إيلِينُور؟ ما هتشُوفوا قبل كده شخص كذاب زيّها ، بس برضُو حبَل الكذب قصير ، وبرضُو لا يُمكن تاخذّ معاه مسخ زيّ رُوبن وتقول لإيمّا هذا باباكِ وكريستُوفر كذاب ?? لو مكانها برضُو هكذّب بس المُشكلة الوضع إحتمال يتعقد(؟!) كريستُوفر؟ مين نتشيه ، ومين شوبنهاور ومين د*كارت ، ما بعرف غِير الفيلسُوف كريستُوفر. أرجُو من القلب أنّ الفَصل أعجَب غَالِيتِي نُهىٰ. وأخيرًا شُكرًا لكُن ، وَدمتُن سالِماتٌ غانِماتٌ لأجلِي. نلتّقي بالفَصل القَادِم إن شاء الله. ?
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD