حوارات الظلام

409 Words
جلس يوسف قرب المدخل، يراقب حركة الهواء القادمة من فتحة ضيقة. أما دانيال، فقد تجرأ أخيرًا على فتح الحديث، صوته ما يزال مترددًا: – "I joined the army because I believed… I believed Israel is the only democracy here. The land promised to us. My grandparents fled Europe… this is supposed to be our safe home." انضممتُ للجيش لأنني آمنتُ... آمنتُ أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة هنا. الأرض الموعودة لنا. هرب أجدادي من أوروبا... من المفترض أن يكون هذا وطننا الآمن. التفت يوسف إليه ببطء. لم يكن في عينيه سخرية، بل ثقل السنين. قال بهدوء، كمن يروي شيئًا يعرفه عن ظهر قلب: – "دانيال… هل تعرف أول مرة جاء فيها اليهود إلى هذه الأرض بعد أن نبذتهم أوروبا؟ كيف استقبلهم أهل فلسطين؟ فتحوا لهم البيوت، أعطوهم من الخبز والماء، عاملوا الضيف كواجب مقدس. لم يكن الفلسطينيون يومها يعرفون أنهم سيُكافَأون بالنار." تجهم دانيال: – "But… history says this land was promised. The Bible says—""لكن... يقول التاريخ إن هذه الأرض كانت موعودة. يقول الكتاب المقدس— قاطعه يوسف، صوته يشتد قليلًا: – "التوراة كتاب دين، لكن من يسكن الأرض هو البشر. هنا عاش أجدادي منذ مئات السنين، زرعوا الزيتون والبرتقال. أي كتاب يبرر أن يُقتل طفل أو تُهدم بيوت على رؤوس أهلها؟" لم يجد دانيال جوابًا، فظل صامتًا. في ليلة أخرى، عاد الحوار من جديد. قال دانيال: – "I thought Hamas are terrorists. That’s what we learned. That’s why I came. To defend freedom." "كنت أعتقد أن حماس إرهابيون. هذا ما تعلمناه. لهذا السبب أتيت. للدفاع عن الحرية." ابتسم يوسف ابتسامة حزينة: – "حرية؟ أي حرية؟ الحرية التي تعني أن تكون مدينتي سجناً كبيرًا؟ أن يمرض طفل فلا يجد دواء لأنه خلف حاجز عسكري؟ الحرية التي تبني جدارًا يعزل الناس عن أراضيهم وحقولهم؟" أطرق دانيال رأسه. لم تكن هذه الكلمات شعارات. كانت حقائق تنبض من رجل فقد بيته وأهله. مع مرور الأيام، صار الحوار بينهما عادة. دانيال يلقي بحججه، يوسف يرد بهدوء، يسرد تاريخًا لم يسمعه من قبل: – "كان اسمها فلسطين، قبل أن تُسمى إسرائيل." – "كان فيها مسيحيون ومسلمون ويهود يعيشون معًا، حتى جاء المشروع الصهيوني." – "لم يكن الصراع دينيًا، بل استعماريًا… شعب طُرد ليُسكن مكانه آخر." شيئًا فشيئًا، بدأ شيء يتصدع في عقل دانيال. كان يشعر بالارتباك: أيمكن أن يكون ما تعلمه منذ طفولته صورة ناقصة؟ أيمكن أن يكون الرجل الذي يسقيه الماء والخبز، عدوه المزعوم، أكثر صدقًا من كل الخطب التي سمعها في نيويورك؟ ولأول مرة منذ أسره، لم يرَ يوسف كحارس أو عدو، بل كإنسان يحمل جرحًا وذاكرة، وصوتًا لا يستطيع تجاهله.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD