-رنيم! رنيم لا
الأمر لا يُحتمل كل ما حدث يُشبه صعودهِ على سطح هاوية والسقوط بها إلى أعمق النقاط، كل هذا كان بلحظةٍ واحدة لو أنه فقط كان مُدركاً للأمرِ قُبيل وقوعهِ لتمكن مِن إنقاذها.
لو علم بأن هذا ليحدث لمنعها مِن القدوم بالأساس حتى لا يشهد على هذهِ اللحظة التي قد تكون النهاية أو لحظةِ الفُراق.
لم يص*ر عنها شاردة أو واردة فقط جسدها ساكن بين يديهِ وعقلهِ يرفض وبكلِ شدة استيعاب ما يحدث معهُ الآن. لا يزل تحت تأثير الصدمة إلا أن كل ما دار بخُلدهِ الآن هو أن رنيم على وشكِ الموت أنهُ سيفقدها للأبد وهذهِ المرة لن يستطيع إعادتها أبداً.
هز رأسهُ بالنفي بقوة وهو يهتف بإصرارٍ بها وكأنها تستمع إلى كلماته بينما ذراعيهِ يلتفانِ حول جسدها ليحملها بقوة وهو ينهض بها مِن الأرض ليركض نحو مدخل المشفى وسط الجلبة التي ملأت المكان بأكمله. ما إن وقف على عتبةِ المدخل وقد بدأ بالصراخِ بصوتٍ جهوري وسط الزحام:
-أريدُ ناقلاً معي مُصابة فليُسعفني أحد
ركض نحوهُ طاقم مِن التمريض برفقة أحد الأطباء ليقوم هو بوضعها على الناقل وظهرها للأعلى ليركضوا جميعاً بها وسط حديث فارس الذي حاول أن يُخرجهُ ثابتاً وهو يروي تفاصيل ما حدث:
-لقد حدث الهجوم فجأةً وأثناء ذلك تعرضت للإصابة بظهرها نزفت الكثير مِن الدماء
أومأ لهُ الطبيب وهو يُشير بيدهِ ليتوقف أمام المصعد الخاص بنقلِ المرضى ليُفتح الباب ويهم الجميع بالولوجِ بداخلهِ ما عدا فارس الذي كانت ثيابهُ مليئة بالدماء ويديهِ مُلطخة:
-حسناً يا سيد سنتولى الباقي لن يُسمح لك بالدخول إلى هنا
توقف مكانهُ أرضاً مُتجمداً وهو ينظر بعينينِ تائهتين بالمِصعد الذي يُغلق أمام ناظريهِ على جسدها المُلقى فوق الناقل بينما العديد يحاولون إسعافها. لقد كان خائفاً للمرةِ الأولى بحياتهِ يتملكهُ الخوف بهذهِ الطريقة لا يُنكر بأنهُ قد راودهُ سابقاً بداخل العديد مِن المهام التي سقط بها أصدقائهِ ضحايا إلا أن هذهِ المرة كان الوضع مُختلفاً إنهُ مُرتعب والهلع يتملك مِن عقلهِ مِن فكرة الفُراق هذهِ المرة.
إنهُ ليس بفُراقِ أي أحد إنهُ فراق حبيبته وغاليتهُ العزيزة على قلبه. ارتجف جسدهُ مُنتفضاً وهو يُعيد على رأسهِ تلك الفكرة ليلتف مُسرعاً وهو ينوي الصعود إلى أعلى بعد أن تملك البأس وعدم الاستسلام معالمهُ. لا لن يسمح لليأس بأن يُسيطر عليه زوجتهُ إن شاء الله وبإرادتهِ ستبقى برفقتهِ لن يتركها أبداً ولن يتخلى عنها طوال حياتهِ ومَن فعل هذا سيقوم بتمزيقهِ للأشلاءٍ وفصل رأسهِ عن جسده.
صعد للأعلى غافلاً عن سمية التي كانت تتبعهُ وهي تركض بلا توقف خاصةً وأن ما شهدتهُ بعينيها لم يكن باليسيرِ أبداً. لقد كانت تحقد على الفتاة وتغيير منها ولكن أن يصل الأمر إلى القتل فهذا ما لن ترتضيهِ أبداً ليس لهذهِ الدرجة.
حاولت إيقافهِ وهي تهتف بهِ قائلةً بصوتٍ مُرتجف:
-فارس
التقطت أذنيهِ صوتها وهو يأتي مِن خلفهِ لتحين منهُ التفاتة نحوها إلا أنهُ حدقها بنظراتٍ باردة صقيعية دون أن يتوقف ولو لثانية لها نظراتهُ لها كانت غير عابئة وغير مُهتمة بالمرة ليُتابع ركضهُ نحو حجرة زوجتهِ بعد أن وقعت عينيهِ على الناقل الذي يحملها ليتقدم بها الأطباء نحو حجرة العمليات.
توقفت هي مكانها وهي تشعر بالنبذِ الشديد لتُقطب بين حاجبيها بغضب لم تكن تريدُ شيئاً سوى المواساةِ فقط ولكن يظل فارِس كما هو صِلفٌ لا يتغير. تراجعت بخطواتها نحو الطابق الذي يقبع بهِ عمها آسر لكي تُخبرهُ بكل ما حدث الآن أما هو فما إن وصل لباب حجرة العمليات وقد أنار الضوءُ الأحمر مُعلناً عن البدء بواحدة ليتوقف بقدميهِ أرضاً أمامهُ وهو يُحدق بتيهٍ وأعين مُهتزة.
ما الذي سيحدث الآن كل ما عليهِ فعلهِ فقط هو الانتظار لا غير. تراجع للخلف قليلاً وهو يستند بظهرهِ على الحائط المصقول مِن خلفهِ لينزلق ببطءٍ نحو الأسفل وهو يجلس في وضعِ القُرفصاء بينما جبينهُ بات يستند على يديهِ مُحاولاً التقاط أنفاسهِ التي ذهبت منهُ وشفتيهِ لا تُرددانِ سوى المُناجاةِ والدُعاء دون أن يسمح لعينهِ بإنزالِ عبرةً منه مُظهراً ضعفه.
سيكون قوياً وصلباً مِن أجلها حتى تتخطى هذهِ المحنة التي تقبع بها الآن. إن ضعُف للحظة لن يستطيع مُساندتها يجب عليهِ أن يكون الرابط القوي الذي ستتمسك بهِ مِن أجل الحياة وهذا الحبل إن كان ضعيفاً وانقطع فلن تستطيع النجاة أبداً، ها هو الآن بجوارِها ليمدها القوة والعون بعد الله ويُمسك بيدها دون أن يتركها للحظةٍ. سيحاول أن يتغير أكثر سيكون ليناً ودافئاً أكثر كل ما بهِ سيُحاول تغييرهُ فقط مِن أجلها.
على جانبٍ آخر.
-أيتها الغ*ية ما أعنيهِ هو أن والد*كِ هذان مِن المُمكن ألا يكونا والد*كِ الحقيقيين
تجمدت بين يديه وهي تحاول أن تستوعب ما قالهُ الآن لتُردد بغيرِ فهم:
-ماذا؟
تن*د آسر بحدة وهو يُعاود التحدث بنفسِ النبرة إلا أن صوتهُ هذهِ المرة قد خالطهُ بعضُ اللهفة والتوسل حتى تُنصت لباقي الحديث:
-كما سمعتِ الآن شهادة ميلادِكِ مُزورة الاحتمال القوي الذي يتأرجح بعقلي الآن هو أنكِ لستِ ابنة أحد مِن الاثنين الذين تقومين بنعتهما أبويكِ لذا أنا لا أطلبُ منكِ فقط سوى الصبر أعطني الفرصة لكي أصل على نتيجةٍ نهائية حتى لا تكوني السبب في انفصالنا للأبدِ زينة هل تُريدين لهذا أن يحدث؟
تحدثت بأنفاسها المُتهدجة وهي تنظر لهُ بألم قائلةً:
-لهذا فقط! الآن عرفتُ ما السبب الذي دفعك طوال هذهِ المدة لتجنبي وعدم اقترابكَ مني لهذا السبب؟
ابتلع ريقهُ دون أن يستطيع إنكارَ هذا لتُردف هي بنفسِ النبرة دون أن تتغير:
-منذُ أول ليلةٍ لنا بعد الزفاف وقد حملت نفسك وذهبت بعيداً لتتركني أنتظرُكَ على أحرٍ مِن الجمر لمعرفة أين ذهبت. لقد كنتَ تعلم منذُ هذا الوقت ولم تُكلف نفسك ولو عناءَ إخباري بالأمر لدرجة أنني ظننتُ بأن ابتعادِك عني بسبب وجود أُخرى بحياتِك وأنا كنتُ كالبلهاء وأقنعتُ نفسي بهذا لأستيقظ على سببٍ أبشع وأكثر سوءاً. ليت الأمر كان بوجودِ أُخرى وأتيت تطلب مني المغفرة لسامحتُك وعدنا سوياً بعد أن تقنعني بأن الأمر لم يكن إلا نزوةً عابرة ووجودِ طفلٍ بيننا قد يكون سبباً لإعطائك فرصةً ثانية. لكن الواقع بأن السبب كارثي ولا يوجد لهُ أية حلولٍ فقد قمتَ بقطعها نهائياً آسر.
هز رأسهُ بالنفي وهو يُحاول التحدث بحاجبين مُقوسينِ حزناً وهو يطلب منها التمهل دون أن تتسرع إلا أنها قد قاطعت كلماتهِ هذهِ ولم تُعطهِ الفُرصة بهذا:
-بلى آسر لقد قمتَ بفعلِ هذا وبملء إرادتك قطعت كل حِبالِ الوِصالِ بيننا بالحقيقةِ لم يكن يوجد وِصالٌ بالأساس لقد كان مُحرماً واستمريت بارتكابِ هذا الإثمِ معك حتى أصبحت أحمل نتيجة هذا الإثمِ بداخلي. زواجٌ باطل وطفلٌ لابد مِن قتله
اتسعت عينيهِ غضباً وهو يهم بمُقاطعتها إلا أن دخول ابنة أخيهِ مُسرعةً عليهم قد جعلهُ يتركها وهو ينظر للثانية التي لم تعبأ بما حدث بل كان كل همها هو ريّ كل التفاصيل له بأنفاسٍ لاهثة:
-عمي لقد قام بعضُ المُلثمين بإطلاقِ النيران على فارس وزوجته
هتف الثاني بحدة غير مُصدقاً:
-ماذا ما الذي تقولينه؟
أومأت لهُ سمية وهي تروي كل ما حدث مُوضحةً:
-بعد أن خرجنا مِن عندك ذهبتُ برفقتهِ نحو الأسفل وأثناء وقوفي معهُ أمام مدخل المشفى وقد مرت سيارةٌ بها بعضُ المُلثمين وقاموا برميهِ بالرصاص لتستقر الرصاصات بجسدِ زوجته وتم نقل لحجرة العمليات بالطابق أسفلنا وهو ينتظر برفقتها
سارع آسر بالتحرك مِن الحُجرة بينما كانت زينة تستمع لكلماتها لتجفل قليلاً مِن الخوف الذي تسلل إليها على هذا الذي غادر مِن أمامها، انتبهت إلى شيءٍ ما لتهتف بسمية التي اقتربت منها:
-ما الذي قلتهِ الآن؟ هل هو متزوج؟
قوست سمية حاجبيها حُزناً وشفقة على حالها لتُومئ برأسها وهي تُحاول تغيير الموضوع:
-لا بأس ما الذي حدث لكِ لما كنتِ تبكين بهذهِ الطريقة عينيكِ مُنتفخة وحمراء بشدة هل قام عمي بشيءٍ ما
تذكرت زينة ما حل بها مِن كارثة ليرتجف ذقنها بقوة وهي تُعاود النحيب بخفوتٍ هامسة بنبرة قد أثارت حفيظة سمية مِن أجلها قلقاً:
-لو تعلمين ما الذي حدث سمية لبكيتِ مِن أجلي دماء
أنهت كلماتها لتستمر بوصلةِ النحيب لينتفض قلب سمية مِن أجلها فزعاً وهي تُعانقها لتحاول تهدئتها قليلاً وهي تهتف بها بتساؤل:
-ما الذي حدث اهدئي قليلاً واشرحي لي؟