المقدمة
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(( غاي ..
ربما ستجد بما ساقوله الان لك بعض الانانية .. وربما شيء من الوقاحة .. لكنها بالنسبة لي الحقيقة ولا شيء سواها .. انا لا استطيع فعل ما تريده .. لايمكنني ان اكون المراة التي تتمنى .. ولا الأم التي تحلم بها لابنتك .. سامحني .. خصوصاً وانه لم يتبقى لعقد قراننا سوى اسبوع واحد لكنني ادركت الان ولو متاخرة جداً .. بانني لا استطيع .. المشاعر لوحدها لايمكنها ان تصنع حياة .. وما تعرضه علي يشكل ثقل كبير على عاتقي .. انا اسفة .. جداً .. قد لاتصدق مقدار حزني لذلك لكنها ليست الحياة التي اريد .. لقد فكرت ملياً وكان هذا قراري .. وهو القرار الاصعب الذي اتخذته في حياتي .. كنت مهماً جداً بالنسبة لي لكن ليس لدرجة ان ارمي كل ما اريده خلف ظهري والتحق بك .. لاكون زوجة لك وام رحوم لطفلتك .. لا .. لا استطيع .. فسامحني .. واتمنى ان تتفهم قراري مع مرور الوقت والا تتخذ موقفاً غاضباً من والدي فهو لايعلم باي من هذا .. هو لاصلة له بالامر .. انه قراري انا .. وانا وحدي من اتحمل مسؤوليته ..
ولاننا ربما لن نرى بعضاً البعض في المستقبل فارجو منك وبشدة .. ان تنسى كل ماحصل وتغفر اية اساءة بدرت مني اتجاهك ..
اسفة جداً غاي ..
وداعاً ..
داني مارشيل ))
رفعت داني عينيها عما تكتب والدموع تملا وجنتيها .. وجهها شاحب شحوب الموتى واصابعها ترتعش فيما كل افكارها مشوشة .. ماذا كتبت يا ترى .؟ وهل يفي ما قالته بالغرض ؟. انه سوف يكرهها جداً .. هذا مؤكد .. واغلقت جفنيها باسى فانسابت دمعات جديدات كن محتجزات خلف مقلتيها .. تشعر بسكين حادة تطعن قلبها مخلفة الم عميق **ر روحها وفتتها لاجزاء مبعثرة .. راسها انحنى للاسفل وانطلقت همسات خافتة مترجية من بين شفتيها
" اه غاي .. سامحني .. " وشهقت باكية " سامحني ارجوك "
وبكت بحرقة فيما كل الاهات داخلها تتصاعد وتتزايد .. كل ماخططت له .. كل ما حلمت به .. كل ما تمنته يوماً .. كل شيء .. ضاع .. صار هباء .. بلا اية فائدة .. وعادت الى ذاكرتها صورة خطيبها ذو الواحدة والثلاثون عاماً .. ابتسامته الدافئة ونظراته اللطيفة .. ملامحه الهادئة المحبة .. واطلقت تاوهاً معذباً .. تتمزق خلاياها بلا توقف .. ماذا ستفعل الان بدونه ؟. وكيف ستحيى .؟. من دون حضنه وقبلته .. كلماته وصوته الاجش .. من دون ذراعيه المتملكتين .. كيف ؟.
اخذت انفاس متقطعة مختنقة وجاهدت مطولاً لتسيطر على نفسها .. عليها ان تظل قوية جامدة .. على الاقل حتى تغادر البلدة وبعدها .. لايهم اي مما سيحدث .. فهي لاتهتم .. بدون غاي لن تكون حية .. لن تتنفس .. ولن تعيش .. وكادت تضعف مجدداً لكنها مسحت وجنتيها باصرار ووقفت تمسك بالرسالة بين اصابعها لتطويها .. وضعتها في الظرف وكادت تمد يدها لتنزع خاتم الخطوبة .. لكنها توقفت تعود لتدقق به وفي عينيها نظرة تائهة شاحبة .. انه الشيء الوحيد الذي سيبقى منه .. فهل ستفرط به ؟. هو لن يذهب خلفها ليطالب باعادته باية حال فلما لا تبقيه معها ؟. وبللت شفتيها الجافتين تتن*د وتعود لاغلاق الظرف على الرسالة الصغيرة فقط .. سوف تتركها هنا حيث سيراها والدها حين يعود من عمله ويسلمها لغاي .. تخيلت موقفه حين يقراها .. وبما سيفكر ..الهي .. ماذا عن ايما ؟. لابد انها سوف تسال عنها كثيراً .. تلك الملاك الصغير .. ذات العامين والنصف والتي اصبحت صديقة داني ومرافقتها لثلاثة اشهر متتالية .. بسببها هي تقربت من غاي وعرفته اكثر .. الفتاة اليتيمة .. وهاهي الان تتركها ايضاً .. ترى ماذا سيفعل غاي ؟. وتنفست بصعوبة .. لقد حاول منذ بداية لقائهما معاً الا يدعها على مقربة منه حفاظاً على مشاعر ابنته الرقيقة .. وكي لاتتعلق باوهام واهية لا وجود لها .. وبعد اشهر بات مرتاحاً مسروراً لعلاقتها المتينة بالصغيرة ، موافقاً عليها بكل سعادة .. قائلاً بانهما معاً مثالاً رائع للام والابنة .. وانه لايريد لداني ان تتركها .. يريدها ان تكون ام حقيقية لايما طوال سنوات حياتها ..
احست داني باشواك تحتل حلقها فابتلعت ل**بها بصعوبة والغصة تتصاعد اكثر .. عليها الا تنهار مجدداً والا فلن تغادر هذا المنزل وهذه البلدة ..
" كل شيء بات جاهز داني "
وعت من شرودها على صوت شاب خلفها فاستقامت وارتدت اليه
" القطار سيغادر عند الساعة الواحدة .. اي بعد نصف ساعة .. علينا ان نسرع "
فتحت فمها تنطق بصوت خافت يملاه الحزن
" لقد انتهيت "
" جيد " هز براسه يراقب حقائبها الموضبة وتقدم الى الداخل باتجاهها .. يقف مقابلاً لها ويتاملها بعطف .. ثم يمد يديه ليحيط بوجهها ويهمس لها
" سيكون كل شيء على مايرام .. انا معك "
" اه بيتر !! " وارتعشت شفتيها من جديد فضمها اليه سريعاً
" كيف سافعلها ؟. هذا مؤلم جداً ! "
" اعرف عزيزتي .. اعرف .. لاتبكي .. انا ساعتني بك .. طوال الوقت "
" لا تتركني بيتر .. انا خائفة .. جداً "
وتشبثت قبضتيها بقميصه فضمها اقرب
" اما معك .. ولن اتركك .. ابداً "
رفعت داني عينيها من خلفه كتفه لتلمح رسالتها لغاي متوضعة على طرف الطاولة .. فيما على الطرف الاخر هنالك ظرف ازرق كبير .. قرب حقيبة يدها .. وضمت فمها المرتعش تدرك بان حياتها منذ الان .. سوف تنتهي تماماً
*******
" انه مصاب ب ... نوع من سرطانات الدم .. يدعى النخاعي المزمن .. وللاسف فقد اكتشفنا ذلك متاخراً جداً "
حدقت داني في وجه الطبيب وهي جامدة شاحبة .. ترف بجفنيها الحارقين لثوان طويلة ربما لتستوعب الامر .. ثم نطقت اخيراً بهمس
" وكم .. تبقى لديه من الوقت ؟ "
" أ .. " وتململ الطبيب في جلسته خلف مكتبه الخشبي " ليس كثيراً "
ردت عليه بحدة
" كم ؟ "
" اسبوعين ربما .. لا اكثر .. اننا نعطيه بعض العقارات والمسكنات لكنها لن تكون كافية .. فقدت بات الامر منتهي .. انا اسف "
ازدرت داني ل**بها باختناق تشعر بالغصة تعلق في حنجرتها ثم اخفضت عينيها لتتامل اصابعها المرتجفة المتشابكة .. تكاد لاتراهم من خلف ستارة الدموع التي غطت انظارها
" انا اسف لقولي هذا انسة مارشيل .. لكن .. لقد علمت بان جدتك ايضاً كانت مصابة بسرطان الدم .. وتوفيت بعد اشهر من صراعها معه .. والان والدك .. هذا المرض وراثي انستي ولذلك .. ربما من الافضل لك ان تخضعي لفحوصات طبية .. فقط للاطمئنان "
رفعت عينيها اليه ترمقه ب**ت مؤلم فاقترب الطبيب ماكلاي من طاولته ليستند اليها ،ينظر في عيني الشابة امامه بعطف ولطف و يتابع
" انت وكما عرفت .. الابنة الوحيدة لابيك .. وهنالك احتمال كبير بان تكوني حاملة للمرض "
تنفست داني بصعوبة تنطق اخيراً
" انه ليس بالوقت المناسب الان .. الا تلاحظ ؟ "
" اسف .. لكنني حذرتك "
وقفت داني متمهلة تترك كرسيها .. تحمل سترتها وتخطو باتجاه باب الخروج .. غير قادرة على قول كلمة اخرى .. تشعر بعالمها ينهار .. وينهار .. من جديد ..
فتحت الباب وخرجت باتجاه الرواق تود فقط ان تتنفس فهي تشعر بالاختناق .. تضع يدها على ص*رها وتاخذ نفس عميق .. والدها دخل المشفى منذ اسبوع وقد عرفت ذلك بالامس فقط عن طريق صديقة قديمة لها من البلدة .. فهرعت لرؤيته على الفور .. وها هو هنا .. صريع المرض ..متالم .. وحيد .. وحزين بسببها .. انه حتى تصرف بجفاء وجمود حين رآها .. يذكرها بصوته الضغيف بالماضي وبما سبق وارتكبته بحق غاي قبل ثلاث سنوات .. قال بانه لن يسامحها .. وتوقفت بقرب الحائط تسند يدها اليه .. لن يسامحها .. سيموت قريباً جداً وهو لم يسامحها فماذا هي فاعلة .. ؟ واغلقت جفنيها تسمح للدموع الدافئة بالانسياب على وجنتيها
ماهي الا دقائق حتى استجمعت شجاعتها وقصدت غرفته لتفقده .. تمسح دموعها وتقوي نفسها فوالدها لايعرف انه مريض .. ولن يعرف ..
" هل تاخرت ؟ "
هتفت حالما دلفت الى الغرفة الصغيرة واغلقت الباب خلفها ثم تقدمت ترسم ابتسامة شاحبة كاذبة على وجهها ...ابتسامة سرعان ما اختفت ليحل مكانها الذهول والجمود.. تتوقف قدميها كما انفاسها فيما تسمرت نظراتها وعينيها في عيني الرجل الجالس مقابلاً لها .. الدوار كما الوهن تسلل اليها وهي تقف كالخرساء لثوان .. لاتفعل شيء الا التحديق بوجهه الحبيب القاسي وعينيه المليئتين بالكره والنفور كما باللوم .. راقبته بدقة تتامله بشوق لا ينطفئ .. كم اشتاقت اليه ! وحاولت ان ترتوي عطشاً منه .. وتحتفظ بصورته لوقت اخر خلال لياليها المسهدة .. لكنه ادار وجهه بفتور ياخذ نفس عميق وبدا عليه التاثر كما حالها لرؤيتها مما جعل الضعف يدب في اطرافها .. تمنت لو تركض وتحتضنه .. لو فقط تشم رائحته .. وجمعت اصابعها المرتجفة معاً .. لو تستطيع الصراخ والاعلان ملئاً عن حبها الدائم له .. لو ...
لكنها بللت شفتيها وتململت من شرودها تتقدم وتقول بصوت كابدت لتجعله قوي هادئ
" مساء الخير "
وارتجفت انفاسها وهي تجلس على الكرسي المقابل له يفصل بينهما سرير والدها فقط .. والذي استلقى بمكانه شاحب متالم
" ماذا قال الطبيب يا داني ؟ "
نظرت الى وجه والدها الذي يشبه وجهها لحد كبير .. فقد ورثت عنه لون شعره البني الفاتح كما لون عينيه الزرقاوتين الغامقتين .. لكنه الان يبدو مختلف .. ضعيف جداً وواهن جداً ..
" لاشيء مهم .. بعض الالتهابات فقط .. ستكون بخير يا ابي فكن قوي "
تن*د هاورلد مارشيل بعمق ثم وصلها صوته المتعب
" لا ادري لما .. لكنني لا اصدقك "
شعرت داني بعيني غاي عليها تراقبها فجاهدت كي لاترفع راسها اليه .. وفركت اصابعها ببعض من جديد
" ارجوك ابي .. كل شيء على ما يرام .. لا تقلق "
وحاولت ان تمنحه ابتسامة لكنها لم تستطع .. فرفعت يدها لتفرك جبينها وجفنيها .. انها متعبة ومنهكة القوى ولم يعد لديها طاقة على احتمال المزيد ..
" غاي .. عليك الاهتمام بالاعمال لحين عودتي "
" سافعل هاورلد .. لاتقلق "
سرت رعشة في جسد داني لمجرد سماعها صوته الاجش الذي لم يتغير .. وركزت بنظراتها على غطاء السرير الابيض .. الدموع تسللت الى مقلتيها رغماً عنها .. لقد كانت تعرف بانها ستلتقي به وقد حضرت نفسها لهذا اللقاء ..لكن الان .. كل ذلك راح هباءً وهاهي امامه ..متوترة ضائعة .. تائهة وسط مشاعر متراكمة مؤلمة ..
لقد فكرت ملياً وهي قادمة بما ستفعله وتقوله لو التقت به .. وكيف ستتصرف .. لقاءهما كان ضروري فهو بالنهاية شريك والدها في مصنع الزيتون واراضي الجبل كما وانه يملك المنزل المجاور لمنزل ابيها .. ترى الا يزال يقطن هناك ؟. وماذا عن ايما .. لا بد انها في الخامسة والنصف الان .. ترى كيف تبدو ..؟.
" داني .. هييييي "
وعت على صوت والدها الخافت ونظرت اليه مقطبة متسائلة
" هل انت بخير ؟ "
" امممم " واومات براسها
" تبدين شاحبة ! "
" هذا هو لوني الطبيعي يا ابي .. انا بخير لاتقلق "
والقت نظرة سريعة على غاي فتقابلت نظراتهما لثانية ثم افترقت .. تشعر بالتاكيد بذلك العداء القاتل الذي تبثه لها عينيه الرماديتين ..
" كيف حال ايما يا غاي ؟.. لقد اشتقت اليها كثيراً "
" انها بخير .. وتسال عنك معظم الوقت "
" اه ما الطفها !.. و .. " وتململ في مكانه يلقي نظرة سريعة على ابنته " هل ماسمعته صحيح ؟. هل نويت ان تتزوج فعلاً ؟ "
رفعت داني عينيها سريعاً اتجاهه تحدق به بصدمة فتجاهلها يعامل وجودها بعدم اهتمام ويجيب ابيها
" صحيح .. بعد شهرين تقريباً "
توقفت انفاس داني عن الخروج وطعن الالم قلبها فانبعثت دموع جسدها كله الى عينيها .. كادت تختنق وهي تقبع هناك تنظر اليه مما جعلها تضم فمها المرتعش ثم تتحرك لتقف
" أ ..ابي .. انا ..علي اجراء مكالمة.. لن اتاخر "
وارتدت على عقبيها سريعاً وخرجت .. ماكادت تغلق الباب خلفها حتى شهقت باختناق وحاولت التنفس .. خفقات قلبها تتسارع بجنون وجسدها يغدو كتلة من الارتجاف .. سارعت لتتخذ كرسي الانتظار في الرواق مكاناً لها قبل ان تسقط ارضاً وتنفست برويد لمرات علها تهدا .. سوف يتزوج .. اي انه لم يتزوج بعد ..لكن .. يا الهي .. لماذا ؟.