3/3/2013
في غرفة صغيرة بمنزل في أحد الأحياء الشعبية بالإسكندرية المطلة على بحر الم**، وقفت شاردة تنظر للبحر، تراقب أمواجه الهائجة متسائلة إلى أين ستأخذها أمواج حياتها البائسة؟
سالت دموعها وهى تتذكر وفاة والديها منذ خمس سنوات وتركهم لها وحيدة ، تحارب الحياة ومصائبها ..
كم تغيرت حياتها وتبدلت! فقد تركت مدينتها وأتت للإسكندرية لتعيش مع عمها وزوجته، الذى أقنعها بالمكوث عنده؛ فكيف لشابة مثلها أن تسكن وحدها!
ربما الوحدة أفضل من مودة الأهل الزائفة.
لم تكن تعلم أن عمها يطمع في معاش والدها وأن زوجته المصون تحتاج خادمة لتقوم عنها بأعمال المنزل.
ولم يكتفوا بهذا بل سلبوا راتبها لينفقوه على ابنهم المراهق الوقح، أقشعر بدنها متذكرة نظراته الراغبة بها، ليست حمقاء كي لا تدرك معنى نظراته الخبيثة.
هل يجب عليها العودة للقاهرة حيث بيت عائلتها؟ كيف ستكون حياتها وحدها؟
كيف سينظر لها الناس؟ هل ستكون بأمان! بل هل هي بأمان هنا ببيت عمها الموقر! تساءلت ساخرة.
تمنت لو تتزوج و ينتهى هذا الكابوس، وكم خابت أمانيها!
فها هي تخطت عامها الثلاثين بشهور، ولم يتقدم لخطبتها عريس مناسب؛ جميعهم كانوا حمقى؛ من يريد الزواج بها لأنها تعمل، ومن يريدها أن تترك العمل، ومن يريد من أمه أن تتفحصها، كأنه يعاين البضاعة!
ظنت أن عمها يجلب هؤلاء الخطاب لأنه واثق أنها سترفضهم.
استغفرت ربها لقنوطها وعدم رضاها عن حياتها وسألته أن يرضيها
أفاقت من شرودها على صوت زوجة عمها
نعمة وهى تقول بتأفف: هل ستظلين واقفة عندك للأبد، تحركي قليلا وساعديني في تنظيف المنزل وتحضير الطعام
_ أي تنظيف وطعام في هذا الوقت! أتعلمين كم الساعة إنها. .
قاطعتها نعمة: أعلم أننا منتصف الليل، لكن عليكِ أن العمل الآن فأنتِ صباحًا ستذهبين للعمل ويبقى المنزل متسخ ، ومن يطبخ الغداء لعمك! لذا ابدئي الآن حتى لا تتأخري عن النوم فتذهبين للعمل متأخرة.
تجمعت الدموع بأعين أنين، أبت أن تبكى كما لم ترد على زوجة عمها فلن يتغير شيء بحديثها سوى أن تُسمعها كلمات مسمومة تذكرها بأنها ضيفة ثقيلة ويجب عليها أن تعمل جراء عيشها معهم.
بعد ساعتين من التنظيف والطبخ، تمددت أنين بتعب على سريرها، لكنها ابتسمت علّ ابتسام وجهها ينتقل لروحها.
كم أشبه سندريلا!
لكن ليس هناك أمير، أو حتى فئران وساحرة.
وضعت يدها على فمها ضاحكة من تفكيرها الطفولي.
وحاولت النوم، لم تمر عدة دقائق حين شعرت بأحد يفتح باب عرفتها ببطء كأنه يتسلل، أغمضت أعينها بخوف ولم تستيقظ، حتى شعرت بيد تقترب منها وترفع عنها عباءتها البيتية وتتحسس ساقها فصرخت صرخة أفزعت الغافلين في الغرفة المجاورة.
هي من دعتني لغرفتها قالها أدهم ببرود
نظرت له أنين بصدمة وما زال جسدها يرتجف وقالت بتلعثم وبكاء: بل هو، هو من آتى وحاول .. أن
قاطعتها نعمة بحدة: لمَ ترمين بلائك على ابنى، يا لك من خبيثة! ألا تستطيعين الانتظار لتتزوجِ، كما أنه يصغرك بكثير.
_ عمى أنت تصدقني، أليس كذلك ؟ هو من كان يتحرش بي. قالتها باكية
ردت عليها نعمة بحدة وصوت عال: ا**تي، ابني لا يفعل ذلك أبدا أكيد أنت من أغريته وحين لم يستجب لك، اختلقتِ تلك الفضيحة حتى لا يُكتشف أمرك.
نظرت لها أنين بصدمة وتهاوى جسدها على الأرض، فلم تعد قدميها تحملها.
ابتسم لها ادهم بسخرية، فنظرت لعمها بتوسل ترجوه أن يدافع عنها.
نظر عمها لابنه وعلم أنه ليس بطبيعته؛ لابد أنه تعاطى الم**رات ثانية، هو يعلم أن ابنة أخيه بريئة ولن تفعل ذلك قط، لكنه رفض قول ذلك صراحة.
فقط قال بجمود: أنين ادخلي غرفتك وأغلق الباب عليكِ نظرت له أنين بصدمة لمَ لمْ يدافع عنها أو يض*ب ابنه؟ لمَ لم يزجر زوجته ويخبرها ألا تدعي عليها بالباطل؟
وقفت وذهبت لغرفتها وصل لمسامعها تحذيره لابنه: ألا يقترب منها، وأنه لا يريد أن يراه قرب غرفتها.
أحكمت إغلاق بابها، وظلت تبكي طوال الليل، شعرت باختناق، أحرقت الدموع عينيها، وقفت صرخة متألمة في حلقها عاجزة عن إطلاقها.
لم تعلم أي شعور أكثر مرارة أن تتيتم فجأة فتصير وحيدًا بلا أهل أو مأوى، أو أن تجد أهل ينهشون لحمك، ويغتصبوا ما تبقى من روحك!
على ماذا تبكي؟ هل تبكي والديها، أم عمها الذى نسى أنها من دمه واستغل قرابته ليستولى على دخلها البسيط، أم كرامتها المهانة على يد زوجة عمها وابنه
أو تبكى أحلامها بزوج مناسب بعد أن تخطت عامها الثلاثين، فصارت عانس كما تلقبها زوجة عمها.
هل شعرت يوما بالغرق دون ماء؟ هذا هو شعورها تمامًا، هي تغرق، تختنق تبحث عن السطح لتخرج رأسها تريد أن تتنفس، لكن لا يوجد سطح، فقط عمق والكثير من الظلام. الأمواج تطيحها من كل جانب، يتزاحم الماء على ص*رها، ببطء تهدأ نبضات قلبها وتزداد حدة أنفاسها محاولة النجاة، لكن ما من سطح لتنجو وما من يد تمتد لها تنقذها من الغرق، فقط وحدة وظلام وألم الاختناق يزداد ببطء، لمَ لا تموت الآن فينتهى عذابها!
هذا ما فكرت به قبل أن تغفو من شدة التعب وكثرة البكاء.
ما نراه في أحلامنا هو بالتأكيد ما نتمنى أن يحدث لنا، قالتها أنين بصوت خافت وصل لمسامع صديقتها التي سألتها:- وبمَ حلمتِ أنتِ؟
تنحنحت أنين بخفة وقالت تخفي توترها : هكذا فقط خطر على بالي.
ابتسمت لها ميرفت بمودة قائلة : أرجو أن تكون أحلامك جميلة وواقعك أجمل.
بادلتها أنين الابتسام وهي تفكر أي واقع أجمل! فواقعها أب*ع من الكوابيس، من بعد تلك الليلة الحالكة، أصبحت تخاف من مجرد دخولها دورة المياه، تغلق باب غرفتها بإحكام، تجلس في الظلام طوال الليل، تراقب بخوف مقبض الباب.
امتنعت عن الحديث مع زوجة عمها، تفعل ما تريده منها دون نقاش، أصبحت الكوابيس تلاحقها، حتى تفاجأت من هذا الحلم الغريب؛ كانت ترتدي فستان عروس، وقفت مبتسمة باضطراب، لكنها فرحة وحولها المباركين ومن بينهم عمها وزوجته؛ كانت نظرتهما غريبة نحوها بها شيئا من الأسف والندم!
انتبهت على صوت ميرفت المرح: من أخذ عقلك يا شابة، هنيئا له.
_كفاكِ ميرفت فأنت تعلمين ما أنا فيه.
وضعت ميرفت يدها على كتف أنين مواساة لها قائلة بحزن لحال صديقتها : سيف*جها الله عليك، وسترين كم أن ف*جه قريب، ورحمته واسعة.
_ الحمد لله، أنا راضية بما كتبه الله عليّ، أحيانا أفكر أن الله يحبني لذلك يبتليني ليطهرني من كل الخطايا التي ارتكبتها، أو أنه يختبرني ليعلم كم أحبه، أتعلمين أكثر ما أخشاه ألا أكون على قدر الاختبار أو أجزع فلا أصبر.
_لكني ما رأيتك إلا راضية صابرة، لا تش*ي على نفسك.
_لأني كلما شعرت بالقنوط وعدم الرضا، وكلما نفدت طاقتي أتذكر قوله : (( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )) .(آل عمران-146)
وأسمع قول "على بن ابى طالب" سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري" إن كان جزاء صبري الجنة وحب الله فلمَ لا أصبر! فالحياة مهما طالت فهي قصيرة والآخرة خير وأبقى.
_ما هذه الخطبة الرائعة عزيزتي، بارك الله فيكِ وأكثر من أمثالك
_آسفة ميرفت، أوجعت رأسك، لقد كنت بحاجة لسماع نفسي أقول ذلك.
ض*بتها ميرفت بخفة قائلة: لمَ تتأسفين يا بلهاء، نحن أصدقاء، من الطبيعي أن استمع لكِ، كما أنك تعطيني الكثير من الطاقة الإيجابية.
_ أنتِ الشيء الجميل في حياتي ميرفت، بارك الله لي فيكِ،
_يا إلهي! قلبي الصغير لا يتحمل، هيا انتهت استراحة الغداء.
"السلام عليكم" ألقتها أنين عند دخولها لمنزل عمها، ابتسمت لجارتها التي أشارت لها لتأتي وتجلس معها قائلة: أنين يا بنيتي، هناك من تقدم لخطبتك، سألني عليك وأخبرته عن عمك، وهو يريد أن يراكِ اليوم إن أمكن.
ابتسمت أنين وكادت تجيبيها لكن ابتسامتها الخجولة تلاشت ليحل محلها ابتسامة ان**ار
حين أكملت جارتها تصف لها العريس: هو شاب مهذب، متعلم، والداه متوفيان وهو وحيدهما، أي ليس له أخوة، يعمل مدير بأحد المراكز الحكومية، لكنه يكبركِ بعشر سنوات، تلجلجت مكملة: كما أنه مطلق.
هل عليها التخلي عن شروطها في زوجها؛ هل لأنها بلغت الثلاثين من العمر، عليها أن تقبل برجل تزوج من قبل، نهيك عن فرق العمر، لكن لمَ تظلمه قد يكون رجل جيد ويستحقها، لا يعيبه كونه عاش تجربة زواج فاشلة، أما لفرق العمر فليس بكبير جدا، تذكر أنه نفس الفرق بين والديها، ملئت نفسها بالأمل والإيمان لعله يكون عوضًا لها عما عاشته. أومأت بابتسامة قائلة: حسنا عمتي، سأستعد لمقابلته اليوم، ليقدم الله لنا الخير .
غادرت لغرفتها متجاهلة نظرات زوجة عمها الحاقدة.
دلفت للصالون حيث ينتظرها العريس، سمعت حديثه مع عمها، ألقت على الجالسين السلام وجلست، بينما اختلس هو النظرات إليها، نظرت أرضًا، وجنتيها كادت تحترق من الخجل.
رفعت رأسها تنظر لعمها الذي حدثها قائلا: سأترككم قليلا، لتتحدثوا.
وذهب تاركا إياها وحدها، تمنت لو توقفه فهذا لا يجوز.
أفاقت من شرودها على صوته القائل: كيف حالك أنين؟
رددت أنين بصوت مكتوم بينما تفرك اصابعها قائلة : بخير، الحمدلله ، وانت؟
ابتسم على مظهرها المحبب، فكر كم هي خجولة وهذا أسعده، لكنه أراد سماعها تتحدث، لهذا قال: أنا بخير، أليس لد*ك أي سؤال؟
_بلى، لدي..
ثم **تت
فقال متعجبًا : إذن؟ اسمعكِ
_ لقد نسيتها
لعنت نفسها مئة مرة وهي تسمع ضحكته، كيف تقول ذلك؟!
توقف عن الضحك حين لاحظ ارتباكها،
- لا داعي للارتباك، سأجيب كل أسئلتك وإن لم تسأليها حقا، لكن انظري لي قليلا، هذا حقك.
رفعت رأسها بتردد فابتسم لها قائلا: هكذا أفضل، أعرفك بنفسي أنا معاذ عثمان خريج كلية تجارة أعمل مدير للحسابات في شركة "…… " أبلغ الأربعين من عمري، لدى منزل بسيط قربكم هنا، مطلق، يمكنك القول أننا لم نتفق، والداي توفيا السنة الماضية، أُصلي لكن ليس دائما وإن شاء الله أواظب، وإن وافقت علي أريد الزواج سريعا، فلا شيء يجعلنا ننتظر فأنا جاهز وأعرف كل شيء عنك.
ضحك مستكملا: جارتكم لم تقصر، أخبرتني قصة حياتك تقريبا، وأعلم عن عملك ولن أمنعك عنه، إلا إذا أردتِ أنتِ، وإن أردت وقت أطول كخطوبة وتعارف لا بأس، لكِ ما تريدين، وهذا كل شيء .
ظلت تستمع له بتركيز، معجبة بثقته بنفسه، وكلماته المرتبة، مظهره لا بأس به بل في الحقيقة هو وسيم، حديثه أراحها بقدر ما حيرها! تمنت لو تعرف سبب طلاقه لكنها منعت نفسها من سؤاله، يبدو أنه لن يخبرها. رغم أنها تستشعر صدق حديثه إلا أنها تشعر بشيء غير مريح، تجاهلته، فربما بسبب خجلها وارتباكها، لا تنكر أنه أفضل من تقدم لخطبتها.
أفاقت من شرودها على سؤاله: بمَ شردتِ؟
أجابته بصدق : كنت أفكر في كلامك.
ابتسم قائلا: تعجبني صراحتك
إذن ما رأيك؟
أجابت قائلة بخجل: أريد أن أفكر قبل إخبارك بقراري.
ابتسم قائلا : خجلك جميل.
زاد وجهها توهجًا و نظرت له بصدمة أيتغزل بها الآن!
تن*د قائلا بتوتر :اعذريني، لم أستطع منع نفسي، فأنتِ جميلة جدا
عند سماعها لجملته الأخيرة أرادت الاختفاء من أمامه.
ضحك قائلا : آسف، لا أقصد إزعاجك.
ابتسمت ووقفت قائلة: سأخبر عمي انك تريده
قال بسرعة: انتظري، معك هاتف؟
أومأت برأسها فقال: أرني إياه.
ناولته هاتفها بتردد
فوضع رقمه وحفظه لديها ثم أعطاها إياه وابتسم قائلا: معكِ رقمي إن احتجتِ لشيء.
أومأت بخجل وخرجت من الغرفة دون إضافة كلمة واحدة.
"أدمنت أحزاني
فصرت أخاف ألا أحزن
وطعنت ألافًا من المرات
حتى صار يوجعني، بألا أطعن
ولُعِنْتُ في كل اللغات.
وصار يقلقني بألا ألعن
ولقد شنقت على جدار قصائدي
ووصيتي كانت بألا أدفن."
'نزار قباني'
مر ثلاثة أيام وما زالت أنين تفكر، هل تقبل الزواج من معاذ، اسمه جميل، بدى رجل محترم، هي لا تنكر أنها متخوفة قليلا من سبب طلاقه، شعرت بالغموض حوله، هناك قبضة في قلبها لا تدري أسبب توترها وخوفها؛ أهو أمر عادي أم أنها إشارة لرفض تلك الزيجة؟ ..
تن*دت بخفوت وقررت أن تتوضأ وتصلي ركعتين استخارة، ليرشدها الله لمَ هو خير لها..
أثناء خروجها من دورة المياه تفاجأت بيد تعتصر مع** يدها، فصرخت بجزع وقبل أن تلتفت، ألقى بها بوحشية على السرير وحاول أن ينقض عليها.
لكن هل من يملأ الإيمان قلبها، ويكون الله في عونها، يستطيع أحد إيذائها، كلا، لا والله ، أنه خير حافظ.
توقف، ابتعد عنى يا أدهم ، عمي، عمي، عمتي .. صرخت بها مستنجدة.
ضحك أدهم قائلا بابتسامة خبيثة وصوت يشبه فحيح الأفعى: لا يوجد غيري و غيرك هنا، يا ابنة عمي الغالية، لذا ا**تي ودعيني أتناولك في هدوء،
غمز لها بعينيه قائلا: سيعجبك ما أفعله.
تجمدت تعابير وجهها، وسكن قلبها الخوف. عَظُم الألم بقلبها الذي انسحبت دقاته تدريجيا، نظرت له بجمود خائف وعين دامعة أهذا ابن عمها يحاول هتك عرضها! أليس من المفترض أن يحميها، أليس هذا بيت عمها الذى لجأت إليه ليحميها من شر الناس بعد ترك والديها لها ! تأوهت من الألم، من الخذلان ،العجز، اليتم! صرخت مستنجدة، وهو.. يقترب أكثر قيد حركتها وكاد يقبلها لكنها فجأة استعادت صلابتها، إيمانها بأن الله يحفظها، رددت متوسلة "لا حول ولا قوة إلا بالله"
ركلته بحدة أسفل بطنه وجرت تحاول فتح باب المنزل فلحق بها، لكنها فتحته وأسرعت تنزل الدرج دون الالتفات لذلك الذئب البشري الذي يلحق بها، سمعت صرخة تأوه ص*رت منه التفتت له لتجده يتلوى على الأرض ممسك بقدمه، نظر لها بـشر حاول الوقوف، فجرت بعيدا عن المبنى، ظلت تسير حتى وصلت لشاطئ البحر، جلست على أحد المقاعد الموجودة أمامه ودموعها تجري على وجنتيها لا تتوقف، صرخت حتى نظر لها الناس من حولها لكنها لم تأبه، أخرجت غضبها، خوفها، آلامها، خذلانها، صرخت بكل ألم عاشت به،
قالت يا الله بحرقة، تسأله لمَ، ولماذا أنا، وعادت تستغفر، بكت عينيها، نزف قلبها وانتفض بدنها في هلع، رددت آيات الله لتهدأ، سألته الرحمة، فقط الرحمة بقلب اُنتهكت سعادته في غمضة عين، موت والديها المفزع، وما آلت إليه حياتها!
يا رب نطقت بها بقلب مكلوم وأنفاس ضائعة ونفس خائفة تبحث عن الأمان.
فكرت ماذا عليها أن تفعل؟ هي لن تعود لهذا البيت، قد يكون الشارع أكثر أمانًا! اتصلت بصديقتها ميرفت واستقبلتها الأخيرة بابتسامة مشفقة وقلب حاني، دون أن تسأل أي سؤال ينهش الألم بقلب صديقتها، احتضنها وبكت معها بعدما أفرغت أنين ما في قلبها وروت لها ما حدث، وأبت الصديقة الوفية أن تتركها، ظلت تحتضنها وتخفف عنها وتقرأ آيات القرآن بهدوء فأراح قلبها كدواء لأوجاعها حتى غفت.
لا حزن يدوم ولا سرور ... ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع ..فأنت ومالك الدنيا سواء"
'الشافعي'
ها هو يجلس ببيت صديقتها، لا يفهم ما حدث معها، أخبرته على الهاتف أنها موافقة بعد أن سألته إن كان ينتظر ردها، تسارعت دقات قلبه، واتسعت ابتسامته بوميض حب في عينيه، هو يحبها، كان يتابعها منذ أشهر؛ منذ أن لمحها تجلس شاردة أمام مكتبها في
الشركة التي تعمل بها وصادف وجوده لرؤية صديق يعمل بنفس المكان وبمجرد أن وقعت عيناه عليها حتى استفزه هدوءها المستكين، شرودها ولمحة الحزن الممزوج بأمل أو ربما إيمان بعينيها وكأنه يسمع معزوفة حزينة هادئة تنبعث منها، ومن وقتها وهو يلاحقها دون أن تنتبه يريد أن يتأكد من شيء، مشيتها العسكرية كأنها تقول لا تقترب، لابسها الفضفاض، ملامحها الهادئة، بسمتها الدافئة، كل هذا علق بذاكرته، يبتسم لمجرد التفكير بها، ويشتاق لرؤيتها، علم أن اسمها أنين واستنكره بشدة هذا الاسم لا يليق بها، اعترف لنفسه أن حبها تمكن منه؛ طلب يديها أراد أن يربط اسمها باسمه، دعا الله كثيرا أن تكون له. حلاله وربما تعويضه، واستجيبت دعواته بمجرد أن نطقت بالموافقة تن*د براحة وابتسم بسعادة، تلاشت وحل محلها القلق والتوجس حين سمع صوتها الحزين وهي تكمل أنها ما عادت تعيش بمنزل عمها! وأنها ببيت صديقتها، أعطته العنوان، قلق عليها كثيرا، أراد أن يطمئن أنها بخير.
أفاق من بحر أفكاره على سيرها الهادئ نحوه وجلوسها على الأريكة المقابلة له ألقت السلام ولم تتحدث بل علقت بصرها بلا مكان محدد، بينما هو يدقق في ملامح وجهها الحزين وهاله ما رآه، يمكنه أن يشعر بالألم الذي يسكن بحنايا روحها، أوجعه قلبه، يا الله لمَ تتحمل تلك الرقيقة هذا الألم، علم أن الخطب جلل، رغم عدم حديثها لكن يكفيه النظر لعينيها التي تحمل الكثير والكثير من بداخلها الذي يخفي لمحة الأمل الضئيلة في البعيد هناك، لكنه سيتمسك بها سيكون ضوء لعتمتها، يعلم أنها غير سعيدة ببيت عمها فقد نقلت له جارتهم بصورة غير مباشرة عن معاملة زوجة عمها .
تن*د بخفوت ينتظر منها أن تتحدث تخبره ما بها لكنه ينهر نفسه، هي لا تعرفك يا أبله! لمَ تخبرك عنها، هي لا تحبك كما تحبها أنت! لمعت عيناه بإصرار سيجعلها تحبه، وسيقتحم حياتها وقلبها الواسع ليكون مسكنه ..
أنين .. ناداها بابتسامة حنونة
فنظرت له وتلاقت أعينهما، تسارع نبض الفؤاد وتوقف ا****ن إجلالا لحديث العيون، منها ألم وخوف ضياع وأمل ترجوه ب**ت ألا يخذلها ومنه رد بوعد، وعد بالحب، التفهم، والاحتواء، وعد بالأمان الذي تحتاجه هي كثيرا.
أنين كيف حالك؟ كرر ثانية فتحررت من أسر عينيه قائلة بخفوت: الحمد لله
فابتسم مفكًرا، قوية هي رغم الألم، وشا**ها قائلا: ألن تسأليني نفس السؤال ؟؟
توترت، خرج صوتها ضعيفًا بالكاد سمعه وهي تسأله عن حاله فأجاب بصدق: إن كنتِ بخير أنا كذلك.
زاد توترها لكنها ابتسمت، ثم ما لبثت وعادت لشرودها فسألها مترددا : ماذا حدث؟ لمَ تركت بيت عمك؟
ارتجف جسدها وامتلأت عينيها بالدموع فلعن نفسه سرا، تمنى أن يزيح عنها أوجاعها، انقبض قلبه برؤية دموعها، كاد يتحدث حين سمعها تجيب بخفوت وهي تنظر بعينيه قائلة: تشاجرت مع ابن عمي ولن أعود لهذا المنزل.
**ت يفكر ما سبب هذا الشجار؟ الذي جعلها تترك منزلها؟ لكن لا يهم، المهم أنها أمامه وهي بخير وستكون له حلاله وزوجته وسيعوضها عن كل ذرة ألم عاشته، ابتسم لخيالاته السعيدة ، فاستنكرت ابتسامته وحدثت نفسها متعجبة " هل هو أبله أم ماذا؟ أقول تركت منزلي وتشاجرت وهو يبتسم!" وكأنه سمع سؤالها ، فتحمحم قائلا بخجل : أعتذر منكِ، لو تعلمين كم أنا سعيد بموافقتك، أنا لن أسألك ما الذي حدث؟ ولن أستفسر عن شيء أنا أريدك، أريدك فقط حلالي وحينها ستخبرينني كل ما تخفيه عينيك، وأعدك أن أفعل كل ما بوسعي لإسعادك، سأبذل نفسي فقط لكِ، أنتِ تستحقين السعادة أنين، تلك العيون لم تخلق للبكاء، اسكني إلىّ وسأكون لك مأوى من العالم، لن أخبرك بأني أحبك ولن أعطيك المزيد من الوعود، أنا لك غريب ولكني رجل وكلمة الرجال وعود، سأعاملك بودٍ ورحمة ولا أريد منك إلا ابتسامة، يضيع بها شقاء يومي.
كانت تعلم أن الكلمات كالرصاص قد تقتل متلقيها، فكيف بكلماته أصبحت بردا وسلامة لروحها كأنه بوعده الصادق أعاد النبض لفؤادها، شعرت أن الحياة رُدت إليها، هل من الممكن أن يكون هذا فارسها، منقذها وبطلها الذي طالما حلمت به، وحفظت نفسها لأجله؟ شعرت بتسارع نبضات قلبها حتى خشيت أنه قد سمعها! لمَ أحست بانقباض معدتها وكأن هناك فراشات تداعب بطنها، هل هذا وعد الرحمان " إن مع العسر يسر" هل أرسل الله لها هذا الرجل استجابة لصلوات قلبها المسموم! أتجد عنده الأمان الذي حُرمت منه؟ يا الله ما هذه الحرارة التي تنبعث من بدنها، شعرت أن وجنتيها تحترق، فوضعت يديها لا إراديا على وجنتيها تتحسس حرارتهم، تتمنى لو لا يكون لونهم بلون الدم، ماذا فعلت بها كلمات هذا المعاذ! وكل هذا يحدث تحت عيني هذا المراقب بابتسامة خبيثة وكأنه يعلم فيما تفكر؟! فابتسم قائلا: نعم لونهم أحمر، ألم أخبركِ في أول لقاء أن خجلك جميل!
نظرت له بصدمة لمَ هذا الرجل يستمتع بخجلها؟
استجمعت شتات نفسها وقالت بصوت خجل به بعض الحزم: أستاذ معاذ هذا الحديث لا يجوز الآن، فأنت ما زلت غريب
ضحك قائلا: أستاذ؟ آخر مرة سمعت تلك الكلمة كانت في المدرسة.
ابتسمت
ف*نحنح قائلا بجدية: أنا أسف أنين، أعلم أن حديثي هذا لا يجوز لكن والله لا أقصد أن أتغزل بك، فأنا بمجرد أن أراكِ لا أستطيع التحكم بل**ني فأنطق ما يجول بخاطري دون حساب لذا لنعجل بزواجنا فأنا لن أقبل أن تكوني بلا مسكن لوقت طويل
نظرت له بتعجب من هذا ؟ لمَ يتحدث كأنه يعرفها منذ زمن بعيد، لمَ تشعر أنه يحبها؟ أيعقل أم أنها تتوهم ربما يكون مجرد إعجاب! لكن بعينيه شيء جميل أمدها بالأمان، كان رجل غيره ليهرب ولا يقبل بها، فتاة تركت منزل عائلتها وتجلس عند صديقتها بل هي من تتصل به وتخبره عن موافقتها، لكنه فاجأها بل صدمها! حتما ستوافق؛ فقد شعرت بصدقه كما تثق أن الله لن يضيعها، هي استخارت و قلبها مطمئن لذا ستنطقها وتريح قلب الجالس أمامها وكأنه منتظر حكم بالبراءة!
_ قبل أن تجيب سمعت سؤاله المتلهف باسمها: أنين؟
ابتسمت قائلة بخجل : حسن، معاذ موافقة لنتزوج ….
وقبل أن يفيق من صدمته بسماع موافقتها التي ُزينت بحروف اسمه مُجرد من ألقابٍ رسمية.. دلفت ميرفت بصخب قائلة: السلام عليكم، أنا ميرفت صديقة أنين وهذه العجوز أمي، ض*بتها أمها بخفة على ذراعها وابتسمت لهما أنين بامتنان لتلك العائلة التي احتضنتها، حياهم معاذ واقفا بينما قالت ميرفت لندخل في صلب الموضوع: معاذ أليس لد*ك أخ لي؟
زجرتها أنين بعينيها بينما أجابها معاذ مبتسمًا: للأسف ميرفت ليس لدي أخوة.
تصنعت ميرفت العبوس وتن*دت قائلا: حظي هكذا سيء دائما ..
ميرفت! صرخت بها أنين بصدمة، فضحك معاذ قائلا : صديقتك لطيفة.
ابتسمت ميرفت قائلة : من بعض ما عندكم،
نظرت لهما أنين بغضب .
سألها معاذ بحيرة؛: أنين ماذا علي أن أفعل أنت تشاجرت مع عائلتك، كيف سيتم زواجنا؟!
قالت أنين بحدة: ليس لدي عائلة.
**ت معاذ وكم آلمه قولها ونبرة الحزن وال**رة بصوتها.
فقالت أم ميرفت بلطف: هم عائلتك مهما حدث أنين، بينكم دم وصلة رحم.
**تت أنين فقال معاذ: إكراما لأهلك.
_ربنا يرحمهم ويغفر لهم أردفت بها ميرفت.
فقالت أنين بجدية: معك رقم عمي حدثه واتفق معه على كل شيء وأنا موافقة؛ المهم ألا أعود لهذا المنزل قالت جملتها الأخيرة بصوت خافت لكنه سمعها ولم يعلق ..
ابتسم قائلا وهو يهم بالرحيل: حسنا أنين، المرة القادمة التي سأراكِ فيها ستكونين حلالي، حتى أتجاوز الحدود بأريحية رفق جملته الأخيرة بغمزة من عينيه .
فغرت أنين فمها بدهشة قائلة ببلاهة : ماذا؟
بينما زفرت ميرفت قائلة: ألم أقل أن حظي تعس.
لم تستوعب كيف تتزوج بتلك السرعة! لكنها وللعجب سعيدة، سعيدة جدا بقدر الخوف الذي احتل قلبها، نظرت لانعكاس صورتها أمام المرآة وابتسمت هي حقا أصبحت جميلة وبسيطة كما قال. زادت نبضات قلبها متذكرة آخر مكالمة بينهما.
أنين سيكون زواجنا الأسبوع المقبل اتفقت مع عمك وهو موافق، وأنت أعطيت كلمتك مسبقا قالها معاذ بتلهف سعيد
ماذا؟ الأسبوع المقبل أنت تمزح أكيد! قالتها مستنكرة
آتاها صوته قائلا بحدة خفيفة: أنين أرجوك ثقِ بي وستكونين بأمان معي ، كما أنك وافقت مسبقا، أم يعجبك المبيت في منزل صديقتك، أسف للتدخل لكن أنا لا أقبل، أنا أريدك هنا ببيتي، قربي. أخبريني أنك موافقة واريحي قلبي.
شعرت بالسعادة من كلماته وحرصه عليها، هذا الغريب الذي غزى حياتها فجأة، واحتل تفكيرها وفتت حصون قلبها
أنين؟! أفاقت من شرودها فيه على صوته
فأجابته هامسة: موافقة
تن*د براحة قائلا : دقائق ويصلك فستان الزفاف ارجو أن ينال اعجابك أعلم أن من حقك اختياره، لكن أنا رأيتك فيه واشتريته لأجلك، إن لم يعجبك سنغيره لا تقلقِ، لكن أنا أعلم أنك ستحبينه فهو يشبهك، هادئ و بسيط، رقيق جدا .. **ت وكأنه يفكر ثم قال نعم وشيء آخر لا أريدك أن تضعي مساحيق تجميل ، أنا أريدك هكذا كما أراك دائمًا.
_ماذا تقول معاذ! هل هناك عروس لا تضع مساحيق تجميل؟
نعم أنتِ، أليس حرام أن يرى الرجال زينتك!
**تت أنين تفكر، كلامه صحيح، هي لا تريد أن تغضب ربها بمثل هذا اليوم مجرد ساعة لن تتخلى فيها عن مبادئها .
ابتسم معاذ قائلا: كنت أعلم، أن هذا المبرر سيقنعك..
همهمت أنين و**تت، و**ت هو أيضا، كل منهم يفكر في الآخر وحياته معه كيف ستكون؟ هو فرح سعيد مشتاق ويتمنى أن تكون أنين له العوض من تجربة أليمة مر بها، وهي خائفة سعيدة لا تعلم كيف يجتمع الخوف مع السعادة! كيف تشعر بالاطمئنان والأمان ويهاجمها في نفس الوقت التوتر والخوف! دعت من الله أن يسعدها.
قاطع رجائها الصامت صوته وهو يقول بصدق: أنين ستكونين بخير معي.
وها هي ترتدي فستان من اختياره وللعجب إنه لم يحتاج
تعديل ليناسبها ، وكأنه **م خصيصا لها، تمنت أن يعجبه!
قاطع تفكيرها صوت صديقتها المرح
ميرفت: مبارك أنين، أنا سعيدة جدا لأجلك.
أنين بابتسامة ممتنة: شكرا ميرفت، شكرا على كل شيء وأسفة إن ازعجتك بتلك الفترة لكني لم أستطع العودة لذلك المنزل.
_ألم أخبرك أن مكوثك عندي أحب شيء على قلبي، لقد علقت قلوبنا بكِ وها أنت ترحلين عروسًا جميلة.
_ أتمنى لو كان والداي على قيد الحياة، يشاركوني فرحتي، اشتقت لهم كثيرا قالت أنين جملتها الأخيرة وهي على وشك البكاء.
احتضنتها ميرفت قائلة بتأثر: رحمهما الله أنين، أرجوك لا تبكي الآن. أنا معك وأمي أيضا ألم تقولي أنها مثل أمك.
قاطعهما صوت أم ميرفت التي صاحت قائلة: أنين يا بنتي عريسك هنا، هيا اخرجي.
ضحكت ميرفت بسعادة قائلة لأنين التي كاد قلبها يتوقف من فرط التوتر: هيا أنين، سيجن بك يا فتاة تبدين كالأميرات وإياكِ أن تبكي، هذا يومك، كوني بخير.
متوترة، خجلة، خائفة وأخيرا سعيدة.
وهو ينتظر بتلهف، سعيد مشتاق.
شعرت بنظراته تحرقها نظر لها وكأنه لم يرى نساء من قبل.
وتأملته هي على استحياء بدلته السوداء الأنيقة، شعره المهذب، عينيه اللامعة بدا أجمل من كل مرة رأته فيها..
لاحظ نظراتها نحوه فغمز لها قائلا: هل أعجبك ما تريه أميرتي؟
نظرت له بصدمة واشتعلت وجنتيها وقالت متلعثمة: أنا.. لم أكن أنظر لك ..
ضحك معاذ وقال مبتسمًا: تبدين فاتنة أنين لم أرى عروس بجمالك يا عروسي.
صرخت ميرفت قائلة: نحن هنا، لا تتغزلون أمامي وإلا حسدتكم، يكفي سنتأخر.
في مسجد مقسم للنساء والرجال.
افترشت الأرض بفستانها الأبيض، وحولها النساء فريحون بها، ابتسمت لضيوفها، لقد تفاجأت بوجود جيرانها وصديقاتها من القاهرة، أتوا يشاركوها فرحتها وزملائها في العمل وأكثر ما صدمها، حديث زوجة عمها واعتذارها عما بدر من ابنها!
جاءت نادمة ترجو غفرانها فابن عمها أدهم أصيب بحادث وشلت قدمه.
حزنت لمصابه لكنه جزاء ظلمه! ابتسمت لزوجة عمها ولم تردها.
بل فرحت بوجود عمها واحتضانه لها فهو من تبقى من عائلتها.
علمت بعد ذلك أن كل هذا من تدبير معاذ وميرفت، كم هي محظوظة بهما!
"قد تشعر أنك وحيد، أن كل شيء يسير ع** التيار، أنك بعتمة حالكة، لكن أنظر جيدا تأمل المكان من حولك هناك دائما نور بحياتك لكنك تغفل عنه وتُفضل العتمة، لو تعلم أن الرضا بما صابك يجعلك ترى النور بحياتك"
أفاقت من شرودها على سماع صوت معاذ الذي ردد كلام المأذون.
معاذ أصبح زوجها، تذكرت نصائح والدتها عن الزواج وحقوق الزوج ومعاملته بالحسنى، أرادت غلق صفحات حياتها المظلمة وفتح صفحة جديدة بيضاء معه يلونها معها بألوان الحب المودة والرحمة كما وعدها.
لا تنكر أن هذا الرجل استوطن قلبها بكلمات قليلة ونظرات صادقة محبة نحوها جعلتها تحبه، أحبته بسرعة لكن مثله يحب من أول لقاء؛ هو رجل والرجال قليلون! يفهمها، كلما نظرت له شعرت بالأمان والاحتواء، هو من أضاء عتمة أيامها وهي ستنير حياته بعطائها.
وقفت أمام منزلها الذي لم تراه من قبل! انتظرته ليفتح الباب لكن فاجئها وهو يحملها.
نظرت له بصدمة وخجل بينما تنافرت نبضات قلبها هنا وهناك واستقبلهم هو بابتسامة جذابة قائلا: يحق لي حبيبتي، حلمت بتلك اللحظة كثيرًا
توردت وجنتيها وابعدت عينيها عنه فابتسم بحب.
ودلفوا للمنزل.
هذا بيتك الآن لكن مسكنك هنا في قلبي قالها وهو يشير لقلبه فابتسمت له بحب فاستطرد قائلا بمرح: أنرتِ بيتك أميرتي وعقب قوله بإمساك يدها وأخذها لتشاهد منزلها المكون من ثلاثة غرف كبيرة وصالة واسعة ويحتوي اثاث حديث، أعجبها كثيرا المنزل، لكنها فكرت هل هذا نفسه من عاشت به طليقته! وآلمتها تلك الفكرة؛ خاصة بعدما أحبته.
هي تغار من أخرى سبقتها لقلبه، واتضحت تلك المشاعر على ملامحها الرقيقة، وفهمها هو، فأوقفها وقال بينما ينظر لعينيها: لا لم يملك هذا المنزل ملكة غيرك أنين.
نظرت له بدهشة وتساؤل ف*نهد قائلا وهو يشير للأريكة بجوارها : لنجلس.
نظرت له تريد أن يكمل حديثه، تمنت لو تعرف سبب طلاقه
لكنه قال موضحًا: لقد كنت أسكن بمنزل آخر حين تزوجت؛ أما هذا فهو منزل والدي رحمهما الله اكتفت بقوله ولم تعلق.
_ جائعة؟!
فأومأت برأسها مبتسمة
بعد العشاء صلوا ركعتين واقترب منها مقبلا جبينها وقال بابتسامة: أنا أحبك أنين.
تسارعت نبضات قلبها ونظرت له بابتسامة فرحة، نزلت دموع عينيها، كل ما أرادته يتحقق، هو حقا يحبها لم يكذب حدسها، كم هي سعيدة لطالما حافظت على قلبها وسمعها لتسمع تلك الكلمة بهذا اليوم.
مسح دموعها بأصابعه وقبل موضع دمعها وقال: لا أريد رؤية دموعك أنين، أعلم أنك بكيتِ كثيرا لكني أخذت عهد على نفسي ألا أجعلك تبكي أبدا.
ابتسمت بخجل قائلة بصوت خافت: هذه دموع الفرح معاذ
فقال بمرح : إذا ما هو ردك؟
نظرت له بخجل وقالت بتلعثم : وأنا أيضًا
_أنت أيضا ماذا أنين؟ سألها ضاحكًا
فأجابته بعبوس لطيف: أنت تعلم
_لا أنا لا أعلم
فقالت بابتسامة وهي تقبل كفه: أنت النور لحياتي معاذ، أرسلك الله نجدة لقلبي المستغيث، أنت جزاء صبري وإيماني.
ابتسم بسعادة وقبل جبينها وأخذها لعالم عامر بالحب الحلال.
"تلك اللذة الناعمة التي لا يتذوقها إلا من عاشها بالحلال تنعم بها دون خوفًا أو قلق، تستحق الصبر، الحفاظ على القلب، النفس والبدن في انتظارها"
في الصباح الباكر همس بأذنها قائلا بشجن: أنين أريدك أن تعلمِ أني لم ألمس امرأة قبلك أبدا.
نظرت له بصدمة وفرح هي لا تنكر أن فكرة زوجه السابق تضايقها، ومعرفة هذا الأمر جعلها كأنها تحلق في السماء من شدة سعادتها، تحمد الله على عطائه، ما زال يفاجئها وينعم عليها، يعلم ما يثقل قلبها فيزيحه عنها، يقول لأحلامها كوني فتكون. وكيف لا وهي من صبرت ورضيت والرحمن يجود بكرمه وعطائه.
لكنها تساءلت ما السبب؟ كيف وقد تزوج، لقد علمت أن زواجه لم يدم إلا لستة أشهر فكيف؟
ونطقت بجملتها الأخيرة فشرد هو طويلا متذكًرا زواجه الأول وتلك الطعنة الخائنة.
حيث صدمته عروسه باكيةً فأخذ يهون عليها ظنًا منه أنها خجلة وخائفة
لكنها صفعته بقولها أنها ليست عذراء! استشاط غضبًا ومنع نفسه عن ض*بها بشق الأنفس واحتار ماذا يفعل؟ هل يعيدها لمنزل أهلها؟ ويفضحها ويهتك ستر الله عليها.
لكنها ظلت ترجوه ألا يفعل أن يبقيها معه قليلا ويطلقها بعدها أو يفعل ما يشاء، فقط يستر عليها.
وفعل هو، أبقاها معه لشهور، لكنه لم يستطع أن يقربها أو يبقيها معه أكثر، لم يثق بها، لذلك طلقها بالمعروف وتمنى لها السعادة بعدما رأى منها صدق توبتها، ونصحها بألا تفضح أمرها إن تزوجت مرة أخرى وأن تبدأ حياة جديدة.
لكنه بعدها خاف وكره ج*س حواء وظل أعزب حتى بلغ عمره الأربعين وهو لا يفكر بالزواج مجددا حتى رأها، أنين بهالتها الملائكية فظل يراقبها يتأكد من عفتها وأعجبه ما رأى، لقد لاحظ التزامها، فهي مثال للفتاة المسلمة المؤمنة التي يتمناها فأحبها ولم يتردد في الزواج منها وحمد الله لعثوره عليها، هي جوهرته، أنينه.
أفاق من شروده على صوتها المتسائل: معاذ أين ذهبت؟
ابتسم لها وقبل كفها قائلا: معك أنين. ل
لكن لا أريد الحديث عن الماضي، فقط أردتك أن تعلمي أنك أول امرأة بحياتي وآخرهم.
وهذا يكفيها هي لا تريد أن تعلم شيئا هي تثق فيه وتعلم أنه صادق
فرح لتفهمها وقال بمرح : هيا، يا **ولة لنأكل سأموت جوعًا.
تذمرت بعبوس لطيف: لكني أريد النوم.
جلسا في الشرفة يتأملان السماء المليئة بالنجوم قاطع تأملها صوته القائل: أنين؟
وجهت بصرها إليه فسألها قائلا: لمَ هذا الاسم ؟ أنه مؤلم! فهمت سؤاله وابتسمت تجيبه: أمي من اسمتني إياه، كانت تحب هذا الاسم وتقول أن له إيقاع موسيقي وأنه رقيق، كانت تدعو لي قائلة: أذاقكِ الله أنين التائبين وجعلك منهم، أخبرتني أن "أنين يعني الألم، والألم قوة، الألم أمل، من يتألم يتعلم، من يتألم لا يؤلم، الألم تجربة، والتجربة حياة، والحياة دار ابتلاء، والابتلاء صبر ،والصبر جنة"