لم يعرف دانيال كم من الوقت مر منذ أن أُسِر.
الظلام في النفق لم يكن يعرف نهارًا ولا ليلًا، فقط مصابيح ضعيفة تنبض أحيانًا كأنها على وشك أن تنطفئ، وأصوات قطرات الماء تتساقط من السقف الطيني.
في البداية حاول أن يحسب الأيام بالوجبات القليلة التي تُقدَّم له، لكنه سرعان ما فقد العدّ، وصار الزمن عنده كتلة واحدة لا شكل لها.
كان يوسف هو وجهه اليومي الوحيد.
يدخل بخطوات ثابتة، يحمل قنينة ماء وقطعة خبز يابس، يضعها قربه دون أن ينطق بكلمة، ثم يجلس في زاوية بعيدة.
عيناه غارقتان في **ت ثقيل، كأن وجوده هنا عقوبة، لا مهمة.
في الليلة الأولى، حاول دانيال أن يتمتم بكلمات عبرية، أن يسأل:
– "أين أنا؟ متى سأخرج؟"
لكن يوسف لم يرفع رأسه حتى.
كأن صوته لا يُسمع.
في اليوم الثالث، كان دانيال نصف ممدد على الأرض الباردة، حين سمع يوسف يهمس لرفيق له قرب المدخل:
– "هذا ليس مكاني… أنا لا أجلس لحراسة أسرى. مكاننا في الميدان، لا هنا."
لم يفهم كل الكلمات، لكنه التقط منها ما يكفي: ليس مكاني… أسرى… الميدان.
شعر دانيال بقشعريرة.
حتى حارسه لا يريد أن يكون هنا. ماذا يعني هذا؟ هل يمكن أن يتركه فجأة لمصيره؟
مرّت الأيام التالية ببطء قاتل.
يوسف ظل جدارًا من ال**ت.
كلما حاول دانيال الحديث، جاءه الرد بال**ت أو بنظرة قاسية تنهي المحاولة.
كان النفق في تلك الأيام الأولى أشبه بقبر مفتوح:
· رائحة التراب الرطب.
· أنين بعيد من جندي آخر محتجز في ممر جانبي.
· أصوات الحراس يتبادلون كلمات قصيرة بالعربية، لا يفهمها دانيال.
· وصرير الأرض كلما تحرك أحدهم.
في عزلته تلك، بدأ دانيال يسمع صوته الداخلي يعلو:
لماذا أنا هنا؟ ما معنى كل هذا؟ هل سأبقى حيًا لأخرج من هذا الجحيم؟
لكنه كان يعود دائمًا إلى ذلك الوجه – يوسف – الذي يدخل ويخرج ب**ت، كأنه يحمل سرًا أثقل من الجدران المحيطة بهم.