خرجت دون أن تخبره متجهاً لمكان ما ، وقفت امام مقابرها تبكي بوجع ، طرحتها السوداء خافية شعرها ومعظم وجهها ، تنظر إلي اسمها المكتوب بخط عريضٍ على تلك المقبرة ، شعور بالوجع يقتحمها ، من الحزن أن ترى نفسك ميتاً فى أنظار الجميع وانت علي قيد الحياة ، قطع مُخيلتها صوت ليس غريبا قائلاً بإستفهام :-
_انتِ مين ...؟
خلعت الغطاء عن رأسها كاشفةً عن وجهها ، صُدم من ما رأه وتفوه مرة واحدة دون سابق إنذار :-
_"جميلة" ...!
_"جميلة" ...!
كان ذلك صوت "نادية" التي أتت لزيارة مقبرة صديقتها ، فكيف أن تراها أمامها وهي توفت منذ عام ، اختل توازنها وكادت أن تسقط ولكن يديه كانت باعثة للإطمئنان داخلها ، دموعها لم تتوقف وهي تراها أمامها ، وجهها نصفه مش*هاً ، شعرها أصبح قصير للغاية ، جسدها اصبح هزيل ، واقفة أمامها بجمود دون أن ترمش لها عيناً ، تحدث "ياسين" بإستغراب :-
_طب ازاي ...؟
_ازاي ...اقولك ازاي ..!
قالتها "جميلة" بنبرة سخرية من ملامحهم ، "سيف" يقف مذهولاً غير مُصدقاً ما يراه أمامه ، "نادية" رفيقتها الوحيدة دموعها لم تفارق وجهها ، "ياسين" يقف بثبات مُسنداً رفيقة عُمرها ، أكملت حديثها بجمود ونظرها مصوب تجاه "سيف" :-
_قدرت اعيشك سنة عذاب صح ، قدرت توصلني لمرحلة الموت ، جاي دلوقتي تقف على قبري ، انت بأي وجه حق جاي تدعي لواحدة بالرحمة انت السبب فى موتها ...!
_"جميلة اسمعيني " ...!
قاطعها "سيف" بتلك الجملة فردت بسخرية :-
"جميلة" ، "جميلة" ماتت يا استاذ "سيف" ولا انت مش واخد بالك انك واقف عند قبرها ..!
أخيرا قدرت "نادية" على التحدث قائلة بوجع :-
_ليه عملتي كده ..!
التفتت "جميلة" إليها تطالعها بإستغراب واردفت بمرار :-
_غريبة ، انتي اللي بتسأليني السؤال ده يا "نادية" ، ده انتي كنتي شاهدة على كل اللي بيحصلي فى الدُنيا دي ، جاية دلوقتي تسأليني ليه عملت كده ، الدُنيا هي اللي خلتني اعمل كده ، من يوم ما وعيت على الدنيا دي مشوفتش يوم حلو ، قوليلي سبب واحد يخليني ابقي ع الدُنيا دي ، "جميلة" كانت لازم تموت يا "نادية" زي ما "ميرا" ماتت فكراها ولا نسيتيها ...!
اقتربت من "نادية" أكثر ، وقفت امامها تُطالعها بحزن واكملت :-
_"جميلة" ماتت من يوم اللي حصلها ، يوم ما اعتدي عليها مُدرس قذر زيها زي "ميرا" وزي ضحايا كتير موتوا نفسهم ، رفضوا يكونوا شئ منبوذ من المجتمع ، لكن أنا رغم كل اللي حصل وقفت تاني ، كُنت عايزة أثبت حتي لو لنفسي أن اللي حصل مش ممكن يأثر عليا ، لحد لما جيه هو ...!
ثم أشارت علي "سيف" الذي يقف بهدوء يراقب حديثها ب**ت ، فأكملت :-
_جيه و بكل بجاحة وقسوة داس عليا وقدر فعلا يوصلني للموت بعد ما قولت الدُنيا بدأت تعوضي واديتني سند واهل ، تقدري تقوليلي كنتي عايزاني أعمل إيه ، احنا مهما عملنا مش هنغير تفكير مجتمع عقيم ، مجتمع بيشوف الجاني ضحية والمجني عليه مُذنب ، أمى ماتت من حسرتها عليا يا "نادية" ، عارفة يعنى ايه واحد يخ*فك ويعمل فيكى كده وانتى مش قادرة حتى على المقاومة ، وكُل ده ليه عشان تفكرى بدل المرة ألف قبل ما تفتحى بؤقك بكلمة واحدة تدينه ...!
_بس هو اخد جزائه واتسجن ...!
ضحكة أليمة ص*رت عنها وهى تنظر إليها بثبات ، قائلة لها :-
_اتسجن ، اللى زى ده يستاهلوا الإعدام ، القانون المصري مش بينصف المرأة ، طب حق "ميرا" فين ، "ميرا" اللى اهلها قبضوا ثمن سُكاتهم ولولا انها هربت منهم وجات النيابة شهدت عليه كان زمانها عايشة دلوقتى في ذل ومهانة بس ربنا اختار انها تموت عشان ترتاح ، حقها اللى اهلها استغنوا عنه وكان الثمن بنتهم عشان فكرت تعمل الصح ..!
وضعت طرحتها على وجهها وهمت بالرحيل لكنها وقفت على صوته يقول بغضب :-
_انا ممكن بسهولة اثبت انك عايشة واود*كي فى ستين داهية ...!
التفتت إليه وعلى وجهها ابتسامة بلهاء محدثة إياه ببرود تام :-
_مش هتقدر وحتي لو قدرت ، المستشفي اللي انا كنت فيها اتقدم فيها بلاغ بعد موتي على طول انهم بيستغلوا المرضي و بيتاجروا في الاعضاء وبيمارسوا أعمال غير مشروعة وقانوية ، وكل الأطباء اللي فيها اتحولوا للتحقيق والمستشفي اتقفلت من 6 شهور ...!
……………………
تقف على اعتاب ردهة الجامعة تُراقبه فى **ت وهو يحادث أحد زملائه ، تذكرت حديثهم صباحاً والتي انتهت بقوله جملة تمنت سماعها كثيرا لكنها جاءت من الشخص الخطأ ، نظراته المليئة بالعتاب لها ، وقبل كل هذا هروبه سريعا بعد أن أعترف لها بحبه ، قطع كل ذلك انبعاث هاتفها برسالة من "اروي" تقول بها :-
"سيف" رجع مصر يا "دينا" ...!