الفصل الرابع ،
بعد مدة ، توارى إلى مسامعها صوت مروحية في الخارج فإنتفضت من مكانها تاركةً يد شقيقتها ثم نهضت من مكانها لتُسرع إلى الشرفة حافية القدمين حينها نادتها نورهان بقلق :
- نيرمين ، إلى أين أنتِ ذاهبة ؟
أبعدت نيرمين الستائر بعنف و قالت :
- تعالي ...
ثم فتحت باب الشرفة و خرجت فصدمتها نسمات الهواء الباردة مما جعلت عينيها تنغلق من أشعة الشمس أيضا ، تطايرت خصلات شعرها إلى الامام فغطت كامل وجهها و لكنها رفعت يدها و أبعدت شعرها من على عينيها ثم تقدمت إلى الأمام و لحقت بها شقيقتها حينها إتسعت حدقة عينيها من الدهشة ، وضعت نورهان راحة يديها على كتف نيرمين و أشارت لها إلى مكان معين موجود بالفناء الأمامي للقصر :
- أختي ، أنظري هناك !
كانت هناك طائرة هيلوكبتر واقفة في مكان مزفّت دائري الشكل مخصص لهبوط الطائرة و المروحية فيه تدور بسرعة فائقة منبئة على إستعدادها للصعود ، ظلت نيرمين تنظر في إتجاهها مقطبة الحاجبين ، متصلبة الجسد و هي مصدومة بينما عينيها متجهة لشخص واحد فقط " هو " ، لازالت لم تستوعب الطريقة اتي إلتقت به فيها و لمرتين في ليلة واحدة حتى تستوعب مغادرته بهذا الشكل ، لأنها حقيقةً تشعر بأنها تعيش حلما ، لازالت تتخيل أو لازالت تتوهم أما إن يحصل لها ما حصل فهذا غير معقول بتاتا .
قلبها ينبض بشكل غير متعودة عليه منذ زمن بعيد و الغريب في الأمر أنه مستمر في النبض بشكل قوي فأنف*جت شفتيها دون وعي و هي تبصره يمشي ناحية الطائرة بخطوات متناسقة و بطيئة ، موزونة بشموخ ، بهيئة مليئة بالكاريزما بينما هو يوالي لها ظهره ، إثنان من المرافقين يتبعونه و هما كانا يرتدان بدلات كحلية بينما الإثنين الاخرين يسبقونهما ، هنالك رجل آخر يمشي بجواره إتضح لها أنه قريب جدا له لأنه يكاد يلتصق به بينما يخاطبه بإهتمام .
عندما وصل آلانزو للمروحية فُتح له الباب من الداخل على الفور حينها إفترق الحراس و أشاروا له بالتقدم عندها ألتفت للخلف و رفع رأسه لها ، كان شعوره بها صحيح فمنذ أن غادر القصر شعر و كأنه تحت المراقبة من الخلف و بشرته رقبته تخزه من الخلف حتى يلتفت ، لقد كانت مثلما تخيلها تماما ، عينيها مرشوقة فيه و هي تنظر له بإهتمام و ذهول ، فاغرة شفاهها الوردية قليلا كما تخيل قدمها اليسرى مرفوعة إلى ربلة ساقها الأخرى كعادتها و تقوم بحكها عندما تكون متوترة أو مندهشة من موقف ما و هذا ما حصل معها في هذه اللحظة ، إرتفعت زوايا فمه على جنب و ظهرت إبتسامة واسعة على ثغره بينما هو يطالعها بتوعّد ، هذا ما أراده ، أن تكون آخر شخص يراها قبل أن يغادر بعدها أنزل عينيه و أشاح نظره عنها ثم صعد و أُنغلق الباب ورائه ...
***
بينما هما متجهان إلى الهيلوكبتر سأله سيزار :
- هل يعلم لوثاريو بمجيئنا ؟
أجابه آلانزو بينما يثبّت عينيه على الطريق :
- نعم انه في إنتظارنا برفقة ألدر ( Alder ) و إيغور ( Igor ) .
عبس سيزار بعدم رضاء عن ما يفعله شقيقه فصرّح بإنزعاج :
- سأصارحك بجدية ، إنني لست راض عما آلت إليه الأمور أيها الشقيق ، إنك تساعد المافيا الروسية عن الإنتشار في أرضنا و أنت على العلم بأنك تخترق قوانين المنظمة أيضا .
أجابه آلانزو بملامح جامدة :
- لا يهم ، أنا أفعل فقط بما يرضيني أنا و ليس ما يرضي المنظمة اللعينة بكلها .
تن*د سيزار و هو يرد عليه :
- رأسك صلب و لا تبحث عن عواقب أفعالك و لكن ماذا سأفعل لك ؟ ، رغم كل شيء ،أنا سأبقى بجانبك و حذوك دائما يا شقيق .
توقفا أمام باب الطائرة حينها إبتعد آلانزو من الطريق و أشار لسيزار بأن يسبقه و هو يقول بلطف :
- إصعد أنت أولا .
إبتسم سيزار و هو يدنو عليه ليهمس قرب أذنيه بصوته المتلاعب قبل أن يصعد للطائرة :
- مم ستشتاق لتلك العينين الشقية كثيرا ، كثيرا ، لا تقل بأنني لم أذكرّك بهذا ها .
غمزه قبل أن يصعد بينما آلانزو إحتفظ ب**ته و لم يرد عليه ثم إلتفت على جنب و رفع نظره إلى الأعلى حيث تتواجد فتاته و ظل يحدق فيها مطولا بنظراته الثاقبة التي إستطاع بهما أن يحفظ كل تفاصيل وجهها في ذاكرته القوية ، تمنى لو كانت المسافة بينهما أكثر قربا حتى يستطيع التعمق في النظر لوجهها ، تمنى لو يستطيع أن يغرق في عمق عينيها الفضية الصافية أكثر و يترك العنان لمشاعره الدفينة للظهور و لكن الوقت لتلك اللحظة لازال باكرا جدا ، إتسعت إبتسامته و هو يتوعدها في سره :
- سأرجع لك عن قريب عندها لن يكون هناك حواجز تمنعني من الحصول عليك ، وعدا صادقا مني إليك ، ساحرتي الحمراء الجميلة .
أشاح نظره عن تلك الواقفة الي تطالعه بجمود ثم صعد في الطائرة قبل أن يغلق عليهما الباب...
في المطار ،
نزلوا من الهيلوكبتر حتى يتوجهوا مباشرة إلى الطائرة الخاصة التي تنتظرهم في بهو المطار .
خاطبهم السائق من الميكروفون و هو في صدد الصعود :
- ستستغرق منا المسافة عشرة ساعات يا سادة ولكن مع السرعة القصوى ستنحدر إلى ثماني ساعات .
رد عليه آلانزو بتفهم :
- حسنا .
أعطاه المرافق كمامة عينين و خوذة ليضعها على أذنيه و هو يخاطبه بإهتمام :
- الرحلة ستستغرق وقتا طويلا إرتح قليلا يا رئيس .
مد آلانزو يده ليأخذهما ثم نظر إلى سيزار متحققا منه :
- و أنت ؟
بينما هو منشغل في فتح الحاسوب أجابه سيزار بصراحة :
- لدي أعمال مهمة آلانزو عندما أنهيها سأنام .
فرد عليه آلانزو دون أن يهتم :
- مثلما تشاء ...
أرجع آلانزو ظهره على المقعده المريح من الخلف و قام بتغطية عينيه و أذنيه ثم نام مزمجرا بإسترخاء ...
في الجهة الأخرى من بقاع الارض ،
نيويورك ، مانهاتن ،
فتح الحاسوب بينما هو جالس في مكتبه ثم قام بفتح الكاميرا الأمامية ، ظهر له وجه سيزار المترقب لحديثه عندها بادره سيزار الحديث باللغة اللاتينية القديمة و التي يصعب على الكثير من الناس حفظها أو فهم كلماتها :
- عليك ا****ة أيها الأخرق الملعون ، لماذا رأسك صلب و تبحث دائما على المتاعب ؟ ، أ لا تشعف أبدا في حياتك اللعينة كلها ؟
حاول سيزار أن يحافظ على ملامحه الهادئة و صوته المنخفض حتى لا ينتبه الحراس إلى غضبه الذي بدأ يظهر على ملامح وجهه فسيزار خبير في تمالك النفس فهو قد درس علم النفس لمدة ثلاث سنوات و ذلك فقط ليدرب نفسه على التحكم في الغضب و يكبح الغضب الذي يستعر به من الداخل بسبب الماضي الأ**د الذي لاحقهما هو و أخوه الغير شقيق .
أجابه لوثاريو بينما هو جالس بأريحية مرجعا ظهره الى الخلف و مشبكا أصابعه فوق المكتب ، قائلا ببرود قاتل :
- ما أفعله هو لمصلحة الجميع سيزار ، لا تجعلني أندم لأنني قمت بمصارحتك بالموضوع ، إتفقنا .
إبتسم سيزار بغضب مكبوت و زمجر مطولا باله عليه بينما هو يقول بنبرة محذرة :
- مم ، و عندما يعلم آلانزو بفعلتك هذه تأكد أن ردة فعله ستكون أسوأ من الجحيم بنفسه ، فهو إذا سلخك حيا لن أستغرب منه ذلك أيها الأبله الغ*ي ، هل تريد لنفسك هذا ؟ ، هل تريد حقا أن تدمر ما تبقى منك ؟
تن*د لوثاريو بملل بينما جفون عينيه ظلت مرتخفيتن ثم أجابه بعدم مبالاة :
- منذ أن صارحتك و انت مفزوع من هذا الموضوع بينما أنا المعني بالأمر لا أكترث له ، ما بك ؟
ثم غمزه و هو يسأله مازحا :
- إعترف ها ، هل إلى هذه الدرجة واقع في حبي لهذا أنت قلق علي ها ؟ !
ضحك سيزار على وقاحته ثم رد عليه بسخرية :
- ها ها ، مضحك جدا ، أقسم من اليوم الملعون الذي قابلتك فيه علمت أن متاعبك ستلحق بنا جميعا لوثاريو ! ، أقسم أن قلة مبالاتك هذه سينتج عنها الخراب ، ها أنا أقولها لك من الآن ...
عندها أظلمت الدنيا في عيني لوثاريو ما إن إستمع الى الجملة الأخيرة لسيزار التي شقت كلماتها إلى المنبع العميق في قلبه الميت فضم شفاهه بشدة ثم تكلم بنبرة مميتة :
- فعلا كنت غ*يا لعينا لا يفكر بعواقب غبائه مِن قبل و لكن الآن يا سيزار أقسم أن ما أفعله هو الصحيح ، فليس لدي مصلحة غير مصلحة الفاميليا .
إستمر سيزار بمطالعته دون أن ينبس بشفة ، يريد أن يعلم بما يدور في ذهن رفاقه ، لسوء حظه أن أقرب اثنين له يملكان نفس الطباع الغامضة المثيرة للقلق و الغريب في الموضوع أن ما يخفيانه عنه الإثنين متعلق بنفس الموضوع .
فتح فمه بعد مهلة من التفكير :
- حسنا يا رفيق إنني أتضامن معك فإذا إنفضح هذا الأمر سأقف في صفك و أدعمك و لكن أريدك قبل كل شيء أن تصارحني بكل خطوة قبل أن تقوم بها ، هل هذا مفهوم ؟
أومئ له لوثاريو موافقا إياه :
- مفهوم .
تابع سيزار :
- و الآن ، أين تلك الفتاة ؟ ، صارحني
أجابه لوثاريو :
- إنها في القبو تحت مصنع البيرا المهجور .
رفع سيزار يده إلى فكه ليمرر أصابعه على لحيته بتوعد بينما هو يبتسم للوثاريو مصرحا بمزاح :
- لوثاريو ، أقسم أن أول شيء سأفعله ما إن أراك هو لكمك و سألكمك بشدة على غبائك الشديد هذا .
إبتسم له لوثاريو و هو يخاطبه بإستفزاز :
- أنا أيضا ، لقد إشتقت إلى لمساتك الخشنة عزيز قلبي .
بادله سيزار الإبتسامة و صارحه بتسلية :
- غ*ي معتوه ، و لكنني لا أعلم لما قلبي لا يزال يحبك إلى الآن ؟
غمزه لوث بتلاعب :
- هذا لأن وسامتي القوية قد أوقعتك بي يا حبيبتي ، أ ليس هذا صحيح ؟
- أغرب عن وجهي الان ، أغرب حتى لا ألكم الشاشة بسببك ...
رد عليه سيزار بإشمئزاز ثم قام بالنقر على زر الإغلاق ليختفي وجه لوث من أمامه و تظلم الشاشة ثم أرجع ظهره للخلف و هو ينظر إلى الحاسوب ، بدأ إبليس يقنع عقله بالتجسس عن خفايا آلانزو لأنه الوحيد الذي يعلم الشبكة السرية التي تتبع رفيق عمره و الوحيد الذي يعلم شفرات دخولها للإبحار فيها حتى يعرف كل أسرار عالمه .
شبكة خاصة قام آلانزو بإنشاءها للاستحواذ على كل الأقمار الإصطناعية الهامة بأفضل و أقوى القراصنة ، لم يهمه كم دفع و كم كلفته من مليارات الدولارات لصناعتها فلو أراد ان يقوم بصناعة قمر اصطناعي خاص به فإنه سيفعل ولكن غايته كانت الإستحواذ على أسرار الإستخبارات العسكرية و الأقمار المخصصة للاتصالات و تحديد مواقع الصواريخ و المضادة للصواريخ مثل التصوير الفوتوغرافي أيضا و معرفة بيانات الإنترنت ، هذه غايته الأساسية التي تجعله يسيطر على العالم بوجه خفي دون أن يدرى به أحد غير جواسيسه و سيزار بالطبع .
فكر سيزار قليلا ثم قرر ، سيقوم بهذا الأمر و لكن ليس بجانبه أو أمام حراسه و لكنه في القريب العاجل سيعلم بما يخفيه عنه آلانزو ...
بعد 8 ساعات ،
- سينيور آرورا ، سنيور آرورا ،
كان يغط في نوم عميق غير آبه لأي شيء بينما مرت عليه الثماني ساعات بسرعة دون أن يشعر بها لشدة تعبه ، إستفاق من نومه و نزع الكمامة من على عينيه ليطالع المرافق الذي يطل عليه بعيون ناعسة ثم سأله بصوت مبحوح :
- هل وصلنا ؟
أجابه المرافق باختصار :
- نعم ، رئيس ...
نهض سيزار أيضا ما أن سمع أصواتهما .
عندما نزلوا في مطار لاغورديا وجدوا طائرة الهيلوكبوتر تنتظرهم في بهو المطار فإعتلوها على الفور
بعد مضي خمس دقائق ، حطت الطائرة في مكانها المخصص فوق ناطحة السحاب التابعة لمجموعة " لا قلوريا " ( المجد ) في جزيرة مانهاتن .
فُتح باب الطائرة لينزل المرافقون أولا ثم لحقهما سيزار و آلانزو ليجدا لوثاريو ينتظرهما بإبتسامة مرحبة و معه حراسه و هو يقول بترحاب :
- لقد إشتقت لكما يا رفاق .
ذهب إليه سيزار على الفور ليستقبله بالأحضان ثم همس في أذنيه بابتسامة متوعدة :
- إنني أدين لك بلكمة جيدة ستقوم بتزيين فكك الجميل لعدة أسابيع مقبلة يا رفيق ، مفهوم .
إبتسم لوثاريو له بتملق ثم رد عليه بعدم إكتراث بينما يبتعد عنه :
- و رغم ذلك فأنا أنتظر ذاك اليوم بفارغ صبر ، حبيبتي ...
تن*د آلانزو و هو يخاطبهما مثل رئيس مسيطر :
- هل أنتهيتما مزاحكما البغيض هذا و تابعتماني ...
ضحكا الإثنين معا ثم رافقاه جنبا على جنب .
تكلم لوثاريو :
- رئيس ، إن آلدر كازلوفكي وصل منذ خمس دقائق و ينتظرك في قاعة الإجتماعات مع مساعده ..
إبتسم آلانزو عند سماعه هذا الخبر و هو يجيبه برضاء :
- لطالما كانت مواعده دقيقة ، يعجبني هذا الرجل .
ثم إستخبر بشك :
- هل أعلمت كامل الموظفين بعدم إظهار وجوههم أمامي اليوم .
أومئ لوثاريو برأسه بينما يؤكد على كلامه :
- أكيد ، يا رئيس .
حينها أجابه آلانزو بدون إمتنان :
- جيد .
صعد الثلاثة في المصعد المخصص فقط للرئيس ثم أُغلق الباب عليهم حينها إلتفت آلانزو إلى لوثاريو و خاطبه بجدية :
- إنني أتكل عليك في كل أعمالي أثناء غيابي يا لوثاريو فإذا إتضح أنك تخدعني في شيئا ما يا أبله فأقسم بحياة هذا الذي بجانبك بأن عذابك سيكون بطيئا جدا كالجحيم إذا سقطت تحت يدي فها أنا أنذرتك من الآن ها ...
إبتسم لوثاريو دون تردد ثم أومئ له بصدق و هو يؤكد صدقه :
- إن روحي فداء لك يا رئيس ، إطمئن من ناحيتي .
طالعه آلانزو على جنب بينما حاجبه الأيسر ظل مرفوعا بترقب ثم نفث أنفاسه بخشونة و هو ينبّهه :
- لقد حذرتك من قبل و سأبقى أحذرك دائما لأني فيما بعد لن أكون رحيما أبدا خصوصا معك يا لوثاريو .
ظلت إبتسامة لوثاريو مثلما هي دون تأثربما قاله له رئيسه في العمل ثم أجابه بثقة :
- لا أعض اليد التي مدت لي يوما يا رئيس ، كن هنيئا من هذه الناحية ، إتفقنا !
حينها أشاح آلانزو بصره عنه و هو يرجع إلى جموده المعتاد ثم خاطبه ببرود :
- جيد ، أتمنى هذا .
سيزار ظل صامتا دون أن يتدخل بينهما و لكنه كان واضعا تركيزه كله على أحاديثهما الغير مفهومة ، و هو ليس غ*يا حتى لا ينتبه إلى معنى كلامهما فرغم الجمود الذي يطغى على ملامحهما إلا أنه فهم الرسالة التي وجهها آلانزو لنائبه و يعلم أيضا ما يخفى وراء تلك الثقة التي يتحلى بها لوثاريو و بصراحة إنه يشعر بشيئ مريب حول شقيقه و أثبتت شكوكه بأن آلانزو يعلم بما يخفيه عنه ذلك الغ*ي لوثاريو و الآخر غير مهتم بعواقب أفعاله إذا تم كشفه ، في النهاية ، تنهّد بإستسلام و هو يوكّل أمره للرب بسبب هذان الرجلين .
فتح باب المصعد فخرج آلانزو قبلهما حينها إقترب سيزار من لوثاريو و همس بالقرب من أذنيه بصوت يكاد يسمع :
- اللكمة التي وعدتك بها تحولت إلى لكمتين و لا تجعلني أهشم رأسك الغليظ أيها ا****ر ، تخلص من تلك الفتاة في أقرب وقت ممكن قبل أن يكتشف أمرك ، إنني أحذرك ها ...
رص على أسنانه ، متابعا تهديده بجدية قبل أن يبتعد عنه :
- فلا تختبر صبري معك يا لوث ...
ظلت ملامح لوثاريو جامدة بينما يتقدم معه ليلحقا بآلَانزو إلى مكتبه .
فُتح الباب إستدار رأس ذلك الجالس بهدوء و ظهرت إبتسامته الفاتنة قبل أن ينهض من مقعده مرحبا بالرجل الذي هو بحاجة إليه و بشدة :
- صديقي العزيز .
خطى إليه آلانزو بملامحه المتجمدة ثم مد يده ليحييه قائلا بإختصار :
- مرحبا بك سنيور .
نظر قبالته إلى الرجل الروسي الذي برفقته و الذي نهض أيضا و رحب به بكل إحترام :
- شرفنا حضورك دُونْ آرورا .
إبتسم له آلانزو غير مكترثا للقب الذي أطلقه عليه ذلك الروسي و الذي في الحقيقة يطلق على مركزه في المافيا و لكنه لا يهتم أبدا بقوانين المافيا بأكملها فمنذ أخذ الزعامة أصبحت هناك قوانين تخصه فقط و لوحده .
بادر بجمود :
- حسنا، لندخل في صلب الموضوع ، تفضلوا .
جلس الخمسة على الطاولة و على رأسها آلانزو فوضع مرفقه على الطاولة بينما يمرر أصابعه الطويلة على لحيته المنبتة و هو يطالع وجوه الأربعة بإهتمام ثم توقفت عينيه على آلدر و وجّه له الحديث بنبرة جدية :
- لقد قبلت مساعدتك لشيئين ، أولا لأن سيلفر قد قام بخطأ فادح إتجاه أحد أتباعي و لن أرحمه أبدا على هذا و ثانيا لأنه قام بالدخول إلى منطقتي المحظورة كما أنني أمقت أعمال المافيا الحمراء المق*فة من قبل و لكني لست راضيا أبدا على التعامل مع المافيا الروسية و إذا لاحقتكم المشاكل فيما بعدها فأنا لن أهتم بها ، هل كلامي واضح سنيور آلدر ؟
نظر ألدر إلى البريغادير ( العميد الخاص ) بنمظمة البراتفا التابعة لهم ثم أعاد نظره إلى آلانزو ثم صارحه بكل صدق و بدون تردد :
- سيلفر سيكوفتشي قام بتفجير الملهى الذي أملكه في ريو دي جينيرو منذ ليليتين ، قام بقتل ثلاثين شخصا تابعا لي في يوم واحد ، إنه يقوم بالإستحواذ على تجارة الم**رات و البشر في البرازيل و لقد إستمرت الحرب بينه و بيني ثلاثة سنوات ، سقط أكثر من مئاتي قتيل فيهما لذا إنني أريد أن تتوقف هذه الحرب لأن خطة سيلفر ليست قائمة فقط على القضاء على العصابات الصغيرة المنافسة له ، إنه ..
عمق نظراته أكثر في وجه آلانزو و أردف :
- إنه يستقطب العصابات الكبيرة و قد تجاوزت نفوذه الحدود البرازيلية .
إستمر آلانزو بالتحديق فيه بجمود ثم سأله بشك :
- هنالك الكثير من العصابات الروسية التي يمكنها مساعدتك ، لماذا إلتجأت إلي أنا بشكل خاص ؟
حينها **ت ألدر و نظر إلى العميد ثم إلى سيزار و لوثاريو و صرّح :
- لأنه بالفعل يمثل أمرا خاصا جدا يدور بيني و بينك يا فيسباديم (سيد) آلَانزو فهل يمكننا الجلوس لمفردنا ؟ ، من فضلك ..
زفر آلانزو بفقدان صبر قبل أن يأمرالجميع بالمغامرة دون أن يشيح نظره من على آلدر :
- لوثاريو ، سيزار ، رافقا السنيور إيغور إلى الخارج و لا تنسا أن ترحبا بضيفنا كترحيب يليق بمقامه ، مفهوم .
- حسنا ، رد عليه الإثنين و هما في صدد النهوض ...
عندما تم غلق الباب عليهما عقد آلانزو حاجبيه و هو يستفسر بإهتمام :
- و الآن تفضل إنني استمع إليك ..
أرجع ألدر ظهره إلى الخلف وهو يخفض يده إلى جيب سروال بزته ثم أخرج صورة فوتغرافية و رفعها أمام عيني آلانزو المتسائلتين ليقدمها له مستعلما :
- أليس هذا أبوك ؟
مد آلانزو يده إلى الصورة و أخذها منه ثم رفع يده إلى مستوى وجهه و هو ينظر لها بتركيز شديد ثم سأله بينما عينيه معلقة فقط بالفتاة المراهقة التي تُحتضن من قبل الرجل المحاذي لها و تبتسم بشحوب إلى الكاميرا :
- من الفتاة التي معه في الصورة ؟
أجابه ألدر بصوت مشحون بالعاطفة :
- إنها أمي عندما كانت بعمر الخامسة عشر .
إرتفعا حاجبي آلانزو بذهول بينما يرجع نظره إلى الصورة حيث والده الذي يظهر فيها مبتسما بفخر مرتديا بذلة أنيقة من أبرز موضة الثمانينات و أمامه شابة جميلة ذات بشرة بيضاء و عيون زمردية واسعة و شعر أشقر طويل بينما هو يحضنها من الخلف .
تحركت شفاهه ليتفوه بصدمة :
- إنها صغيرة جدا عليه .
ثم إبتسم هامسا لنفسه :
- لا أستغرب ، لطالما يحب القاصرات ، العاهر سيبقى عاهرا طوال حياته ...
علّق ألدر :
- نعم ، والدك كان أول رجل في حياتها و هو من اشتراها كالعبيد من إحدى مافيات بيع الرقيق التي تزعم موسكو في ذلك الوقت .
ظلت ملامح آلانزو جامدة بدهشة و هو يستخبر :
- و ما علاقة الصورة بي ، لماذا تريها لي الآن ؟
إبتلع ألدر ريقه ثم صارحه بشجاعة :
- والدتي تكون أمك أيضا آلانزو يعني أننا شقيقان من نفس الأم ، لقد إعترفت لي والدتي بهذا منذ يومين بعد أن هاجم سيلفر على الملهى التابع لنا ، والدك قام بفكك قصرا منها عندما كانت صغيرة ، ضعيفة و ليس لها سند في ذلك الوقت ثم باعها إلى مافيا " الأخوة " بروسيا التي يتزعمها أبي و هناك رآها الوالد و وقع في حبها ثم تزوجها و هكذا تم الأمر بينهما ...
ضيّق آلانزو عينيه و هو يتأكد من صحة كلامه :
- هل تعلم أمك بمكان ولادتي و في أي تاريخ ولدت فيه ؟
أجابه ألدر بينما يطالعه بنظرات عميقة جدا :
- الثالث يناير( جانفي) عام **** بمستشفى القرية العليا بباليرمو ...
( لا أريد ذكر سنة ميلاده حتى لا تؤثر في زمن الأحداث)
سماع آلانزو لهذا الخبر الصاعق جعله يتنفس بخشونة ثم قال بإندفاع :
- إنتظر هنا لدقيقة ...
هذه ردة فعله الوحيدة التي قام بها آلانزو ، وضع الصورة القديمة على المكتب ثم هرع إلى الحمام ، توقف مستندا على الحوض ، قابضا على الرخام بقوة إلى أن أبيضت أصابعه و هو ينظر إلى نفسه بينما يتنفّس بخشونة و هو مقتبض الفك ، إحمرت عينيه بشدة دون أن ترمش بينما ينظر إلى صورته المخيفة في مرآة الحمام لأنه لو كان ذلك العاهر أمام عينيه الآن لكان رفعه إلى الأعلى و أزهق روحه بين يديه ، فليساعده الرب فقط على إستكمال مشواره دون الوقوع في الهفوات و القضاء على ذلك الحشرة قبل أوانه لأنه لا يوجد شعور الآن يعبر عن نيران الغضب التي تحرق ص*ره و لا يوجد شيء سيتمكن من إخمادها أبدا فموت والده لن يحل الموضوع بالنسبة له ، الحقيقة المشينة التي أخفيت عليه لمدة تسعة و ثلاثين عاما قد كٌشفت له الآن و دون سابق إصرار و مِمَن ؟، من الروسي الجالس خارجا و الذي أوضح له أنه أخوه الصغير من طرف الأم ، جيد جدا ، لقد أصبح ولدا هجينا هذا ما كان ينقصه ، لقد عرف الآن أن دمه الإيطالي ممزوج مع الروسي حينها إبتسم لنفسه في المرآة أفظع ابتسامة إبتسمها في حياته ، إبتسامة تحاكي الموت في مضمونها ثم أخفض رأسه و فتح صنبور الماء ليغسل وجهه حتى يرجع عقله إلى رشده ...
بعد مدة ، رجع إليه بنفس القوة و الغطرسة اللذان يتميز بهما ثم جلس على مقعده و نقر على الطاولة بينما هو ينظر اإى ألدر ، لم يعلم ألدر بما يفكر شقيقه أو ماذا سيقرر بشأنه ، ظل هو الآخر ينظر له بترقب إلى أن يستمع إلى قراره الأخير حينها تكلم آلانزو أخيرا :
- سنقوم أنا و أنت بالخضوع إلى تحليل الحمض النووي في إحدى المستشفيات التابعة لي ، هنالك أمرين سأقوم بإحدى منهما بعد معرفة نتيجة التحليل .
رفع إصبعه الأول منبها إياه :
- الأول ، إذا التحليل أثبت أنك لست أخي عندها أؤكد لك ردة فعلي لن تكون أبدا لصالحك أو لصالح عائلتك و خصوصا تلك التي قامت بخداعك ..
رفع إصبعه الثاني متابعا بنبرة أقل حدة :
- أما إذا أثبت التحليل صحة كلامك عندها سأقوم بمساعدتك بمحو إسم الجرو "سيلفر" نهائيا من تاريخ العصابات كلها و لكن ..
أعدل جلسته و مد له الصورة ناظرا له بجدية :
- أريد أن يبقى هذا الأمر سرا بيننا و لا أريده أن يخرج من باب هذه القاعة ، ستبقى تعاملاتي معك مثل أي رجل مافيا حليف لي ، هل كلامي مفهوم ؟
إستمع إليه آلدر بإهتمام ثم أخذ منه الصورة و رفعها لينظر إلى والدته بتركيز تام .
تكلم بينما يطالعها :
- هل تريد أن تستمع إلى القصة كاملة ؟
أجابه آلانزو بحدة :
- القصة أتركها لنفسك لأنني لست بحاجة لها و لا أريد أن أعرف عنها أي شيئ لعين آخر ، واضح !
رفع آلدر بصره إليه و إبتسم بينما يصارحه بهدوء :
- لدي أخ حاد الطباع بالفعل .
أرجع آلانزو ظهره الى الخلف و هو يطالعه ببرود لينهي المقابلة بصوته القاسي :
- لقد إنتهى الإجتماع بيننا سنيور ألدر كازلوفكي ، يمكنك الرحيل الآن .
ضحك ألدر قبل أن ينهض من مكانه ثم قدم له يده ليودعه قائلا بحبور :
- يشرفني التعامل معك أخي العزيز .
نهض آلانزو من مقعده ليمد له يده حتى يودعه بلباقة و هو ينظر لعينيه الزمردية التي تماثل عينا والدتهما ثم قام مخاطبته بنظراته الجامدة الخالية من المشاعر :
- إنتظر مكالمة مني .
إبتسم له آلدر و هو يمتثل لكلامه :
- حسنا .
رافقه آلانزو إلى باب الخروج و قام بمكالمة ـحد مرافقيه حتى يرافقوه الى الخارج إلى أن يرحل من شركته الرئيسية ...
إتصل آلانزو بسيزار و هو في صدد الدخول إلى المصعد الخاص به :
- سيزار ، أين انتما ؟
أجابه سيزار على الفور :
- نحن في البار الأسفل .
تن*د آلانزو بخفوت و هو يرد عليه :
- حسنا ، أتركا ما في أيد*كما على الفور و إصعدا الى مكتبي حالا .
أجابه سيزار بإقتضاب :
- حسنا كما تأمر يا رئيس ...
حينها نظر سيزار إلى لوثاريو و آمره بعجلة :
- أترك ما في يدك انه يريدنا في الحال ...
أنهى لوث شرب آخر قطرة في الكأس ثم أجابه بهدوئه الا مبالي كالعادة :
- حسنا ، هيا ...
صعدا في المصعد و ما إن أغلق عليهما الباب إلتفت اليه سيزار و أخبره بشكوكه :
- ذاك الألدر أمره مثير للإهتمام ، أظن أن إقباله علينا بتلك العجلة ليس فقط لأجل مساعدة آلانزو له ، أ لا تسايرك الشكوك بخصوص هذا الموضوع ؟
هز لوثاريو كتفيه و هو ينوّه بعدم إهتمام :
- مهما كان السبب ، سنعلم عن الموضوع بأكمله بعد قليل .
وصلا إلى مكتب آلانزو ليدلفا إليه مسرعين فوجداه جالسا في مقعده مسترخيا إلى الخلف بينما قدماه موضوعة على المكتب و يديه مشبوكتان فوق بطنه .
:
- تعاليا إلى هنا .
- ما الأمر يا شقيق ؟
بادر سيزار
- ما به الروسي ؟ ، لماذا طالبك بخصوصية ؟
ثم أردف بفضول ليجيبه آلانزو محتفظا بهدوئه المميت :
- إتضح ذلك الروسي أخيرا بأنه شقيقي من الأم .
نظرا سيزار و لوث لبعضهما بدهشة ثم تكلما معا :
- ماذا ؟ ، كيف حدث هذا ؟
عندها أجابهما بنفس البرود :
- أظهر لي صورة تجمع العاهرين مع بعضهما البعض ، تاريخ ولادتي الموجود في مضمون الولادة في صقلية يتوافق مع التاريخ الذي أخبرني به ألدر كما أنه يثبت شكوكي في نفس الموضوع الذي في بالي أيضا ، و مهما كان الذي يكن سأنتظر نتيجة التحليل الذي تثبت إدعائته و لكني في الحقيقة إنني متأكد من صحة هذا الأمر .
سأله سيزار و هو حائر في أمره :
- ماذا ستفعل بشأن هذا الموضوع ؟
ظل آلانزو مسترخيا للخلف مغلق العينين و هو يصرّح بما يجول في عقله :
- ستظل هذه الحقيقة سرا فيما بيننا إلى أن يحين الوقت الذي سأذيعه فيه للعلن ...
سأله سيزار و هو يستطلعه بفضول :
- إذا اتضح أنه أخوك بالفعل كيف ستكون تعاملاتك معه في المستقبل آلانزو ؟
فتح آلانزو عينيه ليطالع السقف بجمود ثم أجابه بهدوء :
- مثله مثل البقية ، لا يوجد عواطف في العمل لا يوجد فيه غير المصالح فقط ...
حينها تدخّل لوثاريو و هو يستفسر منه :
- ماذا بشأن سيلفر ؟
عندها إبتسم آلانزو بتوعد :
- لن يكون إسم سيلفر سيكوفتشي موجود من بعد الآن يا لوثاريو .
ما إن إنتهى آلانزو من وعيده تحولت نظرات لوثاريو إلى سيزار ليمازحه مزاحا يخفي ورائه الكثير من المكر :
- حبيبتي ، تلك اللكمة التي حدثتني عنها أظن أنها ستلزمك لوجوه أخرى أفضل مني ...
- و*د ، سافل ....
تمتم سيزار و هو يطالعه بإشمئزاز .
حينها قهقه لوثاريو و هو يطالعه بتسلية :
- لكن لا تنسى أن هذا السافل يحبك كثيرا يا حبيبتي ، لا تنسي هذا أبدا .
بينما ظل آلانزو يستمع إليهما دون مبالاة فالذي يجول بعقله أهم بكثير من مزاحهما السخيف .
***
بعد ثلاث أسابيع ،
ظلّت جالسة بإسترخاء على المقعد و هي مغطاة بشال صوفي بينما قدميها مستريحتان على المقعد و فنجان القهوة في يدها بينما هي تنظر فقط إلى بوابة القصر البعيدة عنها بشرود .
- نيرمين !
إقتربت منها شقيقتها الصغيرة من الخلف ثم إنحنت عليها و قبلتها بقوة على خدها ، عبست نورهان لعدم تأثر شقيقتها بالقبلة و ظلت ملامحها جامدة كعادتها منذ أن إستيقظتا في هذا المكان فسألتها بقلق :
- أختي ، ما الذي جعلك شاردة بهذا الشكل طوال الوقت ؟ ، إنك تقلقينني عليك !
ضحكت نيرمين بإستهزاء ثم ابتسمت من عينيها اللامعة ، الممتلئة بالسخرية و الإزدراء ثم أجابتها :
- لا يوجد شيء مهم حتى يجعلني شاردة طوال اليوم يا أختي العزيزة ، إطمئني .
رفعت نورهان بصرها لتتوجه نظراتها المتفحصة إلى المكان الذي تنظر له شقيقتها الغامضة ثم تساءلت بفضول :
- و ما قصتك مع البوابة الرئيسية للقصر أيضا ؟
تن*دت نيرمين بخفوت ثم أبعدت ظهرها و إنحنت على الطاولة لتضع عليها فنجان القهوة و من ثم إلتفت إليها لترمقها بإنزعاج ، مستفسرة بتهكّم :
- أ لا يقلقك تواجدك هنا كالسجينة في قصر ذلك الملعون ؟ ، أ لا يقلقك شيء يا فتاة ؟ ، قولي لي !
هزّت نورهان كتفيها بعدم إهتمام و هي تجيبها ببرود :
- كلا لست منزعجة بتاتا ، إنني هنا أعيش مثل الأميرات و لا شيء يدعو لنا بالخوف فإن رجع مالك هذا القصر ستحل أمورنا .
فغرت نيرمين شفاهها بصدمة و هي تتمتم بعدم تصديق :
- ستصيبني بالشلل هذه الفتاة !
نهضت نيرمين من مقعدها على الفور ثم واجهتها بفورة إنفعالها :
- أ لا تشتقين إلى بيتك ؟ ، أ لا تبحثين على دراستك التي غبت عنها ؟ ، أ لا تشتقين إلى أصدقائك ؟ ، هل نسيت فروضك أيضا ؟
ظلت نورهان صامدة في مواجهتها بالرغم من الألم الذي يظهر في مقلتيها و لكنها تحملته لتصارحها بعواطف مجتاحة :
- لن أبحث عن شيء آخر غير سعادتك التي اريدها لك ، ألا تلاحظين مدى التغيرات التي صارت فيك منذ أن أتينا إلى هنا ؟ ، لم تعودي تتذكرين الماضي ؟ ، لم تعودي تفكرين في حبيبك المتوفى ؟ ، لما أنا فقط المتأملة في هذا الآلانزو ؟ ، لماذا انا فقط من تظن بأنه شخص جيد و قد وضع لنا كل وسائل الراحة في قصره هنا ؟ ، لماذا أنت بائسة لهذه الدرجة ؟ ، تبحثين فقط على المشقة و البأس في حياتك ها !
ضيّقت نيرمين عينيها بشدة إلى أن كادت أن تنغلقا من شدة ضيقهما و هي تطالع شقيقتها بحدة فأصبحت انفاسها متسرعة و خشنة من شدة الغضب المستعر بها ولكنها تمالكت آخر صبر لديها حتى لا تأذي شقيقتها الصغيرة و ألتزمت بجملة فقط عبرت عن مكنونات قلبها كلها .
- أتمنى فقط أن لا تجرّبي الوجع الذي خضته في حياتي ، يا أختي الصغيرة ، أتمنى هذا من كل قلبي .
أشاحت بوجهها عنها بعد أن إنتهت من المواجهة بينهما و رجعت إلى مقعدها لترتمي عليه ببطء ثم لفّت الشال الصوفي بإحكام على ص*رها و أغمضت عينيها لتقاوم الدموع التي أصرت على النزول و هي تنجرف الى ذكرياتها القديمة التي يصعب عليها نسيانها ...