سفينة ثيوس – الدوران حول المشتري

910 Parole
سفينة ثيوس – الدوران حول المشتريكانت وحدة التنقل الداخلي الكروية الصغيرة لكن المريحة جداً تسير بسرعةٍ وسطيةٍ تقارب 10 م/ثا على طول المسار الثالث، لتوصل أزاكيس إلى مدخل الحجرة التي ينتظره رفيقه بتري بداخلها. كان لسفينة ثيوس، ذات الشكل الكروي أيضاً بقطرٍ يبلغ ستة وتسعون متراً، ثمانية عشر قناة أنبوبية يفوق طول كل منها ثلاثمائة متر بقليل. أنشأت هذه كخطوط طول يفصل بين كل منها 10 درجات بحيث تغطي المحيط كله. يبلغ ارتفاع كل من الطبقات الثلاثة والعشرين أربعة أمتار، باستثناء العقدة المركزية (الطبقة الحادية عشرة) والتي يبلغ ارتفاعها ضعف ذلك. كان من السهل الوصول إلى كل منها عبر محطات التوقف الموجودة في كل طابق، وعملياً فإن الانتقال بين أبعد نقطتين على السفينة يستغرق خمس عشرة ثانية على الأكثر. لم يكن الشعور بتباطؤ حركة وحدة التنقل ممكناً إلا بصعوبة. انفتح الباب مص*راً حفيفاً خفيفاً ليظهر بتري واقفاً مباعداً بين ساقيه وعاطفاً ذراعيه. قال بنبرةٍ غير مقنعة: "إنني أنتظر منذ ساعات. هل انتهيت من سد مرشحات الهواء بتلك القمامة النتنة التي تحملها معك دائماً؟". لم يكن من الصعب فهم إشارته إلى السيجارة. تجاهل أزاكيس الملاحظة الاستفزازية بابتسامةٍ خفيفة، ليسحب المحلل المتنقل من حزامه ويشعله بنقرةٍ من إبهامه. "أمسك هذا. علينا أن نسرع"، أجابه بذلك بينما كان يعطيه لبتري بإحدى يديه ويده الأخرى تحاول إعادة الحساس إلى الجيب على يمينه. "موعد وصولنا المتوقع بعد 58 ساعة وهذا يدفعني للقلق". سأل بتري متفاجئاً: "لماذا؟". "لا أعلم، لدي إحساسٌ بأن شيئاً ما ليس على ما يرام". بدأ الجهاز الذي كان بتري يحمله بإصدار سلسلةٍ من الأصوات متفاوتة الترددات، فأخذ يتفحص الجهاز دون أدنى فكرةٍ عما كانت تعنيه. رفع نظره إلى وجه صديقه ليبحث عن أي علامةٍ مفسرةٍ دون جدوى. تحرك أزاكيس بحذر ليضع الحساس في الجيب الآخر فص*رت سلسلةٌ أخرى من الأصوات غير المفهومة من المحلل يتلوها صمتٌ مطبق. أخذ أزاكيس الجهاز من مرافقه ونظر بتمعنٍ إلى النتائج وابتسم. "كل شيءٍ على ما يرام. يمكننا متابعة رحلتنا". أدرك بتري حينها أنه متوقف عن التنفس منذ مدة، فتنفّس الصعداء وشعر براحةٍ فورية، فأيّ خللٍ في الوصلات مهما كان بسيطاً قد يهدد مهمتهما بالفشل على نحوٍ لا يمكن إصلاحه، وسيجبرهما على العودة من حيث أتيا. كان هذا آخر ما يحتاجانه، فقد أوشكا على الوصول. قال بتري محاولاً نفض بعض الغبار عنه: "سأذهب لأنظف نفسي، إن الرحلة عبر المسارات هكذا دائماً..."، وأضاف هو يلوي شفته العليا: "تجربةٌ تعليمية!". ابتسم أزاكيس. "أراك عند منصة القيادة". طلب بتري الكبسولة، وما هي إلا لحظات حتى غاب عن الأنظار. أعلن النظام المركزي أنهما قد خرجا بأمانٍ من مدارهما حول المشتري وأنهما يتجهان الآن نحو الأرض. وبحركةٍ خفيفةٍ وسريعةٍ لعينه باتجاه اليمين، طلب أزاكيس مرةً أخرى من شريحة أوكوم أن تظهر له الطريق. أصبحت النقطة الزرقاء التي تسير على الخط الأحمر أقرب قليلاً من مدار المريخ. أظهر العداد التنازلي أن موعد الوصول المتوقع هو 58 ساعة بالضبط، وأن سرعة السفينة تساوي 3000 كم/ثا. كان يزداد قلقاً، لكن في المقابل فإن السفينة التي يستقلانها هي الأولى التي تزود بمحركات باوزن الجديدة، والمبنية على مبدأ مختلف تماماً عن أي شيء استُخدم قبل ذلك. زعم المصممون أنها قادرةٌ على دفع السفينة بسرعات تقارب عُشر سرعة الضوء، لكنه لم يجرؤ أبداً على تجربة ذلك. في الوقت الحالي تبدو سرعة 3000 كم/ثا أكثر من كافية بالنسبة لرحلةٍ أولى. جرت العادة أن يستقل سفينة ثيوس ستةٌ وخمسون راكباً، إلا أن ثمانية فقط تم اختيارهم لهذه المهمة الأولى، بما فيهم بتري وأزاكيس. لم تكن الأسباب التي قدمها الشيوخ واضحةً، وتكهّن البعض بأن ذلك يعود إلى طبيعة الرحلة ووجهتها النهائية، إذ أنها تنطوي على مصاعب واضحة ومن الأفضل عدم تعريض الكثير من الأشخاص للخطر. إذاً فلا قيمة لنا؟ ما هذا الهراء؟ هكذا هي الحال دائماً. من سيختارون عندما يكون من الضروري تعريض حياة أحدٍ ما للخطر؟ أزاكيس وبتري. لكن في النهاية فإن نزعة المغامرة لديهما وقدرتهما الملحوظة على إيجاد الحلول في المواقف ’الصعبة‘ مكنتهما من الحصول على بعض التنازلات. كان أزاكيس يقيم في بناء هائل في مدينة ساران الجميلة جنوب القارة. كان ذلك البناء يستعمل سابقاً كمستودعٍ للحرفيين المحليين، وبفضل تلك ’التنازلات‘ تمكن من الحصول على إذن لتعديله بما يتناسب مع ذوقه. استُبدل الحائط الجنوبي كلياً بحقل طاقةٍ مشابهٍ لحقل الطاقة المستخدم في السفينة الفضائية، ليتمكن بذلك من التمتع بمنظر الخليج الرائع في الأسفل من أريكته ذاتية التكيف الملازمة له دائماً. مع ذلك، يستطيع هذا الحائط بكامله عند الحاجة أن يتحول إلى نظامٍ ضخمٍ ثلاثي الأبعاد يمكن للمرء أن يشاهد عليه حتى اثني عشر بثاً من نظام التواصل العالمي بآن واحد. مكّنه نظام الإشراف والإدارة هذا أكثر من مرةٍ من الحصول على معلوماتٍ هامةٍ مسبقاً، مما يعني أن بإمكانه إيجاد حلٍّ مناسبٍ لأصعب الأزمات. لم يكن ليتخلى عنه أبداً. خُصص جناحٌ كاملٌ من المستودع السابق لمجموعة التذكارات التي جلبها من مهماته الفضائية المتنوعة عبر السنين، وكل واحدةٍ منها كانت تذكره بشيءٍ محدد. كلما وجد نفسه وسط فوضى الأشياء هذه كان ينتابه شعورٌ بالامتنان لنصيبه من الحظ، وخصوصاً صديقه المخلص الذي أنقذه أكثر من مرة. أما بتري والذي كان متميزاً أكاديمياً أيضاً فلم يكن ولوعاً بالتقنيات المبالغ بها، ورغم قدرته على قيادة أي طائرة تقريباً، ورغم معرفته بكل سلاحٍ أو نظام تواصل محلي أو بين الكواكب تقريباً، فقد كان يفضل الاعتماد على حدسه ومهاراته اليدوية في حل المشكلات التي تظهر، ففي عدة مناسبات حوّل بسرعة كومةً من خردة المعادن عديمة الشكل إلى وسيلة تنقل أو سلاحٍ دفاعيٍ مخيفٍ. كان هذا أمراً رائعاً، إذ كان بإمكانه صنع أي شيءٍ يحتاجه تقريباً، وقد ورث ذلك جزئياً عن والده الذي كان حرفياً عبقرياً، لكن الدور الأكبر يعود إلى شغفه بالفن. حين كان طفلاً كانت تنتابه الرهبة حين يرى قدرة الحرفيين على تحويل المواد غير المفيدة إلى أدواتٍ ذات فائدةٍ وتقنيةٍ عظيمة بالإضافة إلى كونها ’جميلةً‘ أيضاً. أعاده صوت عالٍ مزعجٌ ومتقطعٌ إلى الواقع مرةً أخرى، إذ تفعّل إنذار الاقتراب الآلي.
Lettura gratuita per i nuovi utenti
Scansiona per scaricare l'app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Scrittore
  • chap_listIndice
  • likeAGGIUNGI