الفصل الأول
في بلدة كورلوداغ ..تعيش الفتاة الجميلة هزان شامكران صحبة أختها الوحيدة
إيجه..هي مهندسة زراعية ..درست الإختصاص في اسطنبول ثم عادت إلى مسقط
رأسها عندما توفيت أمها منذ ستة أشهر بعد إصابتها بمرض مزمن..و تأثر والدها
بذلك شديد التأثر ..فصارت هي المسؤولة عن زراعة الأرض و الإعتناء بها ..و
أصبحت هي التي توجه العمال و تختار نوع المزروعات المناسبة لأرضها..و زاد
حزن والدها على وفاة أمها و توفي منذ أسبوعين تقريبا..فوجدت هزان نفسها
تقوم مقام الأب و الأم لأختها إيجه التي ستجتاز إمتحان البكالوريا في نهاية السنة
الدراسية ..و صارت هي التي تدير شؤون المنزل و الأرض أيضا..اليوم..استيقظت
هزان باكرا..ارتدت سروالا بني اللون و قميصا بلون الكراميل و غطت شعرها
بوشاح بني و احتذت حذاء يصل إلى ركبتيها و ركبت حصانها الأبيض الذي أسمته "
أوموت" و انطلقت إلى الأرض..لم تجد أحدا من العمال..نادت على مسؤول
العمال السيد بهجت و سألت"عم بهجت..أين العمال؟" تغيرت ملامح الرجل
الستيني و هرب بعينيه منها و أجاب" أنا آسف يا آنسة..لقد تركوا العمل" رفعت
هزان حاجبها استغرابا و قالت" لماذا؟" قال" لقد ذهبوا للعمل في الأرض
المجاورة..لقد تضايقوا من تأخر أجورهم و قرروا.." قاطعته" .يا للأسف..لم
أتوقع منهم ذلك..أعلم أنني أمر بأزمة خانقة لكنني كنت أبحث لهم عن حل" قال
بهجت" أنا معك هزان هانم..لن أتركك..أما البقية..فقد ذهبوا للعمل عند المالك
الجديد للأرض المجاورة" سألت" و من يكون ؟" أجاب" ياغيز إيجمان" هزت هزان
..رأسها بحزن ثم أخذت المسحاة و شمرت عن ذراعيها و بدأت تفلح أرضها..ي الأرض المجاورة..كان العمال كخلية النحل..يعملون بجد و دون توقف أو
تراخي..و كان هناك رجل ثلاثيني يلبس قميصا و سروالا أ**دي اللون و يضع
نظارت شمسية سوداء تخفي عينيه البلوريتين..ملامح وجهه كانت توحي بالصرامة
و القسوة و القوة..رجل قوي الشخصية..ذو ثراء فاحش..يعشق شراء الأراضي و
استغلال نقاط ضعف المالكين لكي يحصل على الأراضي بأسعار بخسة..كل
العاملين لديه يخافونه و يخشون سطوته..فتح باب القصر الذي يقع في طرف
الأرض و دخل..نادى بصوت جهوري " عكاش..تعالى" اقترب منه رئيس
العمال..رجل في أواخر الخمسينات من عمره..وقف أمامه و قال بصوت مرتعش"
نعم سيد ياغيز" قال" يجب أن تفهم العمال أنني لا أريد أي تهاون..لن أرحم من
يقصر في عمله..هل هذا واضح؟ و ستكون أنت المسؤول أمامي..كن مستعدا"
ابتلع الرجل ريقه و قال دون أن ينظر إليه" أعلم ذلك سيدي" ..أشار إليه أن يخرج
..وقف للحظات أمام النافذة و قال" و الآن..يجب أن نقدم التعازي في السيد أمين
شامكران..لقد تأخرت كثيرا على ذلك" ..خرج و ركب سيارته الجيب السوداء..بعد
دقائق..كان قد وصل إلى منتصف أرض شامكران..وجد رجل و فتاة يعملان
معا..نادى" هاي..أنت ..يا رجل" التفت إليه بهجت و اقترب منه مسرعا و قال"
تفضل يا سيد..ماذا تريد؟" قال و هو يزيح نظاراته عن عينيه " أين عائلة المرحوم..أريد أن
أقدم التعازي" أشار بهجت بيده إلى الفتاة التي كانت تعزق الأرض و قال" تلك هي
ابنته" ..رمقها ياغيز بنظرات متفحصة ثم سأل" أليس للمرحوم أولاد؟" هز بهجت
..رأسه بالنفي فأشار له ياغيز بأن يناديها له لكي يكلمها..صاحت بصوت مسموع" أنا لا أذهب إلى أحد..من يريد أن يكلمني فليأتي هو الي" تغيرت ملامح
ياغيز و بدت العصبية واضحة عليه و بقي واقفا في مكانه ينظر إليها..التقت
نظراتهما و شعر بهجت بأن تيارا كهربائيا وصل بينهما فابتعد مسرعا..أما ياغيز
فتقدم منها بخطوات واثقة و وقف أمامها و قال" تمنيت أن يكون لدى أبيك أولاد
لكي أستطيع التفاهم معهم" ابتسمت هزان و مررت يدها على جبينها لكي تمسح
عرقها فتلطخ بالطين و قالت" مع الأسف..أبي لم ينجب سوى البنات..تستطيع
التحدث معي" تجولت نظرات ياغيز حول وجه هزان المشرب بسمرة جميلة
..عيناها السوداوين الواسعتين..أنفها المستقيم..شفتاها الممتلئتين..ثم نظر إليها
نظرة احتقار و قال بسخرية" لا عمل لي مع النساء..جئت لكي أقدم
التعازي..تعازي الحارة لك" قالت" شكرا لك" بقي واقفا فقالت" هل من أمر آخر؟"
قال" يبدو أنك فتاة قروية مغرورة ..لكن..هل سيدوم هذا الغرور إذا علمتي بما
أخفاه والدك عنك" نظرت إليه هزان باستغراب و سألت" و مالذي أخفاه والدي
المرحوم عني؟" وضع ياغيز يده في جيبه و أخرج مغلفا و قال" هذا" أخذت هزان
المغلف من يده ..فتحته و قرأت الأوراق التي وجدتها فيه..تغيرت ملامح وجهها و
ابتلعت ريقها بصعوبة..ابتسم ياغيز و قد أسعده اضطرابها ثم قال" ايي..ماذا حدث أيتها
الفتاة القروية؟ ألم تكوني تعلمين بالأمر؟" هزت هزان رأسها بالنفي و أجابت"
لا..لم أكن أعلم..كيف لأبي أن يفعل شيئا كهذا؟" رد ياغيز بسخرية" ربما لو كان
يعتمد عليك و يثق بك لكان أعلمك بذلك..المهم الآن..أن هذه الأرض مرهونة لي
منذ شهرين..و كما ترين في العقد..إذا لم يقع تسديد قيمة الرهن في مدة قدرها
ستة أشهر..فستصبح الأرض ملكا لي" قالت" ..مستحيل..لم يخبرني أبي
بهذا..لقد كان.." قاطعها" ليست مشكلتي..أنت تعلمين الآن أن الأرض مرهونة
لي..بكل ما فيها..حتى أنت" رمقته هزان بنظرات غاضبة و قالت" احترم نفسك يا
هذا..أن تكون الأرض مرهونة لك فهذا لايعني أن تتجاوز حدودك معي..لا
تقلق..سأسدد قيمة الرهن في الوقت المحدد..لكنني..آمل أن تقبل بتقسيط المبلغ
على أقساط..فأنا أمر بأزمة مالية خانقة" اقترب منها ياغيز أكثر و تفحصها بنظرات
و**ة و سأل" و مالمقابل؟ مالذي تستطيع فتاة قروية جاهلة مثلك أن تعطيني إياه
مقابل ذلك؟" كلامه استفزها و أغضبها فرفعت يدها لكي تصفعه و هي تقول" قذر"
لكن يد ياغيز أمسكت بيدها و ضغطت على أصابعها حتى كادت تتحطم و قال"
"إياك..إياك أن تفعلي ذلك مرة أخرى.."