كل شيء بدا في ليلة ماطرة، لقد كان الجو باردا كالصقيع، و كان علي الذهاب الى أحد الفنادق للمبيت هناك ريثما اجد منزلا مناسبا لي كي استقر فيه ، لم يمضي على وصولي الى مصر سوا ساعة واحدة فقط، وبسبب سوء الاجواء هنا صعب علي ايجاد سيارة اجرة تقلني وعلقت في المطار لمدة ساعة كاملة، لحسن حظي أني عثرت على سيارة أجرة، حسنا لاكون صريحة معكم انا لم أرتح لصاحبها، لقد كان رجلا اربعيني اكتسى شعره شيبا و وجهه التجاعيد من ملامح وجهه تشعر كأن مصائب الدنيا قد حلت عليه الا انها لم تطفئ حرارة عينيه الحارقة، كان ينظر الي بنظرات تفحصية اعرفها جيدا، لم يكن لديا خيار آخر سوا الذهاب برفقته، كونها سيارة الأجرة الوحيدة التي تمكنت من العثور عليها، وضع حقائبي في صندوق السيارة الخلفي، بينما أنا جلست داخلها واغلقت الباب وانا ادعو من صميم قلبي أن أصل الى وجهتي بخير دون أن يحدث مما يخبرني به عقلي وحدسي، جلس خلف المقود ثم عدل المرآة الامامية كي يظهر انعكاسي عليها ويتمكن من رؤيتي، استطعت من خلال تلك المرآة التي أمامه لمح ابتسامته التي زادت من خوفي ولا أدري لماذا، تنحنح قليلا دون ان يرفع عينه من المرآة وقال بلهجة لحسن حظي أني تعلمتها من والدتي: " القمر عايز يروح فين؟".
اعطيته ورقة صغيرة كتب عليها عنوان الفندق و مكانه دون أن اقول شيئا، اتسعت ابتسامته بعد قراتها لتظهر أسنانه الصفراء، التي يبدو ان بعضا منها قد **ر كما لو ان الحرب العالمية الثانية قد وقعت هناك داخل فمه، الرحمة متى آخر مرة غسل فيها هذا الرجل أسنانه "dogmatik" قلت ذلك وانا التفت الى النافذة، " قلتي حاجة يا هانم؟"، اومأت بالنفي دون أن أنظر اليه وانا اتمعن في تضاريس مصر الجميلة ورونقها لعلي بذلك انضف عيناي التي لوثت بفضاعة اسنانه وانا احمد الله انه لم يفهم ما قلته، اتعلمون لطالما أخبرتني أمي عن جمال مصر و روعتها، اووووه يالغبائي نسيت أن اعرفكم على نفسي أدعى " ماجدولين سردار " من ام مصرية و اب تركي فرنسي ولدت في فرنسا، اطلق ابي علي اسم ماجدولين نسبة لاسم والدته الفرنسية، اوووه جدتي الحنون افتقدك حقا فيلتغ*د الله روحك بالرحمة والغفران... انا فتاة في السادس والعشرون من عمر متوسطة الطول اي أنني لست بطويلة او قصيرة، شعر طويل أ**د اللون وعينين بندقيتين ورثتهما عن أبي، و وجنتين ممتلئتين كما أنني عالمة آثار أكثر عمل أحبه واستهويه هو البحث والتنقيب عن الآثار التاريخية .
كان يقود طوال الطريق دون ان يتوقف عن النظر الي، حقا الامر كان مزعجا جدا تمنيت لو أنني أصل الى الفندق بأسرع وقت فقط كي اتخلص منه، تبا لما اشعر وكانني نسيت شيئا ما، ا****ة على حدسي هذا كما لو ان هذا اللعوب الذي امامي لا يكفي، لحظة واحدة حـقــيــبتــي، يا الهي لقد نسيت حقيبتي الصغيرة التي تحوي على النقود وهاتفي وبطاقات الاتمان اطلقت صرخة جعلته يوقف السيارة فجأة، ودون سابق انذار ليترطم راسي بالكرسي الامامي وراسه بالمقود المسكين افزعته حسنا يستحق، التفت الي بفزع وقال: " ايه في ايه بتعيطي ليه؟ خضتيني الله يهدك ".
كيف سأجيبه الآن بأن حقيبتي قد نسيتها في المطار وان النقود داخلها وليس معي ما ادفعه له؟، كيف ساخبره بانه علينا العودة، أنا افهم اللهجة المصرية ولكن مضى وقت طويل منذ ان استخدمتها يا الهي بقيت افكر بالكلمات التي تمكنه من فهمي، وانا في حالة من التوتر والخوف الشديدين من ردة فعله لقد قطعنا مسافة طويلة جدا، بدات اتحدث اليه بالاشارات وعيناي لا تتوقفان عن ذرف الدموع، شعر بتذمر و زفر بقوة ثم قال: " أنا مش فاهم حاجة من الي انتي بتقوليه دا؟ هو انتي ما بتتكميش عربي ولا ايه؟".
عضضت شفتاي قهرا وانا العن حظي آلاف المرات بل ملايين المرات، اخدت احك جبيني بقوة وانا مغمضة العينين محاولة بذلك تذكر بعض الكلمات التي تساعدني في توصيل ما اريده له، وفجاة تذكرت وقلت بتلعثم: "الشنطة...المطار...النقود..هنااك...نرجع لازم ".
حسنا يمكنكم أن تتخيلوا منظره الآن وهو ينظر الي بصدمة بعينين متسعيتين تطلق سهاما من نظرات الغضب والغيض، ببساطة أسد ويرغب في ان ينقض على فريسته نعما نعم، صاح فجاة ما جعل جسدي يرتعد وقال:
" نعم يا ختي بقا طول الوقت واحنا بالطريق ما افتكرتيش الا بعد نص ساعة انك نسيتي الشنطة بتعتك هناك وعايزانا نرجع ".
لا أدري لما شعرت براحة لانه تمكن من فهمي من خلال ستة كلمات نطقتها فقط رغم غضبه، لكم المقود ونفث بقوة وهو يطلق علي بوابل من الشتائم ولا تسالوني كيف عرفت بانها شتائم، هدأ قليلا والتفت الي بوجه لا يبشر بالخير، حسنا وجهه لا يبشر بالخير منذ البداية الا أن الآن أكثر من قبل، لانه كان يبتسم الي بشر ويضيق عينيه اللتان تدحرجتا بافتراس نحو..... ماااذا؟....ا****ة هذا المنحرف انه ينظر الى ص*ري، تخلل شعر بيديه و ابتسامته تزداد اتساعا وقال: " مش محتاجين نرجع خااالص أنتي هتدفعيلي بطريقة تانية ".
جفت الدماء بعروقي وانا ابتلع ريقي بصعوبة، لوقوع تلك الكلمات التي باح بها على مسامع اذناي، ما جعلني أنزل وشاحي الاحمر لاخفي ص*ري بشكل أكثر من مجال عينيه، نزل من السيارة وتقدم نحوي ليجلس بجانبي حاولت فتح الباب والهروب الا أن باب السيارة كان مغلقا باحكام، ضحك وقال: " على فين يا ماما أنتي مش هتخرجي من هنا غير لما اخد الي انا عايزو، ما تخافيش ما حدش هيعرف حاجة خااالص ".
تسارعت دقات قلبي خوفا من الذي سيحصل لي، وانا هنا وحدي مع هذا المتوحش في منتصف الطريق ولا أحد هنا لأنقاذي، نزلت دموعي كشلال دون توقف، حاولت ان اتوسل اليه ان يبتعد عني، ولكن هيهات هو لن يفهم حرف مما ساقول، بدا يقترب مني ليقوم بتقبيلي رغم عني، ما جعلني اقوم بصفعه بكل قوتي، وما قمت به زاد الطين بلة كما لو انني قم بتشغيل زر الرجل المتوحش داخله، احمرت عيناه وص*ره بدا يعلو وينخفض زفر بحنق وقال من اسنانه الصفراء: " يا بنت الذين أنا ترفعي ايدك عليا ان ما ربيتك ما يكونش اسمي مرزوق الحسني يا بنت ش***".
مزق ثيابي بكل قوته ما جعل ص*ريتي تظهر، لقد كان قويا، لم يشفع صراخي وترجي له بان يتوقف، دفعني اسفله ليهم بتقبيلي وتلثيم عنقي، حاولت بكل قوتي ان أدفع ص*ره بعيدا عني الا ان حجمي الظئيل امام جثته الضخمة لا يسعني في ازاحته ولو بشعرة واحدة عني، لمعت في عقلي فكرة وهي ستكون سببا في خلاصي.
في ذلك الوقت كان تيم وأخته الصغرى لجين داخل سيارة يقودها امجد، عائدين الى القصر.( هتعرفو كل حاجة عنهم من خلال الرواية يا حلوين بس بقلوكو اهو ماحدش يكرش على امجد ? عشان انا بكرش عليه ?).
لجين: ياااااه بحب فصل الشتاء اوي يا تيمو.
تيم: انا عارف انتي بتحبيه عشان المطر ولو مكناش جوا العربية دلوقتي كان زمانك بتنطي فوق المية وهي بتشتي زي العيال.
انتفخت خدا لجين بشكل طفولي وقالت بحنق:" يعني ايه قصدك انا عيلة.
قهقه تيم لمنظر أخته الصغرى وقال: "لا ابدا ماقصدتش كدا يا لولو" ثم اقترب منها وهمس داخل اذنها قائلا: " عشان انتي فعلا عيلة " وتعالت ضحكاته، وازداد غضب لجين لدرجة انها بدات بلكمه على كتفه وهي تقول: " انا مش عيلة.... قلتلك كذا مرة اني مش عيلة وعمري بقا 19 سنة افهم بقا".
لم يعر أمجد بالا لشجارهما، وما لفت انتباهه تلك السيارة المتوقفة في منتصف الطريق وهي تهتز بشكل غريب كما لو ان حربا تقام داخلها، او كأنها تتراقص تحت قطرات المطر احتفالا ببداية موسم الشتاء، وفجاة خرجت منها فتاة تركض وهي تلملم ثيابها في ذعر وتتجه أمامه طالبة للنجدة، اوقف امجد السيارة فجاة، واخذ يدقق النظر في تلك الفتاة.
تيم: هو انت وقفت العربية ليه يا أمجد؟.
لاحظ تيم شرود امجد وهو ينظر أمامه لتلك الحسناء القادمة، دحرج تيم بصره باتجاه ما يحدق به امجد وقال متعجبا : مين البنت دي؟
لم يجب امجد تيم ونزل من السيارة ليرى ما يحدث، انزلت لجين زجاج النافذة لتلقي نظرة على تلك الفتاة وقالت: البنت دي حلوة اوي، هي مين دي؟.
تيم: مش عارف خليكي هنا، هنزل اشوف ايه الي بيحصل.
تقدم امجد نحو الفتاة التي بدا عليها الفزع الشديد، كانت تتمتم بكلمات غير مفهوم وسط شهقاتها وهي تركض نحوه كما لو أنها تهرب من شيء ما، بعد دقائق نزل الرجل خلفها مم**ا بما بين ساقيه وهو يتأوه من شدة الالم... اعتقد ان كيفية هروبها قد اتضحت للجميع الآن?، اختبات الفتاة خلف امجد وهي ترتعد لا يدري ان كان خوفا من هذا المفترس او من شدة البرد، تقدم الرجل نحو امجد وقال متوعدا: ورحمة امي مديحة لخليكي تندمي على اليوم الي انولدتي فيه.
أمجد: هي مديحة ما عرفتش تربيك ولا ايه؟
مرزوق: اديني البنت وما تتدخلش في الي مالكش فيه.
تمسكت ماجدولين بقميص أمجد وهي تختبئ خلفه كدرع حماية لها، لا تدري لما تشعر بأنه سيحميها منه.
أمسك امجد يد ماجدولين وقال دون أن ينظر اليها: ما تخافيش مش هيعملك حاجة.
بدون أي مقدمات قام مرزوق بلكم أمجد ليرد هذا الاخير اللكمة جعلته يسقط أرضا، لينهال عليه أمجد بوابل من اللكمات غيرت ملامح وجهه ليسرع تيم بايقافه قبل أن يرتكب جريمة قتل.
تيم: خلاص يا امجد سيبو انت هتموتو.
ازاح أمجد خصلات شعره المبتلة بسبب الامطار والتي تسللت لجفون عينيه وقال: ان ما وديتك في ستين داهية و خليتك عبرة لاي حد يحاول يستغل شغلو عشان يغتصب البنات ما يكونش اسمي امجد عبد العزيز.
هنا توقف الزمن بالنسبة لي في الحقيقة آخر ما توقعته ان يكون منقذي من آل عبد العزيز أكثر عائلة كرهتها واحتقرتها في حياتي لما فعلوه بوالدتي، شعرت كما لو ان الدماء قد جفت بعروقي و اطراف جسدي قد تجمدت، لما حظي هكذا، بان يكون عدوي وسيما حد ا****ة، كما لو فقداني لحقيبتي وتعرضي لمحاولة الاغتصاب لا تكفي، حتى يكون منقذي من الذ اعدائي، لم أشعر الا بيد تسحبني، لقد كانت فتاة شقراء بعينين زرقاويتين واسعتين ، ا****ة انها تشبه والدتي كثيرا، في هذه اللحظة أنا لم اعد استوعب ما تقوله، انا لم اعد استوعب ما يحدث لي في الحقيقة، سوا أنني عثرت على هدفي أخيرا.