الجزء الثاني
في منزل رغد جلست على هاتفها منذ الصباح بتوتر وهى تقضم اظافرها خوفًا تتفقد مواقع التواصل الاجتماعي التي تختص بأعلان نتيجة إخر العام بالشهادة الثانوية على الانترنت، جلست خديجة بجوارها حتى تطمئن هى الآخرى عليها، كي ترتاح من عبئ الثانوية العامة فرغد أخر فرد لديها بها.
خديجة: ايه يا رغد لسه مظهرتش بردو يا حبيبتي.
رغد بقلق : لسه والنت تقيل قوي يا ماما بقاله ساعة بيحمل ولسه مفيش حاجة ظهرت لما خلاص اعصابي باظت.
خديجة بقلق: ربنا يستر يا حبيبتي وان شاءالله خير متقلقيش ربنا مش هيضيعلك تعب لأنك ذاكرتي وعملتي اللي عليكِ.
طرقات موسيقية على باب منزلهم انتزعتهما من حالتهما القلقة والمتوترة واسرعت رغد تفتح الباب لعله أحد اشقائها علم شيئ وجاء لبشارتها.
خديجة :ده خبط ياسين أخوكي، افتحيله بسرعة.
اسرعت رغد تفتح الباب له : حاضر هفتحله بسرعة يمكن يكون شاف النتيجة وجاي عشان يطمني.
فتحت رغد الباب لتجد ياسين يسرع ويحملها بين ذراعيه ويدور بها بفرحة عارمة وصوته يغرد بالسعادة.
ياسين : مبروووووك يا احلى رورو في الدنيا نجحتي واخيرا اخر فرد في العيلة خلصت ثانوية وهتدخل الكلية ان شاءالله.
رغد بفرحة : بتتكلم جد يا ياسين انا مش مصدقه نفسي الحمدلله يارب أخيرًا ارتحت من الثانوي وهمه.
انزل ياسين رغد وضمها بذراع واحدة وضم خديجة التي اقتربت منهما بسعادة ولمعت عينيها بدموح الفرح يقبل رأسها بحب .
ياسين : ايه يا حبيبتي بتعيطي ليه بس ما رغد نجحت أهية الحمدلله واطمنتي عليها. .
خديجة وهى تقبل وجنة رغد ثم وجنته: دي دموع الفرح يا قلبي، والحمدلله أن اخيرا اطمنت على حبيبتي وعقبال نتيجة الكلية ليها وليك أن شاءالله.
رغد : ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي انتي وبابا ويوسف وياسين ويحيى وتيتة كلكم كلكم ونبقى في الفرح والخير ديمًا مع بعض.
أتت فتحية من خلفهم وهى تستند على عصاها بوهن : مالكم في أيه صوتكوا عالي ليه دوشتوني وانا مصدعة.
اقبلت رغد عليها مقبلة يدها : الف سلامة عليكي من الصداع يا قمري باركيلي انا الحمدلله يا تيتة نجحت في الثانوية.
لوت فتحية فمها بتهكم وبدأت في مرحلة نواحها التي اصبحت عادة يومية لديها : جاي ليكم نفس تفرحوا وابني ميت مبقالوش ١٠شهور هقول ايه تلاقيكم ما صدقتوا انه مات عشان يخلى ليكم الجو وتاخدوا الجمل بما حمل.
انتفضوا جميعا على صوت عبدالوهاب الجهوري وهو يقف على عتبة منزله بعد أن استمع لكلام والدته القاسي.
عبدالوهاب بعيون كادت تخرج من محجريهما : مين يا أمى اللي فرحان أنا ولا عيالي ولا مراتي هما عملوا ايه عشان تقولي كدا، ليه ديما بتحسسيني أني مش غالي عليكي ليه ديما بتشككي في حبي ليكي ولخويا الله يرحمه، أنتي عايزه ايه لو موت نفسي هترتاحي مش كفاية عليا الهم اللي شايفة برة كمان هيبقى في بيتي انا خلاص تعبت واعصابي تعبت ومبقتش قادر على كل ده ارحموني بالله عليكم ارحموني بقى.
انهارت اعصاب عبدالوهاب وكأن مسه الجنون واخذ بض*ب وجهه وتمزيق ملابسه، اسرعوا جميعهم رغد وخديجة وياسين في منعه من إيذاء نفسه، لم يهدأ من نوبته حتى وقع ارضا فاقدًا وعيه، صرخت رغد وهى تجلس بجوارة تربت على وجنتيه برفق لكي تترجاه أن يفيق.
رغد ببكاء : بابا قوم يا بابا قوم يا حبيبي متخوفنيش عليك أاااانا اموت لو جرالك حاجة قوم يا بابا بالله عليك كفاية عمو شريف متحسرناش عليك أنت كمان.
جاورت خديجة رغد جلستها بجانب زوجها ورددت بنواح: عبده رد عليا يا حبيبي قوم يا قلبي ومحدش هيزعلك تاني والله ما هخلي حد يقرب منك قوم يا حبيبي متفزعش قلبي عليك.
امسك ياسين يد والده يتحسس نبضه ثم تمالك نفسه وأخرج هاتفه و تحدث الي اخيه الكبير : يوسف تعالى بسرعة بابا وقع اغمى عليه ومش عارف افوقع بيرعة هات دكتور وهات يحيى معاك وخلي إيهاب ياخد باله من الشغل.
وقعت فتحية ارضا بعد ان عجزت قدامها عن حملها وزحفت باتجاه ابنها وهى تذرف دموع ندم وخوف على فلذة كبدها الذي لم يعد لها غيره في الحياة، جلست بجواره وحملت رأسه على قدميها وربتت برفق على وجنتيه وهى تقبله وتتحدث له بصوت منخفض عله يفيق ويريح قلبها الذي انفطر من أجله.
فتحية بخوف : رد عليا يا عبده أنت زعلت منى طب ما أنت عارفني طول عمري كدا بحمل عليك وطول عمرك بتستحملني جاي دلوقتي وتزعل حقك عليا يا حبيبي مش هزعلك تاني بس قوم متحرقش قلبي عليك كفايا اخوك رد عليا يا حبيبي بالله رد عليا أنا غلطانه واستاهل الحرق كمان.
ثم رفعت يديها عاليا وهى تدعو الله.
فتحية : يارب أنا غلطانة حقك عليا بس نجهولي وقومه بالسلامة وتوبة ازعله تاني.
احتضنت رغد جدتها برفق : أهدى يا تيتة أهدى يا حبيبتي ومتخافيش أن شاء الله بابا هيقوم بالسلامة عشان خاطرنا دا أحنا ملناش غيره بعد ربنا.
شددت فتحية من احتضانها : حقك عليا يا حبيبتي عكننت عليكي يوم فرحتك بنتيجتك بس غصب عني نار قايدة في قلبي ربنا ما يكتبهاش على حد، بس خلاص انا فوضت أمري لله وهو اللي يجيب ليا حق أبني.
رغد ببكاء : عارفة يا تيتة وناره في قلوبنا كلنا وربنا يصبرنا ويقوم بابا بالف سلامة.
بعد فترة قصيرة خرج الطبيب من غرفة عبدالوهاب رافقه يوسف ويحيى الى الخارج، لكي يطمئنا على الحالة الصحية لوادهما وكذلك جدتهم التى اصابتها احدى غيبوبات السكري بعد حزنها على والدها والحالة التي أوصلته لها.
يوسف : طمنا يا دكتور على صحة بابا وتيتة
الطبيب : جدتك كويس انا ادتها حقنة هتظبط مستوى السكر في الدم وساعة بالكتير وهتفوق.
يوسف : الحمدلله، طيب وبابا حالته ايه.
الطبيب : والدك حالته النفسية وحشة جدا، وياريت تبعدوه عن اي توتر أو شد عصبي وتريحوه على قد ما تقدروا انا اديته مهدئ هينام لغاية الصبح وأن شاءالله هيفوق كويس.
يوسف : شكرا لحضرتك يا دكتور تعبناك معانا.
بعد رحيل الطبيب ذهب يحيى لجلب الدواء الذي امر به الطبيب لعبدلوهاب وفتحية، بينما دخل يوسف إلى غرفة والده وجد رغد ووالدته يجل**ن بجانب عبدالوهاب يذرفون الدموع خوفًا عليه.
يوسف بحزم : مينفعش اللي انتم عملينه ده الدكتور نبه اننا منزعجوش ومنخليش حاجة توتر اعصابه وعياطكم جنبه هيضره.
خديجة ببكاء: هو الدكتور قالك ايه.
يوسف : اطمني يا ماما بابا بخير هو بس اعصابه تعبانه شوية من الضغوط اللي حواليه، واتفضلي انتي ورغد اطلعوا برة وسبوه نايم الدكتور اداله مهدئ مش هيصحى غير الصبح.
أمأت خديجة برأسها وامسكت يد رغد تجبرها على النهوض لترك زوجها يرتاح في فراشه كما أمر الطبيب، وخرجت إلى خارج الغرفة بعد أن دثر يوسف والده جيدا ووقفوا في صالة منزلهم.
خديجة: الدكتور قالك ايه على صحة جدتك.
يوسف : تيتة عندها غيبوبة سكر والدكتور اداها حقنة وقالي ساعة وهتفوق.
خديجة :ادخلي يا رغد اقعدي جار جدتك لغاية ما اجيب ليها شوربة الخضار بتاعتها تاكل عشان مكلتش حاجة النهاردة.
رغد بحزن وهى تجفف عينيها :حاضر يا ماما
يوسف : انا هقعد في أوضتي لغاية ما يحيى يجي بالدوا ولو ياسين جه خليه يدخلي لأني بعته يقفل المحلات والمدشة.
خديجة : ماشي يا حبيبي احضرلك تاكل.
يوسف : لأ مليش نفس دلوقتي.
جلست رغد بجوار جدتها وامسكت احدى يديها تدلكها برفق، بدأت فتحية بالاحساس بمن حولها فتحت عينها ببطئ ومالت برأسها للجانب وجدت رغد تجلس بجانبها شاردة فنادتها بأعياء.
فتحية : رغد عبده فين وعامل ايه.
انتبهت عليها رغد فمسحت عبراتها : متخافيش يا تيتة بابا الحمدلله كويس الدكتور اداله مهدئ وهينام للصبح وان شاءالله يقوم بخير.
بكت فتحية بحرقة: أنا السبب شيلته اكتر من طاقته وهضيعه زي ما أخوه ضاع.
رغد ببكاء : لأ متقوليش كدا يا تيتة أن شاء الله بابا هيقوم بالسلامة ويبقى بخير.
فتحية : قوميني اروح اشوفه واقعد جنبه.
دخل في ذلك الوقت يوسف لغرفة جدته بوجهً جامد خالي من التعابير.
يوسف : متتعبيش روحك يا تيتة بابا كويس انا كنت لسه عنده وياسين اداله الحقن اللي الدكتور كتبها له وهو كدا كدا نايم مش حاسس بحد.
فتحية : انا عايزه اشوفه واقعد جنبه.
رغد : خليكي مرتاحة ولما يفوق كلنا هنروح نقعد معاه.
فتحية : أه ياني أنا السبب أنا السبب.
جلس يوسف بجوار جدته : مش أنتي يا تيتة بابا بقاله قام يوم في مشاكل كتير.
رغد : مشاكل؟ مشاكل ايه اللي توصل بابا لكدا؟
زفر يوسف بعمق : مأمور المركز باعت لبابا وبيتهمه بالتحريض على القتل واعمال تخريبيه وافتعال شغب.
فتحية : عبده؟ ياريت كل الناس زيه دا سامح في حق أخوه عشان مش عايز مشاكل.
يوسف : ما هو ده السبب في ناس ربنا ينتقم منهم عمالين شغالين بالف*نة وينقلوا كلام لينا غلط من ناحية عيلة البهنساوي وعيلة السرجاوي وتقريبا نقلوا ليهم أن بابا هينتقم منهم ويحرق بيوتهم وراحوا قدموا بلاغ بده، عشان كدا المأمور بعت لبابا وحذره لو جرى ليهم اي حاجة بابا اللي هيكون مسؤل قدامه.
رغد : ايه الكلام ده بابا عمره ما يقول كدا ولا يعمل كدا وبعدين افرض هما حصل ليهم حاجة قدرًا كدا هياخدوا بابا ظلم يعني يبقى موت وخراب ديار.
يوسف بغضب : ما هو عشان كدا أنا أتنرفزت وكنت هروح ليهم وناوي اخلص على اي حد يتعرض ليا، بس بابا حاول يمنعني ولما لاقاني مُصر منعني بالقوة وشديت قدامه بالكلام فزعل مني وسابني في المحلات وجه هنا البيت.
فتحية ببكاء : وانا جيت كملت عليه.
دخلت خديجة وهى تحمل صنية الطعام : خلاص يا ماما قدر الله وماشاء فعل، بس عشان خطري محدش فيكم عاد يزعله عشان ميتعبش تاني أحنا من غيره منعرفش نعيش.
فتحية ببكاء : أنا خلاص مش هكلمه في حاجة تزعله تاني كفايا عليا اللي راح.
يوسف : روقي يا تيته ويلا عشان تاكلي عشان سكرك أنتي واخده انسولين ولازم تاكلي.
فتحية بحزن : مليش نفس لحاجة.
خديجة : لازم تاكلي عشان عبده لما يفوق يلاقي صحتك كويسة ولا عيزاه يتعب تاني.
التقطت رغد طبق الطعام من والدتها : هاتي وان هأكلها بنفسي ومعايا مش هتقدر تعترض صح يا تيتة.
جاءت فتحية تتحدث فعجالتها رغد بوضع ملعقة الحساء بفهمها ترغمها على اكلها، خرج يوسف وخديجة وتركا رغد تطعم جدتها بعد أن استجابت الأخيرة لها وجلسا يتسامران بهدوء، ثم ذهبا يتفقدا عبدالوهاب الغارق بغيبوبته علها تريحه من تلك الهموم الملاحقه له منذ وفاة أخيه.