الفصل الاول

4598 Words
قيدت نفسي بألف منفى وألفت ألف كذبة وكذبة وصدقت أني سأنسى وتوهمت أني أعيش ومع أول عبق للذكرى صدمت أن المنفى كان أنت أن الكذبة حولك أنت والنسيان لكل العالم إلا أنت ، أني سأعيش عمري رهين الظروف وسأحيا في حبك عصور الخوف أحارب أشباح تظهر لي حين أطلق سراح وعيي وتختفي مع رحيل الطيوف ……. مخزن ضخم على أرض مهجورة لا يص*ر منه سوى صوت نباح الكلاب العنيف، يقف بسترة رياضية تكشف عن ص*ر مليء بالعلامات المخيفة يرفع قلنسوة السترة لتخفي جزءا من وجهه وينظر إلى قفص به أسدان صغيران اشتراهما منذ أيام أطلق على أحدهما اسم جوري والآخر زنبق فقد أصبح هوسه الورد وما يذكره بها... رفع أصابعه يمررها على عينه التي فقدها منذ سنوات لأجلها فتألم قلبه الذي تبرأ منه منذ زمن تحديدا منذ خيانتها ومنذ أن أُلقي به في السجن فأصبح على يدها مجرما وأصبحت هذه حقيقته لا نفي ولا إنكار ....حيان البدري مجرم وخريج السجون، إنسان أ**د وطاغية لا يرحم ….وهل كان أمامه خيار آخر؟؟؟ ففي السجن إما أن تأكل أو تؤكل وطبعا هو اختار نفسه كما اختارت هي نفسها وتركته يغرق ولم تفكر به مرتين ورغم كل ذلك خافقه اللعين لا يرى غيرها، منذ خروجه من السجن اتخذ من النساء لعبته حتى أصبحن يلقين بأنفسهن تحت قدميه لكنها الوحيدة التي كانت ومازالت خطه الأحمر الذي لم يجرؤ أن يتخطاه يوما، لأجلها كان يخرج من مملكته بزي فقير ليراها وهي ذاهبة إلى عملها صباحا فالصور لم تكن لتطفئ لهيب شوقه ليعود كل مرة ينزف قهرا وكأنها جرحته للتو، فصغيرته التي كانت تنام معه في الأزقة وعلى أرصفة الشوارع فيسهر طوال الليل ليحميها من شر الظلام …. صغيرته التي كانت تسرح معه بين إشارات المرور ليأتيا بثمن الطعام من بيع المناديل الورقية والتسول فيتحمل عنها الض*ب من الرجل الذي يسرحهم للتسول والذي يعتبر والده مجازا حتى فقد عينه لأجلها …... أصبحت سيدة أعمال راقية تحبس الأنفاس ….ورد خليفة اسم أصبح له وزن في سوق الأعمال رغم سنوات عمرها الأربع والعشرين، فعمتها البائسة قد اهتمت بها جيدا حتى حين علمت بخروجه من السجن عقدت معه صفقة ليبتعد عنها وافق عليها بشروط فهو لا يحب أن يترك شيئا يخصه دون أن يعلم عنه شيئا، قاطع تأمله صوت أقدام تتحرك نحوه فقال بهدوء "ماذا هناك؟ ….هل صدق حدسي ؟" تكلم الواقف خلفه بخوف من القادم فمنذ أن عمل لدى هذا الرجل وهو يعرف جيدا قيمة ورد خليفة بحياته "لقد حجزت الآنسة ورد للسفر وستسافر بصحبة عمتها " كان حيان يعطيه ظهره وينظر إلى الأسدين فلم يلتفت له بل سأله "ليس هذا ما أريد سماعه، هل صدق حدسي بشأن ما يحدث؟ "أخذ الآخر أنفاسه وقال "نعم يا سيد حيان فالسيدة نور أعلنت في الشركة أن ابنها ليل خطب الآنسة ورد وزفافهما قريب ..فهو سيعود معها من أمريكا لإقامة الفرح هنا" تحرك حيان يميل للأمام مدققا بما أمامه ثم أشار لربيع بالانصراف ورفع هاتفه وأرسل رسالة لنور فحواها "كما التزمت أنا بالاتفاق عليك أن تلتزمي به، كل ما يحدث يصلني فورد ليست بعيدة عن يدي فإما أن تحافظي عليها وإما أن أحافظ عليها بطريقتي" ألقى هاتفه بغضب وهو يفكر أنه لو اقترب منها أحد سيحرق الأخضر واليابس فقد تركها أمانة بعيدا عن بطشه ولكن إن كانت ستضيع فبطشه أهون من ضياعها لعل من كان السبب في انطفاء قلبه يعيد إليه النور يوما ما........... حل الليل بنجومه اللامعة على الجميع، كانت النساء تجلسن في المجلس الداخلي بهدوء يتوسطهن العرائس اللواتي يرتدين عباءات بيضاء وكلٌّ تزينت على حدة... يجلسن في رأس المجلس خاطفات للأنظار وتبارك ومنار تدوران حول الجميع لتقديم الضيافة فعبد الرحمن جاء بكل شيء جاهزا من الخارج حتى عشاء الرجال، كانت الهمسات كلها تحكي عن غفران التي تجلس بابتسامة بجانب حورية لا ترى ضرتها التي تجلس على بعد بضع مقاعد منها…. منهن من يرى أنها تدعي القوة حتى لا يشمت أحد بها ...وأخريات يرين أنها قوية لأنها ابنة الشيخ فحتى إن كانت عمياء ستحملها أسرة جمال على رؤوسهم، ومنهن من ترى أنها باردة ولا تشعر لتبتسم كأن ما يحدث لا يخصها، كانت حورية مازالت تضحك على منظر منير وأمه نعمة تض*به ويشاركها الضحك أسمهان وسما وغفران بع** بلقيس التي كانت ترتعش برهبة وخوف وشيء آخر لا تعرف له معنى أو وصفا، فتفاجأن بفتاة تقف أمامهن بعباءتها البيضاء وجسدها المكتنز رغم تضاريسه الواضحة بشدة من ضيق عباءتها وتنظر لهن بخيلاء وتقول بدلال "مساء الخير" **ت الجميع فسارعت سما تقول "مساء النور" فوضعت يدها في خصرها بامتعاض وقالت "أنا إيمان العزايزي زوجة جمال العزايزي جئت لألقي السلام على غفران"مدت إيمان يدها بسخرية وقالت لغفران "لماذا لا تسلمين عليّ فقد مددت يدي" كانت الفتيات يشتعلن بغضب خصوصا حورية التي ردت بل**نها اللاذع تقول "هذا لأنها معقمة ضد الجراثيم فلا يمكنها أن تصافح أحدا وخصوصا لو كان الشخص كائنا جرثوميا متحركا"ضحكت غفران برقة وقالت "آسفة يا إيمان كما قالت لك زوجة أخي أنا معقمة الآن" نظرت لهما إيمان بغضب وعادت إلى مكانها تدك الأرض بقهر وتفكر كيف تزيح بنت الشيخ من حياة زوجها، على الجهة الأخرى من المجلس كانت نعمة تشاهد ما يحدث ب**ت وفخر بقوة ابنتها وبالأخوة التي نشأت بينها وبين حورية، كانت كوثر تجلس على يسارها وفوزية على يمينيها وعيناها لا تفارقان ابنتيهما و تلهجان بالدعاء لهما، دخلت تبارك تقول بهدوء " المأذون وصل احتشمن فهناك رجال سيدخلون" في المجلس كان الهدوء سيد الموقف فهذا أول فرح للعزايزة لا يُسمع لهم فيه صوت ولا صدى، كان المأذون يعقد القران فيأخذ إخوة العروس الدفتر إليها وعند انتهائهم يقوم العريس بذ*ح الأضاحي التي أحضرها ويصطحب عروسه إلى السيارة ويرحل ف*نطلق النيران، انتهى المأذون من عمله فيما كان الجزارون في الخارج يقومون بتقطيع اللحوم ليقوم بقية الرجال بتوزيعها، كان المنزل ممتلئا بالرجال ولكن تسوده حالة من الهدوء والاحترام لفقدهم الذي لم يمر عليه سوى بضعة أشهر، تص*ر الشيخ جعفر المجلس وبجانبه عبد الرحمن من جهة ومنير من الجهة الأخرى يقول بصوته الجهوري "تقدم وضع يدك في يد عمك يا بن محسن واسمعني جيدا نساء العزايزة جواهر فصن الأمانة تصان"تقدم صفي بأقدام يخشى أن تخذله بهذه اللحظة ….لا يصدق أنه وصل أخيرا إليها، بلقيس ستصبح زوجته …..كانت روحه تتمايل من فرط الفرحة حتى صارت ابتسامته غير متزنة كروحه، المأذون يقول وهو يردد وراءه ليس مجرد كلام بل وعود بأن يحيا بها ولها ….بأن يضبط دقات فؤاده على توقيت نبضها ….كانت يده ترتجف في يد عمه باردةً كالثلج، وأخيرا قال المأذون "أريد إمضاء العروس، وقف عاصي الذي كان متلهفا لرؤية غفرانه وأسد الذي كانت لا تسعه الدنيا من الفرح خصوصا لأجل صفي يغمز لعاصي ويقول له بخفوت "المرة القادمة يا وحش" جلس عاصي بإحباط وأسد يحمل الدفتر ويعبر به إلى مجلس النساء لكنه لم ينسَ أن يلتقط لنفسه صورة وهو يحمل الدفتر ليرسلها لبطته ويكتب أسفلها "ال*قبى لنا يا بطة"كأنه لم يكن يصرخ بها قهرا وغضبا وغيرة منذ ساعات" دخل أسد القاعة بهيبة لا تفارقه أينما حل، بسحر أخطر من أن يرحل دون أن يترك أثرا، كان همس الفتيات يلاحقه وهو يشاهد مَن أمامه بروح عاشق يقارن كل الجميلات بملكته و معشوقته فلا يجد من تتساوى أمامه بمن هذبت جموح الأسد، اقترب من بلقيس التي تركت العنان لعينيها فهوت دموعها بسخاء فضمها أسد بشدة فشعر بها تنتفض فوق ص*ره فحاول أن يتماسك وألا يبكي أمام هذا الحشد وهمس لها "مبارك يا عروس، لمَ البكاء الآن؟ لقد تزوجتِ شيخ الشباب أخيرا... الحمد لله أنه مازال يستطيع الوقوف على أقدامه في الخارج ... أشعر أنه سيسقط مغشياً عليه ويفضحنا "همهمت له ببكاء "أنا خائفة" شدد من ذراعيه حولها وقبل جبهتها قائلا "لا تخافي يا بيلا فصفي يحبك بجنون اطمئني وضعي إمضاءك فلو تأخرت أكثر من هذا سأجده يقتحم المجلس ليضعه بنفسه" مسح وجهها بكفيه وقرب لها الدفتر فمضت بيد مرتعشة وأسد يبتسم لها مشجعا وعندما انتهت مال يقبل رأسها قائلا "مبارك يا ست البنات " ثم حمل الدفتر وخرج تاركا إياها تكاد تصاب بنوبة قلبية كلما تذكرت أنها على وشك الرحيل....... دخل أسد مجلس الرجال وأعطى الشيخ الدفتر فقال الشيخ "بالرفاء والبنين إن شاء الله" فخرج الشباب مع صفي لذ*ح الأضاحي فلم يتمكن من شدة التوتر أن يمسك السكين حاول وحاول لكن كانت النهاية بأن جرح يده الأخرى، أشفق أسد عليه فالواقفون كُثر فصرخ بمرح "لن يذ*ح هذه الأضاحي أحدٌ غيري، أنت فقط استعد لتأخذ عروسك " دخل أسد إلى مجلس النساء ثانية واصطحب بلقيس التي ودعت الفتيات ثم بكت بانهيار بحضن أمها ووضعت على وجهها شالا أبيض كانت ترى من خلاله كل شيء فهمس لها أسد "توقفي عن الارتجاف فهو لا ينقصه خوفك" عبر بها أسد باب المجلس فوجدت صفي ينتظرها بلهفة ومد يده إلى أسد قبل أن يقتربا منه حتى، كانت عيناه تحكيان قصة شوق سينفجر الليلة وشفتاه تهمسان باسمها دون صوت، سلمها أسد لصفي الذي ضمها إلى ص*ره بشدة لم يشعر بها سواها فازداد ارتجافها وهمست له بخفوت "قدمك " فضمها إليه أكثر مطمئنا "لا تخافي لن أفلتك أبدا" وأمامهما ذ*ح أسد الأضاحي فانطلقت النيران وعبر صفي إلى السيارة التي قربها له عاصي بعد أن وضع بها حقائبها وفتح له الباب فانحنى لينزل بلقيس بداخلها واستدار يركب مكان السائق وانطلق بها بعد أن ودع إخوته، نظر صفي لبلقيس فوجدها ترتجف وبشدة فقال له بصوت عميق "بلقيس اكشفي وجهك وكفي عن الارتجاف فأنا أشعر أن قلبي يرتجف لكل رجفة تصيب جسدك" مدت يدها ببطء تسحب الشال عن وجهها فتمتم قائلا "ما شاء الله، ما هذا الجمال! "أخفضت رأسها بخجل فسحب يدها يقبلها بشغف أرسل إلى جسدها رسائل خفية، ثم همس لها "اقتربي مني فأنا بحاجة إلى أن أضمك لأغرق برائحتك التي أشتاق إليها منذ سنوات، فقط أغمضي عينيك واقتربي" بعد رحيل صفي كان منذر على النقيض له تماما في الحماس والسعادة والانطلاق… كان يتقافز كالطفل في المجلس وعندما جلس أمام عمه لم يفكر بما يقوله ولا برهبة اللحظة بل كان يفكر لو أن الوقت يمر وينفرد بها، عندما طلب المأذون توقيع العروس حمل عاصي الدفتر ودخل مجلس النساء غاضا بصره رغم أنه يبحث عنها، وصل إلى أسمهان التي كانت تجلس بجانب غفرانه التي كانت تشع جمالا ونقاء جعله يتساءل من أي أرض جاءت إليه ست النساء؟ ...مؤكد أنها من أرض طيبة لا تأتي سوى بالخير، همست حورية لغفران "عاصي دخل يحمل الدفتر وسيأكلك بعينيه ...إنه يقترب" أخفضت غفران رأسها بخجل لكن رائحته التي أصبحت تميزها بسهولة أخبرتها أنه يقف أمامها تماما، مال يحتضن أسمهان بحب وقال لها "مبارك يا سوما ال*قبى لي"ضحكت أسمهان وقالت له "المجلس مكتظ بالحسناوات اختر أنت وأنا سآتي بها إليك راكعة" ضحك وقد رفع صوته ليصل إلى سيدة قلبه وقال "المجلس في عيني فارغ فقد اخترت ملكة قلبي التي لا تركع سوى لرب البشر وسأطلبها في المجلس الليلة " انقبض قلب غفران بشدة أما أسمهان فقد ضحكت بقوة وخطّت إمضاءها فخرج ليجد منذر كالقرد يتراقص بالسكين، وبعد أن انتهى دخل عاصي ليحضر أسمهان التي كان تغطي وجهها أيضا فلمح وجه غفران ال**بس فتلاعبت به الأفكار لكنه صرفها فورا فهو على وشك أن يقدم على عمل جنوني ويحتاج إلى تركيزه كاملا، خرج إلى منذر الذي خ*ف أسمهان بشكل أثار ضحك الجميع ورحل بالسيارة معها دون أن يودع أحدا ... جاء دور منير الذي وضع يده بيد الشيخ جعفر الذي كان وكيل العروس وهو من حمل لها الدفتر ليعلم الجميع قدرها ولا يفكر أحد بأن يقلل من قيمتها لأنها غريبة….. تدافعت الفتيات إلى النوافذ لمشاهدة الأضاحي خاصة منير وإطلاق النار أما حورية فلم تخرج لأن منير قد خصص لهما جناحا في المنزل، كانت تشاهده بفخر يذ*ح الأضاحي وسط تعليقات الشباب الحماسية وابتسامته الواسعة تكفيها لتعلم كم هو سعيد، مال عاصي إلى أسد وهمس له "لم يتبقَ سواك يا ثعلب، هل ستقف في ظهر أخيك ؟" ض*ب أسد كتف عاصي بأخوة "طبعا يا ذئب سأقف معك اليوم لتقف معي غدا" حرك عاصي رأسه برهبة ولم ينتبه إلى ما قيل............ بعد قليل دخل الرجال والشيوخ لتناول العشاء في المجلس فيما بقي الشباب في الخارج بينما عبد الرحمن ومنير وقفا ليشرفا على ضيافة الجميع ...فتحرك عاصي إلى وسط المجلس جاذبا أنظار الجميع نحوه وقال بثبات يحسد عليه موجها حديثه للشيخ "يا شيخ جعفر"انتبه أخواه اللذان استغربا مما يفعله كثيرا، فرد عليه الشيخ جعفر قائلا "ماذا تريد يا بن الغالي؟" لم يفكر عاصي قبل أن يقول "لي عندك طلب فلا تردني خائبا"نظر له الشيخ جعفر باهتمام وسأله "خير إن شاء الله" كان قلب عاصي يدق بعنف والحرارة تغزو شرايينه فيشعر أن الأدرينالين قد بلغ معدلا في دمائه جعله يقول دون تفكير "أنا أمام الجميع يا شيخ أطلب منك يد ابنتك غفران على سنة الله ورسوله" هيجان كان ما حدث فانقلب المجلس رأسا على عقب، عبد الرحمن كان كالثور لا يرى أمامه و بقية الرجال يقفون بتأهب وأسد في ظهر عاصي الذي لم يعد يرى الشيخ وسط الحشود التي وقفت بوجهه، وبينما كان أسد يشعر أن عاصي قد فتح عليهم أبواب جهنم اهتز هاتفه بنغمة خصصها للرسائل البالغة الأهمية والتي تصله عبر تطبيق معين فمد يده ليرى الرسالة فوجدها من بشر وعندما قرأها شعر أن قلبه سيتوقف وفكر بعدم تصديق ماذا سيفعل هذا المجنون؟….. إذا ما دخلت حربا فإما أن تكون فارسا لا يهاب الموت أو مجنونا ألقى نفسه في حرب ليس بها رحمة ولن يخرج منها سوى مهزوما أو مقتولا، وفي الحالتين ستكون كمن يلقي نفسه في فوهة بركان لن تجد به سوى نيران تكويك حتى تصبح رمادا فتطير في الهواء كأنك لم تكن، فدوما ما كانت النهايات تسطر بعد الحروب ….كان هذا شعور عاصي الذي يقف بثبات تضخم بأعماقه يطالب بنصيبه من الحياة ….يطالب بجوهرة يخفونها عن أعين الجميع داخل هذا المنزل، يطالب بحقه في أن يكتمل، شعر بيد أسد التي شدت على ساعده بمؤازرة صامتة كأنه يخبره أنه ليس وحيدا فنظر إلى أخويه بأعين تستجدي العون يشوبها لمحة أسف لأنه فاجأهما، فكان أول من تقدم إليه محسن وقال بغضب للرجال الذين ارتج صوتهم بغضب واستنكار " يا رجال نحن بمجلس الشيخ جعفر ولسنا في الشارع لهذا الهرج فلتهدؤوا احتراما للشيخ" صرخ به أحد الرجال " كيف ن*دأ يا محسن وأخوك قد تعدى على حرمة رجل آخر؟ بنت الشيخ بحكم المكاتيب زوجة جمال العزايزي وأخوك يقف الآن وسط المجلس ويتبجح بطلب يدها" رد عليه عاصي بغضب "هي ليست متزوجة، لا شرع ولا دين يقول هذا الكلام، أنا أقف هنا لطلب يد فتاة حرة وزمام أمرها بيد أبيها، ثم أليس جمال هذا قد تزوج الليلة؟" كان منير يكبل عبد الرحمن بشدة فهو يعلم أنه إذا تركه لن يتهاون في جعل عاصي أضحية كالأضاحي التي بالخارج، أما الشيخ فقد كان عقله بعيدا عن المجلس وعن الناس، كان هناك يقف أمام حليلته حبيبته يطلب منها السماح والصفح فالعادات كأغلال من حديد تلتف حول أعناق الجميع، كان المجلس يموج بغضب الرجال الذين صرخ أحدهم "هذا ما أخذناه منهم، كأنه جاء ليعيد ما فعله والده في الماضي مع هاشم العزايزي، هذا خطأ الشيخ رشيد رحمه الله كان يجب أن يتبرأ منهم جميعا فمن الواضح أنهم زرع شيطاني بهذه العائلة" كان الكلام جارحا ومهينا بشكل لا يحتمل فصرخ سالم بغضب "اخرس أيها اللعين، ألم يتبقَ سواك ليتحدث؟ " كانت لحظة تقدم بها أسد بخفة فهد يعرف ماذا سيفعل فلكم الرجل فنزع عبد الرحمن نفسه بفظاظة من قبضة منير وتقدم باتجاهه ليحل ال**ت على الجميع عندما ض*ب الشيخ جعفر عصاه بالأرض بشدة وقال "**تا" تراجع الجميع لكن هذا لم يمنع أسهم من نظرات كالرماح المنطلقة تدور في المجلس لو تحولت إلى حقيقة لمات الجميع في التو واللحظة، نظر الشيخ جعفر إلى الشاب الذي يقف أمامه بشجاعة لا ينكرها حتى الأعمى لكن كم من الشجعان راحوا ضحية شجاعتهم فحتى هو في الماضي ضحّى بكل شيء من أجل القوة لأنه علم أن الشجاعة وحدها لا تكفي أبدا، وقال بصوت رجفت له الأبدان "اقترب يا ابن رأفت " تقدم عاصي بأرجل تدعي الثبات والثقة لكن الله وحده يعلم ما يجول بنفسه وقال "يا شيخ لا أظن أنني تعديت الأصول، لقد طلبت يدها أمام الجميع وأي كانت طلباتك فهي مجابة وإن شاء الله سأحملها على رأسي إلى الممات" نظر الشيخ بعينيه وقال بغضب "طلبك مرفوض يا فتى وما يشفع لك أنك قد نشأت في أرض غريبة لذلك سأعتبر أن ما حدث مجرد اندفاع أو طيش ولن أقيم لك مجلس تأديب على تهورك لكنني أحذرك أمام الجميع أن تعيد هذا الجنون مرة أخرى فالمكاتيب عادة توارثناها لأجيال، هكذا تزوج والدك وجدك وهكذا ستتزوج أنت فأنا بعد ما فعلت سأحرص على أن يتم زواجك العام المقبل …...قاطعه عاصي صارخا كمن فقد عقله "تزوجني؟ هل أنا فتاة لتزوجني يا شيخ؟ ….أنا هنا لأطلب يد ابنتك وأنت تفكر بزواجي وتتركها لتتزوج من رجل متزوج لم يراعِ مشاعرها أو ما حدث لها كأنها لا تشكل له قيمة ولا تؤثر به! أيُّ رجل أنت؟…….قاطعته عصا الشيخ التي نزلت على وجهه بشدة وهو يعصف به "اخرس، هل فقدت عقلك ونسيت أنك تتكلم مع شيخ العزايزة؟" تراجع عاصي خطوة للخلف من شدة الض*بة يشعر أن روحه تنسحب من شدة الألم والدماء انفجرت تسيل على وجهه بطريقة مرعبة، تقدم أسد منه بدم يغلي وقلب مقبوض يفكر أن القضية التي يتحدث بها عاصي ليست قضيته فقط بل تخصه هو أيضا، ماذا يعني هذا؟ أنه ليس هناك أمل أن يتزوجها؟ أن قلبه الذي وضعه على كفه لن يعود إلى ص*ره؟ هل اختفى الأمل واندثرت الأحلام؟ شهق بعنف لمجرد التفكير بهذا الاحتمال وسحب عاصي الذي كان المجلس يدور من حوله من هول ما يعتريه، فتكلم سالم بقلب مقبوض على أخيه "يا شيخ أنت تعلم اندفاع الشباب، عاصي لم يقصد تجاوز عاداتنا أبدا إنه فقط لا يستوعب خطورة الأمر الذي أقدم عليه"نظر سالم لعاصي بشفقة ولوم كأنه يسأله (لماذا ألقيت بنفسك في المهالك؟ )فضم عاصي شفتيه بقهر لكي لا يصرخ بالجميع (أريدها وهي لي) ولكنه انتفض بجنون حينما سمع الشيخ جعفر يقول "أظن أن هذه العصا ستجعلك تفكر ألف مرة قبل أن تتفوه بالحماقات، وتعرف كيف تتكلم عن حرمات الآخرين فقد جئت لتخطب فتاة مخطوبة منذ مولدها وكما تعلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، ما تقوله ليس مقبولا تحت أي بند لذلك لآخر مرة سأعتبر أن جنونك هذا مجرد جهل بمجريات الأمور هنا واستعد لأنني أمام الجميع سأزوجك بعد شهر ولن ننتظر أفراح العام المقبل وهذا تأديبا لك" رد محسن بعقلانية يحاول تفادي المشاكل "يا شيخ نحن سنرحل الآن وعندما تستقر الأمور سنتواصل معك بإذن الله " نظر عاصي بغضب لأخيه وهم بالتحدث فكمم أسد فاه وهمس له "اهدأ إنه أبيو، أنت هكذا ستفقدها للأبد فلنرحل الآن" كان عاصي ينسحب من المجلس شاعرا أن خافقه ينشطر إلى نصفين …….سحبه أسد بسرعه بينما هو ينظر إلى البيت برجاء يناجيها أن تطل عليه لتطمئنه بنظرة، أن ترد إليه قلبه الذي سلبته إياه و دخلت قلعة والدها الحصينة فاستعصى عليه الوصول إليها، لكن كل أحلامه تلاشت بخيبة أمل وهو يشعر بالسيارة تنهب الطريق فحمل الريح همسه كرسالة لها "يا عصية ما عصيت فيكِ الله ولكن ظروفنا أبت أن تجمعنا ولكنني عائد مهما غبت فأنت غفران عاصي" انتشر الخبر في البيت الكبير كالنار في الهشيم، وحبست غفران نفسها بغرفتها تبكي بألم على ما حدث، فكم هو شعور محطم حين تدرك أن بينك وبين الفرح ألف سد، و بينك وبين الحب عازل، وبينك وبين الحياة حرب لا تقوى على خوضها، كانت تشهق بقهر عندما دخلت إليها نعمة ومعها حورية ومنار وتبارك، دخلن جميعا وأغلقن الباب فالنساء في الخارج أصابتهن حالة من الثرثرة الفارغة وأن جمال بنت الشيخ الكفيفة ذهب بعقل الشاب فوقف يطلبها وسط المجلس كأنه أصيب بمسّ، لتقول نعمة بحرقة لحال ابنتها "لماذا تبكين يا حبيبتي فأنت لم تفعليها حين فقدت بصرك ولا حين تزوج جمال خطيبك، ماذا يحدث معك يا بنت نعمة؟" شهقت غفران كأن ما بقلبها فاض كيله وقالت "أنا فقط حزينة" نظرت لها نعمة بشك وسألتها "من أين جاء الحزن يا بنت قلبي وأنت كنت تجلسين كوردة بالخارج منذ قليل؟" انفجر بركانها الخامد في لحظة ضعف وصرخت "أريد أن أعلم لماذا أهانه أبي؟ ماذا فعل ليستحق كل ما حدث؟ إنه فقط كان يريد أن …..يتزوجني" بهتت نعمة وقالت "وهل كنت تعلمين بما سيحدث؟ "ارتجفت بخوف فها هو ل**نها قد انفلت بغباء وأفصح عن الكثير، فتدخلت حورية تحاول تدارك الموقف" أمي هي تقصد أنه يحبها وليس كذلك النذل الذي تزوج من الجرثومة التي كانت في الخارج" وضعت منار يدها على فمها بجزع ونعمة تصرخ بحورية التي انكمشت على السرير بجانب غفران "ومن أين علمت أنه يحبها يا حورية؟ …. ماذا يحدث هنا؟ قسما بالله إذا لم أعلم ما تخفيانه عني ستكون ليلتكما سوداء" حاولت تبارك أن تنسحب من الغرفة بهدوء فأوقفتها نعمة تقول بعنف "إلى أين يا بنت عبد الرحمن؟ اجلسي بجانبهما فيبدو أن هذا البيت يحدث به الكثير من خلف ظهري …...قاطع كلامها دخول منير يقول بلهفة "غفران لا تخافي إنه بخير و…..**ت فجأة وهو يرى غفران ترتجف بالبكاء وبجانبها حورية منكمشة بخوف وبجانبهما تبارك تهز رأسها كأنها تحذره من شيء، التفت ليجد أمه تقول بغضب "أغلق الباب واجلس بجانبهن فيبدو أنني قد فشلت في تربيتي لك أنت وهي" أغلق منير الباب بخزي وخوف وانضم لضحايا التحقيق التي أقامته نعمة وخرجت منه تحمل فوق همها هموما ...فابنتها قد أصابتها سهام العشق فأوقعتها بهوى شاب جاء يحارب من أجلها الليلة، جاء يحارب عصور من التزمت والعادات وخرج من حربه خائبا تاركا ابنتها تعاني من حب مستحيل............ دخل طاهر المشفى يهرول ويسحب سما من يدها محاولا أن تكون خطواته هادئة من أجلها فمنذ أن هاتفه والده وأخبره أن حور استيقظت وهي تبكي كالأطفال بتأثر تريد العودة ومنذ أن خرج من أرض العزايزة وهي لا تتوقف عن الكلام وخاصة كلمة "أسرع" كأنها تركب صاروخا طائرا، شعر بها تتوقف فالتفت لها بغضب يسألها "لماذا توقفت؟ ألم أحصل على أكثر من مخالفة بسبب سرعة السيارة لأنك تبكين كالطفلة؟ ماذا حدث الآن؟ " نظرت له بتعب وقالت "لم أعد أستطيع السير لقد تعبت" وقف ووضع يده بخصره يتأملها بعبوس بوجنتيها وأنفها الأحمر وثوبها الذي يجعلها كطفلة وما يزيد الأمر سوء حقيبة ظهرها التي لا يعلم ماذا تضع بها لتنتفخ بهذه الطريقة، فقال لها بملل " تعبتِ من ماذا؟ نحن لم نصعد سوى خمس درجات ولم نمشِ سوى عدة خطوات ... كفي عن الدلال وهيا بنا" رفعت يديها وألقتها جانبها بإرهاق كأنها تقول له (انظر أنا لا أستطيع رفع يدي حتى) وقالت "حقا يا طاهر لا أستطيع، تصرف فأنا أريد رؤية حور" ض*ب كفا بكف وقال بعدم تصديق " وكيف سأتصرف؟ لن أحملك يا سما، كفانا فضائح تحركي معي ولا يهم لو وصلنا بعد ساعة ….أهم شيء أننا لن نرتكب أي فعل تظل المشفى تحكي عنه لأسابيع" مطت شفتيها بغضب وهمست بصوت مخنوق "لماذا لا تصدق أنني متعبة؟ احملني إنها مسافة بسيطة ولن يرانا أحد" كاد أن يفقد أعصابه فهمس لها بغضب "وأين كان التعب حين كنت تركضين هنا وهناك كأنك طفلة لا تدرك خطورة الحركة الزائدة على جنينها؟" ض*بته بخفة وهي تقول "كنت أفعل ذلك لأجل حورية لكي لا تشعر أنها بمفردها ….ثم مازال الحمل لم يظهر عليّ، انظر إلى خصري …..قاطعها هامسا "أي خصر يا سما؟ لقد أصبحت تشبهين اليقطينة " اندفعت تقول بغضب "إذاً اليقطينة لن تتحرك لأنها متعبة فتصرف يا زوج اليقطينة العزيز" زفر الهواء بقهر ومال يحملها وهل يملك حلا آخر؟ فحركت أقدامها كطفلة سعيدة وهو يحاول أن يتجاهل كل من يمر بجانبهما حتى أوقفته أم سعيد عاملة النظافة قائلة "ما بها السيدة سما؟ هل هي بخير؟" كان يهم بخلق أي عذر ليخرج من هذا الموقف لكنه تفاجأ بسما تقول "أنا بخير يا أم سعيد فقط تعبت من صعود السلم، هل أرسلت ممرضات المناوبة الليلة سعيد ليجلب الطعام؟" نظرت لها أم سعيد باهتمام وقالت "لا، سنرسله عند وصول بقية الفتيات، هل تريدين شيئا من الخارج؟" ردت عليها بتفكير "أريد أربعة أرغفة من الحواوشي من عند عاشور الجزار وبخمسة جنيهات زيتون وعلبة مشروب غازي وكيس من رقائق البطاطس بطعم الجبنة الشيدر"كانت أم سعيد تكتب ما تمليه عليها سما باهتمام وهو يكاد يموت غيظا مما تفعله هذه المجنونة، فقالت له أم سعيد "وأنت يا طبيب ألا تريد شيئا؟" قال لها من بين أسنانه "شكرا يا أم سعيد" وسار يكمل طريقه وهو يهمس لها قهر"صدقيني سأصاب بجلطة من أفعالك يوما ما"زمت شفتيها بغضب وقالت "ماذا فعلتُ الآن؟" فهمس لها وهو يلمح والده يقف بتوتر خارج غرفة تولين "لا شيء، ا**تي الآن" اقترب طاهر ليرى الأطباء يتوافدون إلى غرفة تولين فأنزل سما على أحد المقاعد بالممر ودخل الغرفة مسرعا ليرى ماذا يحدث....... كانت بداخلها تصرخ بقوة ولكن ل**نها ثقيل بل جسدها بأكمله ثقيل جدا، هل هي مشلولة؟ ماذا حدث لها؟ كانت تحاول أن تتذكر أين هي، بدأت ترمش بعينيها اللتين لا تتحملان الضوء وكلما أسدلت جفونها تتوالى إلى رأسها لقطات لا تستطيع إدراك تفاصيلها جيدا لكنها ترى شباب وفتيات ووجوه ضاحكة تتراقص من حولها …. دراجة نارية تنطلق في طريق مظلم، شاطئ لا تعلم من يقف معها أمامه، ترى ثوبا أ**د و قاعة رقص وهي تدور وتدور…. صرخت مجددا بداخلها لكن ل**نها لم يتحرك فتعالت الأصوات بجانبها تخترق قوقعة اللمحات فحاولت أن تفتح عينيها لترى أخيلة بيضاء تلتف حولها، رفرفت بأهدابها بصعوبة لتتضح الرؤية رويدا رويدا ومع اتضاح الرؤية بدأت الذكريات بالاندفاع إلى عقلها بقوة، نزار يسقط على الأرض قتيلا، وأبوها يضمها وأمها تفديها، يا الله لقد رأت دمائهما لقد ماتا بين يديها، لقد ماتا لأجلها لقد رحلا بلا عودة لقد فقدتهما في يوم واحد …. لا... لن ترى أمها وضحكتها الباقية بحنايا القلب مجددا ولن تجد ص*ر أبيها ليضمها بقوة ويحميها من كل شيء بعد اليوم، لقد أضحت مجرد يتيمة ….إنسانة فقدت كل شيء ….يا الله من ألم الفراق، يا الله من وجع الرحيل، نظرت لمن يقفون حولها لا تستطيع الكلام لكن دموعها التي كانت تجري وتتلاحق دليل قاطع أنها بدأت في استيعاب الوجع الذي ألمّ بروحها، رأت الأطباء يلتفون حول شاب ويتحدثون معه باهتمام بالغ وينظرون لها من حين إلى آخر ولا يملؤها سوى الخوف، فجميعهم يتحدثون العربية بطلاقة كما أن ملامحهم عربية أيضا، أين إخوتها ليضموها فتبكي على صدورهم؟ أين بشر ليخبرها ماذا حدث؟ هل نجا أحد غيرها من السيارة؟ أين هم؟ صرخت بداخلها بقوة كأنها محبوسة داخل جسدها وبعد معاناة خرج منها صوت ضعيف متقطع تتساءل "أين ..أنا؟"، وقف طاهر بين أربعة أطباء كانوا يتابعون حالة تولين منذ قدومها يؤكدون له أنها استفاقت وكل مؤشراتها الحيوية جيدة لكنها نتيجة الغيبوبة ستعاني من ضعف مؤقت في النطق والحركة والذاكرة وستتحسن مع العلاج الفيزيائي، التفت إلى صوت همسها الضعيف ودموعها التي لا تتوقف وتقدم منها فخرج الآخرون ظنا منهم أنه يريد أن ينفرد بأخته، سحب طاهر مقعدا بجانب سريرها وجلس يحدثها بلطف " أعلم أنك لا تستطيعين التحدث بانطلاق لا تقلقي مجرد أثر وسيزول قريبا، أنا طبيبك ...اسمي طاهر، سأسألك عدة أسئلة وإذا كانت الإجابة نعم أغمضي عينيك وافتحيهما ،اتفقنا "أغمضت عينيها وفتحتهما فقال "حسنا، هل تسمعينني جيدا؟"حركت عيونها دليلا على أنها تسعه فسألها مجددا "أترينني بوضوح؟"فكانت الإجابة أيضا نعم فنظر لها بعطف وسألها "هل تذكرين من أنت أو أي شيء يخصك" نظرت له قليلا ولم تُجِب فقال لها "لا أقصد كل شيء بالطبع... أنا أقصد على الأقل هل تعرفين من أنت؟"أجابت بنعم ف*نفس الصعداء وقال لها "توقفي عن البكاء فهذا سيضرك جدا، لماذا تبكين؟ هل تتألمين؟" لم تجبه، فأعاد السؤال مرة ثانية "هل ما تتذكرينه مؤلما؟" أغمضت عينيها بشدة كأنها تصف له ما بداخلها فهمس لها " أيّاً كان ما حدث لك يا صغيرة فأنا أشعر بالأسف من أجلك، لكني أريدك أن تكوني قوية لتقفي على أقدامك فسما تظن أنك ستكونين بجانبها وهي تلد"كان يحاول أن يشتت انتباهها بعيدا عن ذكرياتها المؤلمة فهو لم يكن يعلم إلى أي حد من الذكريات وصلت، في هذه اللحظة دخلت سما تقول بهدوء "طاهر، هل استيقظت؟" رد عليها طاهر بحب "كنت أحدثها عنكِ اقتربي فيبدو أنها متلهفة لرؤيتك" اقتربت سما والدموع تترقرق في عينيها وقالت "مرحبا يا صديقتي هل استيقظت حقا؟ ….لشهور وأنا انتظر هذا اليوم" نظرت لها تولين وقد ض*بها صوتها في عمق غياهب عقلها، تشعر أنها تعرفه جيدا كأنها تسمعه منذ أعوام لكنها لا تتذكرها أبدا، بدأ جسدها بالارتجاف بشكل كبير، خائفة، تتساءل أين بشر؟ أين هو؟ لماذا تركها هنا؟ كيف ستخبرهم أنها تريده؟ قرأ طاهر الخوف في حركة وجهها وارتجافها فقال لها "اهدئي أنت لم تفقدي الذاكرة فهذه أول مرة تقابلين زوجتي لكنها لشهور ظلت بجوارك" شهور!! ماذا يقول هذا؟ هل هي نائمة منذ شهور؟ ولماذا يتحدث الجميع بالعربية؟ وأين بشر وأخواتها؟ توسعت عيناها برعب فوقف طاهر يبحث عن إبرة المهدئ وصرخ بسما "حاولي أن تهدئيها فيبدو أنها تألف صوتك" ردت عليه برعب "ماذا حدث لها؟"كان طاهر يجهز إبرة المهدئ "أظنها أصيبت بنوبة هلع وهذا سيضرها"اقتربت سما منها وجلست على حافة السرير ولامست تولين بحرص ومالت إليها فجأة تحتضنها وتبكي وهي تقول من بين شهقاتها "لا تبكي يا صديقتي فأنا هنا ولن أتركك أبدا، أنت لست وحدك جميعنا حولك ومعك، ولا تنسي أن الله أحاطك برعايته حتى وصلتِ إلينا، اهدئي يا حبيبتي" أسكن احتواء سما ارتجاف جسدها لكن عقلها أصبح على حافة الجنون وقلبها ينوح ويعوي في ظلام لا تستطيع أن تجد له نهاية، كانت أفكارها تذهب وتأتي بسؤال واحد أين بشر؟ أين هو؟ ولا يوجد إجابة فبداخلها مأتم من حزن لا وافد إليه، كلها مملوء بالفراغ ورغم ذلك أين هو؟ ….كان هذا آخر سؤال فكرت به قبل أن يصل إلى دمها المهدى عبر المحلول الملحي ليأخذها إلى استراحة محارب تحتاجها حقا قبل بدء المعركة، فهذه الحياة ساحة حرب ولكل منا دوره وعليها أن تختار الدور الذي تريده إما محاربة أو ضحية.............
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD