الفصل الاول
وقفت حور جانباً بعيدا عن أنظار الجميع تتلصص على المشهد المؤلم الذي يكاد يفتك بها فها هو ذا زوجها العزيز يصطحب معه زوجته الثانية في رحلة عمله.. شهقة مكتومة خرجت منها ودموعها تتساقط بغزارة كما لم تنزل من قبل وتن*دت بحسرة فهي قد خسرت كل شيء فهي وهو متزوجان منذ أربعة سنوات ما أن تخرجت من الجامعة .. ولم يعرض عليها مرة واحدة أن يصطحبها معه لرحلات عمله التي تدوم بالشهور ألم يكن يشتاق لها وهل يشتاق لتلك المرأة التي تقف بجانبه وكأنها تمتلك العالم !!..يبدو أنه لن يقدر على ابتعادها عنه لذا سيصطحبها معه لتبعد عنه الضجر ليلا في أيام العمل الطويلة ويقضي معها ليال ساخنة لا يمكنها تصورها .., تسللت صور شنيعة في عقلها تتخيلهم سويا وهو يقبلها بشغف كما قبلها هي وحدها دوماً و.., وضعت يدها حول فمها تكتم أصوات بكائها التي تعالت.. رأت أوس ينهى توديع الجميع له هو و نهى زوجته قائلاً بحسم وبفراغ صبر لوالدتها :-
- "حسنا يا عمتي حان وقت الرحيل"
قالت والدة نهى وهى تبكى :-
"متى ستعودان يا بني؟.. سأشتاق لنهى كثيرا"
وهنا قاطعتها فاديه والدة أوس قائلة :-
"ومنذ متى نعرف متى يعود أوس يا محاسن أن العمل هو العمل وعليه متابعة أعمال العائلة هيا كفى عن النحيب فهذه ليست أول مرة تبتعد عنكِ نهى فهي كانت بالمدينة الجامعية أثناء دراستها"
تدخل سالم الهلالي والد نهى قائلاً :-
"توقفِ يا محاسن عن هراء النساء هذا وهيا اصعدي غرفتك فأوس تأخر وعليه الرحيل الآن"
ثم أضاف قائلاً لأوس :-
"هيا يا أوس خذ زوجتك واذهبا"
فقالت نهى لوالدتها بابتسامة مشرقة :-
"لا تقلقي يا أمي سأتصل بكى كل يوم"
ثم عانقتها سريعا وبعدها ركبت السيارة وبعدها رحلت كلا محاسن وفاديه ودخلوا القصر أما سالم وضع يده على كتف أوس قائلاً له بامتنان :-
"أنا أعرف يا ولدى أنني أثقلت عليك كثيرا و.. "
لكن أوس رد عليه مقاطعا بجدية مفرطة :-
"لا بأس يا عمى لا تقلق فلن يحصل سراج الأحمدي على تلك الصفقة وستكون قطعا وبلا شك من نصيبنا فأنا قد أخذت احتياطاتي جيدا فذلك الو*د لا ينفك يحاول جاهداً التنافس معنا لكنى أعرف جيدا كيف يفكر لذا أسبقه دوما بخطوات و.. "
قاطعه عمه وهو يهز رأسه قائلاً :-
"لم أكن أقصد العمل يا أوس"
ف*نهد أوس بفراغ صبر وربط على كتف عمه وقال بحسم :-
"حسنا سأذهب لا تقلق"
وركب السيارة وانطلق أما عمه نظر في أثرهم وهو يفكر. فتابعت حور كل هذه الحوارات المؤلمة بالنسبة لها ثم نظرت لحقيبة السفر المعدة التي بجانبها بأسى يا لسخرية القدر فهي منذ عشرة أعوام قد جاءت مع والدتها بحقيبتها ودخلت هذا القصر الشؤم وها هي اليوم تخرج منه فإن كان دخوله كان صعبا سابقا فالخروج منه أسهل بكثير .., فوالدتها المسكينة ظنت أنها ستكون بأفضل حال داخل جدران هذا القصر ومستقبلها سيكون الأفضل لذا داست على كرامتها وأتت ذليلة تطلب السماح لتعود مجددا تحت جناح عائلتها ...تذكرت حور حياتهما الدافئة مع والدها الذي كان يعمل ليلاً ونهاراً كادحاً من أجلهم
لقد كان من المفترض أن تتزوج والدتها من ابن عمها لكن شاء القدر أن تقع في حب موظف بسيط كان يعمل بشركة العائلة ووالدتها كانت ع**ها تماما كانت عنيدة ومتمردة ومفعمة بالحياة لذا ضحت بكل شيء وتزوجته ..فقد قصت عليها كم كانت سعيدة بقرارها ولم تندم عليه يوماً وسردت عليها تفاصيل عن حياتها وعن جدها جاسر الهلالي الصارم ,والمتعجرف فقد عامل والدتها بقسوة وحرمها من الميراث , وقد سبب الكثير من المشاكل لوالد حور عندما كان يستقر بعمل ما و كان يحرص على طرده من أي مكان مما سبب ذلك في رحيلهم تماما عن المدينة وتحسنت أحوالهم قليلا ووقتها حملت والدتها بها وعاشوا سعداء تحت كنف والدها حتى أصبحت في الثانية عشر من عمرها , وبعدها انقلب كل شيء رأساً علي عقب عندما تعرض والدها لذ*حة ص*رية أدت لوفاته فورا فتحولت حياتها هي ووالدتها لجحيم حقيقي فوالدها كان يوفر لهم المأوى والطعام وحياة دافئة دون ديون .., فاضطروا لترك الشقة الكبيرة المؤجرة والسكن بغرفة واحدة واضطرت والدتها للعمل فالمال قد نفد وقد عملت في كل شيء حتى عملت خادمة وكانت حور تشعر بالغضب وكانت تود ترك دراستها ومساعدة والدتها لكن هي لم تسمح بهذا أبدا ومرت الأيام وبالكاد كانا يتدبرا أمورهم لكنها كانت تعيسة فصحة والدتها تدهورت كثيرا في تلك الفترة التي عملت بها وأيضا كثيراً ما كانوا يؤون للفراش بدون طعام فالحياة كانت صعبة والحصول على المال لم يكن سهلا أبدا حتى أدخلتها والدتها بهذا القصر الشؤم فهنا تكمن تعاستها التي لا تنتهي وهنا تزوجت الرجل الذي تعشقه بكل كيانها الرجل الذى تزوجها ليحميها من بطش جدها الرجل الذى لم يحبها يوما.. ليت والدتها كانت على قيد الحياة كانت أخبرتها بما عانته من قسوة الناس بهذا المكان والذل والهوان الذي عاشته بعد أن ماتت .
أمسكت حقيبتها وخرجت من القصر دون أن تنظر ورائها فلم يعد هناك شيء يخصها هنا فحتى زوجها لم يعد يخصها بعد الآن بعد أن تزوج منذ أسبوعان من ابنة عمه نهى ..نهى الهيفاء الجميلة الفاتنة فهل يا ترى بعد أن ذاق تلك الحلاوة الصافية هل سينظر لزوجته الأولى عادية الجمال زوجته التي وضعها دوماً علي الهامش .., أغمضت عينيها بقوة وهي تقرر وت**م علي البدء من جديد بحياة تمسح بها اسم الهلالي من قاموسها تماماً
لكن رغماً عنها وهي تبتعد ظلت ذكريات من الماضي تداعب مخيلتها وتؤرقها ..وكلمات والدتها رحمها الله تتردد برأسها :-
"كوني قوية فتلك العائلة قاسية لا ترحم .., ولا أحد يعتبرك واحدة منهم كونك لا تحملين لقب الهلالي وسينتظرون لحظة وقوعك وسيقومون بالاستهزاء بكِ لذا لا تظهري ضعفك أبدا أمامهم كوني قوية خصوصا أمام جدك وأكملي تعليمك واستفيدي من كل شيء من تلك العائلة قدر المستطاع "
****************
قبل سنوات
تساقطت الأمطار ببطيء كقطرات الدموع فوق ذلك القصر المهيب بأحدي المناطق الريفية وتوقفت علي بابه امرأة تلاعبت السنون بوجهها رغم سنها الذي لم يتجاوز الخامسة والأربعون وجعلتها تبدو كامرأة عجوز وبجوارها وقفت فتاة شابة بالكاد يبلغ عمرها السادسة عشر وقد كان الانفعال المرتسم علي وجهها لا يختلف كثيراً عن كآبة الجو الممطر كالأمطار التي تساقطت من عينيها وهي تنظر لوالدتها قائلة بنحيب :-
"ماذا نفعل هنا يا أمي ؟..دعينا نذهب أرجوكِ "
بلعت المرأة ريقها بصعوبة ونظرت للفتاة قائلة وهي تحاول الابتسام بصعوبة :-
"هذا قصر جدك يا حور وعليكِ الاستماع لي جيداً الآن أنتِ بحاجة له ..كلانا بحاجة له حالياً "
صاحت حور بها بغضب قائلة :-
"كلا أنا لست بحاجة له .., قلت لك سأعمل ولن نحتاج له ولا لنقوده "
سقطت دموع والدتها أكثر وقالت لها بألم :-
"سوف أركع علي ركبتي وسأتوسل إليه من أجلك ومن أجل مستقبلك "
فها الزمن يدور وتنقلب الأدوار دوماً فهي منذ وقت طويل لم تعد تذكر عدده هربت من هذا القصر لتتزوج الرجل الذي تُحب ضد رغبة جاسر الهلالي والدها القوي المُهيب .., والمخيف , وقد كان والد حور يعمل بشركات العائلة العريقة التي لم تسمح يوماً بتاريخها الطويل بأن تتزوج أحدي بناتها بشخص خارج عائلة الهلالي لكن حور أخرجتها من أفكارها عندما قالت بتمرد وغضب :-
"لماذا يا أمي لماذا! ألم تخبرينِ أنكى لم تندمي يوما على الزواج من أبى"
ردت والدتها بحزن عميق وقالت :-
" أبدا لم أندم لحظة واحدة"
قالت حور بثورة وقهر :-
- "إذن لماذا تعودين لذلك المتعجرف القاسي الذي جردك من كل شيء؟.."
مسحت والدتها دموعها سريعا محاولة إخفائها عن حور وقالت بحسم :-
"فقط علينا العودة إلى القصر يا حور فأنا مضطرة لذلك فقط من أجلك فهنا ستكملين تعليمك وستعيشين حياة كريمة خالية من الفقر والحاجة ":-
قالت حور بغضب :-
"كلا لا أريد حياة كريمة أنا سعيدة معكِ هكذا وفقط دعيني أعمل فلا داعي لتكملة الدراسة فأنا لا أحبها وتوقفي أنتِ عن العمل وارتاحي فأنا قد وجدت وظيفة بالفعل يا أمي و... "
قالت والدتها بغضب :-
" توقفي أيتها الغ*ية أعرف.. لقد أخبرني عم حسن أنكِ طلبتِ منه العمل بالمصنع مع البنات"
قد كانت حور بالفعل بحثت عن عمل وكان جارهم حسن السبيل لذلك فهو يمتلك مصنعا كبيرا فأكملت والدتها بقهر :-
- "أتريدين منى تركك للذئاب البشرية والعمل بالمصانع كلا لن يحدث أبدا سوف تكملين تعليمك وتعيشين حياة كريمة"
قالت حور برجاء وهي تبكي :-
- "أرجوكى يا أمي لا أريد أن أعيش هنا ,ولا أحب جدي لا أريد الحياة هنا هيا نغادر فأنتِ هكذا ستعيشين معه ذليلة وسوف تنسين أبى وتعطيهم الفرصة للسخرية منه وقول كلام سيء عنه "
قالت والدتها بانهيار :-
"ا****ة يا حور هل يعجبك ما نحن به !!..نأكل وجبة واحدة باليوم وننام بمكان رث.. حبيبتي أنا أشعر بكى كيف لا ترتدين الملابس الجميلة كزميلاتك وأنتِ لا تتذمرين أبدا هذا يقتلني ابنتي"
وسقطت الدموع من عينيها فقالت حور بألم :-
"بل أطيق كل هذا فقط ارتاحي ودعينِ أعمل"
قالت والدتها بحسم :-
"لا..."
وبعدها وبدون مقدمات رنت جرس القصر الكبير ..مسحت حور عيناها وهي تشعر بالمعاناة وان**ار والدتها وعندما دخلوا القصر المنيف وقف جدها المتعجرف والرفض ي**و ملامحه قائلاً بقسوة :-
"كيف جرؤت علي أن تخطي بقدميكِ بهذا المكان مجدداً ؟.. "
وكاد أن يطردهما وفجأة جثت والدتها على قدميها وقالت له بان**ار:-
"كنت مخطئة يا أبي لقد كنت...مخطئة أرجوك سامحني أرجوك تقبل ابنتي كحفيدتك"
رد جاسر الهلالي قائلا بقسوة :-
"كلا أيتها الفاجرة ارجعي من مكان ما أتيتِ لن أتقبلك أو أتقبل تلك الفتاة أبدا"
قالت والدتها وهى مازالت تجثو :-
"أرجوك يا والدي لقد كنت مخطئة .. أتيت اليوم لأعترف بخطأي أرجوك فأنا مريضة وعلى فراش الموت"
******************
بعد أربعة أشهر ...
"ها قد وصلت ابنه الفاجرة سلمي الهلالي هل علينا احتمال تناول الطعام معها كل يوم علي مائدة واحدة ؟.."
قالت هذا الكلام احدي بنات أخوالها بوقاحة فضغطت حور علي أسنانها بقسوة وبكل برود جلست بجوار هذه الفتاة فهي تقطن بذلك القصر اللعين منذ أربعة أشهر كاملة وحيدة دون ظهر ودون أمان ولا حنان فوالداتها الحنون لم تتحمل المرض كثيراً ووافتها المنية تاركة إياها لبشر قساة يلوكون ألسنتهم بسيرتها قائلين رأيهم بها بكل وقاحة دون الاعتبار لمشاعرها لكنها تعلمت الدرس من والدتها فإن كان ل**نهم عقرب سام فهي ببرودها ستثير غضبهم ولن تجعلهم يسعدون بانتصارهم عليها أبداً وبالرغم من أنها هنا منذ فترة طويلة لكنها لازالت لم تحفظ أسماء بنات وأولاد أخوالها جميعاً فهم جميعا يعيشون داخل هذا القصر الشاسع الذى لا تعرف بدايته من نهايته بسبب حجمه المنيف والكل يتجمع حول مائدة الطعام كل يوم وجدها المصون يعاملها أقرب لخادمة عنده فقط يأمرها ويصيح بها بسبب ودون سبب حتى بعزاء ابنته سلمي لم يهتم بمواساتها لا هو ولا أي أحد لذا تعلمت العزلة والوحدة لتعتاد علي حياتها الجديدة معتمدة علي ذاتها فقط ولحسن الحظ كلف جدها سالم الهلالي خالها بنقل أوراقها للمدرسة الموجودة قريباً من القرية وجدها كان يعطيها بعض النقود وكأنها تتسول كل أسبوع لتتدبر أمورها بالدراسة .., وهي بدأت تتأقلم مع حياتها الجديدة وغرفتها كانت تطل علي إسطبل القصر لذا المنظر كان ممتعاً ولم تكره تواجدها في الغرفة طوال الوقت فهذا أهون كثيرا عليها من رؤية أفراد تلك العائلة الكريهة علي مائدة الطعام كل يوم فهي مضطرة لتناول الوجبات حتى إن لم تكن جائعة فهي لن تنام جائعة بعد اليوم فلتحصل قدر المستطاع من مميزات ذلك القصر صحيح هي وحيدة بينهم لكنها لن تكون مثيرة للشفقة أبدا فهي ستأكل معهم ورأسها مرفوعة ولن تعبئ بأحد فنظر إليها بنات أخوالها بق*ف وأحدهم تقول بغيظ :-
"باردة وكريهة أنها حتى بدأت بتناول الطعام قبل أن يحضر جدي "
مضغت حور الطعام بغضب وهي تود لو تش*ه لهذه الفتاة وجهها كلياً وعندما سمعت خطوات الجد تقترب وجدت نفسها تترقب مجيئه دون أن ترفع رأسها عن طبقها ولم تنهض لاستقباله كالباقين فقالت فاديه زوجه خالها سامر بغضب إليها :-
"أنهضي أيتها الغ*ية احتراماً لجدك "
فنظرت لها حور دون أن تنطق بكلمة ثم نهضت وهي تستمع لتوبيخ جدها الذي قال :-
"بنت عديمة الربا فلقد رباها موظف فقير حقير وليس أحد أبناء الهلالي "
ثم أشار للجميع بالجلوس علي المائدة فقالت أحدي بنات خالها بوقاحة عندما وجدت حور لا ترد علي شتائمهم الب**ئة :-
"أنها لا تحمل لقب الهلالي يا جدي لماذا إذاً لا تطردها من القصر فصلتها بالعائلة انتهت مع وفاة والدتها "
فقال الجد وهو ينظر لحور بغضب :-
"لقد توسلت سلمي لي كي أعتني بها وأنا مضطر لهذا حتى لو لم أكن أريده "
وهنا نهضت حور وقالت ببرود أغضب الجميع :-
"لقد شبعت تمتعوا بوجبتكم "
ثم غادرت المائدة وهي تكاد تختنق وتشعر بالموت وروحها يتم استنزافها كلياً بهذا المكان ..
ذهبت لغرفتها وظلت تنتحب ب**ت وتشعر بالدونية فالكل هنا ينبذها والحياة لم تكن سهلة بالنسبة لها لتواجه كل يوم كل تلك الوجوه البغيضة لذا اليوم لن تنزل لوجبة العشاء وستظل حبيسة غرفتها طوال اليوم من فترة بعد العصر للساعة التاسعة ليلا حين ينتهون من العشاء ويذهب كلا منهم لشأنه حتى تتمكن أن تنزل الاسطبل وبالفعل ظلت داخل غرفتها كل هذا الوقت على الرغم أنها سمعت جلبة بالقصر وسمعت أصواتهم وكأنهم يحتفلون بشئ ما لكنها لم تعبئ وعندما حل الليل نظرت من النافذة علي الإسطبل وهي تتن*د بألم لذا تسللت علي الفور سوف تأخذ نزهة علي حصانها المفضل وبالفعل ذهبت لكنها لم تجد عم عثمان المسئول عن المكان فهو رجل طيب عاملها دوماً برفق كابنته وهي تحب النزول دوماً للتحدث معه ومراقبة الخيول وأخذ نزهة علي متن أحدها رغم تحذير عم عثمان لها بان لا واحدة من بنات الهلالي تجرؤ علي ذلك لكنها لم تهتم وقالت له وقتها لتشا**ه :-
"أنت لن توشي بى أيها الرجل العجوز أليس كذلك ؟.."
فضحك عم عثمان وقال لها بحب أبوي :-
- "بالتأكيد لن أفعل "
فنظرت للفرس الذي تحبه ثم فتحت الباب وأخرجته واعتلته بسرعة فهي بحاجة لنزهة تخرج بها طاقتها السلبية التي تكاد تقضي عليها بهذا المكان وجرت به وسط الظلام بحدائق القصر الفسيحة وشعرت بالهواء المنعش يداعب وجنتها لكنها لم تكن تنظر أمامها فقد كانت عيناها متورمة من كثرة البكاء لذا أغمضتهما وتركت النسيم العليل يداعب وجنتيها بنعومة كعاشق يداعب محبوبة و فجأة شعرت بالفرس يسرع بطريقة غير عادية ففتحت عينيها بسرعة ونظرت أمامها فوجدت فرس أخر يعتليه شخص ما والفرس عندما يري فرس غيره يسابقه يبدأ في زيادة سرعته دون تفكير تباً فهي لم تكن مستعدة لتلك السرعة الشديدة ولم تعتاد عليها ووجدت نفسها تفقد السيطرة تماما وقد فقدت لجام الفرس في لحظة ..شهقت عاليا وحاولت باستماتة التمسك برقبة الفرس دون فائدة وبعدها أغمضت عيناها فهي ستقع من علي ظهر الفرس لا محالة وربما هذه النهاية بالنسبة لها ..شعرت بالقهر فهي لم تعش حياة طبيعية وعائلتها تنبذها كأنها وباء عاشت وحيدة وأيضا ربما هذا الفرس وجد أنها لا تستحق الحياة فقرر إنهاء حياتها استسلمت بهدوء وبدأت في البكاء بهسترية فلا أحد يريدها في هذه الحياة وستموت وحيدة تباً إنها تشعر إنها تنزلق بسرعة البرق وهنا حدثت المعجزة ففجأة شعرت بيد فولاذية تسحبها بقوة ففتحت عيناها ببطء لا تصدق ما يحدث لقد تم إنقاذها من قبل الشخص الذي كان يعتلي الفرس الأخر لقد أعطاها ربها فرصة أخري للنجاة وجدت نفسها تبكي كما لم تبكي من قبل وتعالي بكاؤها وفي لحظة واحدة وجدت نفسها تعتلي الفرس الأخر أمام الشخص الذي أنقذها وبعدها أوقف هذا الشخص الفرس بهدوء وحملها وكأنها لا تزن شيئا وانزلها ببطء و هي كانت تبكي وكأن كل القهر والذل الذي عانته و كتمته الفترة السابقة قد تم إطلاق عنانه كالسيل الآن فقط فسمعت صوت رجل أجش يقول بنبرة فاقدة للصبر :-
"توقفي الآن عن البكاء"
نبرة صوته كانت مخيفة و كان بها أمر قاطع كشخص اعتاد إطلاق الأوامر كجدها لذا توقفت بالفعل وفتحت عيناها ونظرت إليه فوجدت شاب شاهق الطول مفتول العضلات فعضلات يده تبرز من القميص الذي كان يشمره قليلا وخصلات شعره كانت مبعثرة بعشوائية علي وجهه بسبب ركوب الخيل ووجهه ! لم تري بوسامته من قبل , بينما عيناه زرقاء كزرقة المحيط وأنفه مستقيم في إباء وغرور يجعل الناظر إليه يشعر بصغره أمام هذا الكيان المهيب و شفتيه بارزة بجمال وكأن رسام محترف قد رسمها بدقة ماهرة أما ملامحه كانت قاسية صارمة حادة وكأنه شخص لا يعرف المزاح .., وعلي الرغم من وسامته الشديدة كانت تحيطه هالة مخيفة بدرجة أشعرتها بأنها لا تريد التوقف عن النظر إليه ما هذا الكمال الذي تراه لم تري شخصا واحدا يتجمع به هذه كل الصفات سوي المشاهير وعارضي الأزياء فظلت تنظر إليه كالفأر المذعور وكانت عيناها محتقنة من كثرة البكاء فوجدته يقطع حبل تأملها بأن قال بهدوء :-
- "من أنتِ بالضبط !!..وكيف لفتاة امتطاء الفرس بالدوار؟.."
فهم يطلقون لقب الدوار علي هذا القصر المنيف فقالت رداً عليه بتلعثم وخوف :-
"أنا.. أنا ... "
أشار بيده بسخرية و قال بفراغ صبر:-
- "أنا في الانتظار ..أنتِ ماذا هيا تكلمي"
فبلعت ريقها وفكرت بتوتر أليس من المفترض أنها هي من عليها أن تسأله عن كنهه فقالت بتوتر :-
" أنا حور ابنة سلمي الهلالي "
نظر لها باهتمام وإن شابت نظراته بعض السخرية مما جعلها تشعر بالصغر أمامه وقبل أن تسأله بعجرفة عما يكون هو وجدته يقول :-
"يا الهي يبدو كما سمعت أنكِ متمردة كوالدتك تماما"
نظرت له بدهشة وبالرغم من هذا قالت بحياء :-
"هل تعرفني !!..لكن من أنت؟.."
رفع رأسه بإباء و قال :-
"أنا أوس ابن خالك سامر"
أوس حقاً هل هذا هو أوس !!.. يا الهي لذلك كان هناك جلبة بالقصر بعد العصر لقد عاد .. إنها تعرفه فليس لديهم حديث غيره بين أحاديثهم الجانبية التي لا تشاركهم بها طبعاً أوس سامر الهلالي الذي يكمل تعليمه بالولايات المتحدة الكل يفتخر به وخصوصا جدها يتكلم عنه بفخر شديد وعن كونه شخصية عبقرية وأنه سيكون خليفته إن استطاع إثبات نفسه علي صعيد العمل مع عمه سالم الهلالي فهو من يترأس مجموعة الشركات حالياً تحت توجيهات الجد أما باقي أخوالها فلديهم أعمال مختلفة مستقلة لذا كانت من كلام الجميع عن أوس تريد رؤيته وها قد رأته فهو ..انه كيف تصفه ..لقد ضاعت منها الكلمات فهو قد أنقذها من الموت للتو وجدته يحدق بها بنظرة مفصلة فعدلت من شعرها المجعد الطويل جدا ليصل أسفل ظهرها و الذي كان يتطاير حول وجهها وقد كانت ترتدي الجينز وقميص رجالي كانت تشمر أكمامه وشعرت بالخزي مما ترتدي فهي تبدو ق**حة وهي تعلم هذا جيدا وجدته يقول بنبرة مخيفة مهددة :-
"والآن اشرحي لي كيف انتهي بكِ الأمر معتلية الخيل وأيضا بدون حجاب "
فقالت بتلعثم وهي قلقة من أن يشي بها :-
"أنا..لقد كنت ..فقط أتنزه قليلاً "
قاطعها مكملاً بنبرة مخيفة باردة كالصقيع :-
"ا****ة أنتِ ماذا..تتنزهين !! كيف لفتاة من عائلة الهلالي أن تفعل هذا وتتشبه بالرجال لقد جننتِ حتماً هل يعلم جدي بهذه المهزلة ؟.."
عندما سمعت كلمة جدي شعرت بالذعر لدرجة أنها كانت ترتعش وهي تتحدث ووجدت نفسها تقول له برجاء :-
"أرجوك لا تخبره فلو فعلت هو لن يدعني وشأني"
نظر لها و تعجب من حالها وشعر أنها تنتحب دون صوت لكن أليس جده يدلل بنات الهلالي دوماً فما سبب هذا الخوف الغريب الذي يستشعره من هذه الفتاة ؟..فاقترب منها قليلا و هي كانت خائفة لا تريد جدها أن يمسك ذلة لها فهي لن تخفض رأسها له أبدا تريد أن تكون قوية ولا تريد الخضوع له أبدا وأيضا خائفة من عقابه فربما يمنعها من الدراسة أو يقطع عنها المصروف .., فجأة شعرت بيد دافئة حول وجهها تبعد خصلات شعرها خلف أذنها ففتحت عيناها العسلية الصافية ورمشت برموشها الكثيفة الطويلة جدا لا تصدق ما يحدث فابن خالها أوس الهلالي يضع كلتا يداه حول وجنتاها ويقول بنبرة دافئة :-
"حسنا اهدئي لن أخبره لكن في المقابل عديني ألا تفتعلي المشاكل مجددا"
عندما نظرت إليه وجدت أنه يحدق بعيناها بطريقة غريبة وظهر عليه بعض التوتر وبعدها أبعد يداه برفق بعيداً عنها وسألها :-
"أنتِ بالمرحلة الثانوية أليس كذلك ؟.."
هزت رأسها وهي تتوه بنظرات عينيه قائلة بحماس :-
"نعم هذه أخر سنة لي قبل دخول الجامعة "
ابتعد عنها قليلاً وتنحنح قائلاً ببعض الحدة :-
"إذن لا تخلعي حجابك أبدا ولا تظهري شعرك مجددا لأي مخلوق اتفقنا "
شعرت بالحرج بشدة فهل شعرها الطويل المموج ببعض التجاعيد ق**ح لتلك الدرجة كي ترتدي الحجاب بينما بنات أخوالها بلا حجاب فهزت رأسها وردت قائلة بتهذيب :-
"حسنا لن أخلع حجابي مجددا وشكرا لك"