الطعنة الأولى:
زارتني أمي ببيتي و بعد سنوات عدة من زواجي, كانت سما بالسابعة من عمرها و لم ترى جدتها إلا لماماً. جائت أمي محملة بهدية رخيصة لسما, دمية بلاستيكية متوسطة الحجم, سما ترفعت حتى من لمسها فقد كنت أبتاع لها الأل**ب الأصلية من الخارج. قبّلت إبنتي بإدعاء لا يخفى علي و راحت تسألها عن دراستها المكلفة بالمدرسة الأجنبية و المسافة الشاقة التي تجتازها يومياً من الزقازيق للقاهرة لأن المدرسة بمدينة العبور .
تهدجت أنفاس أمي من الثرثرة الغير مجدية فسحبت سما عن فخذها, فإبنتي بدورها تمللت من هدهدتها و هي بتلك السن و طلبت منها شيئاً ساخن لجدتها .
خرجت سما و حينها نطقتها أمي سريعاً :
- انا مزنوقة في قرشين يا وجيه .
- كام ؟
- 300 ألف جنيه .
- عايزاهم في إيه ؟
- في أرض ورا المزرعة معروضة للبيع هتزود إنتاج المزرعة 300% عايزة أشتريها أنا معايا 330 ألف و بفلوسك 600 يا دوبك تمن الأرض .
و كانت تلك فرصتي للقصاص رغم أن المبلغ ليس بحوزتي و لكن قلت :
- خلي فلوسك معاكي هدفع المبلغ كله مقابل نص المزرعة.
قالت بتهكم :
- نصيبي يعمل 2 مليون عايزه بــــ 650 ألف ؟!
- نص المزعة كلها .. انا عارف إنها بتخرب على دماغك أنتي و شريكك و عليكوا ديون لطوب الأرض و فاكرة إنك لما تشتري الأرض هتظبط معاكي .. كلمي شريكك هيوافق و أنا فلوسي جاهزة .
و خرجت غاضبة من منزلي داعية الله بحرقي حياً بطائرتي إنما بالمساء جائني شريكها و زوجها بال*قود, أما عن النقود حدثت كل زملائي للإستدانة إنما لم أجد لدى نفراً منهم نصف المبلغ فلجأت لمالك و رغم أن صداقتنا لم تكن قويةكما الحين أمَّن لي المبلغ و أمهلني سنة لردهم بلا صك واحد لتأمين نقوده بذمتي, جائتني النقود مع عميد عائلة المنشاوية بالزقازيق و تلك منزلة كبيرة أن يزورني ببيتي مالك نصف الزقازيق تقريباً و صاحب المجلس العرفي الوحيد بالزقازيق و المنعقد بداره للشئون القضائية المستعصية و الخلافات العائلية.
أمست المزرعة و سر عذابي لسنوات ملكي أخيراً و حينها باشرت بالقصاص لما أرسلت عماد للعمل بها لمراعتها بأكملها كما إشترطت بال*قود, أمي و زوجها لم يعد لهم كلمة أو عمل للبت في أمورالمزرعة, أما عماد لم يخيب ظني به و بشهور قلائل صعد بالمزرعة من الحضيض للعلا حتى أنه ترك عمله كمدرس تربية رياضية و تفرغ للعمل بالمزرعة و الآن لم يتبقى إلا السداد و لكن ما تدره المزرعة لا يسدد ما إقترضت و لو بعد ثلاث سنوات و حينها كذلك إلتجئت لمالك ليرشحني للعمل بأي دولة أجنبية, حسبته سوف يعيدني لأوركرانيا, البلد التي تلقيت بها تدريبي على أقل تقدير و لكن مالك أرسل في طلبي لأمريكا إذاً عائد دولاري يتيح لي سداد ديوني بسنة كما وعدت بلا تدبر أو تفكير.
سعدت بالطبع ولم يؤرقني إلا فراقي عن سما و لكنها الحياة و حلم أبى التحقق و ها هو يتحقق الآن؛ فقر عشت به لسنوات سوف تناله أمي و زوجها و هما بتلك السن المتقدمة. ذهبت من جديد للعيش بشقة بيفرلي, لم أكن أمكث بها إلا لأيام قلائل فقد كنت نهم للمهمات من شأن تسديد ديني, حتى إن تراخى مالك عن مهامه لأبحاثه من حول الطاقة أو من حول فتاة جديدة كنت أعمل عنه و بسبعة أشهر جمعت ستمائة و خمسون ألف جنيه و أرسلتهم لزوجتي لتسلمهم لعميد عائلة المنشاوية للزقازيق و طلبت من مالك مهلة جديدة لسنة أخرى حتى يتثنى لي جمع مبلغ مالي أخر للطوارئ و لم يخيب رجائي إنما غادة دحرتني.
عدت من مهمة خائر القوى أتحرق لرؤية أي شيء مدني خارج قاعدة حربية بعيداً عن الحروب و القتل و الدماء بكل دولة عملت بها إنما مالك لم يمهلني و دلف لغرفتي لمناقشتي بأمراً هام .
أخرج كالك زميلي من الغرفة ثم قال :
- انت باعت كام لمصر يا وجيه ؟
- 650 ألف
- مفيش حاجة وصلت .
- إزاي انا باعتهم من قبل أوصل من المهمة ؟!
- باعتم لمين ؟
- لمراتي هي اللي وصلتهم .
- كلمها إعرف الفلوس راحت فين .. بلغوني في الزقازيق أنهم ما وصلهمش مليم .
على فور سحبت هاتفي و إتصلت بالزوجة و نقلت لها تخوفي فقالت ببرود :
- ما تقلقش كلها كام شهر يرجعوا .
- يرجعوا منين ؟
- دخلت شركة مع ولاد عمي في مستشفى .
جم جنوني و صحت بعصبية :
- و انتي إزاي تعملي حاجة زي دي و ما ترجعليش هي فلوس أبوكي ؟!
- لا فلوس جوزي .. و لا الفلوس حلوة لأمك إلا ما بنشوفش وشها و وحشة ليا .. انا دخلتهم في مستشفى حاجة مستوى, بريستيج تاني .. مش مزرعة جاموس و بقر .
- الفلوس ترجع و تاخديهم و تسلميهم بإيدك لصاحبهم و إلا هجي أطربقها على دماغك إنتي و أهلك .
- طب مفيش فلوس خالص و أعلى ما في خيلك إركبه .
و أنهت غادة المكالمة. الذهول جمدني للحظات عدة, أعنتني الحيلة و أنا بقارة و هي بقارة بنقودي و صديقي أمامي ضحكاته تهدر بلا هوادة على الزوج المغدور به من أقرب الناس إليه, يربت على كتفي و يردد من بين ضحكاته :
- تعيش و تاخد غيرها يا غلبان .. شكلك مطول معايا وجيه .. ده انا هنفخك شغل .. هتطلع على با**تان بكرة .
إعتذرت عن كآفة المهمات و إستقليتُ أول طائرة للقاهرة لأتبين الوضع و استعيد نقودي, بينما الغضب من داخلي براكين مستعرة فتلك المرة عقدت العزم على طلاقها بلا رجعة و تسلم سما و إيداعها لأبي. أعيد غادة للبلاط من جديد للرجل الوحيد الذي تنظر بعيناه و تنتظر يوم الجمعة الجامع لعائلتها ببيت عمها لتستمع لأحاديثه الضجرة بشغف لم ألقاه منها أبداً.
عدت للبيت لم أجدها ولا سما, ملابسهما ليست بالخزانات و حينها ذهبت لبيت عمها اللعين. سألت عن الساقطة السارقة فقال عمها متبرماً :
- عيب يا إبني هي الواحدة لما تاخد من جوزها قرشين تبقى ست وحشة .
- هي خدت ربع جنيه .. دي سرقت 650 ألف جنيه .. هي فين؟
قالت حماتي مترئفة :
- طب أقعد يا إبني انت جاي من سفر .. فلوسك في الحفظ و الصون .. ضحكت علينا و قالت إنك عارف و موافق و الله يا إبني ما كنا نعرف إنها عملت كده من وراك و إنك مديون بيهم .
صحت بها :
- بقولك إيه شغل المسكنة ده ما يمشيش عليا .. بنتك الفاجرة فين و إلا قسماً بالله أبيتكوا كلكم في القسم إنهاردة يا حوش ؟
جاء صوت من الخلف يصيح بي :
- لا إنت زودتها أوي .
إلتفت للخلف وجدت الحبيب الأولي يخرج علي بطوله الفارع بعيونه الإذراء و يردف :
- مراتك ما غلطتش .. خدت الفلوس و دخلتهم في مشروع مضمون .. يعني فلوسك في الأمان بدل ما تبعترها على المنظرة الفارغة .
أمسكته من تلابيبه و صحت بوجهه :
- فلوسي و شقايا إن شالله أحرقهم .. غادة فين يا زبالة الزقازيق كلها؟
أنزل يدي عن قميصه بعدائية و صاح بي بدوره :
الزبالة اللي هبطوا على الزقازيق من غير أصل و لا فصل و بيقولوا على نفسيهم احفاد الشيخ الخطيب اللي مخلفش غير عيل عمره تمن سنين مات غرقات في ترعة بعد موت الشيخ الخطيب بأسبوع واحد .. تطلعوا إيه يا وجيه, أبوك ده مين بالظبط !!