صباح اليوم التالي..
تأففت فرح بضيق و هي تغلق باب الشقة وراءها
حتى تخرج لشراء بعض الأغراض للمطبخ.
إستدارت حتى تنزل الدرج لكن صوت جارتهم
"أم فادي" رويترز الحارة كما يسمونها إستوقفها:
-صباح الخير يا بت يا فرح، نازلة فين
من بدري قبل الشحاتة و بنتها .
قلبت الأخرى عينيها بملل و هي تعلن بداخلها
أن موعد النشرة الصباحية قد بدأ، إلتفتت نحوها
تخصها بنظرات شاملة و هي تبتسم له دون
مرح قبل أن تجيبها:
-نازلة اشتري شوية حاجات للبيت عاوزة حاجة
يا ام فادي.
مرجحت الأخرى شفتيها دليلا على عدم
رضاها و هي تستند بذراعها على باب شقتها
قائلة:
- و مالك ياختي بتردي من غير نفس كده، داه
انا حتى كنت بصبح عليكي داه السلام لله.
ردت عليها فرح بوقاحتها المعهودة ول**نها
السليط الذي يجعلها في شجار دائم مع أغلب
نسوان الحارة خاصة أم فادي:
-جرى إيه يا ولية بتجري شكل عالصبح و عاوزة
تتخانق، شايفاني طالعة و لابسة الاسدال
هكون رايحة فين أتفسح في البارك و إلا في
جنينة الح*****ت، ثم إنت مالك انا اطلع
و إلا أتنيل عاوزة مني إيه و بتسألي ليه أصلا
كل صبح واقفالي زي بواب الشقة عاوزة إيه؟
ردت عليها ام فادي و هي تضع يديها في
خصرها و تهزه إستعدادا لبدأ الشجار:
-ما تلمي نفسك يا بت و إلا إنت عشان مش
لاقية اللي يلمك لا أب يحكم و لا زوج
يشكم.
أص*رت فرح ضحكة رقيعة اجادتها و هي
تصفق بيديها بعد أن وضعت حافظة نقودها
تحت إبطها ثم صاحت بصوت عال غير
مبالية بأن يسمعها الجيران:
-شوفوا مين اللي بيتكلم عن الرباية
سميحة الق**حة بنت فادية الرقاصة
يا بت لما ما إنت مبتعرفيش تتكلمي
بتتعرضي للناس ليه، خشي شقتك يا أبلة
و بلاش الحركات دي عليا عشان أنا اللي
إخترعتها أساسا، خلي فادي إبنك يعيش و لو على
خيال المآتة جوزك سي رجب أفندي.
قالتها بسخرية و هي تمط شفتيها بتعمد
حتى تضغط على الكلمات مضيفة من جديد:
-إنقعيه في الصودا و الخل و إشربي ميته
أنا لو كنت عاوزاه كنت خدته من زمان...يلا
هسيبك دلوقتي أصلي مستعجلة دلوقتي بس
لو عاوزة نكمل خناقتنا إبقي إستنيني لما
أرجع.
خطت فرح بقدميها إلى الأمام قاصدة مشوارها
و هي تضحك باستمتاع بعد أن لمحت ملامح
ام فادي التي تكاد تنفجر من شدة الغضب قبل أن تغلق الباب بعنف في وجهها، وصلت أسفل
البناية لترفع يدها حتى تخفي عينيها من أشعة
الشمس التي كادت سقطت مباشرة عليها.
سلمت على ام سيد بائعة الخضر التي كانت
تجلس على مقعد بلاستيكي وراء الطاولة
الخشبية (نصبة) التي كانت تضع
عليها بضاعتها المقسمة إلى عدة انواع كل
نوع في صندوق:
-صباح الخير يا أم سيد.
اجابتها الأخرى و هي ترمي إحدى حبات
الطماطم المعفنة في صندوق وضعته خصيصا
لتضع فيه الخضار الفاسدة:
-يسعد صباحك يا زينة البنات.
ضحكت فرح و هي تفتح حافظة نقودها
الصغيرة التي كانت تحتوي على مبلغ زهيد
لتأخذ منه بعض الوريقات النقدية لتحتفظ بها
في يدها ثم هتفت معلقة بمزاح على لقبها المحبب
الذي تناديه بها هذه الجارة الطيبة:
-تسلمي يا خالتي أم سيد و الله ما في حد
مقدر قيمتي في الحارة المعفنة دي.
اشاحت أم سيد بيدها قائلة بصوت من يسمعها
يظن أنها تتكلم بجدية:
-بكرة يعرفوا، متستعجليش على رزقك
يا بنتي، إلا قوليلي أمك عاملة إيه بقالي
كثير مشفتهاش.
إبتسمت فرح بخفة و هي تمد لها بعض
النقود لتأخدها منها الأخرى قائلة:
-كويسة الحمد لله بس إنت عارفة
ساعات رجليها بتثقل و متبقاش قادرة
تنزل السلم، خدي دول نقيلي شوية خضار
على زوقك، أنا هروح للبت سامية أشوفها
عملتلي إيه في موضوع الشغل و ارجعلك
مش هتأخر.
اومأت لها ام سيد و هي تقول:
-ربنا يفتحها في وشك يا بنتي و تحققي
كل اللي إنت بتتمنى، أنا مش عارفة هي
الحكومة لما مش قادرة توفرلكوا شغل
لازمتها الشحططة من المدرسة للجامعة
و تعب و مصاريف.
تن*دت فرح باستياء على حالها فهي قد
أنهت دراستها الجامعية منذ ثلاثة سنوات
و لازالت لم تجد عملا بعد في أي مكان
رغم أن" رجليها حفت " كما يقال باللهجة
العامية و هي تجوب الشوارع يوميا دون
فائدة مثلها من لا يمتلكون واسطة قوية
تمكنه من العمل في أي مكان يريده او أموال
ليفتح بها مشروعه الخاص يظلون سنوات
طويلة و هم ينتظرون دون فائدة.
همهمت و هي تردد بل**نها بدعاء:
-آمين يسمع من بقك ربنا،أنا محتاجة
معجزة عشان ألاقي شغل، أنا و الله قابلة
أشتغل اي حاجة المهم أقدر اوفر شوية فلوس
اساعد بيهم امي الغلبانة و أخويا.
تأسفت ام سيد على حالها فهي جارتهم
منذ سنوات طويلة و قد كانت شاهدة على
جميع المآسي و الصعوبات التي تعرضوا لها
بدءا من وفاة والدها و شقيقها الأصغر في حادث سيارة عندما كانت فرح تدرس في السنة الأولى
جامعتها و مرض والدتها و تدهور حالتهم المادية
حتى أنهم اضطروا في فترة ما إلى بيع
أثاث منزلهم حتى يشتروا ثمن الطعام
و لو لم تكن شقتهم ملك أي انهم لا يضطرون إلى
دفع ثمن الكراء لكانوا الان في الشارع.
حركت أم سيد رأسها لتنفض عنها تلك الذكريات
الأليمة و هي تستمع لإحدى الزبونات تسألها
عن ثمن كيلو الطماطم.
-بكام الطماطم يا أم سيد؟
أجابتها المرأة و هي لازالت تنظر نحو فرح
التي كانت تبحث عن شيئ في حافظة
نقودها:
- بثمانية جنيه بس.
شهقت المرأة مستنكرة غلو الاسعار و هي لازالت
تقلب الخضار أمامها حتى تختار ما ستشتريه:
-الله ليه بس كده يا أم سيد، مإمبارح كان بسبعة
بس؟
أم سيدة ببرود:
- السوق نايم اليومين دول، و البضاعة مفقودة.
تحدثت المرأة بانزعاج :
-ماهو بسبعة عند عم أبو سعيد.
تدخلت فرح و قد إستفزتها هذه المرأة
العنيدة : و لما هي بسبعة عند ابو سعيد
ماخدتيش من عنده ليه؟ و إلا إنت جاية هنا
عسان تصدعي دماغاتنا.
إلتفتت نحوها المرأة ترمقها باستخفاف
قبل أن تذهب و هي تبرطم بكلمات غير
مسموعة ليزداد حنق فرح التي إستغفرت بصوت عال ثم أضافت:
- هي مالها نسوان الحارة النهاردة
يا خالتي.
أم سيد بضحك و هي تختار بعض الخضروات
و تزنها من أجل فرح و تضعها في أكياس بلاستيكية
شفافة:
-سيبك منهم، دي نسوان فاضية و مش لاقية
حاجة تعملها، إلا قوليلي هي الولية مرات
رجب لسه بتتعرضلك.
زمت فرح شفتيها و هي ترفع يدها نحو
رقبتها لتمسدها دليلا على شعورها بالاختناق
و هي تجيبها:
-و كاتمة على نفسي.. بفكر أزقها من السلم
عشان ارتاح منها و من ق*فها.
أم سيد:
-كبري دماغك منها دي وليه سو..مش
ذنبك إن جوزها عنيه زايغة و مش سايب
ست في حالها.
تن*دت فرح بأسى مؤيدة كلامها:
-و هي بإيدها تعمل إيه، المسكينة طلقها
مرتين داه غير البهدلة و الإهانة و مفيش
يوم بيعدي عليها من غير
تأخذ منه علقة، انا ساعات بندم بعد ما
أتخانق معاها، منه لله ل**ني دايما فالت
مني بس هي تستاهل تصوري عاملة عليا
رباطية هي و الولية نعمات اللي في الدور
الأول و بيتعرضولي في الرايحة و الجاية
قال إيه خايفين على أجوازهم، أنا مش عارفة
هو مين اللي فهمهم إني اللي ماجوزينهم دول رجالة
اصلا، واحد عنيه زايغة و بتاع ستات و الثاني
حشاش و مقضيها من غرزة لغرزة، حاجة
تق*ف.
ضحكت ام سيد و هي تشير لها نحو جارتهم
التي تتحدث عنها نعمات و هي قادمة
من الجهة المقابلة، متعمدة التمايل بجسدها الممتلئ
و التدلل لتهتف فرح و هي تقلب عينيها
بضجر و ملل تام معلنة بمزاح لا يخلو دائما من
كلامها حتى لو كانت غاضبة:
-يا ريتني إفتكرت مليون جنيه.. يلا يا خالتي
فتك بعافية انا لازم اروح حالا قبل ما ما ارتكب
جناية النهاردة.
ضحكت أم سيد و هي تشير لها بيدها تودعها
و في نفس الوقت كانت تتمتم بكلمات تدعو الله
من قلبها أن يرأف بحال هذه المسكينة و أن
يرحمها.
وصلت فرح بعد أن سارت على قدميها قرابة
خمس دقائق إلى محل لبيع الملابس النسائية
دلفت و هي تلتفت حولها بحثا عن صديقتها
سامية التي وعدتها منذ أيام أنها سوف
تبحث لها عن عمل تعيل به نفسها و عائلتها
وجدتها تتحدث مع إحدى الزبونات في قسم
العباءات، إتجهت نحوها و هي تنادي عليها
و ما إن رأتها الأخرى حتى أشارت لها أن
تنتظرها قليلا حتى تنتهي.
مرت قرابة خمس دقائق حتى إستطاعت
سامية إقناع الزبونة ان تشتري العباءة
و معها خمار بنفس لونها...وضعته لها في
كيس ثم اخذتها نحو الكاشير حتى تدفع
ثمنه و هي لازالت تتملق و تمدح بضاعتها
و تحاول إقناعها بشراء المزيد.
عانقت سامية فرح و هي ترحب بها قائلة:
-معلش يا حبيبتي تأخرت عليكي بس
الولية كانت لزقة بشاااكل، يا لهوي روحي
طلعت عبال ما قبلت تاخد حتة عباية
ولية جلدة انا شفت المحفظة بتاعتها
فيها كومة فلوس قد كده.
فرقت يديها عن بعضهما لتصف لها ما رأته
لتضحك فرح قائلة:
-يخرب عقلك يا بت و كمان بتتجسسي
عليها، سيبي الست في حالها هي حرة
مش عايزة تشتري.
مطت سامية شفتيها و هي تسير بها نحو
إحدى الأركان حتى تتحدث معها براحتها
ثم هتفت بتذمر:
-ياختي الشغل عاوز كده، أي زبونة لازم
تدخل متطلعش غير و هي شايلة في إيدها
كيس و إلا إثنين، و تذوقنا فلوسها.
تنحنت فرح بإحراج تريد أن تسألها في
أمر العمل لكن سامية قاطعتها و هي تتأسف
لها:
-أنا عارفة إني تأخرت عليكي بس و الله
لسه موصلتش لحاجة، و إمبارح سألت كل
المحلات اللي جنبنا لو كانوا عايزين حد
يشتغل معاهم بس كلهم كومبلي، لكن انا
مش ناسياكي طبعا و كل أسبوع برجع
أسألهم.
أومأت لها فرح و هي تتن*د بخيبة أمل
لكنها إستطاعت رسم إبتسامة مقتضبة رغما عنها
على وجهها حتى تطمئن صديقتها فهي
تعلم انها قد فعلت كل ما بوسعها لمساعدتها
قائلة بصوت من**ر:
-كثر خيرك تعبتك معايا يا سامية.
نهرتها الأخرى و هي تلومها:
-إخص عليكي يا بت متقوليش كده
إنت عارفة غلاوتك عندي ربنا يعلم انا
يعتبرك زي اختي و أكثر كمان.
أمسكت بيد فرح لتضع فيها بعض الورقات
النقدية و هي تضيف:
-خدي دول لغاية ما ربنا يف*جنا.
جذبت فرح يدها و هي تشهق مردفة
برفض ممزوج بالإحراج:
-لالا، انا مش عاوزة فلوس، كفاية
اللي أنا خذته منك قبل كده، انا تقريبا
بقيت بقسم معاكي مرتبك.
إبتسمت لها الأخرى مطمئنة إياها
مردفة بمرح :
-قلتلك إحنا اخوات و بعدين دول سلف
و أول ما تشتغلي و تقبضي مرتب هترجعيلي
كل فلوسي.
حركت فرح رأسها و هي تنظر لها بإمتنان
فسامية كانت لها نعم الصديقة و رغم ان ظروفها
متوسطة فهي الأخرى تعمل لكي تساعد
عائلتها إلا أنها لا تتأخر عن مساعدتها و لولا
إحتياجها لما أخذت منها و لا جنيها.
شكرتها كثيرا ثم إستأذنت و غادرت
و هي تأمل أن تجد حلا عما قريب
خاصة مع مرض والدتها.
كانت تسير شاردة في الطريق عائدة
إلى أم سيد حتى تأخذ أكياس الخضر
و تعود للمنزل لتنظيفه و إعداد طعام الغداء
عندما قاطع طريقها رجب جارهم..
تحدث بصوته السمج و هو يسير محاذيا
لها:
-صباح القشطة، يا ست البنات.
رمقته بسخرية و هي تجيبه بملل فمزاجها
اليوم معكر و لا طاقة لها بمجادلة أي كان:
-أهلا يا عم رجب إزيك و إزاي أم فادي.
تجهم وجه الاخر بضيق ففي كل مرة يحدثها
ترد هي عليه ببرود يحاكي جليد القطب الجنوبي
إلتفت للجهة الأخرى و هو يشتم بصوت منخفض
لكنه لم ييأس بل عاد يحدثها بإلحاح:
-ليه بس كده يا ست البنات داه أنا شاري، و بالغالي
كمان بس إنت تقولي أه، داه حتى الفرق بينا
مش أكثر سبع، ثمن سنين.
تحدثت بلامبالاة بينما كان عقلها يفكر في
مشاغل أخرى:
-قصدك ثمانتاشر عشرين سنة ما تقول
لفادي ابنك و هو هيعلمك الحساب.
نفخت بضيق و هي تتوقف فجأة عن السير
ثم إلتفتت له و قد بدأت عيناها تلمعان
بالشرر إستعدادا لبدأ معركة جديدة:
-بقلك إيه يا عم رجب لأخر مرة هقلك أنا مليش في
الكلام داه كله، أكبر مني أصغر، مش مهم
و لا فارق معايا أصلا، إنت كلك على بعضك مش
شايفاك قدامي فسيبني في حالي عشان
بجد انا فيا اللي مكفيني و مش ناقصاك
و عشان أريحك انا مش بفكر في الجواز لا
دلوقتي و لا بعدين و لا عاوزاك إنت و لا غيرك
إرتحت.
حرك رجب يديه في الهواء و هو ينفخ ص*ره
بفخر كد*ك رومي ليبدأ في تعديد مميزاته أمامها:
-و لازمته إيه الكلام داه كفا الله الشر، الجواز
داه سنة الحياة و إنت مشاء الله في سن جواز
و كلها سنة و إلا و هتعنسي، و أنا راجل مقتدر
الحمد لله و أقدر افتح بدل البيت إثنين و كله
بشرع ربنا.
همست فرح تردد الاستغفار عدة مرات
و هي تحاول تهدأة نفسها حتى لا تفتعل
فضيحة في الشارع رغم أنها كانت تتمنى فعل
ذلك حتى لا يتعرض لها مرة أخرى لكنها لم
تستطع ففي قلبها هموم و مشاكل اهم و أشد
من هذا العجوز المعتوه، نفخت الهواء عدة مرات
قبل أن تهدر بحدة و هي ترفع سبابتها في وجهه
و تمنت لو انها كانت خنجرا أو سكينا حتى
تمزق بها هذا الوجه المثير لإشمئزازها:
-بقلك إيه يا إسمك إيه، مش عشان انا ساكتالك
من الصبح هتسوق فيها، انا لو ليا مزاج
دلوقتي كنت ف*جت عليك أنه لا إله إلا الله
و أعملك فضحية و طبعا إنت عارفني كويس
ل**ني طويل و متبري
مني أصلا، فأحسنلك تبعد عن سكتي عشان
الشيطان دلوقتي قاعد بيلعب بدماغي بمفك.
تابعت طريقها و هي تشتمه من جديد:
-أنا مش عارفة هلاقيها منين و إلا منين
يا ميلة بختك يا فرح يوم ما يجيني عريس
يطلع متجوز و عجوز قد ابويا
يا رب حلها من عندك انا تعبت و معادش فيا
حيل.
وصلت عند ام سيد و هي لا تزال تشتم،
ناولتها الأخرى أكياس الخضار و هي تهدأها
بعد أن حكت لها فرح كل ما حصل معها.
-شوف الراجل الناقص، يعني مش ناوي يحس
على دمه و يعتقك داه إنت لسه مبهدلاه
من أسبوعين و عاملاله فضيحة في
نص الشارع، أنا لو شفته هوريه فاكر إنك
عشان إنك واحدانية إنت و أمك و ملكيش راجل يدافع عنك هيقدر يسيطر عليكوا و يخليكي
تقبلي بيه خصوصا مع ظروفك دي.
تحدثت أم سيد و هي ترمق فرح بشفقة
و التي إنتفضت تدافع عن نفسها و كأنها لبوة
شرسة على وشك اسرها:
-داه بعينه نجوم السماء اقربله، قسما بالله
المرة الجاية لكون واكلاه باسناني هو فاكرني
إيه غلبانة و جناحي م**ور، انا بس مش
فاضياله و عندي بلاوي متلتلة فوق دماغي
أهم منه بس معلش انا هعرف إزاي أتصرف معاه
معلش اعذريني،
تعبتك معايا يا خالتي ام سيد انا لازم ارجع البيت دلوقتي
عشان تأخرت على أمي و هبقى أعدي عليكي
بكرة إن شاء الله.
تابعتها أم سيد بعينيها حتى اطمئنت انها دخلت
باب عمارتهم ثم عادت لتهتم بعملها و هي
تترصد ذلك المدعو رجب حتى تخبره ان
يبتعد عنها خاصة و أنه بفعلته هذه
سيجعل فرصتها في الزواج تقل و لن
يجرأ أي شاب على التقدم إليها.
دلفت فرح شقتها و هي تتأوه بتعب من
ثقل الأكياس التي حملتها و صعدت بها
ثلاثة طوابق، وضعتهم على طاولة المطبخ
ثم عادت إلى والدتها التي خرجت للتو
من غرفتها و هي تسير بخطوات متثاقلة
بسبب ألم ركبتيها (الروماتيزم) التي يعاني منه
أغلب كبار السن.
جلست على الاريكة و هي تطل برأسها نحو
المطبخ ثم قالت:
-جبتي الخضار من عند ام سيد يا فرح؟
أومأت لها فرح و هي تزيح حجابها
و تفرد شعرها على ظهرها حتى تعيد
ربطه من جديد:
-أيوا يا ماما جبتهم و هي سألتني عليكي
و انا قلتلها إنك تعبانة شوية عشان مبقتيش
تنزلي و كمان عديت على البت سامية بس
للأسف قالتلي إنها لسه بتدور.
لوت ماجدة شفتيها بعدم رضا قبل
أن تهدر بتبرم:
-ربنا يحلها من عنده قادر يا كريم، بقالك
شهور بتدوري و لسه ما فيش حاجة
داه حتى معاش ابوكي بقى بيكفي مصاريفنا
بالعافية.
وقفت فرح و هي تلملم حجابها و حافظة
نقودها أخذتهم نحو غرفتها ثم خرجت
لتتجه نحو المطبخ لتنظيم الخضر في الثلاجة
و إعداد طعام الغداء حتى تتجنب الحديث مع
والدتها التي لا تنفك تشكو و تتذمر
من حالهم خاصة مع إزدياد مرضها الذي كان
يمنعها من إعالة صغارها.. رمقتها فرح بنظرة
مشفقة و هي تتمنى لو أن باستطاعتها
إيجاد و لو عمل بسيط حتى تخفف
عن والدتها.
في الفيلا الخاصة بسليم الشافعي.
كان سليم كعادته كل صباح يتمشى
في حديقة الفيلا و بجانبه كلبه "سيزار"
من نوع "الدوبر مان" الذي لا يفارفه
في كل جولاته و لا يتركه إلا عند دخوله
إلى الفيلا فسليم رغم حبه للكلاب التي
وجدها أوفى من البشر إلا أنه كان يرفض
دخول أي منها إلى المنزل.
مرر يديه على صفوف الورود الملونة
التي كانت مرصفة بجانب بعضها لتعطي
منظرا رائعا يريح بصر كل من يراها،
بينما يده الأخرى كانت تتحسس هاتفه
كل ثانية ينتظر بفارغ الصبر ان تهاتفه
فرح.
فجأة توقف عن السير عندما سمع كلبه
سيزار يزمجر ليعلمه بوجود شخص ما
غير مرغوب فيه، إبتسم سليم بخفة
عندما فهم ان هذا الشخص ليس سوى وائل إبن خالته،الوحيد الذي كان يتردد على زيارته بين الحين و الاخر من جميع أفراد عائلته الذين
نسوه بعد إصابته بالحادث.
تقدم وائل نحو سليم و هو يكشر في وجه
سيزار الذي كان يبادله نفس الشعور فأحيانا
الح*****ت تعلم بحقيقة قلوب بعض البشر
المنافقين كوائل فهو لا يزور إبن خالته حبا
به بل لغاية في نفس يعقوب ستكشفها
الايام هذا بالإضافة إلى تلك الأموال التي
لا يتردد سليم في منحه إياها بين الحين
و الاخر.
مد وائل يده حتى يصافح سليم و هو يقول
متحاشيا نظرات سيزار الذي كان ينتظر فقط
إشارة من سيده و ينقض عليه ليفتك به:
- إزيك يا سليم عامل إيه؟
أومأ له سليم برأسه قبل أن يجيبه بالكلام:
-أنا تمام الحمد لله، اخبارك إيه و إزاي
العيلة؟
قطف وائل وردة و اخذ يتلاعب ببتلاتها
ثم طفق يحكي له كعادته على ظروفه
السيئة :
-الحمد لله عايشين، خالتك لسه زي ما
هيا لسه حالتها متحسنتش و الدكتور قال
إننا لازم نسفرها برا أحسن بس بابا
رافض عشان التكاليف كثيرة و بيقول
كمان إن حالتها متأخرة و ما فيهاش امل و كل اللي
هنعمله هيكون عالفاضي، و انا من يومين
عرضت المطعم بتاعي للبيع و اديني مستني
أول زبون يكلمني هبيعهوله على طول
بأي ثمن، المهم يكفي تكاليف السفر و العلاج.
سكت قليلا ليرفع رأسه نحو سليم
الذي كان يتابع حديثه بتأثر ليبتسم بخبث
و هو يرمي بقايا الوردة على الأرض و يدهسها
بقدمه هو يتخيل انه يدهس سليم هكذا
تحت حذاءه بعد أن يسلبه كل ثروته فحسب
رأيه رجل عاجز مثله بلا زوجة و لا أولاد
ماذا سيفعل بكل تلك الأموال التي يمتلكها.
إتسعت إبتسامته قبل أن يلوي شفتيه بسخرية
من سيزار الذي زمجر من جديد و كأنه يحذره
من أن يتعرض لسيده بأذى و يذكره بوجوده
لحمايته.
أما المسكين سليم فلم يكن يعلم بوجود
هذه المعركة الخفية بين إبن خالته الحقير و كلبه
الوفي ليتحدث قائلا:
-طب قلي إنت على المبلغ الباقي و انا
هحوله على حسابك ، دي مهنا كان خالتي و انا مش
هقف أتف*ج عليها و هي بتموت.
أضاف هامسا و هو يتحرك ليسير من جديد
مستمتعا بملس الورود الناعمة تحت يديه:
-لو كنت زي زمان كنت انا اللي سفرتها بنفسي
و ما سبتهاش تفضل كده بس انت شايف
كل ظروفي تغيرت للأسف.