الجزء الثاني (2)

1744 Words
ظل أبراهيم والد صفاء يذهب للقرية التي تعيش فيها أبنته ويأخذ لها الحلوى والسكاكر كي يتقرب منها وشعرها بحبه لها، لكن صفاء في كل مرة كانت ترفض رؤيته بل ووصل بها الأمر للهروب من المنزل في يوم الرؤية الأسبوعية كي لا تراه أو تدعه يتقرب منها، وظل الوضع هكذا حتى مرض أبراهيم بمرض أرتفاع الضغط والسكري وضعفت صحته وطلب منه الطبيب عدم التعرض لأمور ومواقف تزيد من حدة مرضه حتى لا تنت** صحته وتتدهور حالته، وفي أحد المرات التي ذهب فيها لرؤية صفاء تطرقت زهيدة لأمور جعلته يتعصب ويفقد هدوئه مما أوقعه في غيبوبة سكري أضطرا بعدها للتوقف عن الذهاب لهناك مرة أخرى واكتفى بأرسال الأموال فقط من أجل فلذت كبده، وكانت وقتها أبنته مازالت طفلة في المرحلة الأبتدائية، وفي يوم من أيام الدراسة كانت صفاء تجلس في صفها وكانت مدرسة اللغة العربية لديهم تخاطب التلاميذ وتسألهم بعض الأسئلة. سامية : قومي يا حنين قوليلي باباكِ بيشتغل أيه يا حبيبتي؟. ابتسمت حنين وتحدثت بفخر عن والدها: بابا بيشتغل مهندس في شركة الكهرباء. ابتسمت لها سامية وهى تدون ذلك في الورق ثم أشارت لها بالجلوس واشارت لأخرى بالوقوف : ماشي أقعدي يا حنين، وقومي يا روفيدة قوليلي يا حبيبتي بابا بيشتغل أيه؟ فتحت روفيدة ذراعيها عن أخرهما وتحدثت بسعادة: بابا عنده سوبر ماركت كبير أكبر من فصلنا دا. امأت لها سامية بابتسامة عذبة: تمام يا حبيبتي ماشي تقدري تقعدي. ظلت سامية تسأل التلاميذ واحدًا تلو الأخر عن مهنة والدهم إلى أن جاء الدور على صفاء فأشارت لها بالنهوض. سامية : قومي يا صفاء وقوليلي يا حبيبتي بابا بيشتغل أيه؟ لكن صفاء **تت ولم تجيب فهى لا تعلم شئ عن أبيها، فكررت سامية سؤالها مرة أخرى. سامية : أيه يا صفاء مش بتجاوبي ليه يا قلبي؟. رفعت صفاء كتفيها ثم أنزلتهما دليلًا على عدم معرفتها ثم قالت ببراءة : أنا معرفش يا أبلة بابا بيشتغل أيه أصل انا معنديش بابا معايا في البيت. ضيقت سامية عينيها وسألتها بأندهاش : ليه يا حبيبتي هو بابا متوفي ولا مسافر؟ هزت صفاء رأسها بنفي : مش عارفة بس انا مشفتوش من زمان قوي. تعجبت سامية من قول تلك الطفلة المسكينة: يعني هو مش عايش معاكم في البيت وانت مبتشفيهوش ولا تعرفي عنه حاجة صح؟. أمأت لها صفاء برفق : أه يا أبلة هو كان بيجي زمان ويفضل يزعق مع تيتة ويزعلها ويخليها تعيط فانا كنت بخاف منه وكمان كنت بهرب عشان مشفوش، وكمان هو مبقاش يجي عندنا تاني بعد ما قولت له انا بكرهك، وانا معرفش بابا عايش فين، هو المفروض أن كل واحد يبقى باباه عايش معاه يا أبلة؟ ن**ت سامية رأسها بحزن بعدما تطرقت لحالة تلك الطفلة: المفروض أه يا حبيبتي ودا الطببعي. ثم سألتها عن والدتها: طب وماما فين يا حبيبتي أنتِ مجبتيش سيرتها هى مش عايشة معاكِ بردو. هزت صفاء رأسها بحزن: لأ يا أبلة انا قعدة انا وتيتة هنا عند خالتوه وماما قاعدة عند خالوا في بلد بعيدة أصلها عيانة وهو بيعالجها. حزنت سامية كثيرًا لحال صفاء تلك الطفلة التي كانت ضحية لأهمال والديها مما جعلها تعاني لدرجة أنها كرهت والدها ولا تريد رؤيته، لذا قررت البحث لمعرفة ما في الأمر، حتى تساعدها على تخطي أزمتها، فيبدو لها أن والدها أما متوفي أو منفصل عن والدتها لذا لم تعد تراه لأن ذلك أصبح عادة عند الأباء عند الأنفصال عن زوجاتهم ينفصلون أيضًا عن أبنائهم وكأن ما بينهم ليس رابط دم بل ورقة تمزق وينتهي معها صلتهم بهم ويصبحون أيتام وأبائهم أحياء، كما لاحظت أن عائلة والدة صفاء لم تتوانى عن تشويه صورة والدها في عينها حتى تكرهه، لكنهم ألا يعلمون أنهم بذلك يأذون تلك الطفلة بفعلتهم السيئة تلك، وسيتسببون لها في مشاكل نفسية جسيمة قد تعيقها عن عيش حياتها كأي طفلة طبيعية، لذا قررت مساعدة صفاء من خلال التحدث معهم وتوعيتهم للمخاطر التي ستقع فيها أبنتهم أن استمروا على ذلك، وعليهم التوقف عن التحدث بسوء عن والدها أمامها بل وعليهم الأصلاح من علاقتهم به كي يتقرب من أبنته ويحتويها ويبثها حبه وحنانه حتى يزيل أي ترسبات سيئة قد تكونت داخلها تجاهه. رجعت صفاء إلى لمنزل وكعادة خالتها السيئة معها استقبالتها بضيق ونفخت في وجهها حتى كادت تطيرها من أمامها من شدة نفختها، لكن صفاء البريئة قد أعتادت منها على ذلك فلم تكترث لفعلتها وتركتها وذهبت تبحث عن جدتها فوحدتها تقف بغرفة أعداد الطعام أمام الموقد تقلب ما في الأواني الموضوعة عليه، فجرت عليها تحتضن خصرها بيديها الصغيرة، ابتسمت زهيدة وضمتها بيد واحدة والأخرى مازالت تقلب الطعام. زهيدة : اهلًا بحبيبة تيتة القمر، انا طبخت ليكِ الأكل اللي بتحبيه يا حبيبتي، روحي غيري هدومك لغاية ما أخلص. لكن صفاء بادرتها بسؤالها الذي جعلها تشتاط غيظًا: تيته هو بابا بيشتغل أيه أصل الأبلة سألتني وانا معرفتش أجاوب؟ زهيدة بضيق: والأبلة تسألك ليه يا حبيبتي ما تخليها في حالها، ايه الناس الحشرية دي. رفعت صفاء كتفها ثم أنزلتهما ببراءة: معرفش بتسأل ليه بس هى سألت الفصل كله مش انا بس، وبعدين يا تيتة انا لازم اعرف عشان أروح أقولها. جزت زهيدة على أنيابها بضيق: ابقي قولي ليها شغال موظف في الأدارة الزراعية، ولو سألتك عن حاجة تاني عنه، ابقى قولي ليها معرفش عشان هو راميني ومبيسألش عني فاهمة. امأت لها صفاء بحزن ثم مشت من أمامها: انا قولت ليها كدا يا تيتة فعلاً . زهيدة بضيق : وابقي قولي ليها أنه متجوز واحدة تانية ومهلف منها عيال وبحبهم إنما أنا بيكرهني. توقفت صفاء بحزن عند الباب: وانا كمان بكرهه ومش عايزه اشوفه. ابتسمت زهيدة بسعادة : جدعة يا صفاء وبعدين انا مش عايزاكِ تفكري فيه تاني ولا تسألي عليه خالص، وبعدين هو أنا قصرت معاكي في حاجة. رجعت صفاء تحتضن جدتها : لا يا تيته أنا بحبك قوي المس هى اللي سألتني بابا بيشتغل أيه وأنا أتفاجأت بالسؤال ومعرفتش أجاوب عليها عشان كدا جيت أسألك بس، متزعليش مني عشان انا بحبك وبعد كدا مش هجيب سيرته ولا هسأل عنه تاني. امأت لها زهيدة بسعادة: وانا كمان بحبك قوي يا نور عيوني وروح قلبي، يلا روحي غيري لغاية ما أغرف الأكل. ابتسمت صفاء بحزن : حاضر يا تيته. انتهت زهيدة من أعداد الطعام وتركته تهدأ حرارته قليلًا وذهبت تتوضأ للصلاة فأنتهزت سعاد أبنتها الفرصة وذهبت لحجرتها هى وحفيدتها وأغلقت الباب خلفها وأقتربت من صفاء تسحبها من يدها لتقف أمامهاوبدأت في تعنفيها بطريقة جعلتها ترتعد خوفًا منها. سعاد : أنتي يا مجرمة بتسألي على الزفت أبوكي ليه وأيه اللي فكرك بيه دلوقتي؟. ارتعدت فرائص صفاء بخوف : د د دي الميس هى اللي كانت بتسألني بيشتغل أيه وأنا معرفتش أجاوبها عشان أنا مش عارفه، فكنت بسأل تيته عنه. سعاد بحدة : لو سألتي عليه تاني ولا جبتي سرته أقسم بالله لروح أرميكي ليه يشغلك خدامة لمراته التانية فاهمة، وساعتها هتشبع فيكي ض*ب وبهدلة وهو ولا هيعملك حاجة ولا يبقى يروح يرميكي في ملجئ تتربى مع اللقط، ستك بتتعب لما سيرته بتيجي وانا اللي برجع اشيل الق*ف على دماغي تاني لو تعبت بسببك هموتك أنتِ فاهمة. لمعت عين صفاء بعبرات بريئة وهى تهز رأسها بنفي: ل ل ل لا يا خالتي مش هجيب سيرته تاني عشان تيته مش تتعب، بس ونبي متودنيش ليه. سعاد : لإخر مرة أمي عيانة وسيرة أبوكي بتزود عياها وانا بنبه عليكي لو جرالها حاجة هرميكي ليه فاهمة، وامسحي دموعك دي أنا مض*بتكيش عشان تعيطي شاطرة قوي في التمثيل ياختي. مسحت صفاء دموعها : حاااااضر يا خالتي مش هجيب سيرته ولا هزعل تيته بس خليني هنا و و و وأنا هسمع كلامك. سعاد : روحي كملي لبسك ومتخرجيش من هنا غير للأكل بس فاهمة. أمأت صفاء بفزع: حاضر يا خالتي . بعد الغذاء دخلت صفاء غرفتها لتجد بنات خالتها يجلسن بها يستذكرنا دروسهما، فخالتها لديها ثلاثة بنات وولد واحد بنت متزوجة واثنتان مازالتا يدرسان، انزوت في ركن الغرفة تبكي بخوف فجاء لها محمود أبن خالتها وهو يكبرها بعدة أعوام قليلة وجلس بجوارها يربت على يدها بحنو محمود : متزعليش يا صفاء أنا هكلم ماما واقول ليها معدتش تزعلك تاني. صفاء بخوف وهى تمسح دموعها : لأ يا محمود المرة اللي فاتت لما قولتلها زعقتلي كتير متقولش حاجة خالص عشان خاطري. أخرج محمود من جيبة قطعة شكولاتة. صغيرة : طيب لو مش عوزاني أقول مش هقول بس تاكلي الشكولاتة دي أنا عنتها ليكي من بتاعتي زي ما أنتِ بتعيني ليا من بتاعتك ماشي. صفاء بأبتسامة وهى تقبل وجنته : ماشي هخدها منك شكرًا ليك أنا بحبك قوي يا حودة. محمود وهو يرد لها قبلتها : وانا كمان بحبك كتير اكتر من سومه عشان هى بتزعقلي ومش بتجيب ليا شكولاتة زيك. استمعت سمية أبنة سعاد الوسطى أبنة ١٥ عامًا لحديث أخيها وأبنة خالتها وهى تقف في شرفة الغرفة فأغتاظت من أخيها فدخلت لهما وصرخت فيهما بغضب، وامسكت بيد محمود وصفاء تهزهم وعنفتهم بصراخ مما أفزع الصغيران. سمية : أنت يا غ*ي مبتحبنيش زيها هى مين اللي أختك فينا، هه بتحبها أكتر مني طيب واللهي لاربيك يا حيوان. ثم صفعته على وجهه فجرى مسرعًا من أمامها يبكي يشكي لوالدته منها، التفتت سمية بغضب لصفاء وصرخت بها هى الأخرى. سمية : أنتي أيه وباء حط علينا عايزه مني أيه تيتة مكنتش بتحب حد أكتر مني جيتي أنتي وخلتيها تحبك أكتر واحدة ودلوقتي خدتي أخويا كمان وشوية شوية تاخدي بقية أخواتي وماما وبابا كمان بالمرة، أنا بكرهك قوي. صفاء بذعر باكي : أنا معملتش حاجة مليش دعوة أنا مقولتش ليهم حاجة. جاءت سعاد مسرعة وهى تمسك محمود بيدها : في أيه يا سمية بتض*بي أخوكي ليه؟. سمية بغضب : ض*بته وهموته كمان عشان الزفتة دي عماله تشتم علينا وهو قاعد معها ويقول ليها بحبك أكتر من سمية. نظرت سعاد بغضب الى صفاء : تصدقي بالله لخدك دلوقتي أرميكي برة البيت ده، واود*كي لأبوكي عشان تتربي يا زبالة يا حيوانة. صفاء ببكاء : واللهي يا خالتي ما شتمت ولا قولت حاجة محمود كان. لتصرخ عليها سعاد بغضب : قولتلك اخرسي مش عايزة اسمع صوتك، صوتك بيعصبني وأياكِ تيجي قدام جدتك وتعيطي وتشتكي هموتك لو عملتي كدا فاهمة. هزت صفاء رأسها وهى تمسح دموعها بقهر لتفتح زهيدة الباب وتدخل عليهم. زهيدة بنظرة فاحصة : في حاجة يا سعاد بتزعقي ليه وصوتك طالع كدا؟. سعاد باضطراب ونظرت لصفاء بتوعد: هه لأ يا ماما دي صفاء كانت بتعيط عشان سمية زعقت ليها عشان لعبت الورق بتاعها وفي حاجتها بتاعت المدرسة فكنت براضيها مش كدا يا صفاء. أمأت صفاء رأسها لها دون حديث منها دليل على صدق ما تقول. زهيدة : معلشي يا سومة لسه صغيرة متعرفش حاجة وأنتي يا صوفة متلعبيش في حاجة أختك تاني ماشي يا حبيبتي. لمعت عين صفاء بعبرات حزينة : حاضر يا تيتة. جلست زهيدة على طرف الفراش وأشارت لصفاء لكي تأتي لها، فذهبت لها بخنوع وضعف من**رة من حناجر انطلقت عليها تقتل برائتها وتغتالها دون رحمة، مسحت لها زهيدة دموعها وهي تحتضنها. زهيدة : متزعليش يا حبيبة تيتة سومة مش هتزعلك تاني خلاص وانتِ متلعبيش في حاجة مش بتاعتك، شددت صفاء من أحتضان جدتها ودفنت وجهها في ص*رها علها تهدأ من روعها فهى الوحيدة التي تشعر من ناحيتها بالحب والحنان والأمان لها. وكذلك ظلت صفاء تصارع في منزل خالتها من أجل أن تحيا فقط دون أن يصرخ بوجهها أحد أو يلقى أحد اللوم عليها في ذنب لا دخل لها به.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD