غابت الأحرف عن لسانها لكم ودت الآن أن تركض نحوهُ وتُصرخ بوجههِ للابتعادِ عنها وأن يقوم بتبرير كل ما يحدث الآن ولكن قدميها تجمدت، بل جسدها بالكامل لم يعد يملك القدرة على الحركة وكأن إشاراتِ العقل المُحثة على التقدم نحوهم لإيقافِ ما يحدث قد اختفت ولا توجد أوعية أو طرق تقودها نحو الجوارح.
على الجانب الآخر حينما كان يُحدق بعينيهِ لأسفل إلا وقد وجد هذهِ القُنبلة تنفجر بوجهه. على حينِ غرةٍ وقد شعر بشفاهٍ ناعمة تميل على وجنتهِ لتقبل فكهُ لينتفض جسدهُ بأكملهِ وهو يتراجع للوراءِ مُحدقاً بها بأعين مُتسعة غضباً وسط هتافهِ:
-ما الذي فعلته؟
أسبلت جفنيها أرضاً وهي تحاول كتم ابتسامتها غير مُدركة إلى أن رد فعلهِ نحوها ما هو إلا غضباً واستنكاراً لما فعلت بل ظنت بأنهُ تعجباً فقط لا أكثر. تحدثت بنبرة خافتة خجلة وهي تبوح ببعضِ ما بداخلها نحوهُ علّهُ يُدرك ما السبب وراء ما تفعل:
-لا أعلم لقد انصعتُ لقلبي فقط
تحدث مِن بين أسنانهِ بنبرة تحمل بين طياتها كل أنواعِ الغضب:
-حسناً إذاً لا تُكرريها مرةً ثانية وإلا لن يحدث خيراً أبداً أتمنى أن تكوني فهمتِ
رفعت عينيها لهُ حينما استمعت إلى نبرةِ صوتهِ والتي لم تكن مُحببة أبداً لتُقطب بين حاجبيها وهي تُحدق به تُحاول استيعاب تحذيرهُ هل هو يقصد ما يقول أم يمزح؟ هل بالفعل سيقوم بتنفيذِ تهديدهُ الخفي والمُبطن بكلماتهِ إذا فعلتها مرة أُخرى:
-هل أنت جاد؟
اصطك فكيهِ ببعضهما وهو يتحدث بفحيحٍ قائلاًك
-وهل ترينني أمزح يا آنسة؟ ما حدث الآن أول وآخر مرة سيحدث وأنا مُتأكد بأنهُ سيحدث آخر مرة لأنني لن أتعامل معكِ ثانيةً ولن أسمح لكِ بالاقترابِ مني أبداً. مِن اليوم فصاعداً لا تختلطي بي أبداً أنا رجلٌ متزوج ولا أحد يقترب مني سوى زوجتي فهمتِ؟
هذهِ المرة كانت الصدمة مِن نصيبها حينما وقعت على مسامعها كلمتهِ التي زلزلت كيانها وهو يُرددها بكلِ هدوءٍ وكأنها أمرٌ عادي. انقطعت أنفاسها ببطء وهي تحاول استيعابَ الكلمات التي خرجت منهُ الآن لتُعيد ترديدها بصوتٍ بالكادِ سُمع:
-مُتزوج كيف هذا ومتى؟
تراجع خطوةً للوراءِ وهو يُردف بنبرة جامدة كالصقيع:
-أنا لستُ مُطالب بالشرحِ لكِ يا آنسة يكفيكِ العلم بأنني متزوج حتى لا تعاودي ارتكابَ مثل هذهِ الحماقاتِ ثانيةً معي والبقاء بعيدة هو الحلُ الأمثل
ترقرقت عينيها بالعبراتِ وهي تدور بمقلتيها على تفاصيلهِ الجامدة بينما عقلها يسترجع ذكرياتِ الحفل وهي تتساءل هل التي رأتها مُسبقاً معهُ هي زوجتهِ أم واحدة أُخرى؟ هل معاملتهُ الجافة والباردة بمثلِ هذهِ الطريقة سببها هو زواجهُ مِن فتاة. لقد ظنت بأنهُ قد يكون مُعجباً بإحداهن ولكن أن يتصاعد الأمرُ للزواج هذا ما لم يكن بالحُسبان.
انتبهت إلى مَن كانت تُحدق بكلاهما مِن بعيدٍ لتُقطب بين حاجبيها قليلاً وهي تتمعن بها. أجل إنها هي نفس الفتاة التي كانت برفقتهِ بحفلِ الزفاف الخاص بعمها إنها تبكي هل هذهِ هي زوجته؟
أتتها الإجابة حينما انتبه فارس إلى عينيها التي باتت مُعلقةً بجانبٍ ما ليلتفت لنفسِ الجهة. تن*د بعجزٍ وهو يراها تُراقب كلاهما مِن بعيد باكية ليُدرك بكلِ سهولة أنها قد رأت هذهِ الحمقاء وهي تُقبله. بدونِ أيةِ مُقدماتٍ تحرك مُبتعداً مِن أمامِ الثانية غيرُ عابئاً بها وهو يُسارع باللحاقِ برنيم التي استدارت على عقبيها لترك المكانِ فوراً.
ارتسمت ابتسامة ساخرة حزينة على وجهِ سمية وهي تتيقن الآن مِن أن هذهِ زوجتهُ بالفعل لكي يركض خلفها بهذهِ الطريقة. يا إلهي وهي التي ذهبت إليهما بالحفل وطلبت رقم هاتفهُ أمامها بلك بساطة دون أن تدرك فحوى قرابتها به.
تسللت الغيرة والحقد بداخلها وهي تُحدق لكلاهما بعيداً بعد أن أوقفها ليحاول التحدث إليها وهي ترفض بكلِ الطُرق، لقد أُعجبت بهِ كثيراً وتعلقت بهِ بسبب شخصهِ الرزينُ الهادئ بعينيها كان كالجبل الذي لا تستطيع امرأةً أن تؤثر بهِ ولطالما شكل هذا تحدياً بداخلها حتى تصل إليهِ إلا أنهُ في خِضام هذا التحدث قد تعلقت به.
تتساءل ما الذي فعلتهُ هذهِ حتى تتمكن مِن الفوزِ بهِ بكلِ هذهِ السهولة، ما الذي فعلتهُ حتى تستطيع السيطرة عليهِ إلى هذا الحد حتى أنها جعلتهُ يتوسلها الآن مِن أجلِ الحديثِ إليها؟ هنيئاً لها بكل جدارة.
أما هناك فما إن رأتهُ يقترب منها بخطواتٍ هادئة إلا وقد سارعت بالتحرك مُبتعدة دون أن تُعطي ولو فرصةٍ واحدة للتوضيح. أي توضيح أو تبريرٍ يملك؟ هذهِ ليست المرة الأُولى التي يحدث بها هذا لقد سبق وتخطت الكثير خاصةً وأن هذهِ الفتاة لم تتوانى سابقاً عن محاولةِ التقرب منهُ والآن تُقبله.
لما لم يقوم بإيقافها عند حدّها مِن المرةِ الأُولى لما يسمح لها بالتمادي إلا إن كان راضياً عما تفعل ومُعجباً باحتكاكها به لن تُمررها لهُ هذهِ المرة وسيرى مُعاملة أُخرى.
وصلها صوتهُ الهاتف بها وهو يسير خلفها:
-رنيم
لم تُبدهِ أي اهتمامٍ وهي تقوم بمسح عبراتها بعنفٍ لتواصل سيرها بخطواتٍ حادة بعيدة عن سيارتهِ ليعقد جبينه بغضبٍ مِن عدم إجابتها لهُ ليهتف بصوتٍ جهوري:
-رنيم توقفِ
هتفت بهِ بحدة دون أن تلتف لهُ بينما قدميها تُتابعان:
-لن أتوقف يا سيد ولا داعي لتتبعني عُد إلى هذهِ الو**ة لإكمال ما بدأتهُ معك
شعرت بقبضةٍ مِن حديد تُمسك بذراعها لتفتك بلحمها، تجمدت أرضاً وهي تراهُ يجذبها بعنفٍ لتصطدم بص*رهِ ليُحكم قبضتيهِ عليها وهو يُردد مِن بينِ أسنانهِ قائلاً:
-ألم أقل لكِ توقفِ؟
تلوت بعنفٍ بين قبضتيهِ وهي تحاول الفَرار مِن بينِ يديهِ وسط حديثها الحاد وهي تبكي:
-اتركني فارس اتركني يكفني ما رأيتهُ الآن منك
هزها بحدة وهو يأمرها بالصمت ليتحدث ببرودٍ آمراً:
-اصمتِ اصمتِ واسمعيني جيداً أنا لستُ مُجبراً على التبريرِ بشيء. أعتقد بأنكِ زوجتي وأساسُ هذا الزواج هو الثقة إن ص*ر شيئاً يجبُ عليكِ أن تكوني واثقة تماماً بأنني لن أفعل ما يخالف مبادئي وما لا يصح أبداً
ضربتهُ بقبضتها الصغيرة بص*رهِ وهي تتحدث بنفسِ النبرة دون أن تتوقف عن البكاء:
-لا فارس بل يجب عليك التبرير لأن ما رأيتهُ ليس بالهينِ أبداً. ما حدث أن امرأةً أُخرى غيري اقتربت منك وقبلتك غير أنهُ يُشعل النار بداخلي هي أيضاً لا تحل لك أي أنك أخطأت أولاً بحقِ دينك ثم أخطأت بحقي.
اصطك فكيهِ ببعضهما ليحاول البحث عن الهدوء الذي تنجح دائماً وأبداً في إذهابهِ عنه وإخراجهُ عن طورِه ليتحدث بعدها مِن بينِ أسنانهِ بنبرة بردة ظاهرياً:
-رأيتِ ما قامت بفعلهِ لكنكِ تغاضيتِ عن ردِ فعلي أنا هذا بالإضافة إلى أنكِ لم تستمعي لما قلتهُ لها لذا لا تحكمي مِن طرفكِ أنتِ فقط
افترقت شفتيها ببلاهة وهي تُحدق بهِ مُتعجبة مِن كمّ البرودِ الذي يتحدث بهِ لها لتهتف غير مُصدقة بغضبٍ شديد:
-ما كل هذا البرود الذي أنت به؟ لما تتحدث بكلِ هذا الهدوء وكأن شيئاً لم يحدث وغير مُهتم بالنيرانِ التي تنشب بداخلي. أخبرني يا هذا ما الذي كان ليحدث لو أنني مَن قبلني رجلٌ آخر وأنت تقف مِن بعيد وتُشاهد ها؟
اتسعت عينيهِ بشكلٍ مُخيفٍ لتبرز شعيراتها الحمراء التي علمت مِنها بأنها قد خطت بأقدامها إلى أرضٍ مُحرمة خاصةً مع قبضتيهِ اللتين احتدتا عليها لتتغضن معالمها ألماً وهي تشعر بجسدها يرتفع مِن الأرض ليقترب منهُ أكثر. لفحت أنفاسهُ الحارة صفحات وجهها وهي تستمع لنبرتهِ المُخيفة هامساً:
-إياكِ رنيم إياكِ ومُحاولة التفكير بالمقارنة بشيءٍ كهذا لأنني لم ولن أسمح بهِ لنفسي أنا لذا لا تحاولي اللعب بهذهِ المنطقة عندي لأنكِ لن تحتملي النتائج
أتاهُ صوتها الهامس وهي تتحدث بذقنٍ مُرتجف:
-أنت أناني يجبُ عليكَ الاعتذار مني لا معاملتي بهذهِ القسوة وفوق كل هذا أنت المُذنب بحقي
أغمض عينيهِ وهو يتركها يائساً منها ليُحدق بها ببرودٍ وهو يُردد:
-لقد اكتفيت هيا لنعود للمنزل ونتفاهم سوياً
هزت رأسها بغيرِ تصديقٍ ويأس لما يحدث معاملتهاِ الصِلفة لا تتغير أبداً لتتحدث بنبرة مُعاتبة يملؤها الألم:
-معاملتك لي لم تتغير أبداً ألا تُدرك بأنني أصبحتُ زوجتك أي يحق لي الكثير لقد كنتُ أعتقد سابقاً بأنك تُعاملني بقسوة فقط لعدم وجودِ رابطٍ رسمي بيننا لكن الآن.. أصبحتُ زوجتك فارس ورُغم كل هذا لا أختلف عن غيري بالنسبةِ لك أنت تؤلمني كثيراً ولن أُسامحكَ أبداً
أنهت كلماتها لتتحرك مُبتعدة نحو السيارة بينما هو تن*د بإرهاقٍ وهو يمسح وجههُ بعنف، كيف يُفهمها بأنها حقاً مُختلفة أنها حقاً ليست كغيرها كما قالت إنها زوجته كيف تعتقد بأنهُ قد يُقارِن بينها وبين شخصٍ آخر. لا يُنكر بأن نُزعةِ الكِبرياءِ لا زالت بداخله ويكره الاعتراف بالخطأ لكنهُ تغير كثيراً عن السابق وكل هذا مِن أجلها.
هو مُدرك تماماً ما تشعر بهِ وأن ما رأتهُ الآن ليس بالهين لكن مِن ناحية أُخرى يجبُ عليها العِلم جيداً بأنهُ لم يصمت عما حدث. حاول الهتاف عليها مرةً ثانية وهو يراها تتحرك صوب السيارة:
-رنيم انتظري
إلا أنها لم تتوقف وتابعت السير لتقع عينيها على سيارةٍ ما بها بعض الأشخاصُ المُلثمين مُدججينَ بالأسلحة. رأت اثنين يُخرجون أجسادهم من النوافذ والأسلحة صوب هدفٍ واحد ألا وهو زوجها. هوى قلبها بين قدميها وهي تشعر بذهابِ الهواءِ مِن رئتيها لتركض بلا وعيٍ نحو وهلع نحو فارس الذي كان يهتف بها غير منتبهاً لما يحدث:
-انتبه
ما إن صرخت بكلمتها وهي تركض صوبهُ إلا وقد صعد صوت النيران لتستقر رصاصةٍ منها بظهرها وهي تقفز نحوهُ في سبيلِ حمايتهِ ليسقطا أرضاً بينما ملأ الرصاصُ سكونَ المكان لينتفض رجال الأمن الخاصِ بالمشفى لمُلاحقة السيارة بينما العديد مِن المدنيين قد اختبئوا هلعاً بعد ما حدث.
انتفض مِن أسفلها وهو يُحركها لترتمي بين ذراعيهِ أرضاً لتتعس عينيهِ ذُعراً وهو يرى الدماء تملأ أناملهُ، حاول التحدث عدة مراتٍ إلا أن الكلماتِ أبت أن تحضرهُ إلا أن أحرفهِ قد نجحت بالنهاية للخروجِ ليهتف بهلع ويديهِ ترتجف:
-رنيم! رنيم لا..