الفصل الأول (1) الوصية
(الروتين اليومي) يبغضه الجميع ويحاول معظم الناس **ره بشتى الطرق حتى وإن كان في ذلك ما سيسبب لهم الضرر، أما بالنسبة له فالأمر مختلف تماما فلقد أصبح هذا الروتين بالنسبة له يمثل الحياة نفسها وبدونه لا يستطيع العيش، ويبدأ هذا الروتين باستيقاظه مبكرا وأخذ حماما سريعا ثم يرتدي ثيابه الرسميه استعدادا لذهابه إلى العمل، وها هو الآن يقف أمام المرآة يضع اللمسات الأخيرة من ضبط رابطة العنق وإعادة تمشيط شعره وارتداء ساعة يده الباهظة منهيا تلك الصورة الجمالية بنثر عطره المميز بغزاره على ثيابه، ثم أخيرا يلتقط هاتفه الخلوي وسلسلة مفاتيحه ليخرج من حجرته نازلا الدرج ليتجه مباشرة إلى غرفتها هي الوحيدة التي يجد برفقتها نفسه الضائعة والسلام الداخلي الذي يفقده بصحبة غيرها، يطرق باب الحجرة عدة طرقات ليأتيه صوتها الحنون كالعادة: تعالى يا مهاب.
وكأنه كان بحاجة لما يزيده رهبة وهيبة في نظر الناس ليأتس اسمه ويكمل تلك الصورة الشامخة التي هو عليها، هي أيضا لم تكن بحاجة للتكهن بشخصيته، فليس هناك غيره قد اعتاد زيارتها في هذا الوقت من الصباح الباكر.
وبابتسامة ساحرة بدت غريبة على ملامحه ربما لأنه نادرا ما يستخدمها أو لنقل أنها تظهر فقط في حضرة تلك السيدة الوقور ذات الخمسين عاما حبيز . الكرسي المتحرك، ورغم ما بها من عجز وسواد لل يفارق ثيابها إلا أن ابتسامة الرضا لا تفارق محياها، بجانب ذلك المصحف الذي دائما ما يكون المؤنس لها في وحدتها.
تقدم منها مهاب وانحنى نحوها ليطبع قبلة رقيقة على يدها وهو يحييها قائلا: صباح الخير يا عمتي.
لترد عليه كريمة بصوتها الدافىء وهي تربت على رأسه بحنان: صباح النور يا حبيبي.
مهاب: عاملة ايه النهاردة؟
كريمة وهي لاتزال محتفظة بابتسامتها الراضية: الحمد لله على كل حال.
استقام في وقفته ليقول: على فكرة ماما و سارة بيسلموا عليكي.
وعلى ذكرهما تجعد جبينها لتقول باستهجان: أنا معرفش كان ايه لازمتها السفرية دي؟ أنا أول مرة أعرف ان الواحدة في ذكرى وفاة جوزها تسافر تتفسح، وقال ايه بتغير جو، دة بدل ما تقراله الفاتحة وتتصدق على روحه وتدعيله ان ربنا يرحمه؟
مهاب مهادنا: مش كل الناس زيك يا عمتي، وبعدين ماما من بعد ما بابا مات وهي أعصابها تعبانة ولو قعدت هنا في ذكرى وفاته هتتعب أكتر، عشان كدة كان لازم تسافر تغير جو.
هزت كريمة رأسها بغير اقتناع: انت زي مانت يا مهاب، محدش يقدر يغلبك في الكلام، المهم قولي مفيش أخبار عن أحمد؟
أومأ مهاب برأسه وقد اكتست ملامحه بتلك الجدية التي خُلقت لترتسم على ملامحه: بخير يا عمتي، بخير، نازل إجازة قريب ان شاء الله.
كريمة: ربنا يطمني دايما عليك انت واخواتك يا حبيبي وما يسوءني أبدا في حد فيكم.
قبل مهاب رأسها وهو يقول: ويخليكي لينا يا عمتي.
ليستقيم مرة أخرى استعدادا للرحيل: طب أنا رايح الشركة بقا، مش عاوزة حاجة؟
كريمة: تسلم يا حبيبي، خلي بالك من نفسك، لا إلٰه إلا الله.
مهاب وهو يدير مقبض الباب: محمد رسول الله.
وهو في طريقه لباب القصر أوقفه صوت الخادمة تتحدث مع أحد حراس الأمن الخاص بتأمين بوابة القصر الخارجية: خير يا محمود؟
أجاب محمود برسمية وهو يشير ناحية شخص ما يقف بالخلف: الشيخ دة كان جاي وطالب يقابل أكمل بيه الله يرحمه، ولما عرف انه مات طلب يقابل حد من عياله.
ثم أضاف بما يشبه الهمس وهو يقترب منها قليلا: هو مهاب بيه صحي ولا لسة؟
: مين اللي عاوز يقابلي؟
كان هذا الصوت القوي الذي جعل كلا من الخادمة والحارس ينتفضان إثر سماعه هو لمهاب بالطبع، فأجاب الحارس متلعثملا: أنا آسف يا مهاب بيه، بس فضيلة الشيخ مصر انه يقابل حد من أولاد أكمل بيه الله يرحمه.
ليتجه نظر مهاب إلى من يقف خلف الحارس، ليجده شيخا كبيرا بالسن يرتدي جبة و قفطانا وعمامة على الرأس وقد كانت ثيابه مهندمة بشكل ملحوظ إلى جانب لحيته البيضاء التي زينت وجهه مع تلك الابتسامة الصافية جعلته أحد هؤلاء الناس الذين يدخلون القلب من أول لقاء، ولكن ليس مهاب أكمل صفوان الذي ينخدع بالمظاهر، لذا خرج سؤاله للشيخ جافا وإن لم يخل من الاحترام: مين حضرتك؟
أجاب الشيخ الذي لم تؤثر به تلك النبرة الجافة قيد أنملة، بل قد ازدادت ابتسامته اتساعا ووجهه بشاشة: هقولك كل حاجة انت عاوز تعرفها يابني إذا سمحتلي اني آخد من وقتك ربع ساعة نتكلم فيها على انفراد.
لحظة واحدة من التفكير قبل أن يتخذ قراره فيتنحى الحارس من أمامه بإشارة من رأسه ليقول للشيخ بإيماءة اعتبرها الأخير ترحيبا مبطنا: اتفضل.
دخل الشيخ متبعا مهاب إلى حيث يسير لتغلق الخادمة الباب خلفهما.
...................
بعد أن استقر الشيخ في كرسيه أمام مكتب مهاب والذي أصر على تقديم مشروبا دافئا له رغم اعتراضه، استهل مهاب الحديث بسؤاله للشيخ وهو يرتكز بكوعيه على سطح المكتب: خير يا فضيلة الشيخ كنت عاوز بابا الله يرحمه في ايه؟
فرد الشيخ قائلا: قبل ما أجاوب على سؤالك يابني اسمحلي الأول أعرفك بنفسي، أنا اسمي علي عبدالرحمن إمام جامع، ساكن في روض الف*ج في عمارة قديمة من ٤ أدوار، كل دور فيه شقتين، وأنا من حسن حظي سكنت في الدور التاني وجاري اللي كان ساكن جنبي اسمه كامل سليم صفوان الله يرحمه.
وما ان سمع مهاب ذلك الاسم حتى انعقد حاجبيه اندهاشا ليتساءل مستوضحا: تقصد ان اللي كان ساكن جنبك دة يبقا كان قريب بابا؟
الشيخ مصححا: أخوه، كامل الله يرحمه يبقا عمك.
نهض مهاب من فوق كرسيه فجأة وقد تحول الاندهاش للصدمة وربما الغضب ليصيح غير مصدق متناسيا آداب التعامل مع شيخ كبير كهذا الذي يجلس أمامه: أخو مين يا راجل انت؟ انت اتجننت! ولا فاكر انك بتتكلم مع عيل صغير ممكن تضحك عليه بكلمتين هايفين زي دول عشان تطلعلك منه بقرشين حلوين.
ثم تحولت نبرته إلى الشراسة وهو يقول مهددا: لو كنت مش عارف انت بتتكلم مع مين؟ فبلاش تخليني أعرفك بطريقتي لأنها مش هتعجبك وخصوصا مع واحد في سنك.
وأضاف باستحقار واضح: ومركزك كراجل دين.
إهانة واضحة وتهديد كفيل بأن يجعله يتراجع عما جاء من أجله، ولكنه لم يأتِ إلى هنا إلا لفعل خير وتذكر قوله تعالى(وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) إذن فليكمل مهمته الذي جاء من أجلها، لذا قال بثبات وثقة تعجب لها مهاب: ياريت بس تهدى يابني وتقعد تخليني أكمل كلامي.
مع شخص آخر ربما رد فعله سيكون مختلف تماما، ولكن ماذا في حديث هذا الرجل جعله يستكين لطلبه هكذا، ويستمع لبقية حديثه: أنا يابني لا جاي طالب منك فلوس ولا غيره، أنا جاي أنفذ وصية واحد كان عندي في معزة الأخ وهو دلوقت في ذمة الله، فأقل حقوقه عليا اني أنفذله وصيته الأخيرة، كون انك مش مصدق ان كامل الله يرحمه كان أخو والدك دي قضيتك انت وتقدر تتأكد منها بطريقتك لاني مهما حاولت أثبتلك كلامي بأي طريقة مفتكرش انك هتصدقني.
ما بال هذا الرجل وكأنه يقرأ أفكاره؟ بالطبع ما كان ليصدقه مهما حاول إقناعه، فلم يكن لوالده أخوة سوى عمته كريمة فقط، فمن يكون كامل هذا؟ وكيف لم يسمع عنه من قبل؟ هناك حلقة مفقودة في هذا الأمر، وربما يكون هذا الشيخ كاذبا وفعل ذلك لغرض ما في نفسه حتى وإن لم يكن الثروة كما يزعم.
تنبه إلى حديث الشيخ علي وهو يضيف: والدك الله يرحمه مات من سنة تقريبا زي ما عرفت من شوية، وكامل الله يرحمه توفى من شهر تقريبا، بس أعتقد ان السيدة كريمة عمتك لسة على قيد الحياة، ياريت تبقا تسألها وأكيد هتلاقي عندها كل الأجوبة اللي انت عايزها.
بالطبع سيفعل ذلك، ولكن هناك أمر الآن لا يجب أن يغفل عنه، فكان سؤاله المباشر للشيخ: وصية ايه اللي انت كنت بتتكلم عنها من شوية؟
أجاب الشيخ علي شارحا: كامل الله يرحمه كان متجوز بس مراته ماتت من سنين وفاتتله بنتين الكبيرة في آخر سنة في كلية الآداب والصغيرة يدوب عندها ٩ سنين، ولأنه كان مريض في آخر أيامه بالمرض الخبيث عشان كدة كان خايف يموت ويسيب البنات لوحدهم، فكتب وصية ان الوصي على بناته يكون عمهم أكمل والوصاية من بعده لولاده بحيث ان البنتين يتنقلوا عشان يعيشوا معاه، لأن زي مانت عارف يابني صعب ان بنتين في السن دة يعيشوا لوحدهم في حي شعبي زي اللي احنا عايشين فيه، وربنا يعلم ان لولا ان عندي ولاد رجالة كنت خدتهم أنا يعيشوا معايا أنا ومراتي، ولأن كامل الله يرحمه كان عارف الكلام دة كويس عشان كدة كتب وصيته.
ملامحه الجامدة لم تدل على شيء ولكن ليزيل أي سوء تفاهم قد يقع أضاف الشيخ علي: على فكرة يابني كامل الله يرحمه سايب البنتين مستورين، يعني من الناحية المادية هما مش محتاجين لحد، هو سايبلهم قرشين كويسين في البنك، دة غير ورشة ميكانيكا شغالة كويس قريبة من البيت وكمان محل لبيع قطع غيار العربيات جنب الورشة، أصل الله يرحمه كان مهندس ميكانيكي وحب انه يشتغل في مجال تخصصه وربنا كان رازقه بالحلال وموسع عليه.
أيضا لا رد، وربما يطول ال**ت، ولم يجد الشيخ المزيد ليقوله، لذا هم بالوقوف استعدادا للرحيل وهو يقول: ع العموم يا بني (اللهم بلغت، اللهم فاشهد) أنا كدة عملت اللي عليا، وانت حر في قرارك، بس اللي أعرفه واللي باين عليك انك ابن أصول، وابن الأصول مش ممكن يسيب لحمه للي رايح واللي جاي ينهشوا فيه، والبنتين في الأول وفي الآخر، بنات عمك يعني عرضك ومحسوبين عليك، أستأذن أنا.
وقبل أن يدير ظهر ليتجه ناحية الباب، عاد متذكرا ليقول: آه كنت هنسى.
ثم التقط أحد الأقلام الموضوعة على سطح المكتب ثم فتح تلك المفكرة التي أمام مهاب ليخط بها بضع كلمات قائلا بتوضيح: دة رقم تليفوني والعنوان بالتفصيل.
وما ان انتهى حتى غادر ملقيا تحيته الأخيرة بالسلام على ذلك الذي أصبح جالسا في كرسيه لا يرف له جفن كما الصنم، وهو بداخله صراع بين شخصين يتنازعان أحدهما يكذب كل ما قيل وبقوة والآخر يميل إلى التصديق، ولن يفض هذا النزاع سوى شخص واحد، لذا انطلق على الفور إلى غرفتها من جديد.
.................
في مكان آخر بأحد الأبنية القديمة بروض الف*ج، تدخل إحدي المنتقبات شقتها وهي تهتف بمرح: يا أهل الدار، أنا جييييت، فين الوكل؟ جعااانة يا ناس.
ليخرج شاب من غرفته ناهرا إياها مازحا: ايه الغاغة اللي انتي عملاها دي؟ كانك ما كلتيش أديلك سنة؟
لترفع أخيرا النقاب عن وجهها الأبيض الجميل والعينين الخضراوين اللتين ورثتهما عن أمها، فأخرجت ل**نها له بهدف إغاظته وهي تقول: أنا مش هرد على واحد حاقد زيك، يا مشحم يا مزيت.
ثم أكملت وهي ترفع كتفها اليمين بحركة غرور: ثم أنا معنديش وقت لأمثالك كلها ساعتين ويبدأ الشيفت المسائي.
فرفع مصطفى حاجبه باستهجان وهو يقول: مشحم ومزيت! يا ماما المشحم والمزيت دة بي**ب أكتر منك يا دكتورة إلا ربع.
مريم باستخفاف: هه، كلها سنة يا بابا وأبقى دكتورة رسمي، والدكتور حسن هيخليني أمسك شيفت لوحدي زي ما وعدني، وساعتها هتكون انت متجوز ومخلف ولما ابنك يعيى ان شاء الله هتبوس ايدي عشان أبص عليه بس، دة على فرض اصلا اننا ممكن نلاقي اللي هتنتص في نظرها وتقبل بواحد صبي ميكانيكي زيك.
شهقة عميقة خرجت من حلقه وقد اتسعت عيناه من الصدمة من نعتها اياه بهذا اللقب ليقول معلقا وما زال الذهول يعلو ملامحه: هي حصلت لصبي ميكانيكي كمان، الله يرحمك يا عم كامل لو كان سمعك كان علقك من رجليكي لأن هو كان السبب في دخولي كلية الهندسة القسم المهبب دة.
وقبل أن ترد عليه أخته خرجت أمهما من المطبخ حاملة عدة أطباق لتهتف فيهما تنهرهما: ما كفاياكم بقا انت وهي، على طول كدة ناقر ونقير! أمال لو ما كنتوش توأم كنتم عملتوا ايه؟
بالفعل فإنهما التوأم الغير متطابق (مصطفى و مريم) فمريم كما ذكرنا سابقا فهي تشبه والدتها بشكل كبير أما عن مصطفى فملامحه تشابه والده الشيخ علي فهو قمحي البشرة ذو عينين عسليتين يعلوهما حاجبان كثيفان وشعر فحمي ولكنه أطول من والده بعدة سنتيمترات.
ض*بت مريم بقدمها في الأرض وهي تمط شفتيها بتذمر مدافعة عن نفسها: يا ماما، هو اللي على طول بيحب يجر شكلي.
لم تكترث الام سهير كثيرا لشكواها فإبنتها دائمة الشكوى من توأمها و لا تنكر أن لها الحق في ذلك فمصطفى هو الآخر لا يضيع أية فرصة حتى يضايقها أو يغيظها.
سهير بلهجة حازمة بعض الشيء: ياللا بطلي غلبة، وروحي غيري هدومك عشان تيجي تحضري السفرة معايا عقبال ما بابا ييجي.
مريم متساءلة بفضول: ييجي منين يا ماما.
سهير وهي ترص الأطباق على طاولة الطعام: من عند عم صفوة.
نظرات قلقة تبادلتها مريم مع توأمها وإن كانت نظراتها تحمل بعض العتاب الذي قرر هو تجاهله.
....................
وفي نفس الطابق من ذلك المبنى ولكن في الشقة المجاورة والتي قد افتقدت إلى ذلك المرح الذي رأيناه منذ قليل، فقط الحزن والسواد يغلف كل شيء، إنها شقة المرحوم كامل سليم صفوان.
جلست ابنتاه صفوة تلك الفتاة التي على مشارف أن تبلغ سن الرشد خمرية البشرة متوسطة الطول مع جسم معتدل ليس بالسمين ولا بالنحيف، عينان واسعتان باللون العسلي الذي تحيط به بعض الشعيرات الزيتونية، كل ذلك إلى جانب غمازتيها وهو ما يعطي لملامحها العادية بعض التميز مع شعرها الغجري الطويل ذي اللون الفحمي.
أما عن صفا تلك التي لم تبلغ عامها العاشر بعد فهي تُعد صورة مُصغرة لأختها الكبرى ولكنها أكثر مشا**ة عن أختها التي تميل للهدوء.
تساءلت صفا وهي تلوك الطعام في فمها: هو صحيح يا صفوة، عمو أكمل دة شكله ايه؟
فردت صفوة بذهن شارد: معرفش.
واستمرت صفا في استجوابها: طيب هو ليه مجاش يزورنا قبل كدة؟
وكانت نفس الإجابة: معرفش.
فتذمرت صفا قائلة: يوووووه، هو أنا كل ما أسألك على حاجة تقوليلي معرفش، أمال مين اللي يعرف؟ مش انتي الكبيرة! يبقا لازم تعرفي كل حاجة، هما مش بيقولوا أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة؟ شوفي انتي أكبر مني بكام سنة بقا؟
بينما كان رد صفوة متهربا، حيث قالت لها بنبرة أمر: طب بطلي غلبة وخلصي أكلك بسرعة عشان تعملي الواجب بتاع درس العلوم، مش عاوزين لعب السنادي كمان، خلاص المدارس قربت.
فرفعت صفا يديها بدعاء: يارب الدراسة تتلغي السنادي بردو عشان الكورونا.
فض*بتها صفوة على م***ة رأسها بخفة وهي تنهرها: يا شيخة حرام عليكي، هو انتي ما شبعتيش لعب السنة اللي فاتت!
صفا مدافعة عن نفسها: الله! وهو أنا اللي كنت قولتلهم الغوا الدراسة، ما هما اللي خايفين على صحتنا بزيادة.
صفوة بتهكم: ماهما فعلا غلطانين، كانوا المفروض فتحوا المدارس وخلوا الكورونا تاخد أجلكم وتريحنا منكم للأبد، ياللا بقا انجزي مش هنقضي اليوم كله في الرغي.
مطت صفا شفتيها بعدم رضا وهي تقول مذعنة: حاضر.
ثم نهضت عن كرسيها بتكاسل واضح لتضيف: ع العموم، أنا أصلا شبعت لانك سديتي نفسي، هدخل بقا أكتب الواحب، وانتي ياللا لمي الأطباق واغسليهم وتعالي حلي معايا.
قالت جملتها الأخيرة وهي تشير إليها بإصبعها في صيغة أمر لتومئ صفوة برأسها وقد ارتسمت ابتسامة زائفة على شفتيها قائلة: حاضر يا صفا هانم، روحي أوضتك وأنا هحصلك.
وبالفعل دخلت صفا حجرتها لتختفي تلك الابتسامة سريعا من على وجه ش*يقتها فيحل محلها الوجوم وهي تعلق قائلة بهمس: ربنا اللي يعلم انك انتي الوحيدة اللي مصبراني لحد دلوقت.
ثم اغرورقت عيناها بالدموع وقد غلب على نبرة صوتها الشجن: الله يرحمك يا بابا، نفسي أفهم ليه ما قولتليش على موضوع الوصية دة قبل كدة؟ وياترى معاك حق في اللي عملته دة ولا لا؟