في فيلا محمود البحيري و تحديدا في غرفة
صغيرة ذات اثاث وردي رقيق كانت ميان البحيري
صاحبة السابعة عشر ربيعا ممدة فوق سريرها تطالع إحدى الروايات الرومنسية
التي أصبحت مدمنة عليها في الآونة الأخيرة، تحاول نسيان واقعها الأليم بين طيات صفحاتها حيث كانت تنقلها أحداث تلك الروايات إلى عالم
خيالي الذي يأتي فيه الأمير على حصانه الأبيض
ليخرج أميرته من سجن زوجة أبيها الظالمة
و كم تمنت مايان و دعت في صلاتها أن يأتي
ذلك الفارس لينتشلها هي أيضا من عذابها الذي
تعيشه في قصر والدها الذي كان اشبه بالسجن
الذهبي.
قطع إنسجامها أصوات طرقات على باب غرفتها
تلاه دخول إبنتي عمها إنجي و ليان اللتين بدتا
كزوبعتين هائجتين، حاولت مايان إخفاء الرواية
وراء ظهرها حتى لا تتعرض لسخريتهما المعتادة
لكن إنجي لاحظتها على الفور لتجلس على طرف
السرير و هي تحدث شقيقتها ليان و كأن
مايان غير مرئية لها أو غير موجودة معهما
في نفس المكان قائلة بسخرية لاذعة:
-الظاهر إن إحنا جينا في وقت مش مناسب
باين إن مايان مشغولة جدا.
ضحكت بخفوت و هي تشير نحو شقيقتها
لتهجما عليها في آن واحد و يأخدا منها الرواية
التي كانت تخفيها تحت وسادتها قسرا.
غمغمت إنجي بسخرية و هي تقرأ عنوان الرواية
" هوس من أول نظرة " ثم إنفجرت ضاحكة هي
و شقيقتها التي لازالت تمسك يدي مايان حتى
لا تسترجع روايتها معلقة بتنمر:
-مكنتش عارفة إنك بالتفاهة دي، بقى في حد
دلوقتي بيقرأ روايات داه إنت طلعتي قديمة
خالص.
ساندتها إنجي أختها الكبرى قائلة:
-إنت مش شايفة لبسها و شكلها، و إلا النظارة
كعب كباية اللي مخلياها شبه عزيزة جلال
أنا من رأيي تعدلي شكلك شوية قبل ما تحلمي
بالحب و العشق أصل بصراحة محدش هيبصلك
و إنت كده حتى عزت الجنايني مش هيرضى
بيكي.
دفعتها ليان على الفراش ثم أخذت الرواية
من شقيقتها و تصفحتها ثم مزقت منها عدة
صفحات من الوسط و أخرى من خاتمة الرواية
قبل أن ترميها على مايان قائلة:
-داه عشان تحرمي تعانديني مرة ثانية.
إنزلقت دموع مايان التي كانت تبكي
ب**ت بسبب ما فعلته إبنة عمها في روايتها
كعقاب لها فهي للأسف تدرس معها في نفس
الصف رغم أنها تكبرها بسنتين فليان فاشلة
جدا في دراستها و سبق لها أن رسبت سنة
في المرحلة الابتدائية و سنة أخرى في الثانوية
و في الأسبوع الماضي أرادت التغيب عن
الدراسة لكن مايان لم ترضخ لطلبها و هذا
ما جعلها تغضب منها كثيرا و تتعود لها بالانتقام
بعد أن أجبرتها والدتها على الذهاب معها للصف
و هاهي اليوم جاءتها حتى تنفذ وعدها لها رغم
أنها ليلة البارحة رمتها في المسبح لكن ذلك
لم يشف غليلها.
رمقتها إنجي بنظرات محتقرة قبل أن تشير لأختها
أن تغادرا الغرفة قائلة:
-يلا يا ليلي خلينا نمشي عشان الأمورة تعيط
براحتها.
أغلقت الباب بقوة وراءها مما جعل مايان
تنتفض بقوة و تنفجر باكية و هي تتذكر
حياتها البائسة التي جعلتها وحيدة بعد وفاة
والدتها منذ سبعة سنوات و زواج والدها من
إمرأة أخرى من حسن حظها أنها لم تنجب له
أطفالا و إلا لكان جحيمها مضاعفا،
ألا يكفيها قسوة والدها و زوجته عليها رغم
أنها كانت فتاة هادئة جدا و منعزلة لا تخرج
من غرفتها إلا نادرا حتى وجبات الطعام
أغلبها تتناولها في غرفتها و لا تشاركهم إلا
إذا كان والدها موجودا بل كذلك بنات عمها
اللئيمتان اللتين لا تتركان الفرصة لإيذائها
بسبب أو بدونه مستغلتين أنها وحيدة و يتيمة،
لا تمتلك لا أخا
و لا أختا حتى تدافع عنها، لا تعلم أنهما تفعلان ذلك بسبب غيرتهما منها فهي لطالما كانت الأذكى
و الارق و الأجمل بينهم رغم أنها كانت تفعل
ما في وسعها حتى تخفي جمالها تحت
حجابها و ملابسها الواسعة و نظارتها الكبيرة
التي تغطي نصف وجهها لكن رغم ذلك لم تسلم
منهم و من شقيقهم حازم الذي كان يرمقها
بنظرات غير بريئة أخافتها كثيرا مما جعلها
تغلق باب غرفتها و شرفتها بإحكام كل ليلة
خوف من أن يؤذيها.
مسحت دموعها و هي تتن*د بحرقة قبل أن تنحني
و تلتقط بقايا الصفحات التي مزقتها ليان
منذ قليل...وضعتها على الفراش و وقفت
لتغلق باب غرفتها ثم فتحت درج مكتبها الزهري
الصغير لتأخذ منه شريطا لاصقا و تبدأ في
إصلاح و تلصيق القصاصات بعناية و صبر،
إبتسمت رغم ألمها و هي تزفر الهواء من جوفها
عدة مرات حتى تتخلص من تلك الغصة التي
سكنت ص*رها المثقل بهموم فاقت سنوات
عمرها القصيرة بسبب شعورها الدائم بالعجز
و القهر.
رفعت عينيها الخضروان نحو صورة والدتها التي
كانت تزين حائط حجرتها متمتة بصوتها الناعم
الرقيق الذي يشبه الانغام:
-شفتي يا ماما إزاي صلحتها، و بكده هقدر
أكمل الرواية أصلها حلوة اوي يا مامي و أحلى
حد فيها هو سيف، عامل زي الأمير طيب جدا و حنين رغم أنه
إتحرم من الحب و الحنان مش عارفة ليه
تعلقت بيه اوي يمكن عشان شبهي اوي،
أنا كمان زيه إتحرمت منك و من بابا رغم إنه
حي بس إنت شايفة هو بيعاملني إزاي
كأني مش بنته الوحيدة، عارفة يا مامي
انا مش هيأس أبدا و هفضل مستنية
الفارس بتاعي اللي هييجي و ينقذني من
قصر الأشباح داه.
ضحكت بطفولية على تشبيهها لفيلا والدها
بقصر الاشباح قبل أن تأخذ الرواية من جديد
و تستأنف قراءتها مرة أخرى حتى تحلق
بعيدا في سماء الخيال و الأحلام.
في شقة فخمة تنتمي لمالكها وليد المنشاوي
تمايلت روجيدا بجسدها المغري على إيقاع
موسيقى شعبية محاولة بكل ما تمتلكه من
مقومات أنثوية جعل وليد يفقد صوابه رغم إنه لم
يكن واعي كليا بفعل ذلك المشروب المسكر الذي
كان يتجرعه منذ ساعات.
تأففت بإمتعاض و هي تتوقف عن الرقص
متجهة نحو التلفاز لتغلقه حتى تتوقف
تلك الموسيقى العالية التي كانت تنبعث منه
قبل أن تجلس بجانبه قائلة:
-مالك يا حبيبي إنت مش مركز معايا خالص
النهاردة.
أفلت وليد كوب المشروب من يده حتى
إنسكب على السجاد تحته ليلطخه و هو
يجيبها بل**ن متثاقل:
-لا أنا معاكي، معاكي أهو إنت مششش شايفاني
يلا قومي كملي رقص إنت قعدتي ليه؟
م**صت روجيدا شفتيها بسخرية قبل أن تنحني
تحته لتلتقط الكوب حتى لا يدعسه بالخطأ
و يأذيه لتصرخ بصوت متألم و هي تشعر
بخصلات شعرها تكاد تقتلع من مكانها بسبب
قبضته ليرفعها إلى الأعلى قليلا و هو يزمجر بصوت
غاضب رغم إرتخاءه:
-إنت مش بتسمعي الكلام ليه، مش قلتلك قومي
ارقصي إنت فاكراني سكرت و مش هعرف إيه
اللي بيحصل حواليا، لاااا أنا وليد المنشاوي
اللي هيبقى سيدكم كلكم يا زبالة، كلكوا
زبالة و عبيد و بكرة هتبوسوا رجلي عشان أرضى
عليكوا.
دفعها ليرتطم رأسها على حافة الطاولة و التي
لحسن حظها كانت حوافها مصنوعة من الجلد المبطن و إلا لكانت الآن في عداد الموتى.
تحاملت على نفسها لتقف من مكانها رامقة
وليد الذي إرتخى جسده و غط في نوم عميق
قبل أن تتمتم بداخلها تشتمه بكل غضب و غل
لاعنة نفسها و حياتها المزرية التي جعلتها تحت
رحمة شخص حقير مثله، إنحنت لتأخذ ذلك
الكأس و بقية الزجاجات التي وقعت بعد إرتطامها
بالمنضدة لتنظمها ثم دلفت إحدى الغرف لتغير
ملابسها العارية التي كانت عبارة عن بدلة رقص
تبرز من مفاتن جسدها أكثر ما تخفي قبل أن
تغادر الشقة.
الحكاية الثانية:
في إحدى شوارع القاهرة كانت جميلتنا فرح تسير مع صديقتها مريم و تأكلان كيس شيبسي.
تذمرت فرح و هي تضع قطعة المقرمشات في فمها قائلة:
-اوووف أنا زهقت يا مريم بقالنا كام يوم بندور
على شغل و مفيش.
رمقتها مريم بحنق قبل أن تجيبها :
-ما إنت اللي مش عاوزة تسمعي كلامي و م**مة
ندور بس في المكتبات و المحلات المعفنة دي.