الجزء الأول (1)

1560 Words
الجزء الاول في احدى المدن الريفية البسيطة تعيش عائلة ميسورة الحال مكونة من الأب والأم والجدة من ناحية الأب وثلاث أبناء وأبنة واحدة، رب الأسرة يعمل بتجارة الأغلال وهو أب لأربعة أبناء ثلاث ذكور وفتاة، يعيش حياته بقناعة ويرضى بقضاء الله له ولا يريد من الحياة سوى وصل رحمه وتربية ابنائه وتعليمهم والوصول بهم لبر الأمان كما هو حال كل الأباء، حياته هادئة فزوجته محبة حنونة تحتويه بدفئ قربها وحبها له ولأسرتها الصغيرة، وأولاده خلوقين ملتزمين ناجحين في حياتهم كما غرس فيهم منذ صغرهم بارين به كما هو بارًا بوالدته وبوالده قبل أن يتوفاه الله، اكثر ما يعشقه في الحياة هى فتاته ومدللته وقرة عينه أبنته الوحيدة فهى أحن أبنائه عليه تعتني به وبكل شئ يخصه وتتنافس مع والدتها على حبه والأهتمام به للحد الذي يجعلها تخشى عليه من نسائم الهواء أن تصيبه، وتعتبره كل حياتها وبرغم كونها اصغر ابنائه الإ أن راجحة عقلها يجعله يستشيرها في أمورة عدة تخص عمله وحياته، في صباح احد الأيام استيقظ من نومه على دغدغة تثير خلايا عقله وتحثه على فتح عينيه وجدها امامه تتصنع البراءة. رغد: حبيبي صحيت دا أنا كنت لسه جايه اصحيك عشان ماما جهزت الفطار. عبدالوهاب : يا بت عليا أنا دا أنا بقالي دقيقتين مغمض عشان اقفشك وأنتي متلبسة. افلتت من رغد ضحكة رنانة : ماشي ماشي يا عوبد بتستغفلني وأنا على نياتي. امسك عبدالوهاب يدها وسحبها ناحيته يضمها بذراع ويربت على خصلتها بالأخرى : فكرك يعني هسيبك كل يوم تخدعيني لا أنا فايقلك قوي وبعدين كفاية ريحة الياسمين بتاعة شعرك بتصاحيني من أحلاها نومه. طوقت رغد والدها بحب : ربنا يخليك ليا يا حبيبي وميحرمنيش منك ابدا. عبدالوهاب : ولا يحرمني منك ولا من أخواتك يا حبيبتي. رغد : يلا عشان تيته صحيت من بدري وأنت عارف ظروفها لو مروحناش قعدنا معاها هتفتكر عمو شريف وتعيط. عبدالوهاب بحزن : ربنا يصبرها ومين فينا هينساه شريف كان أبني قبل ما يكون أخويا أنا اللي مربية على إيدي الله يرحمه دا كان أكبر من يوسف أخوكي بسنتين بس. رغد بحزن وعيون لامعة :عمو شريف كان بالنسبالي أخويا الكبير وصديق وأب أنا لسه بعيط عليه لغاية دلوقتى. عبدالوهاب : عارف يا حبيبتي أنتي اكتر واحدة اتأثرت بموته كفاية الأنهيار اللي جالك وقتها. أغمضت رغد عينيها لتتحرر دموع حزن واشتياق لغالي طافت روحها له، امتدت يد والدها تزيل تلك العبرات الملهبة : متعيطيش يا حبيبتي ادعيله بالرحمة هو شهيد عند ربنا بأذن الله. توسدت رأسها ص*ر ابيها بحب : ربنا يرحمه ويدخله فسيح جناته. عبدالوهاب : اللهم آمين. جلست على مائدة الطعام تحاول استرضاء جدتها لتناول الطعام لكن هيهات كل محاولاتها باءت بالفشل، وبقيت جدتها على حالتها تنوح بقلب مفطور والدها الذي طالته يد الظلم وقطفت زهرة شبابه قبل أن تزهر، أو حتى يتزوج وينجب لها أبنًا يصبر روحها على فراقه. رغد بحزن : عشان خاطري يا توحة كفاية عياط بقى ضغطك هيعلى وسكرك كمان وكدا ممكن يجرالك حاجة ولا تدخلي في غيبوبة لا قدر الله. فتحية : وايه يعني لما أموت ولا اروح في داهية كمان هكون أغلى من اللي راحو، هو بالساهل عليا أبني ونور عيني يتخ*ف في عز شبابه. رغد : لا يا حبيبتي مش سهل عليكي ولا علينا بس دي أرادة ربنا هنقدر نعترض، منقدرش نقول غير الحمدلله على القدر خيره وشره. فتحية بنواح : الحمدلله بس أنا مش هيهدالي بال غير لما أبوكي ياخد بتار أخوه عشان يبرد ناري اللي قايدة جوايا، نفسي اشوف اللي قتله مقتول ودمه سايل زي دم أبني. رغد بفزع : ايه يا تيتة اللي بتقوليه دا تار أيه ومين اللي ياخده أنتي عايزه تجرجري بابا وأخواتي لبحور دم دا أحنا في غنا عنها دا أحنا كلنا ملناش غير بابا بعد ربنا، وبعدين حرام اللي بتقوليه دا والمفروض كمان تخافي عليه مش تخليه ياخد بتار ويوقع نفسه في مشاكل ملهاش آخر، استعوضي ربنا يا تيته وادعيله بالرحمة، دا ربنا عز وجل قال ومن عفا واصفح فأن جزاؤة على الله. فتحية بضيق : أنا استعوض ربنا في أبني خلاص، بس هو اللي مات ده فرخة عشان نسيب دمه يروح هدر دا راجل قد الدنيا ولازم نجيب حقه. رغد : ماشي وانا معترضتش بس بالقانون مش ناخد بتار زي الهمج، وبعدين بابا مش ساكت ومقوم اكبر محامي في المركز كله عشان يجيب ليه اقصى عقوبة للي قتلوه بالخطأ، وكمان يكفي أن من ساعة الحادثة واهل القاتل سايبين بيوتهم وأرضهم وهربانيين في بلاد الله ومتشتتين بيتهيألي دا لروحه عقاب قاسي قوي ليهم. فتحية بغل : مش كفاية دول لازم يدبحوا كلهم واحد واحد عشان ناري تهدأ. آتى عبدالوهاب من خلفهم : أيه يا حاجة فتحية الكلام ده هو أحنا بلطجية ولا قاتلين قتله، يا أمي يا حبيبتي أنا حزني على شريف ميقلش عن حزنك بس الانتقام والقتل مش هيرجع اللي راح بالع** دا هيضيع ارواح اكتر ونشيل في ذنوب اكتر، وبعدين أنتي عارفه أن القتل حصل بطريقة خطأ لما شريف الله يرحمه دخل يفض عركه بين منصور البهنساوي وبين أمين السرجاوي ومش معروف الض*بة جت منين، يعني لما المفروض اخد بتاره هاخده من مين ولا أخده من العلتين عشان تبقى بحور دم منقدرش نوقفها بعد كدا. فتحية بنواح :كنت عارفه انك هتقول كدا وضيع حق أخوك ما هو لو كنت بتحبه كنت خدت بتاره مش تهاونت وسهلت الأمر على نفسك كدا. عبدالوهاب بحزن : ربنا يسامحك يا أمي لو تعرفي هو قاطع فيا قد أيه مكنتيش قولتي كدا دا انا مكانش ليا غيره لا أخ ولا أخت، وانا مش سايب حق أخويا بس مش هجيبه بالدم لأ انا هجيبه بالقانون عشان احنا مش عايشين في غابة. فتحية بأستفزاز لمشاعره: قانون ههههههه دا سلاح العاجز أو اللي مش عايز يهين نفسه. انتفض عبدالوهاب من مجلسه بجوار والدته مغادرا منزله والحزن والغضب يسيطران عليه، جرت رغد خلفه مسرعة تتمسك بيده ترجو منه تناول طعامه فهو مريض سكري ولا تريد له أن يمرض بسبب قلة تناوله أفطاره. رغد بعد ان وقفت امام ابيها : عشان خاطري متزعلش من تيتة هى مش تقصد واستنى كل أي حاجة عشان سكرك مينزلش من قلة الاكل. قبل عبدالوهاب رأس ابنته ب**ت مربتا على ذراعها ثم غادر دون أن يضيف كلمة واحدة، دمعت عين أبنته بقلة حيلة وهى تنظر في أثره، نزلت والدتها في هذه اللحظة من فوق سطح المنزل وجدت رغد تقف على الدرج بحزن شاردة. خديجة : واقفه كدا ليه يا رغودة ومالك عيونك مدمعه ليه حصل حاجة. رغد : أنتِ كنتي فين يا ماما دا وقت تسيبي فيه البيت وتطلعي فوق. خديجة : ايه يا حبيبتي فيه أيه بس كنت بحط الأكل للفراخ فوق. رغد : وده وقته يا ماما بعد كدا متطلعيش برة الشقة غير بعد بابا ما ينزل يروح المدشة. خديجة : ليه حصل ايه انطقي اوعي يكون مشي من غير ما يفطر. رغد : ايوة يا ماما زي كل يوم تيتة عكننت على بابا ونزل من غير ما ياكل حاجة. خديجة بيأس : تاني هقول ايه بس غير ربنا يصبرها، حاض*بعد كدا مش هروح كدا ولا كدا غير بعد عبده ما ينزل لشغله، ويلا بينا ندخل عشان أنا هاخد الأكل وانزل اروح له ومش هسيبه غير لما ياكل. رغد : لاااا يا حبيبتي أنا اللي هروح له وافطر معاه كمان. خديجة بابتسامة: يا بت هوا أنتي ضرتي هو جوزك ولا جوزي مش مدياني مجال انفرد بجوزي وادلعه خالص. رغد : مهما تقولي هيفضل بابا بتاعي أنا وبس وهفضل أهتم بيه وادلعه ولما ابقى اتجوز ساعتها افكر ابقى اسبهولك. خديجة بضحك: ماشي يا لمضة روحي لابوكي فطريه وأنا هدخل لماما عشان أخليها تاكل لتتعب، وبعدين لو ابوكي اتصل وملقهاش كلت هيزعل مني وهيسيب شغله ويجي عشان يأكلها بنفسه. رغد: معلشي يا ماما استحملي تيتة مهما كان قلبها مجروح. ربتت خديجة على وجه رغد : متخافيش يا حبيبتي عارفه وبدعيلها ربنا يصبرها. رغد وهى تحتضن والدتها : حبيبتي يا خوخة ربنا يخليكي لينا يارب، بعد اذنك هروح بقى لبابا عايزه حاجة. خديجة وهى تدخل للمنزل وخلفها رغد : متتأخريش عند ابوكي ورانا شغل كتير. رغد : حاضر يا احلى ماما في الدنيا كلها. لغط وأقاويل تتناقل هنا وهناك والشر ينتشر انتشار النار في الهشيم، والمفسدون ينتهزون الفرصة في زيادة الحقد في النفوس، لا يكفيهم موت شاب بمقتبل العمر بل يزيدون في جرعة الف*ن وكأنها زاد يقتتون عليه، تارة يذهبون لاهل الجناة ويحدثوهم مكذبين عن وعيد عبدالوهاب لهم وتعهده بالاقتصاص منهم لقتل اخيه، وتارة يذهبون لعبدالوهاب ويقصون عليه بالكذب أن أهل الجناة غير عابئين لموت اخيه ولو فكر بالقصاص منهم سينتقمون منه ويقتصون من اولاده واحدا تلو الآخر، ثم يغادرون ويتركوا النفوس وقد بلغ بها الغضب مبلغه، اكثر من مرة كاد يوسف أبن عبدالوهاب الكبير ان يذهب لأهل قاتلي عمه وهو ينوي قتلهم جميعًا ولن يبقى على احد منهم كي يطفئ النار الذي اشعلها موته ويزيد هؤلاء الفاسقون في توسيعها، لولا وقوف عبدالوهاب بوجهه يمنعه بكل ما اوتى من قوة نظر لعنفوان يوسف وقوته، حتى فاض الكيل بعبدالوهاب وبلغ الغضب منه مبلغه وأصر على وضع نهاية لكل هذا الهراء والعبث، ثم قام بطرد هؤلاء المفسدون اكثر من مرة وسبهم لكي يتوقفوا عن نقل الف*ن هنا وهناك حتى يجنب نفسه واولاده الوقوع في شر لن يتوقع أحد نتائجه، لكنهم لم يكتفوا بما سببوه من أذى له وراحوا يشيعون بالبلدة انهم استمعوا له وهو يتآمر مع زعيم آحد العصابات لكي يقتل له فرد من شباب عائلة قتلة اخيه ويحرق منازلهم، تناقلت تلك الشائعات واخذت في الازدياد والاتساع وكل من يسمع كلمة يزيد عليها مائة حتى تفاقم الوضع واصبحب البلدة على صفيح ساخن كما يقولون، وصلت الشائعات تلك لرجال الشرطة فبدأوا ينفرون من أجل أن يستتب الأمن بالبلدة مرة أخرى وخاصة أن في هذا الوقت يتهيأون من أجل السيطرة على الآمن في المدينة فبعد عدة شهور أنتخابات مجلس النواب ولا يريدون أن تتأزم الأمور اكثر من ذلك، حتى تمر تلك الفترة بسلام دون حدوث أي مشاغبات تؤدي لكوارث في الارواح او خسائر في البنية التحتية للمدينة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD