كان الليل ثقيلاً في النفق، والوجوه شاحبة من الإرهاق والجوع.
جلس يوسف قرب دانيال، بينما الآخرون متفرقون حولهم.
لكن هذه المرة لم يكن صوته خافتًا… كان صوته كمن يريد أن يسمع الجميع.
قال دانيال، بعد تردد طويل:
– "Tell me… how did you end up here, يوسف? You were… a doctor, right?""أخبرني... كيف انتهى بك الأمر هنا، يوسف "كنت... طبيبًا، أليس كذلك؟"
تن*د يوسف، نظر للحائط كأنه يرى ما وراءه، ثم بدأ:
– "كنت طبيبًا بيطريًا. أحب الح*****ت… أحب أن أعالجها، أن أعيد الحياة لعصفور جريح أو حصان مريض. لم أكن أفكر بالقتال. كان عندي بيت صغير في غزة، وأهل… وأخوة… وابن."
ارتجفت ناعوم، لم تعتد أن تسمع عن الفلسطينيين بهذا الشكل: بيوت، وأبناء، وأحلام بسيطة.
تابع يوسف، صوته يخنقه الألم:
– "في 2018، قصفوا بيت أهلي. استشهد أبي وأمي، وشقيقي، وابني الذي كان في حضن جده تلك الليلة. لم يبقَ لي إلا زوجتي، وابنة في الثامنة، ورضيع لم يبلغ ستة أشهر. ماذا كنت أفعل؟ أعود للعيادة وكأن شيئًا لم يكن؟"
عمّ ال**ت.
حتى أوري، الذي اعتاد السخرية، ظل يضغط على أسنانه بلا كلمة.
أكمل يوسف:
– "يومها أدركت أن الاحتلال لا يترك لنا خيارًا. إما أن نموت ب**ت… أو نقاوم. تركت مهنتي… وانضممت للمقاومة. كنت أريد أن أمنع عن غيري الألم الذي ذقته."
رفع عينيه نحو دانيال مباشرة، ثم نحو الجميع:
– "أنتم تروننا إرهابيين… لكن الحقيقة أننا بشر دُفعنا إلى حافة الهاوية. نحن نقاتل كي نعيش. فقط… كي نعيش."
انخفض صوت يوسف في النهاية، لكنه بقي يرنّ في أرجاء النفق.
خالد أطرق رأسه، عيونه تلمع بالدموع: "لو أنني اخترت طريقه بدل خيانتي… ربما كنت رجلًا."
ناعوم ظلت تحدق في الأرض، للمرة الأولى دون محاولة للاعتراض، كأنها تستوعب ببطء أن ضحكاتها على الحواجز كانت تجرح بشرًا مثل يوسف.
أوري ض*ب الحائط بقبضته الجريحة، يهمس بالإنجليزية:
– "Lies… all lies…""الأكاذيب... كلها أكاذيب..."
لكن صوته المرتجف فضحه.
أما دانيال، فقد جلس مذهولًا، يشعر أن قلبه يُعاد تشكيله بكلمات يوسف، وأن صورته عن "العدو" لم تعد كما كانت.