إيزابيلا كارلوس ستون، هذا هو الإسم الذي وُلِدَت به، الإسم الذي أعطي لها من قبل شخصٍ ما لا تعرفه.
إختارها القدر لتولد بعائلة ستون، العائلة التي حكمت المملكة، و توارثتها الأجيال لعقودٍ عديدة فقد المؤرخون القدرة على حسابها.
كارلوس و الذي هو والدها حكم جُزئاً من هذه المملكة العظيمة مع أشقَّائه و أقاربه، و قد كانت تلك العائلة ... و ذلك الأب هم السَّبب الأكبر في الحُزن الذي جثم على ص*رها فضاقت بسببه حياتها، لم يهتموا لأمرها يوماً لكن بطبيعة الحال لم يكن هذا السبب كافياً لإحزانها حدَّ الرَّغبة بإنهاء حياتها.
بل كانت معاملتهم القاسية من شتم و ألفاظ ب**ئة إلى ض*ب موجع لم يؤذي جسدها الهزيل فقط بل روحها التي جرحت لأكثر من مرَّة، والدها لم يكن ملكاً سيئاً أو ظالماً أبداً ع** ما قد يتبادر لذهنٍ أحدٍ عندما يسمع عن المعاملة التي تعرضت لها.
بل كان ملكاً عادلاً، رزيناً بتصرُّفاته، حكيماً بقراراته التي بسببها زهت المملكة بشكل غير قابلٍ للإنكار، لكن للأسف و لسببٍ تجهله إختصها بمعاملة مختلفة عن أي شخصٍ آخر، معاملة مريعة لا يمكن لأي أبٍ أن يعامل طفلته بها.
أين هي أمها ؟
لم تعلم إجابة لهذا السُّؤال يوماً والدتها لم تكن جزءاً من حياتها لكي تختفي منها بالأساس لهذا هي لن تبالغ إن قالت بأنَّ معنى الأم قد يكون مجهولاً بقاموسها !
كل ما تعرفه أن والدتها كانت جارية من الجواري الاتي ملأن القصر، و هذا أوصلها بطبيعة الحال لإستنتاج بدا لها الأقرب لسبب إختفاء والدتها عن حياتها.
هي كانت غلطة من الإثنين والدها الذي أنكر وجودها، و والدتها التي تخلَّت عنها ربَّما لأن الملك دفع مبلغاً كبيراً من المال لها لكي تختفي بعيدًا بدون أن تسبب أي مشاكل.
لهذا السَّبب كان يعاملها بتلك القسوة، كان يفرغ غضبه عليها لأنه لم يستطع قتلها عندما كنت ببطن أمها ربما لأن والدتها أخفت أمر حملها طمعاً بالجاه و السُّلطة.
و من القصص التي تداولت عن مولدها كانت أن والدتها أنجبتها بالخفاء لكي تضمن لنفسها مركزاً مرموقاً، و بطبيعة الحال أنكر الملك كارلوس أي صلة قرابة قد تربطُ بينهما إلا أن إنكارهُ لم يبقى لوقت طويل فلسوءِ حظِّه ... و حظها هي الأخرى، كانت قد ورثت عنه كل مواصفاته من لون العينين الرماديتان، البشرة شبه السمراء و الشعر الأ**د.
و كقانون نصَّهُ أحدُ الملوك القدامى كان مرغماً على إبقائها هي و أمِّها بالقصر، لكن والدتها لم تمكث معها مدَّة طويلة فقد تم إتِّهامها بالخيانة، و نفيت خارج البلاد، أو دفع لها مبلغاً كبيراً لتتخلى عنها لا تعلم الحقيقة و لم تسأل عنها يومًا فلا أحد سيجيبها.
هكذا ربِّيت بيلا الصَّغيرة من قبل الخدم و مربيات القصر، فزوجة والدها الملكة سندي لم تكن لتتعب نفسها بالإهتمام لأمر طفلة زوجها غير الشرعية، أما علاقتها بأشقائها من والدها فهي معدومة تماماً، بل هي كراهية متبادلة !
المذلة و الإهانة لقيتها من كل أحد منذ كانت طفلة، من العائلة الملكية لأنها إبنة غير شرعية، من الخدم الذين كانوا يصبون جام غضبهم من العائلة الملكية عليها، والدها الذي إعتبرها نقطة سوداء في صفحة حياته البيضاء ، أما زوجة والدها سندي التي افتعلت القصص و الحكايات السيئة عنها فقط لتزيد همَّ الفتاة المسكينة.
و عندما أخيرًا بعد المشاكل التي لقيتها و الذُّل و الحزن و الدموع التي لم تفارق عينيها وجدت سعادتها و قرَّر القدر الإبتسام بوجهها لم تستمرَّ تلك الإبتسامة كثيراً فها هي اليوم تعاني بعد أن فرَّت سعادتها منها بشكل مؤلم، مهين و مثير للشفقة !
تشعر بالإختناق، بنيران القهر تلجم ص*رها حتى ضاق نفسها، كل مرة تقتحم ذكريات السعادة رأسها تتذكَّرُ ما لاقته بسبب هذه السعادة فتعود الدموع لتكتسي مقلتيها، و تعود شهقاتها لتعلو أكثر فأكثر.
و في لحظة وصل الألم بقلبها لأقصاه فلم تعد تستطيعُ إحتمال الوجع لوقت أطول حيثُ تراءت فكرة واحدة بذهنها، أو بالأحرى رغبة واحدة هي الهرب و كم تفننت بأساليب الهرب منذُ صغرها.
و ها هي الىن، لآخر مرة تفرُّ إلى المجهول، و لم تجد أفضل من هذه البحيرة لتلتقط جسدها و تبقيه بداخله، البحيرة التي شكت لها همها حزنها و سقمها من الحياة، أدخلت ساقيها النحيلتان بهدوء في مياه البحيرة الزرقاء التي تلألأت تحت ضوء القمر و أغلقت عينيها الرمادية مستمتعة ب*عور الماء البارد يلسع جلدها، و هي تتذكر للمرة الأخيرة كل دمعة ذرفتها.
كل صرخة ألم أطلقتها شفتاها، كل كلمة ذلٍ تلقتها، كل ض*بة تركت أثراً على جسدها و روحها، أكملت إدخال جسدها بهدوء في البحيرة إلى أن وصل الماء لعنقها، في هذه اللحظة فتحت عينيها، و نظرت أمامها إلى سواد الليل الذي غلَّف كل شيء، إلى العشب الأخضر و الأشجار المتناثرة يميناً و يساراً.
و أخيرًا القمر الذي رسخ في كبد السماء و النجوم التي تناثرت حوله بمنظر مهيب بينما تشعرُ بضغط الماء على ص*رها و صعوبة بالتنفس._ من المستحيل أن ينقذك أحد من موتك بيلا
ذكرت نفسها بينما يرتعشُ جسدها من البرد إلا أن شفتها اللتي تحولت للحمرة من برودة الجو رسمت إبتسامة ساخرة بينما تطرد تلك الفكرة من ذهنها ... حتَّى لو خرجت الآن و قرَّرت التراجع من سيكون بانتظارها عندما تعود للمنزل، من سيكون قلقاً عليها، و على غيابها ؟
كلُّ من أحبَّتهم، و أحبُّوها يوماً إما قضوا نحبهم أو إبتعدوا عنها...
أفلتت يديها التي كانت تمسك بحافة البحيرة و بهذا تكون فكت حبل نجاتها الوحيد، شعرت بارتطام جسدها بالماء البارد، و ب*عرها القصير يتطاير حولها، بضعف و وخز غريب في جسدها، بالإختناق، جسدها يطالب بالهواء
لكنها لا تستطيع إعطائه له فحتى لو قررت الإنسحاب، و العودة للسطح هي لا تجيد السباحة، ربما لهذا تشعرُ بأمرٍ غريب الآن، المياه تدفع جسدها للأعلى لكنها تجاهد لإبقائه بالأسفل ... كلُّ شيء مرَّ سريعًا بينما ما زال عقلها يعمل يفكر من الذي سيشتاق لها، هل هناك أحد سيشعر بغيابها، أم أن وجودها و عدمه أمر سيان؟
تذكرت أن جثتها ستستقر في قاع هذه البحيرة إلى الأبد فحاولت فتح عينيها لترى ما حولها من صخور متجاهلة ألم جسدها الرَّهيب إلا أن أعينها أغلقت عينيها رويداً رويداً مستسلمة للظلام الذي لفها، مستسلمة لألم قلبها الذي تعبت من مناجاته بالتوقف عن الخفقان فقررت إيقافه بنفسها.
*** *** *** *** ***
في مكان آخر تماما , على ع** مشاعر الحزن التي إكتست قلب إيزابيلا، كان والدها الملك كارلوس متربعا على عرشه الفخم في القاعة الملكية سعيداً بانتصاره الساحق على أعدائه
" إذاً نجح الغزو بدون الكثير من الخسائر ؟" تساءل الملك بابتسامة سعيدة، و عيناه اللتان لمعتا بفخر تطالعان قائد الجيش جاك الذي يقف أمامه بطلته المهيبة شامخًا رأسه عاليا و هو يجيب الملك باحترام " أجل مولاي "
زاد إتساع ابتسامة الملك، و هو ينهض من مكانه مقترباً بخطواته من جاك الذي إنحنى باحترام ليكمل الملك كلامه، و هو يثني عليه مأخوذًا بسعادته.
" أثق بك يا جاك، و ثقتي صعبة المنال و أنت عالمٌ بعذا، لكن أسلوبك المهذب و خططك المحكمة، ذكاؤك و مهارتك في القتال كل هذه الأمور جعلتك بمكانة عالية لدي أنت بالفعل كوالدك الراحل تماماً، و مكافأة لك على جهودك أطلب ما تريده و سيكون أمامك في لحظات ! "
إبتسم جاك باتساع على كلام الملك الذي بطبيعة الحال أشعره بالفخر، و السَّعادة خاصةً بعد سماعه لمقارنته بوالده الراحل الذي شغل مكانه بالجيش قبل سنوات مضت، لكنه لم يكن يطمع بالجاه، و السلطة التي يمتلكهما من الأساس بل رغبته شديدة بمعرفة ما حصل لإيزابيلا، صديقته العزيزة التي يعتبرها كالأخت الصغرى.
عندما عاد من الحرب التي استمرَّت لسنتين متواصلتين لم يجدها ... إختفت فجأة و لا أحد يعلم بمكانها، لهذا شعر بالقلق الشَّديد عليها فهي لا تمتلكُ أحداً غيرهُ ليدعمها و يساندُها، و قد غاب عنها لفترة طويلة انقطعت خلالها أخبارها عنه.
قال جاك باحترام و هو يرفع رأسه للملك
" من بعد إذنك يا مولاي لدي طلب " بخطوات سريعة عاد الملك إلى عرشه المذهب و جلس عليه قائلا لجاك كما قلت لك قبلا يا جاك ، أطلب ما تريد " "
" " ابنتك مولاي " قال جاك " تقصد أماندا ما الذي تريده منها؟ "سأله الملك باستغراب فهزَّ جاك رأسه بالنفي سريعً بينما يهتفُ مخصصاً " بل الأميرة إيزابيلا مولاي " "
" و ماذا تريد منها ؟ " تغيرت نبرة المك فجأة و تحولت للحدة فور سماع إسمها إلا أن جاك أجابه بهدوء و وقار
" كما تعلم يا مولاي أن الأميرة إيزابيلا صديقة غالية علي، معزتها معزة أختي الصغرى، و أشعر بالقلق الشديد عليها لأني عندما ذهبت للحرب تركتها وحيدة و الآن بعدما عدت لا أجد لها أثراً " تن*د الملك بعد فترة **ت
خيمت على المكان وقال لأحد الخدم بهدوء
" إستدعي الأميرة إيزابيلا "
" حاضر جلالتك " قال الخادم و قد انتفض من مكانه بخوف بسبب نبرة حديث الملك المرعبة و أتجه لينادي الأميرة من غرفتها، إلا أنه عاد بعد فترة، و قد إرتسم الخوف جلياً على ملامح وجهه من ردِّ فعل الملك، قال الخادم بصوت مرتعش " مولاي "
فطالعه الملك بهدوء أثار بعض الخوف بداخله " الآنسة إيزابيلا غير موجودة " "
نظر جاك بهدوء ناحية الخادم محاولاً إخفاء توتره بينما يسمعُ الملك يقول لخدمه" إبحثوا عنها في كل مكان سريعا أريدها أمامي "