اختطفتُ بصري مِن بين أحضانِ البوّابةِ ذاتِ القضبان الحديديّة، ورمقتُها بعينين جامِدتين تمتلِكان أنفة طاغية، رغم أنّ التوجّس يترقرق في قلبي
" هذِه المرّة لم تكُ كلمات على فراغ، بل حبر على ورق، أحبّذ الانصِراف ورصيدُ كبريائي غير منقوص، لا أن يُجرّدني مِنه بركلي خارِجًا كالدّواب"
قبل أن تسكب رِجلاي الخُطى قُدمًا وتتحدّيَا تحذيرات المنطِق، تطاولت ذِراعُها وقبضت عليّ، مُروِّضةً اهتياجَ عزمي، ولمُدّة كنت من أذِنت لها باقتِطاعِها مِن وقتي، حادثتني كبالغ
" ما إن تطئي عتبة العالم الخارِجيّ عزلاءَ بغيرٍ حامٍ فسيتكالبُ كُلّ المنحطّون على إقامتِك، سينهشونَ لحمك مُنذ الطّلعة الأولى، فكّري قبل أن تندمي على تسرّعِك، العيشُ بغير وليّ في مُجتمعٍ كُلّه ذِئاب، ليس سهلًا على فتاة قاصِر "
استمعتُ لِما اعتبرتُه ترّهات بثغرٍ مُعوجّ، رغم أنّها لم تكذِب، لكنَّها من كانت تعيشُ الكِذبة وهي مُؤمِنة كُلّ الإيمان أنّها الصِّدق عينُه، على الأقلّ العالَم صريح يتبجّح بمساوِئِه
غفلتُها عمّا هِي فيه، وحِنكتُها بما لم تختبِره سلّتني، فغيّرت مرفئي وضِحكت باستِهزاء
" لا يُربّي البشرُ الخِراف وينفقون عليها إلّا لتنتهي في بطونِهم "
مسحتُ شظايا ضِحكتي عن شفتيّ، ونظرتُ إليها مُقلِّصةً صوتي
" إن لم تتناولك الذّئاب، فسوفَ يتناولك الرّاعي عاجِلًا أم آجلا "
تلجلجت شفتيها، وتلعثمت
" ما الّذي تقصدينَه؟ "
لم أبخَل عليها بالإجابة، مُنذ أنّها آخر مَرّة، حيثُ عقفتُ شفتي العُليا باشمِئزاز
" ذلِك الملاكُ الخيِّر الّذي يُلاطِفكم وتحتكّون بِه، تدعونَه أبي جاهِلين عن خباياه، وميوله حاول الاعتِداء عليّ وصددتُه، وجزاءً لي على حمايةِ عرضي طُرِدت "
الحقيقةُ المرّة الّتي جعلتُها تحتسيها للتوّ أفقدتها القُدرة على النّطق، كانت مُلجمةً تُحدّق بوجهي وعيناها جاحظتان. ما شكّت فيه قطّ، ولا حسِبت أنّه مجرّد وحش
ارتفع أحدُ حاجبيّ وأطّرت أمارات الاستِصغار عينيّ
" قبل أن تُسدي إليّ النُّصح بخصوص ما أنا مُقدمةُ عليك، اشرعي في توخّي الحذَر، أجزِم أنّكِ ستكونين هدفَه التّالي مُذ أنّكِ أكثر الباقين نُضوجًا ونُضجًا "
صوّبتُ ص*رَها الّذي غدا أكثر بروزًا مِن ذي قبل بنظرةٍ صريحة، تُفهِمها ما عنيتُه بالنُّضج، ولأنّ الصّدمة كبّلتها، ما قويت على الإمساكِ بي حينما لُذت بالانصراف
هاجرتُ موطِني المخدوع كأنّي لم أقضِ شطرًا مِن عُمري هنا، بل قُضِيَ على شطرٍ مِن عُمري ها هُنا، لحظاتٌ تصوّرتُ أنّها جميلة، لكنّ الدّهر بما يحمِله مِن سكاكين المعرفة كشف أمامي طلعتها الشّمطاء، وبُهِتُّ إذ راحت هباءً وهدرًا
كُنت بريئَة لأعي أنّ الرّجل الّذي لقّبته بأبي ينظُر إليّ بخبث مطلق، وعلى مشارِف الحقيقةِ اشتهيتُ العودة أدراجي إلى الكِذبةِ الدّافِئة، لقُبح ما أحاط به بصري
كانت يداهُ تتحرّشان بي، بإذني، إذ خِلتُ أنّه يربّت عليّ ويُلاعِبني، وحينَما نَوّر اليقينُ جهلي، وانشقّت مشاعِري عن حُبّه وابتعدتُ عنه أظهر نواياه بوقاحة، شعرتُ أنّ الحياة غشّتني، فقد التمستُ فيه تعويضًا عن خسارتي، لكنّه خان ثِقتي
اكتشفتُ أنّ العواطِف لم تكُن سِوى طريقًا يصِل بها إلى غايتِه دون شقاء، وقتئذٍ تساءلت، أبلغت أفئِدةُ البشر مِن السّقم، أن تُغمِّد أنصال غرائِزها بأغمادٍ قويّة كالحُبّ والعاطِفة؟ لما يَدهنون حقائِقهم السّوداء بمعاجين بيضاء، ويُزخرفونها بالنُّبل؟
أنّى تُسوّل لهُم أنفسهم استِدراجَ الملائِكة إلى جُحورِهم الغاشِمة، بطُعمٍ خادِع؟
في المكانِ الّذي نصبَتُ فيه خِيام الرّاحة، وتحتَ سماءٍ خِلتُها شهمةً، مُسالمة ستظلّ السّقف الذّي يقيني ويُقوّيني بكرمٍ وحنان إن أنا انتحبت، انصبّت عليّ قذيفة، اقتلعت مِنّي الثِّقةَ مِن أصولِها، وأعطتني أوّل صفعة، أوّل درس، وخيبةٌ أخرى
وجدتُني تائِهةً في كونٍ واسِع ليسَ لي فيه إرث، كأنّي ملعونة. يُراوِدُني دائمًا أنّ الأرض وسعت الجميع بما حوت قلوبُهم مِن أطماع، لكنّها ضاقت بي بما رحبت
جُلت دون مغزى بين الطُّرق العامِرة، أُراقِب المارّة بنظراتٍ خاوية بالكادِ ألبست وجوهَهم في ذهني ملامح، كانت أبواق السيّارات تهزج، أزيزُ عجلاتها وعويل مُحرّكاتِها بيِّن، وخليطٌ ملحميّ مِن الأحاديث يضربُ أذنيّ كموجاتٍ مُبهمة، كُلّما هبّ البشر مِن حولي
أشعُر أنّي منبوذة، بين أناسٍ عُنصريّين، وحيدة، وهشّة أتفتّت، ولا أحد لديّ ليلُمّ شمل فُتاتي، يأسٌ مُتطرّفٌ غزا ص*ري، ونقّاهُ مِن بقاياي الّتي أحفظُها فِيّ
أطفأت السّماء أنوارها الشّاحبة وغفت تحتَ طبقة ثخينة مِن الغيوم الرّماديّة. نابت عنها أضواء الأعمِدة الكهربائيّة، كأنّ الأرضَ تتفاخَر بقُدرتِها على إعالة نفسِها، وإن افتقرت إلى نظيرتِها. كان الإنهاك قد اجتاحَ أعوادي، وقعد على أهدابي بضجر
فكّرتُ كثيرًا بينما أفقِد الشّعور كُلّما طغت الأفكار على عقلي، كالضّباب حاصرت بصيرتي، فاهتديتُ لأن أُضلِّلني إلى الأبد، حيثُ أُنعَت ع***ةً عن جدارة، حيثُ لا أحدَ يتنكَّر بزِيّ التَقيّ النقيّ ليرمِي غيره بالفجور، حيثُ الجميع نزيه في التِوائِه، صادِق فيما يُريد
هُناك لن يُنظَر إلى زينتي الصّارِخة بدونيّة، كأنّها وصمةُ عار، رغم أنّها في الحقيقة بيني وبينَ الانجِراف خلف حاجتي إلى العطفِ جِدار، كما لن يُنظَر إلى خلفيّتي العائليّة، ولا إلى علاماتي، كُلّ ما يُهمّ هُو أدائي على السّرير، وإنّي نِدٌّ له!
ليسَ خياري الأخير، بل طريقٌ مُختصر يُجيرني مِن أنيابِ الخديعة المُضمرة تحت ابتِسامةٍ صديقة، لقد اتّسخت روحي، ما الضّير في أن يتّسِخ جسدي لحِمايةِ رمادها؟ ذبَح الرّاعي كينونتي، وقلبي، لتأكُلني الذّئاب الآن، لا أحد يكترِث، وأنا ما عُدت أكترِث.
لقد تفحّصتُ المسألةَ مِن كُلّ جوانِبها قبل أن يُنفِّذ بحقّي قرار الطّرد، تدبّرتُ كثيرًا في أن أهبَ ذاتي لدار بغاء وأعيش كفتاة هوى، أين المُشكلة فإنّي فُتاتُ هوى، بغير مأوى!
إن أمتُّ الأمَل ببلادَة، وهُو يُمنّيني بالكثير، فلن يأتِيني يومٌ أدري فيه أنّه كان غشّاشًا وأنّي الحمقاء الّتي آمنت، وإن لم تُصِبني نفقاتُ المحبّة بالجشع، فلن أجهِش يومَ أدري أنّها كانت تتربّص بأرضي ابتِغاء اختِلاسِ عُقودِها بمشيئتي
إن لم أثِق بأحدٍ، وأهبه مفاتيحي، فلن يُخليني يومًا مِن روحي ثُمّ يُغادِر، ولن أغدوَ غارًا صوتُ نقرِ قطرةِ مِن أجفانِه لقاعِه المبلول يَعظُم كالوقعة
أقدمتُ على مصيري الأدهَم شأنَ الصّراطِ الّذي سلكتُه إليه بكُلّ عزم، ليس هُناك من يعصِمني، أو يُخبرني أنّي أضعُ نهايةً لمُستقبلي كأنثى، وكبَشر.
كان الرّواقُ مُظلمًا كأنّ بينَه وبين الحياة أسوار، والصّمتُ مُنتشِر بالدّاخِل وإن دلّ ذلِك على شيءٍ فهُو أنّ أبواب الملهى ما تزالُ مُغلقة. ثمةَ بعضُ الذّكورِ بأزياء موحّدة يُمسحونَ الأرضيّة، وثلاثُ نساءٍ يتسامَرن وهُنّ جلوسٌ إلى إحدى الطّاوِلاتِ، ضِحكة واحدةٌ مِنهنّ تملأ كُلّ القاعَة
انتقيتُ بعشوائيّة شابًّا كان مُنهمِكًا في التّنظيفِ، وخزتُ كتِفه بيدي، فأعارني انتِباهه
" أيُمكِنُك إرشادي إلى المُدير، أو أيّ شخصٍ يتمتّع بالسُّلطة هُنا؟ "
اتّكأ إلى القمّة الخشبيّة للمِمسحة واستباحَت عيناه تفحُّصي
" لستِ مألوفةً لعينيّ، هل أنتِ قريبتُه أو ما شابَه؟ "
لم أكُ في مِزاجٍ يُتيح لي تمييز ما يركُض إليه، رعودي تصمّني، والصّمت والتبرُّم هُما كُلّ ما لاقاه على سحنتي. حينما عضّه اليأس اعتدل بالوقوف وأشار بيدِه
" لتسلُكي ذلِك الممرّ بجانِب البار، مكتبُ المُدير أوه في نهايتِه "
تجاوزت كلِمات الشُّكر وسعيتُ خلف غُرفة المُدير بهيئةٍ واثِقة، رغم أنّ الهواجِس تعتمِل بأورِدتي. ضجيجُ الخوفُ سيهدمُني إن أذِنت لكثير مِنه بالتسلّل إلى قلبي، صحيح أنّ ما أُقدِم عليه جريمةٌ انتحاريّة أتحاسبُ عليها، ولكِن وجَب عليّ إخراسُه
وعيتُ عليّ وأنا واثِبة قُبالة باب مِن خشب السّنديان في نِهاية الممرّ، لستُ أدري مُنذ متى. لملمتُ شهيقًا وفيرًا ثُمّ اجترأت أن أطرُقه بأدب، صدى الطّرقة تردّد بزخمٍ في دواخِلي الشّاغِرة، كأنّه ناقوس الخطَر، أو رُبّما موسيقى نهايةٍ آسية
" تفضّل "
بلغني صوتٌ رخيم، يوهِم كُلّ من صادفَه بغير صورةٍ أنّ عازِفه في دُبر العُمر، ولكن اتّضحَ لي حينما ولجتُ أنّه أصغَر مِمّا ظننتُ بكثير، لا يعدو العقد الثّالث، هالتُه وكأنّها عِقدٌ مِن الوقار، ليس مُريبًا بالنّسبة لرجلٍ يُدير ملهى، كان يمسِك بيديه بعضَ الأوراق
كما جرت نظراتي بين جوانِبه تُعاينه بدقّة جرت نظراتُه عليّ، سُرعان ما تعثّرت بثيابي المدرسيّة الّتي لا تزال مُعمّرةً على جسدي، وقتها ارتقت ثغره وسمة استِخفاف
" ما الّذي جاء بطالبةٍ في الثّانوية إلى مكانٍ كهذا، والقانون يمنَع القُصَّر مِن الشُّرب حتّى؟ "
" أتيتُ بحثًا عن عمَل "
التهبت حُنجرتُه ضحكًا، كأنّ حاجَتي ونقصي صارَا نُكتةً في أفواه المُكتفين. حالما انتهت نوبة ضحِكه الهستيرية برَح مضجعَه مُتنازِلًا عن ملكيّة الأوراق لمكتبِه، مُحيّاه المشذَّب مِن آثار الّزمن كأنَّه يمُرّ مِن فوقِه انضوى على السُّخرية، وجعَّد صوتَه، كخُطاه
" أيّ نوعٍ مِن الأعمال تقصدين؟ "
ألقيتُ أوّل ما تحجَّر عِند لِساني دون تفكير
" ما تُفكّر به "
ظلّت نظراتي الجحودة تُلاحِقه كنظراتِه المُستميتة لقراءتي، ما لبِث أن اتّكأ إلى حافّة المكتب المُقابِلة لي، ضيّق الجفنين، مُتعاضِد الحاجبين
" ولِماذا قصدتِ هذا النّوعَ مِن الأماكِن كأنّ جميع الوظائِف خارِجه قد انقرضت؟ "
ابتسمتُ بسُخرية، وقُلت:
" لأنّي امرأة سيّئة، وأُحبّ سوئي "
تجافت ذراعاه وذهبت كُلّ مِنهما في طريق، ثُمّ استقرّتا على حافّة المكتب، حينها تجرَّد مِن العبث الّذي أشهره ضِدّي مُنذ لحظاتٍ قِلال، ورغم أنّه اتّشح الجديّة إلّا أنّ نزلاتِ السُّخرية ما فتِئت تلسَع فمه، ومحجري عينيه الدّاهمين
" لتعلمي يا عزيزتي أنّ هذا الملهى ليس مكانًا لاحتِواء المراهقات المتمرّدات على أوليائِهنّ، كما أنّ اهتِمامنا غيرُ منصبّ على القاصِرات، لدينا مِن المشاكِل ما يكفي لإشباع فقر العالِم بأسره، فحبّذا لو تعودي إلى رُشدِك أوّلًا ثُمّ إلى بيتِك "
أنغَض برأسِه فخورًا بالمُحاضَرة الّتي ألّفها في وقتٍ قصير، أن رُدّي عليّ إن استطعت، وكانَ إصراري لهُ بالمِرصاد، فما أتيتُ لأغادِر خاوية الوفاض
" ليسَ لديّ راعٍ، ولا بيت... أنا يتيمة "
تردّى بعضُ اليقين الّذي شيّده على أجرافِ ثغرِه، فانزلقت ابتِسامتُه واستوت بالقاع. بذاتِ لكنتِه الّتي ما كانت قطّ فصيحة، كأنّه في الجديّة أجنبيّ، استطرتُ
" لن أكونَ عِبءً عليك أكثر مِن أنّي سأكون نفعًا لك، يُمكنك القول أنّي سأضفي لمسة بريئة على مجموعتك الطّاعِنة في الخِبرة "
اعتلت عارِضةُ شفتيّ مِنصّتي الّتي أبلتها جيوش الشّجن إذ لم تنفكّ تقطعُها، وأطلّت بهزليّة
" فبعضُ المرضى نفسيّا يُفضّلون الفاكِهة حامِضة، غير كامِلة النّضج "
كلامي أفحَمه. لحَظت أسراب القناعة تحطّ على قاعدتيه، وشفتُه السُفلى تطمِر العُلويّة بقلبِها، وقد اعوجّ شدقاه إلى الأسفل قليلًا
" لستِ مُخطئة، بالنّهاية أنتِ تعلمين ما تُريدينه "
النّغمةُ الخِتامية الّتي استغرقت أكثَر مِن أسلافِها نبّأتني أنّ ثمةَ لكِن على الأبواب، وبالفِعل طرقت شفتيه واقتحمت سمعي سويًّا وأعذارَه الواهية، هُو الآن يستهزِئ بي
" ولكِنّ مظهرك هذا لن ينفع، زبائِني صعبي المِراس، وانتقائيين، سأغدو محطًّا للسّخرية بينهم، وبينَ أندادي "
احتجبت عيناي تحتَ سقفيهِما لومضةٍ مِن الزّمن مُستنكِرةً تراخيه، ومُعاملته لي كمَن قصَد عُنوانًا خاطِئًا، رغم توضيحي له بأنّه مقصدي الوحيد، لستُ أدري لِماذا يتذمّرون إن كان القُبول هُو المصير الأخير، أليس الزّجرُ أيسَر مِن المُسايرة في حالةِ الرّفض؟
أحصيتُ الاقتِراحات الّتي جاءَ بها دماغي للخُروج مُنتصِرة مِن هُنا، فانتقيتُ أثقَلها، أكثرها تهوّرًا وجُرأة؛ هذا ليسَ بمعبد، بل أبعَد ما يكون عن العفّة، فلأبدِع
نزعتُ السُّترة المدرسيّة وذرفتُها على الأريكة الجِلديّة قُرابتي، ثُمّ أعتقتُ أولى أزرار البلوزة مِن أصفادِها، وتحتَ نظراتِه المشدوهة اتّجهت يداي تطويان طوقَ تنورتي، وتقدّان مِن طولِها أكثرَ مِمّا قدّتا مِنه صبيحة هذا اليومِ، حتّى بانَ فخذاي المُكتنزين
" يُمكنُك أن تُجرّبني للتحقّق مِن صحّة قُدراتي "
جفّ ريق مُقاومتِه، وانحنت نظراتُه لي قبل أن يُجاهِر
" حسنًا، إن استطعت اصطياد أحد الزّبائِن اللّيلة، سأمنحُك الوظيفة "
أمضيتُ على الرّهان لفظيًّا، بثِقة أجهل منبعها
" اتّفاق عادل "
بعدَ مُغادرتي لمكتبِه تدبّرتُ لحقيبتيّ -حقيبةُ عِلمي وحقيبة حياتي- مخبأً يقيها مِن الاختِطاف في حُجرةٍ مليئةٍ بالثّياب وطاوِلات الزّينة، واضحٌ أنّها تخصّ الفتيات اللّواتي سأنضمّ لهنّ قريبًا، وضعتُهما خلفَ الأريكة المركونةِ بالزّاوِية، ثُمّ اتّجهت إلى ساحة المعركة
حتّى وإن طرحتُ الحقيبتين في مكانٍ عشوائيّ، فسأجدِهما على حالِهما عِندما أعود إليهما، لأنّهما خاوِيتين مِن أيّ شيءٍ ذا قيمةِ، كنزي الوحيد مُطرّز على قُصاصة بحجم الكفّ، لن يراهُ غيري ثمينًا، وهو ما أسعى إلى حمايته؛ صورةُ والديّ
كان الضّجيجُ قد أغرَق القاعَة بأكملِها، و*دت مُحاولة الحديث أشبه بالغرغرة وسَط الماء، التوتُّر بداخِلي كحُفرٍ تشفط خطواتي فجأة، فأتروّى بُغيةَ لملمة ما انشقّ عنّي مِن عزيمة
الآن وقد اكتملت لوحةُ اللّيل، أدركتُ أنّ خِلقتي وخُلقي اللّذين اختلقتهُما الظّروف لي ليسا طفرةً هُنا، كأنّه المُنتمى، وربّما كُنت نُقطةٌ سوداء نقيّة بينَ دنس الألوان!
ارتكنتُ قُبالة إحدى الطّاوِلات المُرتفِعة بالمُنتصَف وتربّصتُ بالملأ، أُصفّي الحُضور لعلّ أحدهُم يتطابَق ومعاييري، لستُ غ*يّة لأنقضّ بعشوائيّة، فأُفتَرس بدل أن أفترِس، أنا الآن في سوقٍ بضاعتُها رِجال، بعضُهم أوسعُ مِنّي، والآخر ضيّق قد يخدِش قدميّ
أدبَر الوقتُ بسُرعة، دون أن أُقدِم على أيّة خُطوة، وبينما تلوحُ عدستيّ بتيه في رُقعةٍ أنا فيها مُغتربة لا تُتقِن اللّغة لمحتُ هيئةً مألوفة، تُحيق بها هالةٌ مُنطفِئةٌ كالظِلّ، كان يسري بوجهٍ مُمتعِض كأنّه فرَغ للتوّ مِن جدالٍ طاحِن والحياة، وقدماه تهرُبان به صوبَ إحدى الطّاوِلاتِ المُنعزلة، كأنّه ينشُد الهدوء في قلبِ العاصِفة... بيون بيكهيون
علِمتُ مِن الجرائِد الّتي غطّت عرضَه الخيري قبل شهرين أنّه برُتبة جِنرال، هالتُه لا تنُمّ عن أقلّ مِنها فهُو يُعطي انطِباعًا عن التسلُّط والرُقيّ... كذا الفساد
لم يُبصِرني ليس لأنّ الحشد غفير، بل لأنّ نظراتِه ما حادَت عن مُرادِه، سُرعان ما قعدَ وانغمَس في الشُّرب. صددتُني عنه لمرّاتٍ كثيرة، أنفيهِ مِن اللّائِحة، لكِنّ نفاذَ الوقت مِنّي وقلقي مِن أنّي لن أميلَ إلى أيّ أحدٍ دفعاني لأُهاجِر نحوَه، مُضمدةً كفيّ بأنامِلهما
سكنتُ على ضِفافِه والتردُّد يجلِد ظهري أن استديري، ما لمَح لي خيالًا رغم قُربي مِن مقعدِه، كان شاخِصًا إلى قدحِه مُتناقِص المنسوب، غائِرًا في التّفكير
نبّهتُه إلى وجودي بنِداء خافِت
" أجاشّي "
انقطعت الحياةُ عن يدِه فاعتذرت عن توصيل الكأس لفمِه، وتهافتت نظراتُه عليّ بارتياب مُوثّقةً هويّتي، في حين لويتُ شدقي بسُخرية، وفككتُ عُقدة كفيّ
" لقد مرّ وقتٌ طويل حتّى خِلتُ أنّ الموتَ قد تحيّنَك، وأنّ قدرينا تجافيا مُؤبّدًا "
تلفّت يمينَا وشمالًا يتحقّق مِن صحّة المكان الّذي آل إليه في نِهاية يومِه. حينَما عانقتني نظراتُه الّتي لم تُشبِع تساؤُلاتِه تنصّلتُ مِن أذرُعِها، وطالعت الأجواء حولي بازورار
" لكن ها أنتَ ذا، في مكانٍ لم أعتقِد قطّ أنّ الصُّدفة ستجمعنا فيه بوثاقٍ واحِد "
خلَع نِعالَ يدِه عنها ووضعَه على الطّاوِلة قُبالتَه، ثُمّ وثَب مِن فوقِ سُؤالي الّذي ما أبصَر النّور بكُلّ احتِراز، رغمَ أنّه اكتشف مضمونَه.
" أنا مَن عليهِ أن يُصدَم لأنّه يرى صبيّة تحتَ سقفِ البُلوغ في مكانٍ كهذا"
بسطتُ كفّي على الطّاوِلة القصيرةِ الّتي يقعُد إليها، وانتقيتُ السّقف المُبهرج مهبطًا لنظراتي
" العُمر مُحتالٌ مُحترف، يستحيلُ أن تُصيبَ هويّتَه بنظرة، فقد عبَرت الحياةُ بالبعض أطوارًا ذهبيّةً إلى قِمّة النّضج، دون أن يمسّ الكِبَر أجسادهم "
زفرتُه المُتهكّمة اقتادتني إليه مِن جديد
" أنتِ أقربُ مِن طِفلةٍ تهوى المُغامَرة إلى أسيرة النُّضج في أرضِ الطّفولة "
لقّمتُ مُحيّاي بالجفاء، مُستنكِرةً أسلوبَه في الحديث
" لن أناقِشكَ فيما تجهَل ولا أريدُك أن تعلمه "
دحرج عيناه بتململ، ثُمّ استَعاد كوبَه، وصمتَه كأنّ حضوري لا يعنيه، ربّما هُو يطرُدني بطريقةٍ غير مُباشرة، لكنّي لستُ مستعدّة للانسِحاب.
جلست على الطّاوِلة، أبعَد بقليلٍ عن مُوازاتِه وجهًا لوجه، ونصبتُ قدمي على حافّةِ كُرسيه، لسدّ المَخرج مِن جِهة، ولاستِمالة عينيه مِن جهة أخرى، لم أكتفِ بذلِك، بل وأملتُ ظهري قُدمًا، حتّى تزداد المناظِر خلفَ نافِذة قميصي إبهارًا
" ما أخبارُ الدّعايةِ الّتي دفَعت لِقاءَها مُنذ شهرين؟ "
تمكّنتُ مِن جذبِه بشكلي للحظات، لكنَّه انحرفَ عنّي بكبرياء، لابدّ وأنّ تطرّقي إلى هذا الموضوع قد صرَع مِزاجَه، فقد أكمَد وجهه، وتمضمض جفناه عدستيه بتبرُّم، ثُمّ استغلّ المشروب في ترطيب حلقه. اضطررتُ إلى تبديد الصّمت
" لاحظتُ أنّ ردودَ الأفعال قد صبّت في صالِحكَ، وعادت عليكَ بأضعافِ ما أنفقته على الميتَم، وذلِك هُو السّبب الّذي منعك مِن العودة حتّى تتفقّدَ أينَ قضت أموالُك نحبها، لأنّها أنجزت مُهمّتها وأوفت بالتِزامها "
ضبطته بالجُرمِ المشهودِ يسترق النّظر إلى فتحةِ البلوزة، لم يكُن مُنتبهًا لما ألقيتُه عليه مِن عتب، شخصٌ مِثله كان ليهيجَ إن لفحَته نفخةُ فاتِرةٌ مِن الانتِقاد، وهُو ما هداني لأنَ أتحرّى بِخصوصِ صمتِه ا***ذّ هذا. إن رغِبتِ في تطويعِ رجل، فلتَرشِ عينَه
" لِم تكتفي بالمُشاهدة، في حين أنَّ اللّمسَ مسموح؟ "
غصّ نفسُه بما ضجّ في فمِه، حتّى كاد يُفرِغه خارِجه، لكنّه أبى إلّا أن يبتلِعه. سعَل بصوتٍ خافِت يُداري اختِناقَه، ثُمّ أخفَض كأسه ورفَع بصرهُ المُحتدّ إليّ
" خِلتُك مُجرّدَ حاصِدة اهتِمام، لكِنَّك زارِعة فِتنة أيضًا "
دفعتُ ظهري ورأسي إلى الخلف، وحدّقتُ بما سماني بخواء
" وهل ثمة مَن هُو بارّ، في بار؟ "
انحدرت عدستاي إلى قاعِه، حيثُ رأيتُه يُقطِّب حاجبيه، قبل أن يستفهِم بازدِراء
" هل تعملين كعاهِرة؟ "
بكُلّ جُبنٍ فرّت نظراتِي مِن بطشِ نظراتِه الدّونيّة
" ليسَ بعد "
حينَما أردتُ التّوضيح بثبات، اهتزّت نبرتي رغمًا عنّي مُمتثِلة للحُرقةِ الّتي تسكُن حلقي
" أقصِد أنّي سأبدأ مِن اليوم "
وبلحنٍ شجينٍ مُدغمٍ بالإغراء أضفت
" لكنّي ما أزال لم أعثُر على أحد ليُشاركني ليلتي "
عقِب حِواراتٍ عقيمة اندلعت بيني وبين أفكاري، ارتجلتُ نحوَه، ثُمّ نزلتُ بفخِذه الأيمَن خشيةَ أن أُعطِّل مُعاقرته لمشروبِه، كونه أعسر. لستُ أدري مِن أين قدِمت وصمةُ اليأسِ الّتي دنّست صوتي، ولا كيفَ لسعت العبراتُ مآقيّ حينَما عرضتُني عليه
" أجاشّي... ما رأيُكَ في أن تكون زبوني الأوّل؟ "
سهيتُ إلى خرزتيه الزّرقاوتين، أجزمِ أنّي لو دنوت مِنهما فسوفَ تختلِج دندنة الموجِ سمعي. لكنِّ الأضواء الخافِتة كأنّها برائِحة الرّذائِل ثمِلة، طفّفت في سُفورِها، حتّى كادَت تخلو مِن صبغتِها الاستِثنائيّة، وتُحاكي سماءً ليليّة، مجدبة مِن نجومِها
هُو بيداءٌ دخلتُها غير مُكترِثةٍ لأهوالِها، وهجودُه المُربِك حثّني على التحرُّك بدَل مُجاراتِه، فجازَفتُ يدي بالسّطوِ على خدِّه، عسى أن يُطارِدني إلى السّرير!
ولأنّي أُخرّمُه كأحد أحشائِه شعرتُ بوعيِه حينما حلّق، وبجسده حين ارتَعش، لم أشأ التّمادي قبل أن أتحرّى عن رأيِه بخُصوص نِدائي، إن كان سيحضُرني أم لا، عيناه الكتومَتان لم تبوحَا لي بمّا يقعُ بين حيطانِه، ردُّهما على قُربي كان جافيًا للغاية
أنفاسُه ارتعدت بعدما كانت خامِدة، وأرعدت بعدما كانت صامِتة، وجفناهُ اللّذين سقطها على حافّتيهما يقطعانِ أعناقَ مرآي فيهما بحِنق، نعَيا لي أن عاقِبتي ستكون وخيمة، كيفَ لن تكون كذلِك وقد اعتديتُ على مساحتِه الشخصيّة دون إذن
عندما آن أوانُ بزوغُ عينيه، أمطرتني شفتاه برفضٍ جارِف
" أنا لا أضاجِع الأطفال، لذلِك ارجِعي مِن حيثُ أتيتِ "
نظراتُه المجحفة كانت تُخبرني أن أذهَب إلى الموت. جمعتُ شظايا خيبتي بجوفِ كبريائي الّذي لم يُخدَش، وأعتقتُ تنهيدةً مِن أقاصي ص*ري، قبل أن أقوم بلا مُبالاة
" أنتَ مَن خسِرت شرف افتِتاحي "
ما بالغتُ في تثمين نظرتِه الرّديئة نحوي، ولا جلبتُ القهرَ لنفسي بفتحِ المُغلّفات الّتي أرسلتها إليّ، أدري أنّ فيها مِن الاحتِقار ما مِن شأنِه أن يُندي مُقلتيّ، ويجرَح قلبي، فمَن لا يعلم يستدِلّ بما يرى، دونَ التوغُّل في الأعماق، حيثُ تتقوقع الحقيقة ثائِرة، لكِنّ قُضبان الكِذبة أثخَن مِن أن تستطيعَ صُنعَ فجوةٍ فيها، وتهرُب مِنها إلى السّطح
ثنيتُ عقِبيّ إلى الوراء وأدبرتُ مُهتزّة الدّواخِل؛ حربُ الآتي ما تزال قائِمةً بألغازِها، وإخفاقاتي، إلى أينَ مآلي وما منالي مِنه؟ وأنّى قد أتكيّفَ مع ما بنيتُه لي مِن هَدَم؟
كُلّ تقاسيمي مُنقبِضة ومُتقلّصة، كجذورٍ على وشكِ أن تيبَس، وربّما كُنت غاضِبة مِن نفسي، لأنّها سوّلت لي إزهاقَ جسدي مُقابِل حُفنة مِن المال، وأبت أن تتنازل عن عزّتِها له، ولأنّي لم أبذُل قُصارى جُهدي لإيقاعِه، بل ولّيتُ هارِبة مِن معركةِ الإغواء، بعُذرِ الكبرياء
وقفتُ إلى طاولة فارِغة انتقيتُها بعشوائيّة، كانت لها إطلالةٌ جيّدة، الجميعُ في مدى بصري الآن، يكفي أن أُعلِّم على أحدهُم ثُمّ أستهدِفه كطلقةٍ صارِمة... لكِن يبدو وأنّي قد استُهدِفتُ أوّلا، إذ أُصيب كتِفي بلمسةٍ مُعادية، رفيقةِ الوقع
" هل أنتِ بمُفردِك أيّتُها الجميلة؟ "
حينما استجابت عيناي لدعوتِه تراءى لي رجلٌ، ذو قمّة عالية، أدرجتُ عُمره ضِمن العقدِ الثّاني. في ظرفٍ مُغايِر كُنت لأدحَره بالإعراض، ولكن بما أنّي أفتقِر إلى شريك، أغرقتُ ثغري في ابتِسامةٍ آسنة، كادت تُسمِّني
" لا أمانِع أن تنضمّ إليّ "
ملأ حِصّة مِن الفراغ بيننا، دون أن يُزيل بقايا قِناعِه المائِع عن فكّه، بدا على قدرٍ مِن السّكر، ليسَ إلى حدّ الغيبوبة، ولكنَّه سكِر
" ما خطبُ مظهرِك هذا؟ أتشعرين بالحنين إلى الثّانويّة أم أنّك عالِقةٌ فيها حتّى الآن؟ "
لم ألتمِس فيه ذاتَ الدّاء الّذي أهلَك مبادِئ بعض الرِّجال الأكبر مِنه سنّا، لذلِك خشيتُ إن أنا بُحت له بالحقيقة نفر مِنّي وأفلت حِبالي الّتي لفّها حولَ عُنقِه مِن تِلقاء نفسه.
لطالَما أتقنت التعامُل مع المواقِف مهما صعُب مِراسُها وخشنت آراؤُها
" إنّها موضة دارِجةٌ هذِه الأيّام، الجميعُ ضعيف أمامَ سِحر المُراهقات ألا تعتقِد ذلِك؟ "
كادَت عيناي تفيضان مِن جفنيّ حينَما قبضت يدُه على ذقني دونَما حياء
" أنا مِن رُوادِ هذا المكان، أكاد أقصِده بصفةٍ رتيبة، لكنّي لم ألمحك مِن قبل "
" أتيت لمرّات معدودة، مع رِفاقي"
تحرّشت نظراتُه بما تعرّى مِنّي، بمرضاتي. كُنت أرى خاتِمة هذه اللّيلة على لوحتيه البنّيتين حيثُ انع**ت صورتي وأنا منصوفة القدّ، مكدودَة الفُؤاد.
" ألا ترى أنّها قاصِر أيُّها الو*د؟ "
ما لبِثت أن أحزم أشتات انتِباهي وأرتحِل بها نحوَ بِقاعِ المُتكلِّم، حتّى شفَه الرّجُل بقبضتِه، فقُضّ مِن مجالِ بصري كلقطةٍ عابِرة، ومرَّ خِلال تهاويه بجواري
تقهقرتُ بخُطوة إلى الخلف وأنا أشهقُ مُكوّمةً يديّ المنكمشتين فوقَ فمي. بعد بُرهةٍ سلّطت عيناي الجاحظتين على جسدِ الرّجل فإذا بهِ مرميّ على الأرضيّة الصّلبَة، يفترِش أحدَ جنبيه، ثغرُه يئِنّ، ويدُه تحتضِن زاوِية فمِه. الذُّعر خطفَ لونَه، وأبهته، فما نبس ببنتِ شفةٍ قد تُدين الفاعِل، ومن ذا الّذي قد يجترئ على الوقوف في وجهه وهُو عليمٌ بهويّتِه؟
ما منحني المُعتدي المجالَ الكافي للإعراب عن صدمتي، إذ صفّدت يدُه اليُسرى معصمي واقتلعَني مِن أرضي دون سابِق إنذار، وجدُتني مُرغمةً على مُجاراتِه وإلّا تعثّرت، تصدُّعات الغضب بوجهه لم تكُن مُريحة. سُرعان ما خلعت لِجام الدّهشة عن لِساني
" توقّف "
لم يكترِث لاستِغاثتي رغم أنّي التزمتُ الاحتِرام سواءٌ صوتي، أو خطواتي المُنصاعة، حينما دامَ تجاهُله لي طويلًا دجّجتُ كلِماتي بالخشونة وأعليتُ نبرتي
" أجاشّي! "
بالغَ في تهميشي حتّى اختزَل كُلّ لُقمةِ صبرٍ أختزِنُها بص*ري، وما عادَت تقبلُ مزيدًا مِن الاختِزال، دُست خوفي مِن ماضٍ آنِف، وصرختُ ملء حُنجرتي بحِنق
" حضرة الجِنرال "
وبينما هُو مُستمرّ في الهرولةِ على عجل كبّ في أذنيّ سُخريةً حامية أدمت أعصابي
" أنتِ أدهى مِمّا تصوّرت مُذ أنّك أجريتِ بحوثًا مُعمّقةً عنّي "
انجلى الجُهد الّذي أبذُله في مُحاربة الأرض مِن خِلال أثيري المُتذبذب
" لا تغتر بنفسِك فلستُ مَن أجرت البحوث عنك، هِي مَن جثت عِند قدميّ "
ظننتُ أنّه سيستلِم ويُحرّرُني، وفي أسوأ الحالات سيتوقّف لنهري إن واصلتُ صدّه، لكنّه لم يتزحزح. فتهدّمت سُدودي واتّخذ السّيلُ القُحاف مِن حلقي مجرًى لهُ، حتّى كادَ يُمزّقه
" أبعِد يدَك عنّي "
رجرجت ذراعي أبتغي الفرار مِن حوزتِه، ولم أكُفّ عن التذمُّر
" أتعتقِد أنّه يحقّ لكَ استِغلال رتبتِك كجنرالٌ خارِج ثكنتِك لتُمارِس السُّلطة على غيرِك؟ "
صعِد صوتي إلى قمّتِه كأوَّل مرّة صرختُ فيها عليه
" من أنت لتقطَع برزقي؟ "
التقطتُ ما ذرّته شفتاه بعبثيّة رغم خفوتِه
" رزقك؟ "
" لا تتصرّفَ كما لو أنّكَ ت**بُ مالَك بسُبل سويّة أيُّها المدّعي، حياتي وما أُهدِرُها فيه ليست مِن شأنِك لتتدخَّل فيها، لا تظنّ أنّك قد اشتريتَ الحقّ بفلسين"
واظبتُ على غرس قدميّ بقوّة في الأرض عسى أن ينثني لكنّه بذراعٍ يتيمة كان يجُرّني كأنّي عديمة الوزن، ما لاحظتُ أنّه قد أنفقَ جُهدًا يُذكر، بل جُهدًا بخسًا.
أعطيتُه مُهلةً مِن الوقت حتّى يدَعني طواعية، قبل أن أصيح بقوّة
" اتركني"
سكَن فجأة، ولطَم ظهري بالحائِط دون أن يُخلي سبيلي، كأنّي جمادٌ مُعفى مِن الإحساس، لو أنّ لفقراتي صوتًا لانتحبت لفرطِ الألَم. كانت سحنتُه تستشيطُ غيظًا، ونظراتُه تمضغني بنهم، بينما يمرّ الكلِم مِن بين أسنانِه مُطعّمًا بأنفاسه
" سألتِ من أنا؟ إن لم تخرسي فسوفَ أصير أسوأ مَن قابلتِه يومًا "
عيناهُ المسنّنتان كانتا كفيلتين بردعِ لِساني عمّا هُو مُقدمًا عليه، لم يسبِق وأن رأيتُ بمِثل ظُلمتِهما، ولا سُخطِهما كأنّهُما جُحرا جهنّم، التوغّل فيهِما لا يقود إلى سِواه
زممتُ شفتيّ بانصياع، وراقبتُه ينتهِك مِساحتي الشّخصية، ما كان بينَ جسدي وجسده سِوى مضيقٌ يكادُ لا يُذكر. بعدما لفظت كفُّه مِعصمي، تواطَأت مع توأمِها على سدّ عروتيّ قميصي الأبيض بأزرارِهما، تحتَ رقابةِ عينيه، ثمّ تزحلقتا على خصري، لم أدرِ إلى أين تبتغيان الوُصول، لكنّ خطواتهما تباطأت كأنّهما تتعمّدان تأجيل ميعاده. أدركتُ لاحِقًا أنّ لمسه لي قد أزاغَ الفِطنة عنه، إذ سجَت نظراتُه عليّ بلين، ترهقُها الرّغبة
قبل أن أُعيل الغِواية عليه لنُسقطه، تمالَك نفسَه، وملَك زمامَها ثانيةً، ثمّ تابعت يداهُ المسير، حيثُ اندسّتا سُفلى قميصي، ما كِدتُ أرجُمه بتهمة التحرُّش حتّى شرعتا في حلّ طيّات تنّورتي، تُعيدانِها إلى طُولِها الأصليّ... شعرتُ أنّي طِفلة
حينَما انتهى مِن هندمةِ مظهري نظر إليّ بحِدّة وقال مُهدّدًا:
" والآن ستقتفينني بصمت، لا لومَ على سِواكِ إن نقضت شفتيك بعقدِه قبل أن أسمَح لكِ "
اللّهيبُ في عينيه نشّف شجاعَتي، فما عثَرتُ على ردّ مُناسِب...
-
شو رأيكم بالفصل!
أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!
بيكهيون!
ميني!
" لِم تكتفي بالمُشاهدة، في حين أنَّ اللّمسَ مسموح؟ " ماي بيتش ????
تشانيول!
سيهون! عرفتو انو صاحب الملهى ما؟
جين سو حما بيكهيون تخيلتو الڨايد صالح ومتت ????- ما رح تفهمها الا الجزائريات-
ما الذي سيفعله بيكهيون بميني!
هل ستحصل ميني على الوظيفة!
شو تتوقعوا يصير بالفصل الجاي ???
دمتُم في رعاية الله وحفظه ?✌