الفصل الثاني :

1747 Words
انتظار وصول ميّا امتد بدل الدقائق الى عشرين دقيقة.. تدرك بان الامر خارج عن ارادتها وهو شيء اعتادت عليه معها.. فاسترخت في مكانها عند حدود الطاولة.. حيث تجلس منتظرة صديقها ليتناولا العشاء معاً كما سبق واتفقتا.. في مطعمهما المفضل . تعود بذاكرتها لمجريات اليوم للمفاجأة التي تلقتها حين عرفت بان مالك شركة ما**يم ماهو الا غافن ريدفورد .. غافن كان رجل متمرس يعرف تماماً مايفعله.. هذا ما شعرت به.. خلال لقائهما الاولي.. منظم وشديد الحرص على ابقاء كل شيء قيد التحكم.. حتى نظرات عينيه.. كلماته واهتمامه.. كل شيء كان يعود لقيد السيطرة حين يود هو ذلك.. " مساء الخير " قاطع شرودها وصول ميا فمنحتها ابتسامة لطيفة تراقبها وهي تجلس مقابلاً لها عند الطاولة " تاخرت اعرف " " لاداعي للسؤال عن السبب " " صحيح " ورفعت ميا حاجبيها بسأم ثم نادت على النادل " انا جائعة جداً " " وانا ايضاً.. كيف كانت جلسة التصوير ؟ " " لاتسالي حتى.. من الجيد انه سيبتعد في عطلة الاسبوع.. سارتاح منه قليلاً " ضحكت ايفان لردها واستندت بيديها الى الطاولة امامها لتغدو اقرب من ميا " ستبقين هنا في عطلة الاسبوع ؟ انا انوي زيارة والدتي " " وانا افكر بفعل ذلك.. اود ان ارى عائلتي " هزت ايفان راسها موافقة ثم طلبتا الطعام من القائمة.. " كيف كان اللقاء الاول مع مالك الشركة ؟ " " حصل امر غريب اليوم " عبست ميا متسائلة تبعد شعرها البني الغامق عن جبينها وتهمهم " ما الذي حصل ؟ " روت لها ايفان ماحدث خلال اللقاء.. واخبرتها بانهيار شركة ما**يم العالمية فجاة " ماذا ؟ " هزت براسها مؤكدة الاخبار.. " مالك ريدفورد للمجوهرات هو المالك الجديد.. رجل خطير.. هذا ما شعرت به خلال لقاءنا " انفاسها تسارعت لمجرد تذكر ملامح غافن.. صوته الاجش العذب ونظراته الدقيقة التي تسلب العقول.. وتلك الابتسامة الساحرة التي راح يغدق بها عليها كل حين.. " بحق السماء.. حقاً؟. نفس الرجل الذي التقيته في عرض الازياء.. ذاك الرجل؟ " اومات موافقة تطلق تنهيدة عميقة خرجت متوترة قلقة فجذبت اهتمام صديقتها المقربة " لما القلق ايف؟. انت عارضة ممتازة خبيرة بما تفعلينه... مابك ؟ " " اشعر به يؤثر سلباً على وجودي.. يثير في القلق " " حقاً.. لكنك لاتعرفيه حتى ايف " ودققت ميا في ملامحها اكثر فنحت ايفان وجهها بعيداً وراحت تراقب ما حولهما في المطعم... تود ان يختفي هذا التوتر الذي تشعر به داخلياً كلما تذكرت غافن او سمعت صوته يتردد في اذنها.. ترى ما خطبها ؟. لما يترك هذا الاثر بداخلها.. ؟. صباح اليوم التالي ذهبت بزيارة سريعة الى مكتب الوكالة.. لتلتقي بالسيدة روبين هناك.. والتي استقبلتها بترحاب حار جداً.. وبعد حديث مطول معها اطلعتها على سير ما حدث خرجت من هناك لتتلقى اتصال من بيتر يسالها ان تنضم اليه في المقهى ليشربا معاً كوب قهوة ويتحدثان بمجريات ما حصل.. " احقاً لم تكن تعرف ؟ " " اقسم لا.. قصة الدمج هذه فاجئتني مثلك.. لا اصدق بان شركة ما**يم انهارت وبيعت!!" وهز براسه لايصدق.. ف*نهدت ايفان ورفعت كوب القهوة الى شفتيها لترتشف منه " لكنني بت اعرف الان لما كل هذا الفضول حولك من غافن " " فضول ؟!! " ووضعت فنجانها بتمهل على الطاولة فيما يجيب صديقها " اجل.. الفضول.. لقد اتصل بي في اليوم الثاني للعرض.. بعد لقاءكما هناك.. " " اجل اذكر اللقاء.. لما اتصل بك ؟ " رفع يده يفرك خصل شعره البينة الطويلة.. يجيبها بصوت جاد " كان يسالني عنك اكثر.. في اية وكالة تعملين وان كان لد*ك عروض عمل حالية " " امممم.. الم تتساءل انت عن سبب كل هذا؟" " فعلت مؤكد " وحمل كوب قهوته " وسالته عن سبب كل اسئلته.. قال بانك اثرتي فضوله ويود ان يعرف المزيد عنك " رفعت ايفان حاجبيها باستغراب وعبثت بحافة كوب شرابها الساخن.. اهو فضول او مجرد عمل ام شيء اخر ؟. هي لم تعد تعرف حقاً !! " لما القلق ايفي؟. غافن رجل جيد جداً.. محترم وجدي وعملي.. صدقيني سترتاحين معه في العمل " بللت ايفان شفتيها ونظرت اليه لثوان صامتة شاردة ثم تن*دت واجابت " لا اعرف.. حقاً بيتر.. لكن.. نظرته والطريقة التي تحدث بها معي.. اقلقتني " " لا.. لا تقلقي.. كل شيء سيكون على ما يرام.. انها فرصة عمل ممتازة لك ايفان.. انت تحتاجين هذا العرض.. سيكون انطلاقتك لعالم الازياء " " اعرف.. وانت على حق.. الضمانات والسعر المقدم.. كل شيء في العرض مثالي لدرجة مخيفة " ابتسم بيتر بتهكم ومد يده ليربت على يدها " توقفي عن التشكيك بكل شيء اذاً.. خذي نفس عميق واسترخي.. حلمك بات على وشك التحقق.. ستكونين الوجه الاعلاني لاكثر العطورات شهرة في العالم " ردت ايفان ابتسامته باسترخاء.. وهمهمت له " شكراً بيتر.. انت السبب بوصولي لهنا " " لا ايفي.. انه تعبك انت وجهدك.. انت تستحقين حبي " امام كلماته **تت تمنحه نظرة ممتنة رقيقة ثم تعود لتناول شرابها.. صباح اليوم التالي انطلقت باكراً بسيارة اجرة متجهة نحو الضاحية الغربية للعا**ة.. بزيارة اعتيادية لتفقد والدتها.. تحمل بين يديها علبة من الشوكولا السوداء التي تحبها.. تراقب تعاقب المشاهد الخارجية الطبيعية وهي تخرج من جو العا**ة الخانق نحو الطريق الفرعي الريفي.. ص*رها يضيق بتوتر يلازمها كلما قامت بهذه الزيارة.. فهي لن تعتاد ذلك يوماً على مايبدو.. وكم تتمنى لو تستطيع تغيير قدرها في هذه الحياة.. قدرها وقدر والدتها ومعاناتها التي مرت بها.. وضمت فمها تكتم تنهيدة **يرة كادت تغادر شفتيها.. كم من الممكن للمظاهر ان تخدع.. فهي كما يقال عارضة الازياء المغرورة.. يرونها هكذا في وسائل الاعلام والمجلات.. اهذا يعني بانها ممثلة بارعة بقدر براعتها في عملها؟. فهي قادرة على اخفاء كل هذا الكم من الالم والحزن الذي عاشته ولاتزال تعيشه بسبب احدهم.. رجل كان يدعى يوماً والدها.. الطريق امتد لساعة كاملة حتى انتهى اخيراً امام البناء الكبير.. حيث ترجلت ايفان ووقفت تحدق براس مرتفع مدققة بالمكان.. ثقل كبير يقبع على رئتيها معطلاً انفاسها وحزن عميق **ى عينيها.. تتململ اخيراً في وقفتها وتتقدم باتجاه باب الدخول الرئيسي.. " امي.. مرحباً.. لقد احضرت لك الشوكولا التي تحبينها " ودنت من مكان جلوسها.. تراقب ظهرها المسمر ووجهها المحدق بالمنظر الخارجي من النافذة.. تتخذ الكرسي المجاور للكرسي المتحرك الذي تقبع عليه وتمد يد مترددة لتلاطف خصل شعرها المنسدلة بفوضوية " ماما!!. هذه انا.. لقد جئت " استرعت انتباهها اخيراً.. فنحت وجهها عن النافذة لترتد اليها.. في عينيها نظرة باردة ناقدة.. وملامحها التي تشبه الى حد كبير ملامح ايفان باتت اكبر واكثر جهداً من المرة السابقة التي كانت بها هنا.. " هذه انا.. ايفان.. ابنتك " وابتسمت لها بوهن تلاطف وجنتها.. فتضيقت حدقتي نيلاي اكثر وهي تدقق بها.. " من.. من انت ؟ " نطقت اخيراً بصوت جاد حانق فانسدلت يد ايفان بعيداً عن وجنتها.. لم يختلف هذا اليوم عن سابقاته.. لم تتذكرها قبلاً ولن تفعل الان.. دموع دافئة ملات مقلتيها.. وغصة شائكة خنقت حنجرتها ف**تت لا تجيب.. تعطيها علبة الشوكولا فقط وتتامل ملامحها السعيدة لذلك.. على الاقل هي لاتزال تتذكر حبها لهذا النوع من الحلويات.. بدات نيلاي بتناول الشوكولا على الفور.. بنهم واضح وعينيها تراقبان الخارج من جديد وكانها تنتظر قدوم احدهم.. فيما تقبع هي بقربها صامتة متاثرة.. قلبها يأن الماً على الانسانة الاغلى في حياتها.. كيف وصلت الى هنا.. وبسبب من ؟. بسبب الحب.. " بول لم ياتي.. هل اتى معك بول ؟ " سالتها والدتها بعبوس وهي تقضم من الشوكولا فبللت شفتيها تجيب بصوت اجش خافت " لا.. لم ياتي معي هذه المرة " " لماذا ؟ " " لديه عمل مهم.. في المرة القادمة " هزت راسها موافقة لكن الالم ارتسم في محياها.. لازالت تنتظره رغم مرور كل هذه السنوات.. من الجيد انها لاتذكر ما الذي فعله بها.. وكيف رماها في هذا المصح حين بدات تصاب بخرف مبكر.. فور نسيانها لبعض الامور وضعها هنا بحجة العلاج.. ثم ابتعد وابتعد.. ونسي امرها تماماً.. " انت جميلة جداً.. ما اسمك ؟ " عادت لتركز على والدتها تمنحها ابتسامة مريرة مجيبة : " ايفان.. اسمي هو ايفان " " اسم جميل.. كما انت " ولاطفت وجنتها بحركة خاطفة اوقفت انفاس ايفان تاثراً " شكرا على الشوكولا " " انت على الرحب " وضمت فمها المرتعش تاثراً ترف بجفنيها لتطرد الدموع بعيداً.. كم يؤلمها ان ترى المراة التي افنت حياتها لاجل تربيتها وتعليمها تقبع هنا منسية وحيدة.. لاتذكر من تكون ولا من اين جاءت.. كم كان القدر قاسياً معها!!. كما في كل زيارة تحضرها.. اقامت ايفان في الفندق القريب من المركز الخاص الذي تقيم والدتها فيه.. حجزت غرفة واستبدالت ملابسها ثم قبعت على حافة السرير ب*عر مبلل اثر حمام سريع لتاخذ نفس طويل معلنة انتهاء يوم شاق قاسي.. يحيط بها الظلام فلا يتخلله الا عدة اشعة من الضوء الصغير بقرب السرير.. ينع** لونه على خصل شعرها الشقراء ليغدو كشعاع شمس في يوم صيفي دافئ.. وكم تود الشعور باشعة الشمس في يوم صيفي.. كم تود الشعور بالدفئ.. بالحياة.. واغلقت جفنيها الثقيلين.. مستعدة لفعل اي شيء مقابل ان تتذكرها والدتها ليوم واحد فقط.. لكن ذلك لن يحدث.. وفي كل زيارة تغدو اكثر يقيناً من استحالة حدوث اية معجزة.. رنين هاتفها الخاص ايقظها من شرودها.. تتوقع ان تكون ميا كما في كل عطلة اسبوع لتسالها عن حال امها وتتفقد وضعها النفسي.. لكن الرقم لم يكن لميا.. كان رقم غريب لا يحمل اسماً.. بتقطيبة مستغربة فتحت ايفان الخط لتجيب " الو.. ؟ " " مساء الخير " تسلل صوته العذب الى مسامعها مثيراً فيها رعشة جديدة غريبة.. تمتزج ببعض القلق والقليل من اللذة.. ايمكن لصوت رجل غريب ان يفعل هذا بها.. مجرد كلمة واحدة ؟. تباً.. " أ.. سيد ريدفورد ؟!! " " بذاته.. كيف حالك انسة جول ؟ " من جديد يناديها انسة جول!!. واخذت نفس عميق تبلل شفتيها وتجيبه " انا بخير.. وانت ؟ " " بافضل حال.. اعتذر لاتصالي بوقت متاخر وفي عطلة الاسبوع " " هل هنالك خطب ما ؟ " سالته وهي تمرر اصابعها في خصل شعرها المبللة تسمعه يطلق تنهيدة عميقة ثم يجيب " لا.. انا.. اني فقط اردت سماع صوتك.. و.. اعني اردت ان اذكرك بلقاءنا يوم الاثنين مع فريق الاعلان في الشركة " لما تسمع التوتر في صوته.. وكانه يود قول شيء ما وفي الوقت عينه لا يريد.. ما خطب هذا الرجل!؟. " انا لم انسى.. ساكون هناك في الموعد المحدد " " هل افسدت سهرتك ؟. انت في الخارج ؟ " " لا.. انا لست في العا**ة.. انني باجازة خارج العا**ة " " اها.. اعتذر.. يبدو باني اتصلت في وقت غير مناسب " " لا.. لامشكلة " ارادت ان تساله كيف حصل على رقم هاتفها.. ثم تذكرت بان الامر سخيف.. هنالك مئة طريقة ليفعل.. " اتمنى لك عطلة هانئة.. اراك يوم الاثنين " " ولك ايضاً " " وداعاً ايفان " " وداعاً " همهمت وهي تغلق الخط.. ايفان ام انسة جول ؟ هي لا تفهمه.. وحدقت بالهاتف بين اصابعها بعبوس.. امن الطبيعي ان يتصل مالك الشركة ليؤكد موعد اللقاء..؟. ام على مساعدته فعل ذلك.. وفي وقت خلال النهار ؟. حسناً.. وتن*دت.. هنالك شيء خاطئ يجري هنا.. هذا مؤكد..!!!. وماكادت تتعمق في تساؤلاتها حتى عاد رنين الهاتف بين اصابعها مؤكداً اتصال ميا هذه المرة فقبعت في السرير تتحدث اليها عن سير اليوم ومافعلته بالترتيب ثم تنصت اليها ايضاً وهي تروي ما مرت به مع عائلتها..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD