راقبت فرح بزهو و فخر حبيبات العرق التي كانت تتلألأ على جبين مدير المحل الذي كان على وشك أن
يبكي من شدة خوفه و إرتباكه من خطورة
هذه الفتاة التي لم يتوقعوا ظهورها فجأة فحسب
علمهم فإن سليم الشافعي ليس مرتبطا.
تأففت بحنق و هي تنفخ وجنتيها مدعية نفاذ
صبرها بعد أن طال
**ته بينما لم تتوقف تلك البائعة عن
البكاء و النحيب بصوتها المزعج
مما جعل فرح تتحدث قائلة:
-إنت هتفضل مبحلق كده في الموبايل
أنا إيدي وجعتني ما تيالا خلصني.
أغلقت الهاتف و ناولته لمريم التي أخذته
منها و خبأته في حقيبتها بحرص و هي
تستمع من جديد لحديث فرح التي
تحدثت بنبرة متسلية:
-أنا بقول نتفاهم أحسن من الفضايح
طبعا انا بقول كده عشان خطيبي مش عشانكوا
مش عاوزة إسمه يتذكر في حكاية زي
دي فضيحة بصراحة و كده سمعة المحل
بتاعكوا هتبقى في سابع ارض.
تنفس الرجل الصعداء، بعد أن كان يرى أمامه
نهايته الوشيكة ليندفع معلنا بكل ثقة و رجاء:
-و انا جاهز حضرتك لكل اللي تأمري بيه يا هانم.
نظرت فرح نحو صديقتها و هي ترفع لها
حاجبيها هامسة بمزاح:
- زغردي يا إنشراح فرح بنت فهمية بقى
يتقالها هانم،. سجل عندك يا تاريخ.
تنحنت مدعية الاهتمام بعد أن تحولت
ملامحها إلى جدية لتقول على الفور:
-طيب، مفيش مانع بص حضرتك أول حاجة
أنا عاوزة تعويض على كل الهدوم اللي
إنتوا... إستنى شوية.
أمسكت بذراع سليم لتهمس له بصوت منخفض:
-ممكن حضرتك ترجع خطوتين لوراء
عشان عاوزة أتكلم معاك شوية بعيد عنهم.
فعل سليم ما طلبته منه دون إعتراض
رغم أنه في العادة ينزعج كثيرا إذا
ساعده أحد لذلك هو كان يرفض أن يرافقه
سائقه الخاص و يصر على الدخول بمفرده
كلما أراد شراء أي شيء.
إلتفت حول نفسه نصف إستدارة
ثم تحرك إلى الأمام خطوات بسيطة ان
تطلب منه أن يتوقف و هي تقول٪
-حضرتك مقاسك كام و إيه ألوانك المفضلة
في اللبس، عشان أنا ناوية أطلع فيهم
القديم و الجديد النصابين دول عشان
يحرموا و أصلا أنا من الاول مكانتش
عجباني أسعارهم بصراحة داه أقل فستان
عندهم ثمنه يجيب عربية.
سايرها سليم و هو يجيبها بنبرة عادية:
-داه محل غوتشي فطبيعي أسعارهم
هتكون غالية.
لوت فرح شفتيها بعدم إقتناع ثم هتفت
متمسكة برأيها بعناد:
-محل يق*ف و المدير بتاعه نصاب على إيه
الفشخرة الكذابة دي مش فاهمة، يلا
تعالى زمانهم بيستنونا.
إنفجر ضاحكا و هو يعود أدراجه بحذر
متحسسا طريقه نحوهم بعصاه الخاصة
غير منتبه لفرح التي كانت تنظر له بعيون
دامعة أسفا عليه.
تأملت ملامحه الوسيمة و طوله
الفارع و جسده الضخم المتناسق الذي لم
يفسد مظهره سوى إنحناء كتفيه نحو الإمام
قليلا بسبب تلك العصا المزعجة التي
يمسك بها.
لوهلة تخيلت كم كان سيبدو
مثاليا بدونها و هو ينظر أمامه و يفرد كتفيه
بثقة.
أفاقت من شرودها و هي تراه يتوقف عن
السير قبل أن يصل إليهم و يبدو أنه قد إفتقد
وجودها إلى جانبه لأنه إلتفت حوله يبحث عنها و هو يمد يده نحو جهة اليمين حيث كانت تقف
تماما.
أسرعت نحوه و هي تهمس باعتذار دون أن
تمسك بيده:
-أنا هنا، كمان خطوتين قدام و أوقف.
فعل كما طلبت منه مستغربا من نفسه كيف
له أن يثق بها بهذه السهولة
رغم أنه كان من المفترض أن يكون أكثر
تحفظا في تعامله مع الأشخاص الغرباء
خاصة و أن آخر خيانة قد تعرض إليها
لم تمر عليها سوى دقائق قليلة لكنه قرر أنه
سيغامر للنهاية.
تحدثت فرح بصوت أقل حدة:
-حضرتك لازم تعوضنا عن كل الهدوم
اللي غشيتوا فيها خطيبي، أنا مش عارفة
كام بس إنت أكيد حاسبهم.
تنحنح المدير بإحراج و هو يلتفت حوله
ثم أشار نحو صافي حتى تعود
لعملها ثم قال:
-طب إتفضلوا جوا للمكتب عشان نتكلم
براحتنا أكثر زي ما إنتوا شايفين هنا في
دوشة و زباين كثير.
تطلعت فرح حولها حتى تتأكد من كلامه
و بالفعل المكان كان فيه عدة سيدات من
الطبقة الراقية اللواتي كن يخترن بعض
الملابس بهدوء تام لذلك رفضت مخافة
أن يتمكن المدير من خداعم مجددا:
-مفيش داعي إحنا مرتاحين جدا هنا، و بعدين
أنا عاوزة أنقي الحاجات بنفسي اصل
سليم مش بيلبس غير على ذوقي.
إبتسمت بدلال مصطنع و هي تمرر راحة
يدها على كتف سليم من فوق جاكيت
بدلته الغليظة قبل أن تبعدها بسرعة
ليشير لها الرجل بيده إلى الأمام حتى تتقدم
و هو يهتف بكلمات الترحيب
مزيف:
-المحل كله تحت أمرك يا فندم.
بادلته فرح إبتسامة مصطنعة و هي تتوعد
له بداخلها أنها سوف تبذل قصارى جهدها
حتى تجعله يخسر أضعاف مرتبه هذا اليوم
قائلة:
-ميرسي، يا ريت تخلي واحدة من السيلرز
تيجي عشان تاخذ الحاجات.
المدير و هو يخفي إستياءه ببراعة
فكل تلك الملابس التي ستختارها
سوف يدفع هو ثمنها كتعويض للمحل:
-اه طبعا، حالا يا فندم، إتفضلوا.
مالت على مريم لتهمس لها بخفوت:
-المحل قدامك يا بت نقي اللي إنت عاوزاه
و متسترخصيش حاجة في نفسك، و خليكي
فاكرة إن دي فرصة مش هتتكرر ثاني يلا
إنتشري اه بالحق خلي بالك من التلفون ليضيع
منك و إلا حد يخ*فه انا مش مرتاحة للجدع
المكعبر اللي كان معانا من شوية داه.
ضحكت مريم و هي تنبهها لسليم الذي كان
يبتسم و يبدو أنه قد إستمع لكلامه، شهقت
فرح و هي تدفع صديقتها حتى تذهب
ثم عادت لتحدث سليم و تبرر له:
-أنا كنت بوصيها تاخد بالها من التلفون بتاعي
عشان داه اللي فيه دليل الجريمة بتاعتهم
المهم حضرتك هتاخد إيه؟
أجابها سليم بهدوء:
-قميص أبيض مقاس.
فرح:
- و إيه كمان؟
حرك سليم رأسه برفض ثم قال:
-كفاية كده.
سمعها تهمهم قبل أن تنطق من جديد:
-بص إنت باين عليك بتيجي كثير هنا
صح عشان اللي بيشتغلوا هنا عارفينك
كويس.
حرك فهد رأسه بالايجاب دون أن يدري هل
تنظر له أم لا لكن إجابتها التالية كانت تعني
بوضوح أنها كانت معه:
-لا حضرتك مينفعش كده إنت لازم تاخذ
حقك منهم ثاني و مثلث، بص انا من رأيي
طبعا انا عارفة و متأكدة إن رأيي ملوش
أي لازمة بس أهو مصرة اجرب حظي
المهم إنت تأخذلك تشكيلة قمصان و بدل
و إيه كمان، أه و فستان للغلبانة اللي
مجرجراها معايا من الصبح دي و اهو يبقى
ينولك فيها ثواب بردو، و كله ببلاش يعني إحنا
مش هندفعك و لا مليم.
زم سليم شفتيه مدعيا التفكير برهة من
الزمن قبل أن يرد عليها و كأنه يعقد صفقة:
-يعني إنت كمان عاوزة تستغليني .
فرح بتبرير ظنا منها أنه يتحدث بجدية :
- لا طبعا انا مش عايزة
حاجة الفساتين هنا شكلها يق*ف، مفيش
غير الملزق و المحزق و العريان، تؤ مش
ستايلي خالص حضرتك.
ضحك سليم و هو يستشف نبرة الغرور
المصطنع التي اجادتها ببراعة مهمها:
- و الله .
أكدت له فرح من جديد و هي تأخذ أحد
القمصان:
- أيوا زمباقلك كده، إوعى حضرتك تكون
مش مصدقني لالا، يا باشا انا ساكنة في
حارة شعبية ( قالتها بصوت منخفض و هي تلتفت
حولها) يعني جو ياسمين صبري و عبير
و أخواتها داه مينفعش هناك داه كنت أترجم
بالشباشب في وسط الحارة،
بقلك إيه القميص داه
حلو اوي لونه زيتي و كمان داه ارزق و داه
اسود و داه كمان، الله حلوين كلهم اوي
و ألوانه تحفة حضرتك خذهم و على ضمانتي
طب اعتبرهم هدية يا سيدي و إلا عاوز ت**فني.
سليم و هو يتمالك نفسه حتى لا ينفجر
ضاحكا بسبب هذه الفتاة الغريبة التي
لم يتعرف عليها سوى منذ دقائق لتجعله
يشعر و كأنه إنسان آخر إنتقل من عالمه
المظلم.
تحدث موافقا و هو يمد يده ليتحسس
أقمشة القمصان التي إختارتهم ليتفاجئ
بأنها كانت تحمل الكثير.
-بس ليه كل دول انا هاخذ إثنين بس.
رفعت فرح حاجبيها معترضة:
-يا عم خذهم كلهم دول ببلاش و يلا
خلينا نطلع من هنا اصل المدير واقف
هناك و بيبص علينا و شكله هينفجر في
أي لحظة المسكين داه لازمه قرض من
البنك عشان يسدد ثمن القمصان و الحاجات
اللي هناخدها.
رد سليم بثقة:
-متقلقيش هو مش هيقدر
يعمل حاجة دلوقتي، إندهي على السيلر
عشان تاخذ الحاجات اللي إنت إخترتيها
دي و شوفي لو عجبتك أي حاجة إنت و
صاحبتك، و إطمني انا هدفع ثمنهم كلهم.
بحثت فرح بعينيها عن صديقتها مريم
لتجدها غارقة بين الفساتين تختار هذا
و تعيد الاخر و هي تبتسم بسعادة فهي لأول
مرة تحصل على فرصة إلقاء نظرة عن قرب
لفساتين يقدر ثمنها بآلاف الجنيهات كتلك
التي ترتديها الممثلات و عارضات الازياء و
المشاهير.
تذمرت و هي تعيد الفساتين لأماكنها السابقة
بينما إحتفظت بواحد فقط باللون الأحمر لا يظهر ت**يمه جيدا، ثم سارت باتجاه فرح و سليم
و هي تقول:
-بصي الفستان داه يا فرح تحفة.
تحدثت فرح دون أن تنظر إلى الفستان:
-اه حلو المهم خلينا نمشي من هنا
عشان تأخرنا اوي.
قامت بالبائعات بوضع الملابس في الأكياس
الفخمة التي تحمل شعار المحل بينما لم يتوقف
المدير عن تقديم إعتذاراته و تبرأة نفسه
أمام سليم مما جعل فرح تشعر بالفضول الشديد
لمعرفة هويته.
سارت إلى جانبه تتبعهما مريم التي كانت
سعيدة بشكل لا يوصف بهذا الفستان القيم الذي
حصلت عليه صدفة حتى انها حرضت فرح
على أن تحصل هي أيضا على واحد مثله
لكنها رفضت بشدة.
كان سليم يحمل عدة أكياس بيده اليسرى
و عصاه الخاصة بيده الأخرى حتى يتحسس
بها طريقه و هو يستمع إلى شجارهما اللطيف
باستمتاع لم يدم طويلا عندما تذكر انه و
بعد دقائق قصيرة سينتهي كل شيئ و تختفي
هذه الجنية التي أنارت حياته المظلمة
و سيعود مجددا لوحدته في قصر الأشباح
الذي يسكنه.
شعر بتغير الهواء من حوله ليعلم أنهم قد
خرجوا للشارع أين كان سائقه الخاص
ينتظر خروجه و الذي هرع نحوه ليأخذ
الأكياس من يده و يضعها من السيارة.
تنحنح سليم قبل أن يتحدث بتردد:
-آنسة فرح.
كانت هي الأخرى تفكر في الكلمات
المناسبة حتى تعرض عليه المساعدة
ظنا منها أنه لوحده لكنها تراجعت عندما
رأت سائقه و تلك السيارة الفارهة التي
كانت تنتظره أمام المحل مباشرة.
سخرت بداخلها من نفسها على تفكيرها
البسيط فكيف ظنت أن رجلا مثله يشتري
ملابسه من هذه المحلات الفاخرة و يرتدي
تلك الساعة الفخمة التي لتفتت إنتباهها
و التي تذكرت انها رأت مثيلتها في يد
احد المشاهير الذي كان يتفاخر بغناه
الفاحش على احد مواقع التواصل الاجتماعي.
لو لم يكن كفيفا و حصلت له تلك المشكلة
لما حلمت اصلا بأن تقف إلى جانبه بهذا
الشكل...كانت شاردة و تفكر و لم تستمع له
و هو يناديها لو لا مريم التي نبهتها لتردف
معتذرة:
-أنا آسفة حضرتك كنت سرحانة شوية،
على العموم أنا بعتذر منك لو ضايقت
حضرتك و تدخلت في حاجة متخصنيش
انا و صاحبتي لازم نمشي عشان تأخرنا
أوي على البيت يادوب نلحق نلاقي ميكروباص
فاضي و إلا تا**ي يروحنا.
ضحكت مريم بخفوت على كذب فرح
فالتا**ي بالنسبة لهما يعد رفاهية
لا تستطيع عاطلتان عن العمل مثلهما
تحمل سعره، لكنها كانت تعلم أنها
لم تكن تريد أن تقلل من شأنها أمامه.
إستوقفها سليم الذي أخرج كارت
صغير مدون عليه إسمه و رقم هاتفه
و ناوله لها قائلا:
-إنت من شوية قلتيلي إنك بتدوري على
شغل إنت و صاحبتك مش كده.
تناولت فرح الورقة الصغيرة من يده
و هي تجيبه
-: أيوا.
سليم:
- تمام إبقي كلميني على الرقم داه
في أقرب وقت، ضروري عشان انا بردو
محتاج حد اثق فيه عشان يشتغل معايا.
سمع مريم تهمس بخفوت و يبدو أنها
كانت تحدث فرح و ظنت انه لا يستطيع
سماعها:
-احييه هو داه البطل صاحب الشركات اللي
كنت بكلمك عنه من الصبح ياختي يا ريتني
كنت تمنيت مليون جنيه.
لكزتها فرح لتتأوه الأخرى و تبتعد عنها و هي
ترمقها بغيظ لكنها ما إن تحسست الكيس
بين يديها حتى إبتسمت ببلاهة و كأن شيئا
لم يكن.
لتلتفت فرح من جديد نحو سليم الذي
كان ينتظر إجابتها على أحر من الجمر
و هو يدعو بداخله أن توافق على الفور
لكنها خيبت أمله عندما سألته:
-حضرتك ممكن اعرف نوع الشغل
اللي إنت تقصده.
إبتسم بخفة قبل أن يفسر لها:
-أنا إسمي سليم الشافعي، رجل أعمال
سابق كان عندي شركات كثيرة و ناجحة
جدا قبل ما أعمل حادثة خلتني، زي
ما إنت شايفة، كفيف و الناس حواليا
بقت بترحمش كل واحد منهم بيحاول
يستغل الفرصة عشان ي**قني
زي ما حصل من سوية عشان كده انا
عايز اشغل معايا ناس اقدر اثق فيهم،
انا مش عايز أعطلك أكثر من كده بس
بكرة كلميني و انا هفهمك على كل حاجة
و متقلقيش أنا مستعد أدفعلك المرتب اللي
إنت عايزاه.
سكتت فرح لتفكر في هذه الفرصة الذهبية
فهي منذ أشهر تبحث عن عمل حتى تساعد
به أسرتها البسيطة لكن دون جدوى رغم أنها
كانت تبحث في جميع الأماكن حتى المصانع
و المحلات التي لا تتطلب شهادة لكن دون جدوى
رفعت نظرها نحو سليم حتى تحفظ وجهه
بعد أن فكرت بالبحث عنه في مواقع التواصل الاجتماعي لتتأكد من صدق حديثه
قبل أن تردف مقررة بحسم :
-تمام حضرتك انا هكلمك بكرة إن شاء الله
عشان نتفاهم اكثر عن إذنك دلوقتي لترم نمشي.
أكد عليها سليم و هو يستمع لخطواتها
تبتعد:
-اكيد.
لم تجبه فرح على الفور بل توقفت عن
السير ثم إستدارت نحوه قائلة بصدق:
-أيوا بس أنا لازم أتأكد من كلامك الأول.
فهم سليم ما ترمي إليه ليأيدها قائلا:
-اه صح طبعا، من حقك.
سار باتجاه سيارته ليفتح له السائق الباب
بينما تابعت الفتاتان طريقهما نحو
الشارع بحثا عن أي وسيلة نقل.. تذمرت مريم
بعد أن مرت عشرة دقائق و هم مازالوا في
مكانهم:
-هيجرا إيه لو كان عرض علينا يوصلنا
بعربيته هو مش عارف بهدلة المواصلات
ااوف انا زهقت و باين إننا مش هنروح
النهاردة. .
تأففت فرح بدورها لكن ليس مما يحدث حولها
بل من صديقتها الثرثارة التي لا تتوقف عن
الشكوى ثم قالت:
-يعني هو لو كان إقترح إنه يوصلنا كنا هنوافق.
مريم بانزعاج :
-و فيها إيه، إنت مشفتيش عربيته انا كنت
هموت و اصور معاها سلفي.
ضحكت فرح بينما تابعت مريم ثرثرتها:
-بقلك إيه أنا موافقة اشتغل معاه حتى لو كان
بيبيع م**رات، أنا مستعدة اعمل اي حاجة
عشانها.
تن*دت بحالمية و هي تصف كيف وقعت في حب
تلك السيارة الفاخرة من أول نظرة..اسكتتها
فرح التي رفعت يديها فجأة حتى توقف
سيارة تا**ي و تقول بلؤم:
-هتدفعي حلوان الفستان أبو خمسين ألف جنيه
داه.
تذمرت بصوت باك مريم و هي تتبعها لتركب
إلى جانبها في المقعد الخلفي:
- حرام عليكي يا مفترية هو إنت اللي كنتي
دفعتي ثمنه منك لله.
وراءهما مباشرة كانت سيارة سليم تتبع التا**ي
بعد أن أمر السائق بأن يعرف أين تسكن
فرح...و لكم شعر بالحرج عندما سأله
الاخر عن أي فتاة يقصد من الاثنتين
إستغرق اكثر من خمس دقائق و هو يحاول
تذكر أي شيئ يمكنه من تحديد الفتاة المقصودة
إلى أن بادر إلى ذهنه ان مريم تحمل في يدها
كيسا.
كان العم يونس (السائق) يصف له كل ما يحصل
مع الفتاتين بدأ من ذهابهما إلى موقف الباصات
إلى أن قررنا في النهاية اخذ تا**ي بعد أن
يئستا من إيجاد ميكروباص...كما وصف له
ملابسهما وهيأتهما المحتشمة التي توحي
من أنهما من حارة شعبية و ليستا من فتيات
الطبقة الراقية..
توقفت التا**ي أولا في منطقة الحسنيات (إسم وهمي) و لحسن الحظ أن من نزلت هي فرح
و التي إتخذت طريقها نحو عمارة قديمة
لتغيب بداخلها.
دون يونس العنوان لديه ثم أعطاه لسليم حتى
يحتفظ به ثم شغل السيارة من جديد
متجها نحو الفيلا.
نزل سليم من السيارة و هو يحمل في
يده أكياس الملابس و طلب من العم
يونس أن يتبعه للداخل ليتعجب الاخير
فهو من النادر ان يطلب مساعدته
و يعتبر العم يونس و زوجته السيدة خيرية
من الأشخاص القليلين اللذين يثق فيهم سليم
حيث قام بالاستغناء عن جميع الخدم في الفيلا
و لم يترك سواهما.
سار وراءه نحو جناحه الذي حوله إلى الطابق الأرضي حتى يسهل عليه الوصول إليه
بدلا من الطوابق العلوية حتى لا يضطر إلى
إستخدام الدرج.
دلف العم يونس الجناح ليجده مرتبا و نظيفا
فزوجته سعدية هي المسؤولة عن التنظيف
هنا هي و إبنة أختها عواطف التي تأتي أحيانا
لمساعدتها، راقب سليم الذي وضع الأكياس
فوق السرير ثم تابع طريقه نحو غرفة ملابسه
و هو يقول له:
-معلش يا عَم يونس انا هتعبك معايا بس
مضطر عشان مليش غيرك هنا.
تحدث يونس بقلب رقيق حتى ينفي كلامه:
- متقولش
كده يا إبني تعبك راحة..
سليم و هو يشير بعصاه نحو الغرفة:
-أنا عاوزك تفتح الدواليب كلها و تطلعلي
كل الهدوم اللي ألوانها غريبة، أصلي
إكتشفت النهاردة إن مدير المحل اللي انا كنت
بشتري منه هدومي طلع بيغشني و بيستغل
إني مبشوفش.
أخفض وجهه و هو يحرك عصاه متجها نحو
الأرفف ليبدأ بفتحها هو بنفسه حتى يتفادى
نظرات العم يونس الذي كان متأكدا انه يشعر
تجاهه بالشفقة رغم ان الاخير كان دائما يفعل
كل ما في وسعه حتى لا يحسسه بذلك.
وقف يونس مذهولا مما سمعه ليستغفر
بصوت منخفض قبل أن يتحدث محاولا التخفيف
عنه:
-معلش يا بني هي الدنيا بقت كده عاملة
زي الغابة و القوي فيها
بياكل الضعيف، الناس بقت وحشة أوي
و قلوبهم تملت بالطمع و الجشع.
ردد سليم وراءه بخفوت:
-معاك حق، هبقى أخلي بالي بعد كده إن شاء الله.
كان يحاول بصعوبة تمالك نفسه حتى
لا يبكي بعد أن سيطر عليه شعور العجز
و الخزي و هو يتذكر تلك التجربة
القاسية التي مرت عليه اليوم و كيف
تحولت حياته و أصبحت بهذا البؤس
و الشقاء.
تنحنح حتى يجلي تلك الغصة التي ملأت
ص*ره قبل أن يسأله من جديد بينما
كان الاخر منهمكا في إختيار الملابس:
-أنت مشف*نيش قبل كده لابس هدوم
بألوان غريبة، يعني زي الأصفر و الأحمر
و الفوشيا.
نفى العم يونس برأسه قبل أن يتحدث
بصوت عالي:
- لا أنا دايما بشوفك
لابس يا لون ابيض يا إسود، إنت ناسي
إن خيرية مراتي هي اللي بتختارلك
هدومك كل يوم بس هي بصراحة كانت
قالتلي قبل كده إنها لقت في دولابك
قمصان من النوع داه، بس انا مكنتش متوقع
إن الحكاية كده.
سليم بنبرة ممتنة:
-شكرا يا عم يونس، أنا مش عارف
من غيرك كنت هعمل إيه إنت و الست
خيرية.
فتح يونس احد الدواليب ليجد القمصان
التي أخبرتها عنه زوجته سابقا في مكان
واحد معلقة بجانب بعضها ليأخذ يده
سليم و يضعها عليهم و هو يقول:
-خيرية كانت حطاهم جنب بعض.
داه أحمر و داه اصفر مخطط بالبنفسجي
و داه بنطلون أخضر..
نزع سليم يده و هو يتن*د بألم فالملابس
كانت كثيرة يعني ان تلك البائعة كانت تستغله
منذ ما يقارب السنة و من الواضح انها
قد ربحت منه ثروة.
غادر الغرفة بعد أن طلب من يونس
أخذ الملابس و إحراقها ثم دلف الحمام
حتى ينعم بشاور ساخن حتى يهدأ أعصابه
عله يخفف عنه ما يشعر به.
تسلل إلى أذنه صوت فرح التي كانت تحثه
على الانتقام منهم و يبدو أنها كانت على
حق ليته فقط كان يستطيع أن يعود كما
كان في السابق و لو ليوم واحد لكان هدم
ذلك المحل على رؤوسهم و جعلهم يتمنون
الموت على تجرأهم لإستغلاله دون تردد.
وجد نفسه دون وعي منه يعتصر مخيلته
و يحاول تذكر جميع المواقف التي تعرض
لها منذ إصابته بفقدان بصره و حصر جميع
الأشخاص الذين حاولوا إستغلاله مما جعله
في الاخير يقرر بيع جميع أملاكه و شركاته
و الاعتكاف في هذه الفيلا بعيدا عن البشر.