الجزء الحادي عشر
يقفان وجهًا لوجه وكأنهما قائدي معركة يتربص أحدهما بالآخر وكل منهما ينتظر خطأ الثاني حتى يوقع به، نظرة التحدي بعين يوسف تنبئ عمرو أنه منتصرًا لا محالة فهو اليوم قاتل أو مقتول لن يتركها له مهما حدث.
أشار عمرو له بالجلوس : أتفضل يا أستاذ يوسف أقعد.
أمئ يوسف برأسه له : شكرًا يا دكتور عمرو.
عمرو : تحب تشرب أيه.
يوسف : ملوش لزوم أنا مش جاي اضايف أنا جاي في كلمة ورد غطاها.
عمرو : اتفضل أنا سامعك.
يوسف : أولاً أنا أسف على اللي حصل مني ليك يوم ما قابلتك أنت ومنة.
عمرو : قبل ما أقبل أسفك ممكن اعرف عملت كدا ليه.
يوسف : أنا هقولك كل حاجة من الأول وأنا عارف أنك هتقدر ظروفي.
عمرو : وأنا سامعك اتفضل.
سرد يوسف لعمرو من بداية حبه هو ومنة منذ أكثر من عشر سنوات، فهو وقتها كان بالمرحلة الثانوية وهى في المرحلة الإعدادية، مرورًا بسنوات قضهما في نظرات خاطفة خ*فت كل واحد من عالم هدوئه إلى عالم مليئ بلذة الحب ومشبع باحاسيس ومشاعر حالمة ترسم لهما حياتهما المستقبلية معًا، لدرجة أنهما رأى سويًا كيف تكون تلك الحياة بكل تفاصيلها وتخيلا كيف سيكون شكل اطفالهما، هو يريد بنت تشبهها وهى تريد ولد يشبهه، لاحظ يوسف مدى تأثر عمرو بما قص عليه لذا استرسل في اكمال سرده، فأخبره بفاجعة عمه الذي سقط قتيلا في مشاجرة نشبت بين عائلة منة السرجاوي وعائلة البهنساوي وهما بينهما تاريخ من الصراعات يربطهما ببعضهما وقع على أثرها أكثر من فرد لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون لقب العائلتين، ثم قصة عليه كيف خُيل له شيطانه كرهه لمنة ورفض الزواج منها في مبادرة الصلح التي أقيمت لأنه يريد الانتقام من عائلتها لموت عمه، وظل على موقفه إلى أن وصل لذلك اليوم الذي رأهما سويًا فدبت بداخله نار قضت على تعقله وفعل ما فعله به يومها.
وقف عمرو مديدعي البرود دون واظهر اللامبلاة بوجه يوسف، وضع يديه بجيوب بنطاله وأعطاه ظهره ينظر من نافذة مكتبه إلى ساحة الجامعة الخارجية، بدا وكأنه يفكر بما قصه يوسف عليه، نهض يوسف أيضا ووقف خلفه ينتظر ما سيتفوه به حتى يتحدد شكل واضح لعلاقتة بمنة، ألتفت له عمرو ثم رفع كتفيه بحيرة وانزلهما ثانيًا
عمرو : يعني أنت جاي دلوقتي عايزني أقبل أسفك بس ولا جاي في حاجة تانية.
تنحنح يوسف بحرج : أنا كنت جاي أطلب منك أنك تسيب منة.
عمرو : ليه ؟!
يوسف بحيرة : بعد كل اللي حكتهولك عن حبنا لبعض.
عمرو : ده كان ماضي ومنة بنفسها حكتهولي عشان تبدأ حياتها معايا على نور وقالتلي كمان أنها خلاص نسيتك بعد ما تخليت عنها.
يوسف : كذب منة لسه بتحبني وعلى فكرة هى مبتحبكش أبدًا.
عمرو : مش كل الجوازات لازم تكون عن حب الحب بيجي بالعشرة وده أنا متأكد منه أنها هتحبني لما تشوف معملتي ليها بعد الجواز.
يوسف بغضب : وأنت هتقبل على نفسك أنك تتجوز واحدة مبتحبكش وتعيش معها غصب عنها.
عمرو : ومين قالك أنها هتعيش معايا غصب عنها منة موافقة عليا بكامل أرادتها وهتعيش معايا بمزاجها مش غصب عنها وهى عارفه ومتأكدة أني عمري ما هسبها في أي وقت وتحت أي ظرف مش هعملها كبش فدا زي أنت ما عملت لأ هتبقى مراتي وحبيبتي هحميها وهراعيها ومش هكون سبب في حزنها ودموعها.
ض*ب يوسف قبضتيه في بعضهما بغضب : لو سمحت متعصبنيش وتقول مراتي وحبيبتي تاني فاهم هى مش هتكون لحد غيري ولو على جثتي.
عمرو مستفزًا له أكثر : الظاهر أنك مش واخد بالك من حاجة فرحي أنا ومنة فاضل عليه شهر الإ كام يوم وياريت تستوعب ده كويس.
أنتفض يوسف من مكانه بغضب : مش هيحصل ساعتها هقتلك بأيدي وهخ*فها واتجوزها حتى لو غصب عنها كمان.
عمرو بابتسامة واثقة : ماشي يا استاذ يوسف الأيام بينا زي ما بيقولوا وريني هتقتلني أزاي.
اتجه يوسف لباب المكتب وهو يتحكم بغضبه حتى لا يتهور ويقتله حاليًا : الأيام بينا فعلاً وانتظر رد فعلي لو تممت الجوازة دي الأفضل ليك أنك تيسبها وحالا.
ثم غادر صافعا الباب خلفه بقوة اجفل منها عمرو الذي سرعان ما أبتسم فهو توقع ردة فعله هذا، أخرج هاتفه وقام بالاتصال على زاهر.
عمرو : ألوه أهلا يا عمي.
زاهر : أهلا يا عمرو أيه الأخبار.
عمرو : عملت كل اللي أتفقنا عليه واكتر شوية أنا شعللته زي ما بيقولوا.
زاهر : براڤو عليك يا عمرو يا أبني أيوه كد لازم يستوي على نار هادية عشان يعقل شوية.
عمرو بمزاح : بس ده حالف يقتلني لو تممت الجوازة وهو ميعرفش أنه الفرح فرحه هو ومنة.
زاهر : ولا منة نفسها تعرف هنسبهم لاتنين كدا لغاية ما يتفجؤوا ساعة الفرح.
عمرو : بس كدا مش كتير شوية عليهم يا عمي.
زاهر : مش كتير يا عمرو أولا هى لما راحت حبته من غير ما أعرف مش كان كتير عليا وثانيا هو لما بعها ورماها بردو مش كان كتير، عارف يا عمرو أنا لولا خايف من ربنا وأنهم يعملوا حاجة في نفسهم وارجع اشيل ذنبهم أنا كنت فرقتهم عن بعض.
عمرو : الحب مش حرام يا عمي طالما في حدود الخوف من ربنا وحدود الاحترام والادب اللي متهزش صورتنا في عيون الناس وتخلينا عرصه للقيل والقال، أنا لما حبيت منة محاولتش اتواصل معها خالص ودخلت الباب من بابه هل ده يبقى حب حرام بالع** الحرام أن أنا أش*ه الحب ده وأقف اكلمها قدام الناس وندي لنفسنا مساحة نعمل حاجة تغضب ربنا.
زاهر : عشان كدا أنا اللي طلبتك تاني تخطب منة لما رفضتك أول مرة عشان عارف أنك راجل بتخاف ربنا وهتحافظ عليها.
عمرو : ربنا يحفظك يا عمي، بس هعمل ايه مع المجنون ده لو جه تاني.
زاهر : متخافش والده هو اللي هيتولى أمره بعد كدا لغاية ما يعقله ويرجعه عن تهوره الاعمى.
عمرو : اتمنى من ربنا أني اكون اتوفقت في كل اللي طلبته مني يا عمي.
زاهر : حقيقي مش عارف اشكرك ازاي يا عمرو يا أبني ربنا يباركلك.
عمرو : ربنا يخليك يا عمي وبتمنى التوفيق لمنة مع يوسف وربنا يجعل أيامهم كلها سعادة.
زاهر : اللهم أمين وبتمنالك السعادة وربنا يرزقك ببنت الحلال اللي تنسيك بنتي.
عمرو : اللهم أمين، ودلوقتي استأذنك يا عمي عندي محاضرة.
زاهر : في رعاية الله يا حبيبي.
عمرو : في رعاية الله وحفظه يا عمي.
رجعت منزلها بهدوء ظاهري ع** بركان الحزن والألم الذي يعتمل بداخلها وتظاهرت بتناول طعامها حتى تتخلص من ألحاح والدتها عليها الذي بات ملازما لها في الفترة الأخيرة، وأخيرًا دخلت لغرفتها وارخت جسدها على فراشها تحتض وسادتها كالعادة تخرج كل همها في بكائها عليها وتشكو لها كل ألم أصاب قلبها، بعد فترة من البكاء أغمصت عينيها وذهبت في ثبات عميق تحلم بسارق دقات قلبها رغم جرحها منه الإ أنها لن ولم تعشق غيره مهما طال بها الوقت فما الحب الإ للحبيب الأولُ كما يقال.
وفي منزل ثاني تجلس أخرى تسكب عبرات قهر من والدها الذي يجبرها على الزواج من رجل لا تريده، ارتفع رنين هاتفها تناولته من جوارها وهى تمسح عينيها وتجيب.
منة بصوت مختنق : أيوه يا يوسف.
يوسف بغضب : الزفت اللي إسمه عمرو رفض يفسخ الخطوبة بس وربنا ما هسيبه.
منة بحزن : يعني هتعمل ايه تاني ارجوك كفاية كدا يا يوسف بلاش تخليني أندم أكتر من كدا.
يوسف : يعني أيه خلاص موافقة تتجوزيه وتسببني.
منة ببكاء : لأ طبعًا مش موافقة بس هعمل ايه.
يوسف : تبطلي عياط ويأس، وتقفي تحاربي معايا.
منة : مقدرش يا يوسف بابا مش هيستحمل وانا مقدرش ازعله تاني.
يوسف : نعم يعني لو والدك **م على الجوازة دي وطلبت منك تهربي معايا ونتجوز هترفضي يا حبيبتي.
أنتفضت منة من فراشها بحدة : أوعى يا يوسف تقولها تاني أنا لا يمكن أعملها واحط راس أبويا في الطين أنا بحبك بس هتاخدني في النور وقدام كل الناس وأبويا رافع راسه غير كدا انساني يا يوسف زي ما هنساك.
يوسف بتروي : هتجوزك بالذوق بالعافية هتجوزك وقدام كل الناس وبموافقة باباكي.
منة بتحدي : وأنا مستنيه منك ده يا يوسف.
أبتعد عن محيط غرفتها بعد أن استمع بالصدفة لحديثها معه وهو يمر بجانب الغرفة، سعادة تملكت منه وشعر وكأن عنقه تطال السماء، فا أبنته تخاف عليه ولن تفعل شئ يؤذيه أو يقلل من شأنه زاد حبها في قلبه أضعاف مضاعفة وعلى شأنها في نظره أيضًا وقرر مصارحتها بكل شئ حتى يطمئن قلبها ولكن عليها أن تعده بالأ تخبر ذلك المتهور بشئ حتى يتم عقابه بشكل كامل.