طرقت باب غرفته ولم تستمع إلى رد، أدارت مقبض الباب ولم تجد أحداً، وأتتها فرصة البحث في مكتبه علّها تلتقط شيئاً
سارت نحو رفوف المكتبة وببراعة تُحسب لأباد لم يترك أثراً يقودها إلى لمس وجود ناهض.. بحثت في أوراق مكتبه، خزانته وعدته!
تركت عنها البحث بهزيمة لم تنكرها وغلبها أباد كما كل مرة بدهائه!
تركت عنها ما يتعلق بالمحتوى الذي تنشده، وطفقت بالبحث عن القهوة، أين يمكنه أن يخفيها؟ يبهرها ببخله والاحتفاظ بكل ما يملكه بطريقة مستفزة، لكنه لن ينجو من براثنها وستجدها!
في أثناء انشغالها بإحدى الخزائن الأرضية اكتشفت وجود مرطبان الزيتون الذي جاءت به علياء، ومرطباناً يحوي زيت الزيتون بداخلها، ذُهلت منه وشرعت بالتقاط صورة للجريمة النكراء بحقه ولم يلتقط عقلها دخوله بهسيس خطواته ولم تستشعر إلا ظله العاكف فوق رأسها
-أنت شو بتساوي هون؟
التفتت إليه بصدمة ورفعت يدها التي تحمل الهاتف..
-كنت جاية أدور ع المجموعة القصصية اللي ناوين تنشروها للمدارس، وإزا بدك أورجيك الإيميل اللي وصلني لأشيك عليهم..
كاذبة ويعلم بكذبتها وتعلم بعلمه ذلك لكنهما متورطان، هي بالتطفل على مساحته، وبالتأكيد هو لاحتفاظه بما لا يملكه..
-طيب وشو بدك فيهم!؟
-ولا إشي بس الفصل ماشي إله فترة، وبدهم يوزعوا المجموعات ع المكاتب المدرسية وبس يعني..
رفع نظارته ودعك طرف أنفه
-المشكلة أنه إحنا معجوقين ومشغولين جداً هالفترة، ما بعرف كيف رح ننجزهم مع كل هالعبء اللي فوق راسنا..
رفعت حاجبها بتهكم، (مشغولين وأعباء) منذ متى والدار ملجأ الأشباح الدافئ! ناهيك عن عروض الرقص التي يجريها الغبار لقلة زائريها وعملها
نهجت منها فرصة وسألته بلهفة..
-أعباء ما في غير هالمجموعة؟ معقول جاينا إشي جديد وأنا ما بعرف! وكمان صحيح مين هو اللي اليوم كاين هون وموقع عقد معك؟
-ما حدا إجا أنا لسا من شوي واصل، وفتت ولقيتك تتطفلي ع أشيائي، وبالمناسبة مجموعة المدارس تم تسليمها من أسبوع، سلمتها بارعة لما كنت طالعة ع جمعية النساء العربية، بس في مجموعة رح تدققيها لمنظمة تواصلت معنا للعناية بالطفل أوك؟
أومأت بسخط، وبقت متمسكة بحبل الصبر علها به تصل إلى شيء... تجاذبت معه أطراف الحديث وجرجرت خيبتها، بلا قهوة ولا معلومة تُذكر..
الاسم: أباد ..
سخي في بخله، شحيح في سخائه ..
هائم بلا أرض تحتويه، وحيدٌ ولا خير في سكن!
الوظيفة :مدير الدار شخصياً
*******************
لقد وهب دجلة السحر لكل من اغترف من نهره، وروى الفرات بذهبه الأزرق الحناجر الذهب، لذا قالوا صوت العراقي إذا تكلم أغنية؛ ماذا لو غنّى!
يتراءى للرائي من الوهلة الأولى صورة عابث بسوار يقيد الكف يحوي خريطة فلسطين، والرقبة تحتفظ بسلسلة لا يراها إلا القريب في وسطها يرقد مفتاحٌ بسلام احتجزته الروح قبل الجسد، كُنِز لأعوامٍ طويلة وتناقله الجد، الأب فالحفيد، فيه وعد العودة لأحقيتها!
الاسم :سيّاف ..
يافاوي الهوية والحلم ..
كالبحر في مكنونه جوهر، أمواجه متلاطمة لا تأمن سكنها، شواطئه تعبث بالأمان وفيها قلبك يرسى!
الوظيفة: ممرض تخدير، وكبير قسم البائسين!
عن يمينه ملهم يفوقه بالحجم والعمر والنضج، لا كلاهما أبعد ما يكونا عن النضج، يقود السيارة بهدوء، وحالما وصلا وجهتهما ركن السيارة ومضيا في طريقهما .
بمهمة وظيفية جاءت زيارتهما، والنية كانت ذهابهما لمؤسسة نهر الأردن، لشراء بعض المشغولات وصابون خاص، ليتم عرضه وبيعه في بازار الجاليات العربية، لكن حين تكون الرفقة ممثلة بسيّاف ال**بث وملهم الهاوي، فالمهمة الوظيفية لها أركان أخرى، منها السير في شارع الرينبو، الشارع الذي يعد من أقدم شوارع المكان!
-يزم (يا رجل)حد بشوف المنظر هاد وبضل إله نفس يروح ع قسم التخدير بالمستشفى، هالمكان بخدّر لحاله.
هتف بها سيّاف بخمول يربت على معدته بعد وجبة فطور من مطعم فلافل القدس..
رد ملهم المتخم من فطوره هو الآخر بعد الجولة التي قضوها في السير بالشارع والتقاط الصور:
-لا والله، ولا أنا كيف بدي أروح ع المكتب عشان أوقع أوراق غ*ية وبلا قيمة!
ناظره سياف بفخر، هذا الملهم الذي يلتقطها بسرعة البرق، ويفهم ما يحتاجه:
-يعني شو رأيك تروح للسيارة تجيب العود، ونولعها؟
-لا ما رح نولعها هون، رح نولعها فوق راسك وقت تتأخر عن مناوبتك يا فالح..
-سيبك مني وجيبه يا سيدي، بدبر راسي أنا..
كانت الفكرة تراود ملهم، فكل هو ما أثري وقديم يلهمه، ويترك عبق صوته على جدرانه، لذا لم يتردد لثانيتين وذهب لسيارته وعاد ليجد الأ**ق سياف يجري حواراً مع مجموعة سائحات ويلتقط الصور معهن والضحكة تشق وجهه، هز رأسه بلا فائدة، لقد أذهبن بالشقرة والعيون الملونة ما تبقى من عقله، وصلهم وحينما وجد انهماكه، ترّبع على الشارع وغنّى بصوته:
"على الرمال، على الخليج
جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج"
في أثناء غنائه وهيام الفتيات واصطفاف المارة من حوله مأخوذين بالصوت، كان سيّاف يشرح لهم عن الشارع بلغة عربية صحيحة يفهمونها:
-هذا الشارع من أقدم شوارع الأردن، يعد جزء من تاريخ وتراث هذا البلد .
يستقبل إيماءات فهمهم ليكمل بعربيته أو يحدثهم بلغتهم
-سمي بالرينبو نسبةً لسينما كانت فيه، تجدون فيه مسرح عين الشمس دار السينما قديماً والمركز الثقافي البريطاني، ومؤسسة نهر الأردن المعنية بنساء البلد بمشارعيهن ..
يأخذه العزف والغناء ويكمل:
-تجري حوله الكثير من النشاطات الثقافية مثل سوق جارا وفعاليات فنون الشارع من عزفٍ ورسمٍ وغيره ..
ومض دماغه بما غفل عنه:
- وهناك مطعم القدس من أشهر مطاعم المدينة ستذهلون بما يقدمه ويصنعه والأهم طعم الفلافل فيه ..
لم ينسَ بالطبع الحديث عن مؤسسة نهر الأردن وأخبرهم هدفها المتمثل بالنساء والأطفال برق الاهتمام في أعينهم فتمتم هامساً :
-من كل اللي حكيته ما لقطتوا الا دعم النسوان!
استفاض بالشرح أكثر وأكثر، حاول التملص منهم إذ أن ذهنه لم يعد حاضراً كان مع من يغني هناك اقترب منه ارتفعت حنجرته وهبطت بتأثر لا ينكره.. صوت ملهم يجوب أروقة القلوب بزلزلته!
-البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما يكون
والبحر دونك يا عراق"
التقط الهاتف ووثق لحظته، يجرّه الحنين وتعبث الكلمات بقلبه، ليته يعود الآن لفلسطين يتمرغ بين طياتها ليت!
"متى أعود، متى أعود؟
أتراه يأزف، قبل موتي، ذلك اليوم السعيد؟"
أنهى القصيدة التي لحنها قلبه، وحين رأى أن لا أمل بفض الجمع من حوله ولا نهاية لصور السيلفي التي سيلتقطها مع السائحات، استقام وأخذ العود ضمه للحقيبة واستدار حيث المؤسسة قائلاً لرفيقه..
-قوم، قامت قيامتك وقيامتهن، وراك مرضى بدهم يفوتوا عمليات ..
مضى والآخر يلحقه فأكمل:
-ربنا يكون بعونهم ما ظنيت واحد يصحى من يوم إنه واقع تحت إيدك!
-بالله عليك ما انبسطت، لا تنكر؟
مط شفتيه وأجاب:
-لا، ليش طاوعتك ما بعرف!
-عشان أنا بستاهل ..
التفت إليه ولم يغفل سيّاف عن وميض القسوة في عينيه :
-أنت اللي أثبتت اللي إنك بتستاهل ..
الاسم: ملهم..
مدائنه بغداد وصوته دجلة..
هائم على وجهه، يرتجي القبس دون مشكاة!
الوظيفة : محامي مع وقف التنفيذ