بعد لحظات..وصل إلى منزل خشبي صغير يقع في أطراف مدينة اسطنبول..فتح ياغيز الباب بمفتاح صغير أخرجه من جيبه و أشار إليها بالدخول..خطت خطوة إلى الداخل ثم توقفت و همست" من الأفضل أن تبعدني عنك..أنا لا أجلب سوى الشؤم" نظر إليها باستغراب و سأل" ماذا؟ شؤم؟ مستحيل" ابتسمت بسخرية و قالت" أنت لا تعرف شيئا..أنت تريدني أن أكون عاهرتك أنت فقط..لا تريد أن يشاركك في أحد آخر..هذا كل ما في الأمر" أمسكها ياغيز من ذراعها بعنف و قال" قلت لك اصمتي..اجلسي" تحركت نحو الأريكة و جلست..سأل" هل أنت جائعة؟" هزت رأسها بالنفي فجلس قبالتها و قال" لا أعلم فيم تفكرين..و لماذا تبدين مهزومة و مستسلمة هكذا..لكنني أريد أن أساعدك..لا تسأليني عن السبب لأنني لا أملك الإجابة..ما أعرفه فقط هو أنني أريد مساعدتك" ضحكت هزان بصوت مسموع و هي تقول" مساعدتي؟ بهذه البساطة..و دون مقابل؟ هل أنت ملاك لكي تفعل هذا؟ لا تسخر مني لو سمحت..لا يوجد أمر دون مقابل..أعلم ما تريده مني..لذلك لا تضع قناع البراءة على وجهك..يكفي أن تكون صريحا معي..و سأفعل ما تطلبه بما أنك ستجد لي مكانا أقيم فيه و ستساعدني"
انتفض ياغيز واقفا و سحبها تجاهه بشدة حتى كادت شفاههما تتلامس..قال بنبرة غاضبة" لماذا تصرين على أن تبدي بهذه الصورة الخاضعة و المستسلمة ؟ أليس لد*ك شخصية ؟ ألا تريدين أن تكوني امرأة مستقلة بذاتها لا تخضع لأمر أي رجل أو لنزواته؟ لماذا ترضين بهذا كله؟ لماذا؟" أجابته و هي تحاول سحب نفسها إلى الخلف" لأنني تعودت على ذلك..تعودت أن أكون مسحوقة و منسية و ذليلة..تعودت ألا أقول ما أريد..بل أن أنفذ ما يريده الآخرون مني..و أنت؟ لماذا تصر على مساعدتي؟ لقد أخذت ما أردته مني ليلة البارحة..ألم تكتفي؟ ان كنت تريد المزيد فيكفي أن تقول ذلك صراحة..و سأعطيك ما تريد..أما إذا كنت لا تريد مني شيئا..فدعني أذهب..و دعني أواصل حياتي البائسة و التي لم أختر المجيء إليها حتى..أنا لا أؤمن أن هنالك ملائكة على وجه الأرض..كل انسان يخفي شيطانه داخله ببراعة..و يخرجه في الوقت المناسب ..يرتدي قناع البراءة..إلى أن يحصل على ما يريده..هذا كل ما في الأمر..ربما تكون مختلفا عن البقية..ربما..لكن لا تنكر أن رغبتك في معاشرتي من جديد هي من جعلتك تبحث عني و تجدني..أليس كذلك؟" ضغط ياغيز على ذراعيها بقوة حتى آلمها و تكلم من بين أسنانه" أنت لا تعرفينني..لذلك لا تتكلمي بلساني و لا تحاولي أن تفسريني..ما جعلني أبحث عنك شيء آخر..شيء رأيته في عيونك..حزن..ان**ار..هزيمة..استسلام..كل ذلك استفزني..و جعلني أندم لأنني لمستك..و جعلتك تفقدين عذريتك..كرهت نفسي و احتقرتها..لا أعلم لماذا..أنت و أنا كنا في المكان الخطأ..و دفعنا الثمن..توقفي عن استفزازي..اجلسي..و كوني هادئة..لو سمحت" تركها فأخذت تفرك ذراعيها ..آثار أصابعه أوجعتها..عادت إلى الجلوس و بقيت تنظر إليه..دخل إلى المطبخ..وضع الأكل الجاهز الذي اشتراه على الطريق في أطباق و وضعه على الطاولة أمامها..و أعد ابريق شاي و سكب لنفسه و لها..قالت" لست جائعة" رمقها بنظرة غاضبة و قال" كلي دون نقاش"..استرقت هزان النظر إليه فوجدت أنه مشغول بهاتفه..أخذت تأكل في صمت..كانت جائعة جدا لكنها كانت تكابر..ابتسم دون أن يظهر لها ذلك..و أبعد عيونه عنها لكي لا يحرجها..رن هاتفه فابتعد عنها و وقف بجانب النافذة..قال" افندم مارت" قال" صديقي..أين أنت؟" أجاب" لدي بعض الأعمال العالقة..سأنهيها و أتصل بك..ممكن؟" قال" تمام..كما تريد..المهم أن تكون بخير" ابتسم ياغيز و قال" لا تقلق أخي..أنا بخير..إلى اللقاء" قال" إلى اللقاء" و أنهى المكالمة..التفت إليها فوجدها قد أنهت طعامها و أخذت تجمع الأطباق و تدخلها إلى المطبخ..تركت له طعامه و كأس الشاي خاصته..لكنه لم يكن جائعا..تبعها إلى الداخل..كانت تغسل الأطباق..اتكأ على الباب و أخذ يراقبها..في أعماق نفسه..كان يشتهيها..يريد أن يكون معها من جديد..أن يلامس كل قطعة فيها..كل تفصيلة من جسدها المثير..لكنه لن يسمح لهذه الرغبة بأن تسيطر عليه..يجب أن يساعدها دون أي مقابل..لا لشيء..لكي يثبت لها فقط بأن عمل الخير مازال موجودا في هذه الدنيا..انتبهت إليه فقالت" لقد تركت لك طعامك..لماذا لم تأكل؟" أجاب" لست جائعا..هزان..هل أنت متعلمة؟ هل لد*ك شهادات؟" نظرت إليه للحظة بحزن سرعان ما أخفته و قالت" أنهيت البكالوريا فقط..و لم أستطع مواصلة دراستي" اقترب منها..ربت على كتفها بخفة و قال" لا تحزني..سأجد لك عملا يحفظ لك كرامتك..و لن تضطري للخجل أو الخضوع لأي شخص" ابتسمت بسخرية و سألت" و أي مجنون سيوظف لديه فتاة لا تملك شهادات و لا خبرة و لا شيء" رد" أنا..ستعملين في شركتي..أنا أملك شركة معلوماتية و حواسيب..بالمناسبة..أنا ياغيز إيجمان..لم نتعرف سابقا" انفجرت ضاحكة و قالت" و انا هزان شامكران..سررت بمعرفتك..لكن لا أعتقد أنك سررت بمعرفتي" سألها" و لماذا ؟ لأنك مشؤومة كما قلت من قبل؟ لماذا قلت ذلك؟ هل تريدين اخباري؟" خرجت هزان من المطبخ و جلست و هي تقول" أنا متعبة..و أريد أن أنام الآن..اذا سمحت لي طبعا" نظر إليها للحظات..ثم قال" تمام..سأذهب و ادعك تنامين..و سأعود في الصباح..سأحضر لك معي بعض الملابس..ليلة سعيدة" و فتح الباب و خرج..
بعد خروج ياغيز..أنهت هزان تنظيف الأطباق و دخلت إلى الحمام..نزعت عنها ثيابها و وقفت تحت المياه الدافئة..جسدها منهك و متعب..قلبها و عقلها أيضا..تعبت من لطمات الحياة التي توالت على خدها..تعبت من تحمل اذلال البشر لها و من تنفيذها لكل ما يطلبونه..تعبت من تلك الكلمة المقيتة التي لاحقتها و التصقت بها منذ يوم ولادتها..فتاة ولدت لتموت أمها و هي تلدها..طفلة انتظرها أبواها طيلة خمس سنوات لم يرزقا فيها بالأطفال..و عندما أتت..لم تترك أحد منهما على قيد الحياة..أبوها كان التالي بعد وفاة والدتها بأسبوع واحد فقط..عمها و زوجته الشمطاء أخذاها إليهما لكي يربيانها..عام واحد فقط..تحملاها فيه..خسر فيه عمها مشغله..مورد رزقه الوحيد..بعد حريق هائل..و سقط ابنهما الوحيد سونار أمام سيارة دهست ساقه فأصبح أعرجا..و كاد يفقد رجله..قاما بوضعها في ملجئ للأيتام لكي يتخلصا من الشؤم الذي حل عليهما منذ اليوم الذي دخلت فيه بيتهما..في الميتم..كانت تلقب بالمشؤومة..لأن مديره توفي يوم وصولها..ثم توالت المصائب الواحدة تلو الأخرى..و ربط الجميع ذلك بها..حياة بائسة و ذليلة..كل أنواع القهر و الحرمان ذاقتها على مدى سنوات..كانت تدفن نفسها في دراستها..تدرس بجد لكي تستطيع تأمين حياة كريمة لنفسها..و ما ان تحصلت على البكالوريا..حتى عادت عائلة عمها لتأخذها إليها..لأن ابنهم سونار كان يريد أن يتزوجها غصبا عنها..كان يكرهها و يحقد عليها لأنه يعتبرها السبب في اعاقته..و كانتقام..كان يريد أن يتزوجها و أن يذلها و يجعلها خادمة له..رفضت بشدة..بكت..تحملت الضرب و الشتم..لكن دون جدوى..استفرد بها ذات مرة و حاول الإعتداء عليها فضربته على رأسه و كادت تقتله..حبسها عمها و زوجته في القبو طيلة أيام لم ترى نور الشمس خلالها..و في يوم الزواج..قامت هزان بالتبليغ عن سونار عندما عرفت بأنه بصدد تمرير شحنة م**رات مع شحنة المشروبات الغازية القادمة بمناسبة العرس..ألقت الشرطة القبض على سونار متلبسا و هو يعاين شحنة الم**رات..فنجت هزان منه..لكنها لم تنجو من شتم عمها و زوجته..و تعييرها بالمشؤومة..هربت منهما..و صارت تبحث عن عمل هنا و هناك..تطرد من هذا المحل لكي تبدأ العمل في غيره..إلى أن جاءت تلك الليلة التي اختطفها فيها رجلان ملثمان عندما كانت عائدة من عملها في معمل الخياطة في ساعة متأخرة من الليل..و وجدت نفسها مسجونة في بيت للدعارة..حاولت الهرب أكثر من مرة..لكن دون جدوى..ضربتها المرأة المسؤولة عن الفتيات هناك..فاضطرت أن تقبل عندما عجزت عن ايجاد حل..و كان حظها جيدا هذه المرة عندما جعلها تلتقي بياغيز الذي كان أول رجل يلمسها..