الفصل الاول

4965 Words
وقفوا يشاهدون بشر يبتعد ب**ت، الأفواه صامتة والقلوب غارقة في لجة مشاعر ثقيلة، فعندما تشعر أن هناك طوفان مشاعر ابتلع الجميع يكون لد*ك هاجس أن دورك قادم لا محالة، شعور عام بالتوتر يخيم على الأجواء، قال نزار ومازال هناك شيء يرتجف بداخله من ثقل الأمانة التي ألقيت على عاتقه "أبي، لقد هاتفي عمي جواد وطلب مني عودة أحد منا لأن ضغط العمل على مأمون ازداد جدا، كما أنه يحضر لحفل زفافه وهذا يؤثر على العمل، وأنا بعد ما قاله بشر لن أتحرك من هنا بدون الصغيرة" هز سالم رأسه بتفكير وقال "أعلم، جواد أخبرني بذلك وأرى أن يعود صفي ومنذر والفتيات، ونحن سنبقى بجوار عاصي فلا يمكننا الرحيل قبل إنهاء الأمر مع الشيخ جعفر ف**ته منذ ما حدث مقلق للغاية ولا أظن أنه سيدع الأمر يمر بهدوء" قال صفي "سآخذ بلقيس لأطمئن عليها من الطبيبة قبل أن نرحل" قالت له بلقيس بخفوت "أنا بخير" نظر لها بقوة وقال "هذا لا يمنع أن أطمئن عليك" قال منذر "وأنا سأحجز تذاكر الطيران وأنظم أمور السفر" ابتسمت أسمهان وقالت "كنت أريد أن أمر على فرع الشركة قبل أن أرحل فهناك أمر عليّ التحقق منه ولا أريد أن تطفو على السطح مشكلة بعد رحيلي، فقبل مجيئي أخبرني أسد أن هناك خطأ في تقرير وصلهم مني" قال والدها بعصبية "لا تذكريني بهذا الأ**ق، إياد هنا يمكنك التفاهم معه وإذا تطلب الأمر ذهابك للشركة نسقي مع زوجك، أهم شيء أريدكم أن تسافروا اليوم فلدينا تعاملات مع أشخاص لا تقبل بالتأخير" طمأنه منذر قائلا "لا تقلق يا عمي إجراءات السفر سأنهيها عبر الهاتف وأسمهان سأذهب بها حيث تريد، أريد فقط من نزار أن يحضر حقائب عزيزة وسمراء لتكون انطلاقتنا جميعا من هنا إلى المطار مباشرة" قال صفي "حسنا، سنكون عند الطبيبة إذا احتجتم منا أي شيء" أحاط خصر بلقيس وسار بها مبتعدا، ومنذر أمسك يد أسمهان وقال "ونحن أيضا... هيا بنا لكي لا نتأخر" سارع نزار يقول "خذني معك، لقد فقدت قيمتي في هذه العائلة، أصبحت أهرّب الفتيات وأهتم بالصغيرات وفي النهاية حامل للحقائب" زجره والده بغضب "نزار" فتحرك بجوار منذر وهو يقول بعبوس "حسنا سأ**ت"، نظر محسن إلى عزيزة وسمراء اللتين تسمعان كل ما يحدث ب**ت فرضه ضغط مشاعرهما وقال "وأنتما انتظرا إخوتكم في مقصف المشفى، لا أريد أن تص*ر عن إحداكما حركة بسيطة حتى عودتهم" سألته عزيزة بخفوت "ألن نودع عاصي قبل رحيلنا؟" ردت عليها والدتها بهدوء ولكن بنبرة قاطعة "بإذن الله لكن خذي أختك الآن وانتظرينا في الأسفل فهناك حديث سيدور ليس لكما به مكان" همت سمراء بالتحدث لكنها ابتلعت ما بفيها وانصرفت بجوار أختها وهي تتلهف للرحيل وتتمنى لو أنها ما أتت وما رأته ...ما رأت ما حدث لأسد وعزيزة، نبتة صغيرة من أمل كان تحافظ عليها في ركن مضيء من قلبها ماتت بعد ما حدث ودهست بالأقدام، أصبح كل ما حولها كأحبال معقدة بألف عقدة وحلها بيد إنسان واحد فقط، التفتت كوثر لمحسن تسأله "ماذا هناك؟ لماذا أبعدت الفتيات؟" نظر محسن لأخيه بغموض وقال "لأن علينا أن نجد طريقة لحماية أبنائنا، إذا كان طيش واندفاع الشباب سيجعلنا نخسرهم فلابد من أن نتحرك وما رأيته منذ قدومي يدل على أنهم لا يعلمون أين مصلحتهم، نحن لن ن**ت أكثر من ذلك وإذا كان الكلام لم يأت بنتيجة فالأفعال مؤكد ستفعل" نظر سالم لأخيه بغموض وقال "ماذا تقصد؟" بدأ محسن في سرد أفكار تراوده لبدء فرض السيطرة على الشباب أكثر وأكثر فقد اكتشف أن الحرية التي كفلوها لهم منذ الصغر كانت أسوأ ما فعلوه وسبب نكباتهم التي لا تنتهي، كان يناقش طرق التحكم بهم بتمعن وبقلب أب يرى أن صالح أبنائه في طاعته، لم يكن يرى العواقب بالع** فهو مقتنع أن الطاعة أساس الحياة السليمة للجميع، استفاض في النقاش ولم يكن يعلم أن هناك من قام بالتخطيط وإصدار القرارات بدلا من العائلة بأكملها........ نيران الحب لا تحتاج إلى التوافق لتندلع فيكفي أن تقف بثبات بكل اختلافك أمام من تحب حين ينهار العالم من حولكما ف*نفجر براكين من عشق، يكفي أن تبتسم بجنون لا يملكه سواك حين تراه أمامك مهما كانت الأحزان تحرم الفرحة بعنف وتحاربها في نزال حامي من الخيبات المتلاحقة، يكفي أن تنتفض روحك بشراسة تسعى للوصال وأنت تعلم أنك بمنفى وهو بمنفى وبينكما بقاع العالم أجمع ….. دخلت سمراء برفقة عزيزة المقصف تسألها بصوت مكتوم "أ تشربين شيئا؟" مطت عزيزة شفتيها بحنق وقالت "أنا جائعة، هل يمكننا أن نطلب طعاما من الخارج؟" ردت عليها سمراء باستغراب "لم أكن أعلم أن بعد كل ما حدث لنا سيكون لد*ك شهية للطعام، سأطلب لنا كأسين من العصير وأي شيء خفيف فأنا أشك أن تسمح المشفى بدخول طعام جاهز إلى هنا" جلست عزيزة إلى طاولة جانبية وهي تقول بحنق "هل تعلمين أن لذة الطعام تكون في أعلى مستوياتها في لحظات الجوع؟ هل تظنين أنه كتب عليّ ألا أصل لقمة أي شيء في هذه الحياة حتى لذة الشبع؟" نظرت لها سمراء بعبوس وقالت "أظن أن عدم الوصول للشبع أفضل من الجوع ففي الحياة تكون الاختيارات محدودة" كان الرد واقعيا جدا لدرجة جعلت عزيزة ت**ت مجددا وهي تعلم أن أنصاف الحلول أحيانا تكون أفضل من اللاشيء، وقفت سمراء أمام المسؤول عن الطلبات وطلبت منه شطيرتين وكوبين من العصير ثم أسندت ظهرها للنافذة وأغمضت عينيها بإرهاق تريد أن تمحو أشياء كثيرة من ذاكرتها أولها عينيه وآخرها أعين بشر فالكل موجوع ب**ت، والكل يصرخ ب**ت، ونهاية ال**ت موت وهي كانت تهاب أن تموت م**ورة والآن ترى أنها مثل إخوتها فالنهاية واحدة رغم اختلاف البدايات، أخذت نفسا قويا عبأت ص*رها به وزفرته بخفوت كأنها تقوم بتمارين لتهدئ من روعها، ثم فتحت عينيها ليقفز قلبها متفاجئا من رؤيته...كانت ملامحه حزينة لكن وجهه يمثل حكاية بؤس قاسية، هل نظر أحدكم إلى أعين طفله فوجدها في قمة الحزن تلمع بالدموع ولكنه يحبسها بكبرياء؟ هل شعر أحدكم أن هناك جزءا منه يتمزق وهو لا يعلم السبب؟ الأمر كأنه سقوط مجداف مركبك في لحظة وأنت وسط بحر لا نهاية له، لحظة الحزن في عيون من نحب ضياع وهي ضاعت ونسيت كل شيء إلا عينيه فسألت بقلب مقبوض "ماذا حدث؟" لم يرد عليها ولكنه ظل يبحث عما تغير بها في بعده، ظل يبحث عن آثار معاناتها التي عاشتها بمفردها وهو بعيد يعاني الويلات، شاهد مشاعرها التي تفور في حدقتيها حتى طفا خوفها عليه إلى السطح، شاهد شفتيها تسألان عما حدث له بلهفة وبداخله خجل أن يبادلها السؤال ويعلم ما حدث لها فيسقط من نظر نفسه أكثر وأكثر، ود في هذه اللحظة أن يهديها العالم بأكمله ويرى منها ابتسامة واحدة نابعة من القلب، ود لو يستطيع أن يغمرها بقوة نافضا آلامه وخوفه، ود أن يفعل ألف شيء لا يستطيع أن يفعل منهم شيئا واحدا، وهي وقفت أمامه تتأمل ملامحه المخيفة، وجهه المكدوم وسترة رياضية كبيرة وقديمة الطراز لدرجة غريبة، وحزن سرمدي يشع من جوانب روحه ينظر في وجهها بتمعن هز مشاعر تحبسها في أبعد حصون قلبها، أفاقت من موجة قلقها وهي تلعن نفسها على عقلها الذي ي**نها نحوه باستمرار، ابتلعت غصة وقلبها مازال يقفز وحاولت المرور لتبتعد عنه فسد طريقها كأنه حائط لن يهتز قبل أن يدلي بدلوه، رفعت عينيها لعينيه مجددا فوجدت عينيه متوسعتين بطريقة متوحشة كأنهما ستأكلانها ويضغط على شفته السفلى بطريقة مرعبة جعلها تشعر أن الدماء ستخرج منها حالا، قالت بعصبية "ما زلت تقطع كل دروبي السالكة، دعني أمر من فضلك" رد عليها بصوت يحمل بؤس كل ما مر به "سمراء أنا لم أتزوج، لم أكن لأفعلها حتى لو كان آخر يوم بعمري، أنا أعلم جيدا أنني ما كنت أستطيع إعطاء اسمي لواحدة غيرك، لم أشترِ بدلة جديدة ولم أقص شعري، كنت أرتدي حذائي الرياضي، لم أستحم حتى …..لا تشكي بي يوما، كان كل ما حدث لحظة جنون لم تكن لتدوم، كنت مجروحا موجوعا ويائسا وأردت أن أجد مخرجا حتى لو على حساب قلبي" لم ترد عليه فقال لها بتوسل "تكلمي، ردي عليّ" قالت بغضب "لم تعلم ماذا حدث لي، لن أخبرك ما مررت به، ولن أدعك تقتلني ثانية، يكفيني موتا فلا أشد ولا أقسى من كونك جارحي، لقد تفتتت كأنني كنت برجا عاليا ظل يتصدع حتى فقد علوه وقوته وملامحه، كان شيئا وصار شيئا آخر، أصعب ما في الأمر أنني أشتاق لأن يعود الزمن وأعود كما كنت فلا أعبر بقدمي إلى هذا الجحيم، لقد تيقنت أنك لعنتي" رد عليها بهدوء عاصف "أنا أحبك وإذا كان غرامي ليس على هواك فمتى اهتممت بتقلباتك، أنا أعلم أنك سترحلين وأنني سأشتاق إليك لحدٍّ لا حد له، أردت فقط أن أخبرك أنني لن أهدأ حتى تصبحي زوجتي، أنني سأكون حولك حتى ولو لم تريني، أنني سأعد أنفاسك وأملا ص*ري بها، أنني لن أتركك أبدا، لذلك احذري أن تثيري جنوني فلقد أصبح لدي أمور ستجعلني أغيب قليلا، احفظيني في غيبتي وادعي الله أن يوفقني فيما أخطط له فهذه آخر محاولة وبعدها مهما حدث سآخذك وليحترق العالم" لم تكن نظراتها متفائلة لأن كل جوارحها تمنت أن يأخذها في الحال، لكنها نظرت له بحزن ممزوج بحب تسرب غصبا عنها فملأ عيونه بنظرتها نحوه وأكمل قائلا "رددي خلفي" هزت رأسها ببلاهة فقال بقوة "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ" لمست الآيات شغاف قلبها ورددها قلبها وسمع قلبه صوتها يردد خلفه فقال بصوت يعلم تأثيره عليها جيدا "بيننا معاد يا قلب ليل، والله سيردك إليّ مهما افترقت الطرق، أحبك" أربك عالمها ثم انصرف فجأة كما حضر فجأة وكما تراه دوما …..بركان مشاعر ينفجر في وجهها فتحترق بأكملها ليختفي ويتركها تضمد جروحها وتصرخ الألم ب**ت ……. يقف في الخارج يستند على السيارة بغضب وعقله يخطط أكثر من خطة قد تمكنه من أن يراها ثم يهدم الخطة في آخر لحظة لشعوره أنها لن تنجح، شاهد بشر يرحل بسرعة ولم يستطع أن يلحق به ويعلم منه ماذا حدث، بعدها بدقائق خرج منذر وأسمهان ونزار ومن وقتها وعقله وقلبه في صراع لا يهدأ، أخذ نفسا قويا من السيجارة التي بين أصابعه ثم ألقاها أرضا بقسوة وقفز يصعد سلم مدخل المشفى بقوة ودخل منطلقا نحو المصعد ض*ب زر المصعد ووضع يده بخصره وقدمه تهتز بعصبية قاتلة، رفع رأسه يزفر بضيق فلمح ليل يخرج نحو باب المشفى قادما من ناحية المقصف فتحرك ليلحقه لكنه كان يجري هو الآخر...خرج خلفه من باب المشفى فرآه ينطلق بسيارته، فتحرك مسرعا نحو المقصف يمسحه بعينيه ليتفاجأ بها أمامه تجلس بكل بهائها تنظر لطبقها الذي يحوي على شطيرة بعبوس كأنها طفلة لا يعجبها الطعام، ابتسم بحب وقدماه بدأتا بالتحرك نحوها منقادا بقوة أحبال قوية من الهوى تربطه بها، كان يلمح شفتيها تتحدثان بتذمر فلم يحتج وقتا ليفهم أن الطعام لا يعجبها بتاتا، ان**ار يتبعه ان**ار وفراق يتبع آخر والحب يزيد لا يقل، كأن حبهما كالذهب لا يلمع إلا عندما يكتوي بالنار، وقعت عيناها بعينيه فتغيرت ملامح العبوس لملامح خجولة مشتاقة، كانت نظراته تتطور بشكل مس قلبها فهو ينظر لها كأنها زوجته ملكه وتخصه، كان الحب في ص*ره كجبال الثلج تذوب أمام لهيب وجنتيها، أمال رأسه يغازلها بعينيه فاحمر وجهها بشدة أسكرته، تقدم خطوة أخرى وهو لا يصدق أن سيكلمها بدون حواجز وفجأة قطع كل هذا الوصال يد نزار تسحبه للخلف وهو يقول "هيا أمامي فأبوك ينتظرنا في الخارج وعمك لو علم ما كنت تنوي فعله سيقتلك" قال له أسد بغضب "ألم يقل إنه لا يريد أن يرى وجهي؟ دعني" رد عليه نزار بعنف "توقف عن عبث الأطفال هذا فصفي الذي لا يبتعد عن بلقيس يقف بالخارج وبشر لم نستطع الوصول إليه، هيا بنا" نظر أسد لأخيه بتوتر وقال "ماذا حدث؟" هز نزار كتفه وقال "لا أعلم، الشيخ جعفر أقام الدنيا وطلب حضورنا جميعا، أخشى أن يكون علم أن ابنته كانت في غرفة عاصي" رفع أسد حاجبه وقال "ما شاء الله، هل علم أبي وعمي بهذا الوضع و**تا؟ يحق لهما فقد أفرغا كل غضبهما بي" التفت نحو عزيزة وسمراء اللتين وقفتا تشاهدان ما يحدث لكن لم تتجرأ واحدة منهما على الاقتراب وقال "إذا كنا سنرحل، ماذا عن الفتيات؟" رد عليه نزار "سيرحلن مع منذر وأظن أن صفي أيضا سيرحل معهم فهو ينازع لكي يبقى مع بلقيس لكن عمك لا يريد الذهاب إلى المجلس بدون أحد من أبنائه" قال أسد بغصة "إنها راحلة، هل يمكنني توديعها؟" اشتدت قبضة نزار حول يده بتردد ولكن الرجاء الخالص في أعين أخيه جعله يطلق سراحه قائلا "أمامك ثانية واحدة" قطع أسد المسافة نحوها في خطوتين وانحنى نحو وجهها بحركة مفاجئة جعلتها تشهق وتتراجع للخلف وسمراء ونزار توسعت عيناهما من هذا المجنون، فقال لها بابتسامة عاشق محب "هل رأيت كيف كانت كفي تقبض على رسغك؟ هكذا أنت تقبضين على قلبي يا بطة، تمسكي بي بكل قوتك حتى حين تصيبني نوبة جنون في يوما ما احذري أن تتركيني، ليس هناك رجل يقصد ما يقوله لحظة الغضب خصوصا إن كان عاشقا" افترقت شفتاها بابتسامة جعلته يتن*د فجذبه نزار بعنف وقال لسمراء "بلقيس بمفردها في الغرفة خذي أختك واصعدي إليها حتى نرى ماذا سنفعل، ولعلمك طائرتكما بعد ساعتين ونصف" كانت أعين أسد سجينة نظرات بطته ونزار يسحبه بعيدا فتتسع المسافات بينهما لكن أحيانا لا يكون للمسافات أي قيمة فحبال العشق تصل كل بعيد وتطوي المسافات كأنها لم تكن ……. خرج أسد ونزار من الباب الخلفي لكي لا يعلم أحد أنه كان بالدخل، اقتربا من أبيهما الذي كان يصرخ بصفي "زوجتك ستكون مع الفتيات ومنذر سيكون معهن، دعها ترحل والحقهم على متن أول طائرة بعد الاجتماع " سأل أسد "أي اجتماع؟ أليس هذا مجلس تأديب من أجل عاصي وما حدث؟" رد عليه والده بغضب "كنت أظن هذا لكن عمك وفيق أخبرني أنه اجتماع طارئ انتدب فيه الشيخ كل العائلة وظل يجمع أقطابها وكبارها منذ أيام وعلينا الحضور" قال نزار "هناك قرارات جديدة إذن" رد محسن بتوتر "قلبي ليس مطمئنا، تجارتنا وأموالنا وكل شيء يسير بقوة صلات العائلة، أخاف أن نخسر دعم العائلة بسبب طيشكم وقلة عقلكم" **ت الجميع بصدمة ورفض ولكن ملامح سالم ومحسن كانت لا تحتمل الجدال وخلال دقائق كانت السيارات تنهب الطريق نحو أرض العزايزة…….. منذ قديم الأزل وهناك قصص حب تبدأ بقلب تعلق بحبائل الهوى وتنتهي بقلب أحرقه الهوى وما بين هذا وذاك رحلة من الصبابة في غرام بلا أمل …….. وقف بعذاب يتذكر ذلك اليوم، مذ اقتربوا إلى مشارف أرض العزايزة و هالهم كم السيارات الوافدة إلى هناك فانقبضت قلوبهم وتحفزت الدماء في عروقهم، كانت السيارات تسير ببطء من شدة الزحام وتوترهم جعل حرارة أجسادهم تعلو بطريقة خانقة، كانت كل سيارة تقترب تعرّف عن أصحابها فيبدو أن هذا الاجتماع جمع جميع أطراف العائلة من المغتربين والمستقرين في مدن أخرى، رجال وشباب وشيوخ لم يتأخر أحد فهذا الكم الرهيب من المواكب يؤكد أن العزايزة جميعا سيحتشدون في مجلس كبيرهم، سأل نزار بذهول "ما هذا الزحام؟ هل هناك حرب ستقوم؟ ساعة بأكملها ونحن عالقون في مدخل البلدة!" أجابه والده الجالس بجواره يشاهد ما يحدث أمامه بعقل متوقف من كثرة الترقب للقادم "لم أرَ هذه الحشود حتى عند وفاة عمك رحمه الله فلقد اعتذر الكثيرون بسبب سفرهم أو ارتباطهم بأعمال مهمة وأرسلوا من ينوب عنهم لكن ما أراه الآن يوضح أن الشيخ جعفر أمر بحضور الجميع ولم يدع المجال لاعتذار أو أعذار، اللهم اجعله خيرا فأنا لست مطمئنا" تدخل محسن في الحوار "أخشى أن يكون هذا المجلس مقاما على شرفنا، لو أن الشيخ أخبر الجميع بما فعله عاصي ستكون فضيحتنا على الملأ…. الستر من عندك يا رب، هل هذا جزاؤنا منكم بعد هذا العمر؟ فضائح لا تنتهي! لماذا لا تفهمون أننا نفعل كل هذا لأجلكم ولأجل مستقبلكم ومستقبل أبنائكم من بعدكم؟ هل تعلمون ما هي العائلة؟ إنها الأمان والحماية والسند، جميعنا نفرد هامتنا بقوة لأننا نعلم أن وراءنا جيشا بأكمله لن يتخلى عنا مهما حدث، وفي النهاية تريدون تدمير كل هذا بسبب اندفاع مشاعر هوجاء تتلاعب بكم!! منذ متى والرجال تسيرهم قلوبهم؟؟" كان الكلام يخترق أذن أسد الجالس بمفرده في المقعد الخلفي لهذه السيارة العائلية الضخمة وبداخله شعور منفر من الحديث فلم يشعر بل**نه وهو ينطلق كالسوط في وجه الجميع "الأقدار بيد الله فهو حامينا ورازقنا ونحن لا نحتاج إلى هذه العائلة، لا نحتاج لهذا التعقيد والتخلف، يمكننا الآن أن نعود من حيث أتينا تاركين وراءنا كل هذا، هل تعلمون كيف أشعر وأنا أرى أنني مسلوب الإرادة في حياتي؟ أشعر أنني من أملاك هذه العائلة، قد حددتم ملكيتي وانتهى وليس لي رأي وليس هناك نقاش ولا جدال، زمن العبيد قد ولى وانتهى منذ قرون سحيقة وأنا ما زلت هنا لا أستطيع شراء حريتي" صرخ به والده بغضب "اخرس يا رأس المصائب، من يراك تتحدث يظن أنك ما زلت مراهقا مندفعا وليس رجلا سيبلغ الثلاثين بعد أقل من عام، ماذا تفهم أنت لتتحدث؟ ماذا تعرف عما عانيناه بعد سفرنا أنا وأعمامك؟ كان كل شيء ينهار وجواد بمفرده لم يستطع صدَّ ض*بات حيتان السوق التي تتخلص من المستجدين أمثالنا، أوشكنا على الإفلاس وبعنا كل شيء حتى علم جعفر وأرسل لنا المدد بالمال والسلطة والحماية ولم يتركنا هو أو أي فرد من العائلة ولولا هذا لم أكن أعرف كيف كنا سنكمل الطريق، هذه هي العائلة وهذا ما نبحث عنه لكم ونحافظ عليه لأجلكم وإن كنت لا تفهم هذا ضع ل**نك بفيك ولا تتدخل في أي شيء فمنذ اليوم أنت وإخوتك جميعا لا قرار لكم ولا رأي، ما سنراه أنا وعمك سننفذه أيّاً كان وكيفما شئنا" نظر نزار في مرآة السيارة الأمامية فلمح توحش عيني أخيه وعلم أنه لن ي**ت فتدخل قائلا "لنرى ما سيحدث في الاجتماع وبعدها فلنتحدث، هذا ليس الوقت المناسب للجدال والغضب" أشاح أسد بوجهه نحو نافذة السيارة وهو يضغط على فكه بغضب ساحق، كان كل هذا يحدث وصفي يحدق في شاشة هاتفه وقلبه ساقط بين قدميه قلقا على بلقيس فهاتفها مغلق هي والبقية، كيف هذا؟ أين ذهبن؟ هل هي على متن الطائرة؟ أرحلت ولم تخبره أم أنها متعبة والجميع أغلقوا هواتفهم لكي لا يعلم؟ هز قدمه بعصبية وهو يشعر بأنفاسه تتثاقل بص*ره فلا شعور أمر من أن ترى العالم في إنسان إذا غاب عن عينيك يكون مصيرك الجنون فبدونها كل شيء ينهار ….. بعد ساعة كان الجميع يجلس ب**ت وترقب داخل صوان ضخم نُصب أمام مجلس الشيخ جعفر ليتسع لهذا الجمع الغفير، كانت العيون تحمل سؤالا صامتا والملامح لوحات من التوتر والترقب ولكن بمجرد أن تنظر لمن حولك ستعلم أن الجميع يجهل سبب وجوده، فهنا الجميع مثلك، الجميع يخشى من القادم فمنذ متى يقيم الشيخ اجتماعا؟ فدوما كان ما يقام مجالس تأديب أو مجالس عرفية أو احتفالات الزواج أو مجالس العزاء لكن لأول مرة يصر الشيخ على قدوم الجميع، البعيد والقريب والكبير والصغير كأن هناك انقلاب على الجميع أن يحضره، تأخر الشيخ جعفر أشعل الموقف أكثر وجعل الجميع في حالة يرثى لها من الأفكار المتلاحقة، زفر صفي بقهر ومشاعر خوف تموج بص*ره فقال لنزار الجالس بجواره "لماذا هواتف الجميع مغلقة؟" رد عليه نزار وعيناه تتأملان الصرح الممتد برجال أتلف الانتظار أعصابهم "مؤكد أصبحوا على متن الطائرة، لا تقلق على بلقيس فالفتيات حولها" هز صفي رأسه وقد ارتفع حاجباه بغضب وقال "لماذا إذاً لم تهاتفني عند خروجها من المشفى أو عند وصولها إلى المطار؟ لقد أكدت عليها ألا تتركني للقلق ليمزقني" هم نزار ببث بعض الطمأنينة في قلبه فقد لاحظ جيدا أن علاقة صفي ببلقيس يشوبها بعض التعلق المرضي فقاطعه وقوف الجميع احتراما لكبيرهم الذي دخل بهيبة طغت على الحضور جميعا وعلى يمينه عبد الرحمن الذي يسير خلفه ولده جعفر الصغير، خيم ال**ت رغم أن النبض كان كجحافل تض*ب الأرض بقوة، لمح نزار أسد المتشنج منذ ما حدث في السيارة يختلس النظر إلى هاتفه ويزداد عبوس وجهه فتيقن أنه يحاول الوصول لعزيزة فتعجب لأمر أخيه…. مال قلبه بالهوى فاعتدل فيه ما مال من قبل أن يهوى …..حقا لم يعد يفهم ما يحدث حوله وقف الشيخ جعفر ينظر للجمع الممتد أمامه بعيون كالصقر تقرأ وتتفرس في لغة الوجوه والنظرات تكفيها لتفهم المخفي وراء كل رجل منهم، إنه متمرس فيما يفعله فلم يختره الشيخ رشيد منذ أعوام طويلة إلا لأنه توسم فيه الثبات على العهد، العائلة لها قوانين تحكمها، لها مكاتيب تكون جزءا من كمالها وترابطها وهو لن يترك في جدار هذه العائلة فجوة صغيرة ليدخل منها غريب يظل ينهش فيها حتى تتسع ويعبر منها التفكك إلى رباطهم، أما التمرد الذي اكتنف الشباب هذه الأيام فهو كفيل به ولن يأتي من ظهورهم جيل يهدم ما أنشؤوه لسنوات وقرون، وتقلبات الأجيال هو خير عليم بها فقد كان يوما يحارب أيضا لأجل نعمة تسكن فيه كل الضلوع وكل الربوع وما تركت منه لنفسه شيئا ليتأكد في النهاية أن حكم العائلة نافذ فوق رؤوس الجميع، يعلم أنه كما اقتنع منذ زمن سيقنع الجميع إما طوعا أو كرها كلٌّ يختار طريقه إما الشدة أو اللين…..تكلم جعفر بصوت ثابت، صوتٍ مرهبٍ منذرٍ وله سطوة "أنارت أرض العزايزة برجالها وشيوخها، حللتم بدار الكبير أهلا فليس هناك اليوم غريب ولا ضيف فاليوم العائلة بأكملها مجتمعة لأمر هام جدا، ما سأقوله اليوم لن أعيده مرة أخرى فاليوم سينتهي زمن الأقوال ويبدأ زمن الأفعال ولن أتهاون أبدا في أمر من يفكر أن يخالف قوانين العائلة، فحتى تمرد الشباب واندفاعه ستعاقب عليه الأسرة بمجملها وليس الشاب كفرد فنحن هنا منظومة متكاملة لن أسمح بالتعدي على قوانينها، نحن نكمل بعضنا في كل شيء العمل والنسب والحماية ولهذا لقد قررت.... أولا ...مكاتيب العائلة أمر منتهي لا جدال فيه والأفراح ستقام على أرضي كل عام وإن اعتذر أي شاب وطلب التأجيل فهو وأسرته خارج كنف العائلة حتى انقضاء العام وسنرفع أيدينا عن تجارته ورجال القانون سيرفعون أيديهم عن حمايته وسيدفع غرامة مالية لأن قوانين العائلة لا تهاون بها، وإذا طلبت فتاة تأجيل زفافها فليأتِ والدها بأسبابه فإذا تقبلناها سيدفع والدها الغرامة فقط وإذا لم نتقبلها سيكون مثلها مثل الشاب تماما ليس هناك تفريق..... ثانيا ….. لقد وصلتني أخبار عن أغلب شباب العائلة وحياة التحرر والتمرد التي يعيشونها لذلك أي أسرة مسؤولة عن تصرفات شبابها وإن وصلني خبر أن هناك من يريد الإ***ة لسمعة العائلة أيا كان سينتقل هو وأسرته للعيش هنا وأنا وسأقوم بتأديبه بنفسي فمؤكد الابن الضال نتيجة لأب لم يكن بالحزم الكافي، وبناء عليه فليستعد كل رجل منكم لديه ابن متمرد لترك حياته وأعماله والعودة للعمل بالأرض والفلاحة وسأجد من العائلة من هو أفضل منه ليتولى منصبه وأعماله وليس هناك مجال للسماح أو التراجع....... ثالثا ….. كل ما حدث الفترة الماضية من أمور تستدعي مجالس تأديب سأتغافل عنه، فعلى ما أعتقد أن الجميع نال نصيبه من التأديب ولكن بدءا من اليوم لن يكون هناك مجلس تأديب بل سيكون هناك قرارات قاطعة بشأن كل من يخالف أبسط الأمور، وأحذر الجميع أن ما ص*ر من قرارات اليوم سيبدأ الأخذ به من الآن لذلك فليختر كل واحد منكم أي طريق يريد أن يسلك، هذا كل ما لدي ولن يرحل أحد منكم قبل أن يُكرم وإن كان بكم من يريدني بأمر ما فأنا موجود في المجلس الداخلي مع الشيوخ لنترك المساحة للشباب ولصخب أفكارهم المتمردة …… كانت آخر كلمات لجعفر تحمل في طيتها نوعا من التحدي والسخرية لكل من ظن أن عنفوان الشباب سيساعده ليثور وي**ر القيود وينطلق، ربط العائلة بالفرد زاد الحمل أضعافا مضاعفة وكبل الجميع بأصفاد من جحيم ….كان الرد على كلامه **تا مفزعا والشيوخ الكبار ينسحبون خلف الشيخ بينما الشباب تدور أعينهم بقهر محبوس خلف نوافذ زجاجية كروحهم المتمردة تماما، كان الكلام ينزل على رأس أسد كأن هناك منجنيق يقذف عليه حمما من الجحيم، كانت أنظاره شاردة إلى الأرض كأنه يريد اختراقها وبداخله عالم من أحلام يتهاوى كأنه سراب جاءته ريح عاصف فأبادته، حتى التمرد حرم منه فلو فكر الآن أن بخ*فها والابتعاد عن كل هذا سيكون قد حكم على عائلته بالضياع، ض*ب قدمه بالأرض وبداخله ود لو يستطيع أن يدك العالم دكا لعله يغير قواعده، خرج من الصوان بعنف ظاهر من جسده المشدود بعدائية متفجرة وغضب لا نهاية له، نادى عليه نزار لكنه لم يلتفت فقال سالم بحنق "اتركه لعل ما سمعه يعيد له عقله، فكما سمعت أصبحت أسرتنا بأكملها مقابل جنونه ولا أظن أنه بالأنانية التي تجعله يستمر بهذا التمرد" رد نزار وعيناه تتقفيان أثر أخيه "ولكن تمرد القلب ليس منه خلاص إذا حاولتَ التحكم به أعلنها ثورة عليك" تدخل محسن بالحديث قائلا بغضب "كُفَّ أنت أيضا عن التفوه بترهات لا معنى لها نريدك أن تعقله لا أن تزيد جنونه وتملأ رأسه بكلام لا معنى له، سندخل للشيخ جعفر وأخشى أن يكون بداخله شيء مضمور تجاه عاصي فيكفي ما حدث له وبمجرد خروجنا سنرحل فورا" هز نزار رأسه بطاعة وعينه تلمح صفي الذي احمر وجهه بقوة كأنه وصل لقمة غضبه أو مؤكد هو على وشك البكاء فلم يكن مهتما بما يدور حوله وروحه معلقة بالهاتف الذي بين يديه، انسحب سالم ومحسن وبدأ صخب الشباب يعلو وكل مجموعة تستدير حول جلسات أرضية فيما بدأ رجال الشيخ بوضع الطعام والمشروبات، شعر نزار باهتزاز هاتفه داخل جيبه فرفعه ليجد أنه رقم غريب فحاول التحرك بعيدا عن الصخب فقادته قدماه نحو ممر مليء بالأشجار…. أجاب بهدوء "نزار العزايزي، من معي؟" جاءه صوت أسمهان تقول ببكاء "نزار إن كنت بجانب صفي فابتعد قليلا لأنني أريدك بأمر يخص بلقيس" قال لها بغضب وهو يتحرك للأمام "ماذا حدث؟ لماذا هواتفكن جميعا مغلقة؟ هل بلقيس بخير؟" ردت عليه ببكاء "لا أعلم بعد رحيلكم أصابها مغص قوي جدا وهي الآن بداخل غرفة الكشف مع طبيبتها منذ أكثر من نصف ساعة ولا نعلم عنها شيئا" قال لها نزار بخوف "ألم يطمئنكم أحد؟" ردت عليه "مازلنا ننتظر وفضلنا إغلاق هواتفنا منذ دخولها لأن صفي لا يهدأ ويهاتفها كل عشر دقائق ولو علم أنها مريضة لا أعلم ماذا سيفعل" تن*د بحزن وقدماه مازالتا تأخذانه للأمام بخطوات بطيئة وقال "إنه يجلس كالطفل الذي يمنع دموعه بالقوة، أرجوك في أسرع وقت أبلغيني بحالتها لعلني أمهد له الأمر قبل وصولنا" أغلق نزار الهاتف وأعاده إلى جيبه ثم وضع يده بخصره وأخذ نفسا عميقا وعيونه تنظر إلى السماء من بين فروع الأشجار العالية ... نظر حوله باستغراب لا يعلم كيف وصل إلى هنا فاستدار ليعود عندما سمع فتاة تتحدث بجدية وتقول "تبارك، أحضري صندوق التفاح من الخارج بسرعة، فاكهة مجلس جدك لم تدخل بعد" سمع صوت باب يفتح فتلفت حوله لا يعلم أين يذهب فدخل بين الأشجار المتشابكة بسرعة جعلت فرعا صغيرا يشق قميصه ويجرح ذراعه حتى بدأت الدماء في الظهور وفجأة رآها، سبحان الله تبارك الخلاق العظيم، كانت تجري نحوه بخفة جعلت شعرها الأ**د يتطاير وكأن الرياح تتدافع لتتغلغل بداخله، عباءتها السوداء المطرزة تعطيها فخامة الشرق بكل سحره وبهائه الأخّاذ وأقدامها الصغيرة بداخل خف منزلي رقيق جعلته يختض و يهتز وتنف*ج شفتاه بانبهار وهو يلمح نقشا رقيقا من الحناء على كعبها المرمري، وصلت أمامه مباشرة ثم انحنت نحو عدة صناديق من الفاكهة لم يرها سوى الآن، كان صندوق التفاح في الأسفل فوضعت تبارك يدها بخصرها بحنق وقالت بصوتها الذي يحمل دلال العالم "أنا متعبة منذ الصباح وأنت يا أستاذ صندوق تختبئ هنا، من سيحمل كل هذا؟" هزت رأسها بغضب ثم رفعت أكمام عباءتها بهمة فض*بت بمرمرية رسغها قلب من صام عمرا عن الحب، تمنى لو أنه يستطيع الاقتراب منها و حملهم عنها أو النظر مجددا لعينيها الكحيلتين، كان كل نفس يخرج من بين شفتيها اللتين تتن*دان بإرهاق يخترقه، ظلت تحمل الصناديق واحدا تلو الآخر حتى وصلت لصندوق التفاح فوقفت أمامه تلتقط أنفاسها وهي تشعر بالعرق يتصبب من جبينها ثم انحنت وأمسكت تفاحة ومسحتها بعباءتها جيدا وقضمتها بتلذذ والمتابع لحركتها مبهور كأنه يرى شيئا خارقا للطبيعة، يشعر بالغرق أو النجاة لا يعلم ما توصيف مشاعره في هذا الوقت إلا أنه مصعوق فهمس قائلا "تبارك الرحمن" شعرت أن هناك همس وصل أذنيها فالتفتت تنظر خلفها فلم تجد شيئا فابتسمت وقالت وهي تحرك أهدابها بحركة مضحكة "لا ينقصني سوى أن يصيبني تعب هذا اليوم بالجنون" وضعت التفاحة التي بيدها فوق أحد الصناديق وانحنت مجددا لتحمل صندوق التفاح فتزلزل الثابت بص*ره منذ سنين أمام جمال تفاحة محرمة ….اعتدلت بالصندوق واعتدل النبض بص*ره كأنه وجد مسارا لدقاته، كان شعرها يغطي وجهها بطريقة ضايقتها فجمعت شفتيها بحركة مضمومة ثم نفخته بقوة فطار عائدا لمكانه كما طار من يقف ولم تعد أقدامه تلمس الأرض، جاءها صوت منار الغاضب "تبارك، أين أنت؟" ردت بصوت طفولي حانق "ها أنا قادمة" تابعها كالمسحور تمشي بسرعة عائدة فوجد يده ترتفع يريد أن يلمس وجودها لكنها كانت تتبختر بدلال نحر قلبه ورجولته كأنها جاءت بإعصار ض*به فبعثره وشل تفكيره، مبهوت هو إلى حد لم يصل اليه أبدا وعقله ما بين صدمة وذهول، خرج من مخبئه يلهث وقلبه بص*ره يدوي كمفرقعات تنفجر واحدة تلو الأخرى، نظر حوله كأنه لا يتذكر الطريق الذي أتت منه التفاحة المحرمة لتنسيه اسمه يا إلهي…….، لمح تفاحتها الموضوعة على أحد الصناديق كأنها تناديه فالتقطها بيده يتأملها من كل جانب ثم همس بخفوت "مرحبا أنا نزار، ولم أذق تفاحا محرما من قبل" قضم التفاحة بنهمٍ لعل صاحبتها تركت بداخلها أي سر حملته شفتاها و تحرك عائدا من حيث أتى يفكر كم من دروب تأخذنا أقدامنا إليها لنعود منها كما لم نكن يوما.......... أفاق نزار على يد عزيزة التي تهزه برفق وتقول "نزار، نحن ننتظرك في الخارج منذ فترة، ماذا تفعل هنا؟" نظر للتفاحة القابعة بيده ثم قال بتفكه "كنت أحضر تفاحة" قالت بحنق "عمي سالم يصرخ غاضبا لتأخرك وأنت هنا تأكل، ثم ما قصتك منذ فترة مع التفاح؟ أشعر أنك تتبع حمية غذائية مكونة من التفاح فقط" ضحك نزار ولكن بلمحة حزن تظلل حدقتيه وقال "صدقيني إنها حمية لم أحسب لها حسابا يوما، أين تولين؟" ردت عليه عزيزة بسعادة غامرة وهي تسير خلفه "ستنبهر من جمالها لقد ألبستها الثوب الأبيض ووضعت ب*عرها طوقا رقيقا مليئا بالورود، إنها رائعة" قضم نزار التفاحة وتحرك نحو باب المطبخ وهو يقول "احذري أن تنسي حقيبتها" ردت عزيزة بسرعة قائلة "لا، لقد وضعتها في سيارتك" خرج نزار من باب المطبخ لكنه لم يشعر بخطوات عزيزة تلاحقه فالتفت ينظر لها فوجدها تفرك يديها بتوتر فتحركت للأمام خطوتين فتحرك معها ثوبها الأخضر الذي زادها جمالا وأعطاها رونقا جذابا فهو متناسق مع جسدها من الأعلى حتى الخصر ثم ينسدل للأسفل بقصة تشبه أثواب الأميرات، لا يميزه سوى حزام ذهبي يحيط خصرها بنعومة، رفع نزار حاجبه باستغراب وقال "عزيزة، ما بك؟ هل هناك ما تريدين قوله؟" تقدمت عزيزة أكثر حتى أصبحت تقف أمامه تماما وقالت بصوت مرتعش "كنت …...فقط …... أريد أن أسألك، أقصد كنت أريد أن أعرف …..." **تت فقال يحثها على الكلام "ماذا هناك؟" كانت تحني رأسها بتوتر وتفرك كفيها بشدة وقد احمر وجهها واشتد تنفسها ورغم ذلك انطلق ل**نها الخائن يقول "كنت أريد أن أسألك عن ….. أسد" ثلاث حروف إذا ذكرت معا تفعل بها الأفاعيل، تشعر بخافقها يتخبط كأن اسمه فقط يدخلها بحالة هذيان ويجعل قلبها كطفل يتقافز بشكل مخجل، تن*د نزار بقلة حيلة وهو يشعر أنه لا يحتمل إطلاقا الاقتراب من أي أمر تحيطه المشاعر فهو فقد نفسه منذ أن رأى من تباركت بالحسن واعتلت قمم الدلال وغزت ممالك السحر، يشعر أن بص*ره هوه سحيقة وما عاد يشعر بقلبه سوى عندما يتألم بدون سبب وحين يسأله عن سبب الألم تكون الإجابة مخيفة ….يريد رؤيتها مجددا ….إنه ….يشتاق إليها ..قال بغضب "بحق الله ما هذا الجنون؟" تراجعت عزيزة بفزع، فلانت ملامحه بسرعة فغضبه كان موجها له بالكامل وقال بهدوء "منذ ذلك اليوم لم يتواصل مع أحد منا، ظننت أنه لن يتركك ترحلي قبل أن يراك، لكنه اختفى وأخباره أصبحت تصلني من إياد غير هذا لا أعلم عنه شيئا" هزت عزيزة رأسها بتأثر وأسرعت تتحرك نحو السيارات فوجدت عمها سالم يصرخ بغضب "أين كنتما؟ هل أنتم أطفال أرسلك لتحضريه فلا يعود أحد منكما؟ لقد أحرق جواد هاتفي من كثرة الرنين، هيا بنا أيها الحمقى" أعادت عزيزة ضبط حجابها الذهبي بتوتر وتوجهت إلى سيارة نزار التي كانت تجلس بها سمراء ترتدي ثوبا مماثلا لثوب عزيزة وبجانبها تغفو تولين الصغيرة بداخل حقيبة بيضاء تبدو **رير أطفال صغير ..أخذ نزار مكانه خلف عجلة القيادة، ثم سحب نظارة الشمس وارتداها لتكتمل طلته الكلاسيكية المكونة من بدلة حديثة يتداخل بها اللون الرمادي بشكل رائع وانطلق خلف سيارة والده يتبعه منذر والبقية فاليوم زفاف مأمون وسجى فمنذ ما حدث بالمطار وأمر زفافهما يثير ضجة إعلامية واسعة وخاصة عندما أصرت العروس أن تختار نمط حفل زفاف مخالف لزفافها الأول تماما ليكون حفلا نهاريا في أحد الأماكن الهادئة مقتصرا على المقربين فقط........
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD