الفصل الثالث :

1133 Words
العا**ة البريطانية - لندن بناء السيدة فيرث كان الظلام يحيط بالمكان ولا يوجد سوى ضوء خافت في الممر الطويل لبناء السيدة فيرث المكون من خمس طوابق .. تحركت بسرعة لتصل لغرفتها المستأجرة وهي تنفض المطر عن قبعتها الصوفية المحيطة برأسها بيد مرتجفة قبل ان تشعر تلك العجوز بقدومها فهي مرهقة كالجحيم ولا تريد سماع كل اخبار المستأجرين الاخرين .. كل ما تريده هو الركون الى دفئ المكان الذي تسميه منزلها .. ورغم علمها انه لن يكون دافئاً بشكل كبير الا انه يبقى افضل من الارتجاف هنا خارجاً .. " جويل " رباه لا .. هتف داخلها وتلك المرأة التي تحمل عصى خشبية لتسند عليها تتجه نحوها وهي تبتسم بود وسعادة كأنها استولت على مجوهرات الملكة اليزابيث بنفسها .. " مساء الخير ابنتي .. كيف حالك لم اراك البارحة ؟! " قربت يديها المرتجفتان لجانب فمها تنفخ على اصابعها المتجمدة بفعل الجو خارجاً وفركتهما بعدها لمرات وهي تجيب " جيدة .. انت كيف حالك ؟! " " بخير .. بخير .. والدتك اتصلت بك واخبرتني ان تعيدي الاتصال بها " قطبت حاجبيها انها لم تسمع خبر من والدتها منذ اسبوعان .. ترى ما الامر ؟! .. والدتها ما كانت لتتصل بها ابداً ب*رف عادي .. هي دائما من تفعل ذلك محاولة كل جهدها لارضاء نزوات المرأة بأي طريقة علها ترضى عنها " حسنا .. ايمكن ان استعمل هاتفك سيدة فيرث ؟! " " بالتأكيد طفلتي .. هل لد*ك فكة ؟! " بحثت في جيب بنطالها الجينز القديم لتجد قطعتان معدنيتان فاخرجتهما لتستعملهما .. فهاتف السيدة فيرث لديه حصالة ولا يعمل دون ان تضع داخلها قطع المعدن تلك " ها هي .. " عادت لتسير مع العجوز حتى وصلت للطابق السفلي وتوجهتا نحو غرفة المكتب الجانبية .. " ادخلي واقتربي من المدفئة .. مؤكد تشعرين بالتجمد " تنشقت رائحة عطر زهور السيدة فيرث التي تصطف تحت نافذة زجاجية تحتل نصف الجدار وسمعت صوت مواء قطتيها المفضلتان فارتجف جسدها بخوف .. انها تمقت القطط منذ كانت طفلة .. تحركت بحذر حول المكان ثم توجهت للهاتف لتضع القطع المعدنية داخله وتطلب رقم منزل عائلتها ثم تجلس على طرف الاريكة الجانبية .. اربع رنات ثم اجابها صوت مرح " جويل .. اشتقت اليك كثيرا " كانت بيانكا اختها الصغرى تهتف باشتياق كبير " وانا حبيبتي .. كيف حالك ؟! .. وكيف دراستك ؟! " " بخير بخير .. انا .. " انقطع صوتها ليظهر صوت آخر عميق انثوي جعلها ترتجف بترقب وتتن*د منتظرة ما سيأتي تالياً " جويل " " ماما .. اخبرتني السيدة فيرث انك اتصلتي بي " حركت قدمها تحاول اخافة القطة التي توجهت نحوها لتلتصق بجانب الاريكة فهرعت بعيداً لتقفز نحو حضن صاحبتها " انت لم ترسلي المال هذا الشهر .. لما ؟! " ابتسمت بسخرية مرة .. كيف لم تفكر بهذا ؟! .. المال وحده ما يجعل امها تتصل .. لا اي شيء اخر في العالم .. بلغتها الام تكلمت تجيب " انه في حسابك منذ البارحة ماما .. كيف حال ابي ؟! " صراخ عالي قاطع حديثما وتلك الانثى القاسية تهتف "ايفان اخفض صوت المسجل اللعين انا اكلم اختك .. كالعادة لا جديد .. كم ارسلتي هذه المرة ؟! " اسندت جسدها ليد الاريكة العتيقة القماش تميل عليها وهي تجيب ببرود وجفاء بينما قلبها يتلوى بحثاً عن بعض التعاطف المفقود من قلب المرأة التي لا تهتم مثقال ذرة ان كانت بخير " خمسمئة .. وقبل ان تعترضي .. اذكرك اني ارسلت لك المال لدواء والدي قبل اسبوع .. كما ان لدي اجار الغرفة هنا " " ابحثي عن عمل افضل .. وتوقفي عن تنظيف القمامة للاخرين " فركت مقدمة جبينها .. حمدت ربها ان الحديث لن تفهمه العجوز لانه ليس بالانكليزية ولذلك تجرأت على التكلم براحة " اذكرك انك حرمتني من اكمال دراستي ورميتني هنا في لندن بعد ان يأستي من حصولي على عمل بسعر جيد .. اضافة انا اعمل بوظيفتين .. رباه ما الفائدة ؟! .. انك حتى لم تسألي ان كنت بخير .. ان كنت جيدة او ميتة " " ها انت تكلميني وتتتجرأين على التطاول كعادته منذ كنت طفلة.. اذا هذا يعني انت بخير .. ولندن حلم لاي فتاة هنا لذا اشكري الله اني ارسلتك اليها .. لا تتأخري الشهر القادم وحاولي ان تجدي عمل يدر ربح اكثر .. الفتات الذي ترسلينه يجعلني اشعر بالغثيان .. والا انت تعلمين ما الذي يمكنني ان افعله ؟! " ا****ة .. شتمت داخلها تتمنى لو تختفي عن وجه الارض .. انت تموت ولا يعد هناك اي مبرر لتلك المسماة والدتها لتبتزها مجدداً .. ربما القبر ارحم من كل هذا .. اغلق الخط طبعاً .. ما كانت لتبقى وتسمعها بما انها اطمئنت ان المال اصبح لديها .. وهمست بداخلها تواسيها .. هي تفعل هذا لاجل والدها واخويها .. لكي لا يطر احدهما لترك احلامه ودراسته ويغدو مثلها تحت رحمة اقدام يوري لبرمان .. " شكرا سيدة فيرث .. تصبحين على خير " " وانت بخير ابنتي " غادرت الغرفة وارتجف جسدها لحدة البرد خارجاً فضمت معطفها القصير اليها ونفخت مجدداً على يديها تتأمل اظافرها المش*هة الم**رة والتشققات داخل راحتيها .. كان لاول مرة يلتفت اليها .. لاول مرة يشعر بوجودها .. او ربما يلاحظها .. لطالما كان هادئا .. لا يتكلم .. لا يتنفس .. ومنذ انتقلت الى العمل في الطابق الاخير لم تسمع من فمه حرف .. وعندما فعل .. يا الهي .. شتمها .. الاصح شتم قطعة القماش الخاصة بها .. لاجل حذاء .. لكن اليس محقاً ؟! .. فهي تحتاج لاكثر من ثلاث اشهر من العمل لكي تعوضه عنه لو اتلفته بسبب الماء وسائل التنظيف .. هزت رأسها .. لما تفكر به ؟! .. الانه اخيراً شعر بوجودها ؟! .. رأها وتكلم معها .. لكن ..تعابيره الغاضبة .. شتيمته .. وتن*ده الحانق اخذ يتكرر في راسها لمرات .. فهي عاملة تنظيف لا اكثر .. وحتى اعتذاره الواهي كان يجعلها تغضب اكثر .. قبضت اصابعها تزرع اظافرها براحتها بقسوة .. الحياة .. كم هي قاسية .. غير عادلة .. لتوقعها اسفل قدميه بمجرد دخولها لغرفتها خلعت قبعتها ليسترسل شعرها الاشقر مشعثاً كما لو ان كهرباء مسته فاخذت تمرر اصابعها به لمرات .. توجهت نحو الطاولة الصغيرة حيث تحتفظ بكتب الدراسة الخاصة بها .. سرها الذي تخفيه وتحميه .. ابتسمت بسخرية تلامس الكتب الموضوعة هناك .. حلم قررت ان تستعيده منذ سنتين .. وان علمت والدتها فهي ستأتي الى لندن بسرعة البرق في الخارج .. لكن هل سيتحقق ؟! .. هل سيسمح لها القدر بالوصول اليه ؟! .. " هذا حقي .. ولن اتراجع عنه " رمت معطفها بعد ان خلعته جانباً لكي لا يبلل كرسيها الوحيد في الغرفة ثم توجهت لتغسل وجهها في الحمام الصغير .. تأملت نفسها بالمرأة وبسرعة اخفضت وجهها بعيداً عن مظهرها المرهق وعيناها المتعبتان .. خلعت ما تبقى من ملابسها ودفنت جسدها تحت مياه الدش الجانبي المعلق بالسقف فوقها .. حمدت ربها لوجود مياه ساخنة ... شيء تفعله السيدة فيرث لاجلها بمحبة .. كيف يمكن لشخص غريب ان يحن عليك بينما اقرب المقربين اليك لا يهتم ان كنت حياً ام لا ؟! .. رفعت وجهها تترك الماء تغمر وجهها .. ومرت يدها على عنقها المتيبس .. سانجو .. سانجو .. اخذت تردد لمرات علها تصل لمبتغها يوماً ..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD