على طرفي الطريق

390 Words
جلسا صامتين لوقت طويل، لا يسمعان سوى تنفسهما والقطرات المتساقطة من السقف. كان دانيال يقلب الأمر في داخله. لم يعد يحتمل ال**ت، ولا أن يكون مجرد مستمع. أراد أن يقول شيئًا… أي شيء ي**ر تلك الهوة التي فتحتها قصة يوسف. تنحنح قليلًا، وصوته خرج مترددًا: – "You know… I wasn’t born here. I was born in New York. Brooklyn.""أنت تعلم... لم أولد هنا. وُلدت في نيويورك. ب**كلين." رفع يوسف حاجبه، كأنه يقول: وأين المشكلة؟ فابتلع دانيال ريقه، وأكمل: – "كنت أسمع دائمًا أن إسرائيل هي الوطن الذي وُعدنا به. الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. المكان الذي يمكن لليهود أن يعيشوا فيه بأمان بعد ما حدث في أوروبا. جدتي نجت من المحرقة… كل حياتنا كانت تدور حول فكرة أن هذه الأرض خلاصنا. فقررت أن آتي هنا. جئت قبل شهرين فقط… التحقت بالجيش لأدافع عن هذا الوطن." ظل يوسف صامتًا، لكنه لم يشيح بوجهه. فشعر دانيال أنه مدعو للاستمرار: – "كنت أظن أنني أحارب الإرهاب. أنكم تريدون القضاء علينا. أنني أقاتل من أجل الحرية." ابتسم يوسف ابتسامة مرة، وقال بالعربية أولًا: – "حرية…" ثم أعادها بالإنجليزية الثقيلة: – "Freedom? Whose freedom? Yours… or mine?""الحرية؟ حرية من؟ حريتك... أم حريتي؟" تجمد دانيال. لم يعرف كيف يرد. فأضاف يوسف: – "حين تُبنى حريتك على جدران تحاصرني… فهي ليست حرية. حين تضحك ابنتك بينما ابنتي تختبئ من القصف… هذه ليست حرية. الحرية لا تعني أن تعيش أنت فقط. الحرية تعني أن نعيش كلنا." أطرق دانيال رأسه. شعر لأول مرة أن الكلمات التي نشأ عليها تبدو جوفاء أمام هذه البساطة القاطعة. تذكر جدته، حكاياتها عن أوروبا، عن الخوف والاضطهاد. رفع رأسه، صوته مهزوز: – "My grandmother always said: 'Never again.' That’s why we need Israel."كانت جدتي تقول دائمًا: «لن يتكرر ذلك أبدًا». لهذا السبب نحتاج إلى إسرائيل. رد يوسف، صوته يزداد عمقًا: – "Never again… should not mean 'never again for Jews only'. It should mean 'never again for any people'."لن يتكرر أبدًا... لا ينبغي أن تعني "لن يتكرر أبدًا لليهود فقط"، بل ينبغي أن تعني "لن يتكرر أبدًا لأي شعب".ما معنى أن تهرب من الظلم لتصنع ظلمًا أكبر على أرض غيرك؟" ظل دانيال صامتًا. أحس أنه يسمع صدى جديدًا لجملة جدته الشهيرة… لكن هذه المرة من فم رجل فقد والديه وبيته وطفله تحت صواريخ جيشه. في تلك الليلة، جلسا متقابلين لأول مرة دون حواجز. لم يعودا مجرد حارس وأسير. بل رجلين على طرفي طريق، يحاول كل منهما أن يفهم الآخر، وربما أن يعيد تعريف نفسه.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD