جلال عبد المقصود
اللقاء الثاني, كان و ليزال أحب مسلسلة تليفزيونية لزوجتي؛ فدوى. لذلك عند طرحه بمكتبة جريدة أخبار اليوم إبتعتُ نسخة مصورة منه ليتثنى لها رؤيته وقتما تشاء. يمثل لها الفراق والعودة ثم تبين أن الفراق كان الحل الأمثل لمن حكم عليهما القدر بالفُرقة ولكنني لم أطرح عليها هذا الجزء لأن جمعتنا كانت أمثل قرار على نقيض ما تراه أو ما أستشعره من ناحيتها. أحياناً أشعر إنني كنت المتبقي لها فقد كانت خيارتها محدودة بعد طلاقها, فزوجها السابق رجل أعمال نافذ القوى وكذلك لم يكن راضي عن طلاقها منه رغماً عنه, لأنها حصلت على الطلاق عن طريق مواجهته في المحاكم . كانت في حاجة لرجلاً مثلي؛ عسكري إذاً مأمن بعملي, لي عائلة كبيرة يخشى زوجها الإقتراب حتى من أحداً من أفرادها, و أكن لها حباً جماً يجعلني أتغاضى عن عصبيتها الدائمة.
تزوجنا فور انتهاء شهور العدة من زوجها الأول, بشقة أمها فقد إشتريت بكل مدخراتي عيادة لها لأؤمن لها حلم أمها و التي أرادت من إبنتها أن تزاول مهنتها كما فعلت هي بالسابق. إحساس زائف يشعر النساء بالأمان عندما يتحصلنا على عمل وأردت لها كل شيء ولو على حساب راحتي فقد أولت عملها نصيب الأسد بينما إتكفيت بما تبقى من فك الأسد. بالطبع نقمت على عائلتي أولاً لزواجي من إمرأة أخرى و مطلقة و فدوى ولكنهم لم يشعروا بعنائي مع زوجتي الاولى . نهال بدورها مسكينة فهي مجرد طفلة بجسد امرأة بالغة و جميلة و لن أستطيع الإنكار, تعاني من درجة منخفضة من التوحد لذلك هادئة خاملة على الدوام, تلبي كافة متطلباتي ولكن تتلقاها كأوامر من مرئوس وليس زوج وبلا أيما مشاعر, فأنا مرئوس طيب القلب ومتطلباتي بديهية وليست عديدة. بعض الدفئ كان ليفي بالغرض ولكنها كانت تخشاني دون أسباب, تتخفى عني بكل زاوية وتذهب عن لقائي بكل حجة. طفلة عقلياً و وجود رجل أجنبي معها كان يشعرها بالتوجس الدائم, و قد مرت سنوات عديدة حتى نشأت الألفة بين المرئوس المحبب والموظفة الماهرة بالطهي وإعدادات المنزل فقط لا غير, حتى لما صارحتها بنيتي للزواج من أخرى جل ما فعلته كان إمائة بالرأس تعني الرضا ثم قالت :
- المهم تكون مبسوط
ورغم تقبلها لزواجي بأخرى أخبرتها إنها حبي الأول وأم أولادي وزواجي بأخرى سببه الأوحد أني أريد المزيد من الأولاد وأخشى عليها الإنجاب من جديد وهي مصابة بداء القلب و صدقتني لأنها مثال البرائة و التفاني. رغم رقتها وبساطتها بكل شيء كانت سعيدة أيما سعيدة لعدم إنجاب فدوى لسنوات ليتثنى لها التغلب على الزوجة الثانية بنقطة ولكن نقطة حاسمة . عائلتها كانوا يفضلوا صمتها بل وحثوها على الصمت على الدوام حتى لا يلحظ أحد علتها فبأول زواجنا لم أتلقى منها إلا إيمائات إنما تدريجياً علمتها أن صمتها خزي وكلماتها فخر أريد سماعه دائماً بينما فدوى كلماتها صخب وصمتها مصيبة على الأبواب ولكني أحب ذلك, أحب من يشاركني وليس من يتجنبني وإن كان على طريقة فدوى.
مرت سنة على زواجي بفدوى وكأن شرارة الحب إنطفئت, حلم الإنجاب قتل كل عاطفة نمت بيننا و كأن القرار قراري. إن أتيتها تعاتبني على تغيبي عنها و الذي قد يكون أحد أسباب المانعة للحمل, و إن ذهبت عنها تلعن ضعفي وتخاذلي عنها و الذي أودي بي لإمرأة غيرها أنجبت أولادي فلديها يقين يسكنها بإنني لو كنت تزوجها أولاً لكانت أنجبت ولداي . أصابتني حمى الصمت فإجاباتي لتساؤلاتها لا تسمعها و قد زاد هياجها ففضلت الإبتعاد قليلاً علّ الإشتياق يعيد لها عقلها الذي سلبته الغيرة من زوجتي الأولى و ولداي.
تقدمت لأول بعثة إستطلاع لدول الجوار ونلتها على عجالة فبعد بعثاتي لزائير وغيرها حققت نجاح منقطع النظير حتى صرت أطلب إسماً بطاقمي . أمسى لي طاقم بعدما أصبحت مقدم أول, مكون من ثلاث طيارين وضابطين صاعقة للتأمين بخلاف الجنود. سافرت بطاقمي لتنزانيا ولنفس الأسباب؛ ثروات أفريقيا مخزونة في باطنها وفي حاجة لمنقبين طامعين . نفس العمل , نفس الخيام, نفس الطقس , نفس العدو وإن كنت لم أميزه للوهلة الأولى. تبدلت ملامحه , بشرته أفتح قليلاً , أنفه الأفطس جرى تقليصه إنما قامته على حالها إلا من بعض الإصقال فقد كنت أراه يتمرن يومياً مع الأمريكان على الأل**ب القتالية.
جلست مع طاقمي ورئيسي المباشر بيوم ليس برواج, أسفل ظلال شجرة مقرفصين بينما رئيسنا صنع أرجوحة من الشباك بين شجرتين وإستلقي عليها في تكاسل يهش البعوض عن وجهه. نراقب الأجانب يدعون نساء البلدة لخيمهم للمتعة المحرمة بينما زملائي و حتى العربيد منهم لم يجسر على ذلك المطلب فقد كان مرض الإيدز فأوج إنتشاره حينها ويحصد المئات . شيئاً عادي ونواجهه يومياً إلا من هذا, ذا الملامح العربية الذي صاح عليه رئيسنا وقال:
- خُد يا ياض يا إبن الجذمة
وتأكدت الظنون عربي يوقن المصرية فقد إلتفت لجمعتنا وقال متسائلاً:
- انا سيدي ؟
- ايوه انت يا روح امك .. تعالى
إقترب من جمعتنا حتى وقف أمامنا في إمتثال فقال الرئيس :
- إدي التحية يا كابتن
وقف منتهباً وناول اللواء التحية فقال اللواء :
- مسلم يا كابتن؟
- أيوه سيدي
- منين؟
- الرياض
- يا قلبك ومش خايف تتخسط .. الكعبة عندكوا
- الكعبة المشرفة في مكة
ضحكنا لتصحيحه البديهي لكل مسلم إنما قال اللواء :
- أفادك الله كنت هتوه لو ما كنتش قولت العنوان.. أقعد
قرفص بيننا فخاطبه اللواء :
- حرام يا بني ما تبقاش انت و الزمن عليهم
- انا بدفع
- يعني من قلة الحريم .. ده حتى شكلهم استغفر الله العظيم
- الموجود سيدي
- مجوز ؟
- لاء
- عشان كده .. عارف انت لو اجوزت و خلفت نظرتك هتتغير .. عندك اخوات ؟
- تسعة.. اربع بنات و خمس ولاد
- يااااه .. بس كويس هناخد منك بنت نجوزها لأخوك وحيد بما إن امك خلفتها دكره .. اصل كلام في سرك وحيد عايز يجيب ولد يورث عزبة بابا الباشا
قال وحيد متبرماً :
- حقي يا باشا ما كلكم عندكوا اللي يشيل اساميكوا لكن أنا إترزيت بتلات كبب وأمهم
عقبتُ على كلمات صديقي وحيد قائلاً :
- خشيم, البنات رزق والله لولا مراتي صحتها على قدها كنت فضلت وراها لحد ما جابت البت
نظر لي عدوي حينها وقال :
- إجوز غيرها
أجاب عني رئيسي :
- مجوز إتنين
عادت عيون غريمي إلي بعد تصحيح رئيسي و قال :
- إجوز التالته
- لا صعب الموضوع مرهق جداً
ضحك الزملاء على مقصد لم يكن في سياق حديثي فأوضحتُ لهم :
- مش من الناحية القدرة يا جماعة, من ناحية انك مجبر تراضي إتنين وتصرف على إتنين و يبقي ليك بيتين ودولابين وسريرين .. انا ساعات بصحى مش فاكر أنا في أنهي بيت .. ده الغير المقالب اللي بيعملوها في بعض وانا و لا ينفع اجي مع دي و لا دي
نظر لي صديقي هاشم و قال بسقم :
- أحبطتني انا كنت ناويها شكلي هتراجع
ناوشه رئيسنا بمرح لما قال :
- أوعي تعمل حاجة زي كده .. مراتك صيدلانية تسقيك حاجة تخلّص عليك و لا من شاف و لا من درا
عدنا للضحك خاصة لما بدى على هاشم التخوف من مصيره القادم, و لم نلقي بال بأهم الأشياء كمثل مراقبة رئيسنا لعدوي اللدود عن كثب مهما تنوعت الأحاديث و تفرعت.
إنتهت ضحكات الرئيس قبل ضحكاتنا ثم سأل الوافد الجديد علي جمعتنا :
- بتعرف تقرا ؟
أجابه فهد ببساطة :
- لاء
حدجناه جميعنا بغرابة إنما الرئيس قال بتفهم :
- جلال هيعلمك تقرا و وحيد هيعلمك تشيل سلاح
- بعرف أضرب نار
- لو ما طورتش نفسك هتفضل عتال مش طيار .. هيفضلوا يستزفوك لحد ما تخلص في مهمة وعمرك ما هتترقي .. ما تتغرش في قعدتك وسطيهم انت بالنسبة لهم خدام .. انت طيار ممتاز يمكن أكتر من ممتاز وبالفطرة فبالك لو درست
طيار بالفطرة !!!!
هل هناك ما يسمي بطيار بالفطرة, الطيران دراسة طويلة متعمقة, تدريبات لا تنتهي, إختبارات لا نهائية فمن يناول أحدهم طيارة لمجرد الفطرة. وهذا أول ما إجتذبني له من جديد فقد أردت من قاع قلبي معرفة كيف أمسى طيار بالفطرة وبأي جيش ؟ وكيف لاحظ رئيسي جهله التام حتى بالقراءة و الكتابة ؟
- وانت شاغل دماغك ليه ؟
قالها رئيسي لما ذهبت لخيمته لأطفئ ظمأ فضولي فأجبته:
- لا ابداً عايز أفهم
- إحنا من يوم ما جينا وهو عنيه علينا من تحت لتحت .. كان ماسك جرايد عربي يمكن حد منكم ياخد باله منه, لكن عنيه ما كنتش بتقعد أكتر من دقيقة على الجورنال, فعرفت أنه ما بيعرفش يقرا .
- والسلاح ؟
- حطه في جيبه يا جلال .. خايف يحطه تحت باطه يضرب منه من حركة غلط من كتفه
- طب حضرتك مهتم بتعليمه ليه ؟
- للمستقبل .. معروف هنستنى رده
وبالفعل باشرت تعليمه القراءة والكتابة العربية بينما صديقي وحيد ضابط الصاعقة علمه العديد من الأشياء وأولهم القتال المتخفي, ثقل اليد عند الضرب وخفتها عند التفادي, حمل سلاح مؤمن أو لا فأمانك الوحيد من الزناد سبابتك. غريمي اللدود كان مثابر فعلامات التأديب التي نالها من وحيد عند التدريب كانت خير دليل ورغم ذلك لم يتذمر أبداً من حدة وحيد معه وطلب المزيد فلديه شره غير محمود لتعلم كل شيء. كان سريع البديهة للغاية فقد تعلم القرائة والكتابة العربية بأسبوع واحد إلا أنه كان طليق بالإنجليزية والروسية والفرنسية . إستصاغ جمعتنا وأمسى لا يفارقنا وترك جماعته, من حين لأخر يقدم لنا المؤن من قهوة أمريكية ومعجنات فرنسية وبعض الأطعمة المدخنة, أرشدنا لأماكن الصيد القادمة بكافة القارات و وجهنا لأكثر الجيوش ثرائاً بالمال وليس السواعد و لذلك يستأجرونا.
ترك وبال النساء والمتعة الحرام بل وشاركنا الصلوات الخمس فأغلب الزملاء يلتزموا الصلاة خاصة في المهمات الخطرة فالأوبئة تحاوطنا وتسقط أمامنا العديد من القتلى وهناك كذلك بعض القوى الأهلية الرافضة لوجود جيوش خارجية داخل حدود أراضيها وتقاوم بشراسة لجلائنا ولو وصل الأمر لإشعال خيمنا ومؤننا ومنهم من تحامق وفجر طائرة مليئة بالوقود, فالقوة التفجيرية لخزان الوقود وصلت لميلين وقضت على قرى بطريقها.
في وسعه الطهي وصنع المشروبات فعلمت أنه ليس من أسرة علية فأنا بالكاد أخرج زجاجة المياة من المبرد لو نال مني الظكأ و لو يكن أحدهم من حولي يخدمني, كذلك زوجتاي تلبيا كافة مطلباتي وإن كانت فدوى لا تستطيع الطهو و تشتري الأطعمة الجاهزة فطعامها مروع أمام ما تعده زوجتي الأولى.
نام الزملاء مبكراً وتركانا بالخارج هو يسكب لي الشاي ويقول :
- حد من حريمك بيشتغل ؟
- التانية دكتورة
- بتدرّس في الجامعة ؟
- لا طبيبة أسنان
- ت**ب فلوس كتير ؟
- يعني
- اومال ليش إيجيت ؟
- بفكر اشتري بيت كبير اقعد في الاتنين .. تعبت من المشاوير
- ابغى لما تزوج اربع حريمات اعمل زيك
ضحكت ثم أوضحت له الكارثة المقبل:
- لا خطر
- ليش ؟
- لو اتنين ستات إتفقوا يحكموا العالم ما بالك لو إتفقوا عليك
- لكن انت راح تجمعهم في بيت ؟!
- انا ظروفي مختلفة شوية, مراتي الاولانية طيبة والتانية مجنونة مستحيل حد في الدنيا يتفق معاها على حاجة أبداً.
سبر أغوار بعيناه و هو يتفحصني بجدية, و كأنه يستدعي معي ذكريات قد نسيتها ثم قال جملة أثباتية أكثر منها تساول كما أبدى من بنبرته :
- لكن بتميل ليها عن الأولى ؟
- ربنا يقدرنا على العدل بينهم
- ليش بتميل ليها؟
- بتفهم .. بتكلمني .. الاولانية حياتها العيال والمطبخ
- ده شيء طيب
- ايوه طيب ما قولناش حاجة .. أممم.. لما تجوز وتسيبك من البطال هتفهم
- بكره حكي الحريم
- يعني ما كنتش بتكلم النسوان اللي بيجولك ؟
- لاء
- خالص ؟
- ايوه
- ده انت رزل اوي .. مش في مقدمات ؟!
- انا بدفع للنهايات يا جلال
ضحكُت ثم عقبت على كلماته :
- رذل رذل يعني
وتعددت الليالي الطويلة ورفقته, على عفته الأخيرة إستمر حتى رأيتها تخرج من خيمته, أجمل إمرأة على الإطلاق, بشرتها بألق النحاس المصقول, فمها كزنبقة, عيونها تحمل ألوان السماء السبع, قوامها بض ذو منحنيات بخلاف كل نساء البلدة الهزيلات من سوء التغذية. تحكم رباط شرشفها المزكرش - الزي التقليدي لنساء البلدة - و الذي يغطي أجزاء شحيحة من جسدها, ثارت الأسئلة داخل نفسي مع ما ثار, و ما من إجابة إلا بالتحديق علني ألمح تعريف و سبب لوجودها. ابتسمت لي لما وجدت عيوني تتمشى على ساقيها من الشهد المصبب وحينها أرتبكتُ ابحث عن مخبأ يقيني يحموم العيون الزرقاء, و ما من مخابئ في العراء إلا اللا مبالاة و حينها ألقيت سيجارتي التي أشعلتها للتو و عدت لخيمتي ولكن فاجأني قولها الهامس :
- إستنى
ولم يكن هناك مخلوق ينطق العربية إلا جمعتنا فبالطبع إلتفت إليها, و على حين غرة وجدتها خلفي مباشرة و تقول بعربية مت**رة:
_ إت .. أربي
أومأت بالموافقة فأردفت :
- أنا .. بيع ..
أوفقت تلعثمها وقلت :
- شكراً مش عايز حاجة
- بيع .. لبس .. وشا .. جميلة
ثم تشير لشرشفها أي تبيعه كذلك فقلت :
- شكراً
العيون الزرقاء طالها عكرة حزن و قد قالت صاحبتها :
- مسكينة .. ولد .. صغير .. أكل
أخرجتُ من جيبي عشرون دولار وناولتهم إياهم فأخذتهم مني على عجالة وقالت بحبور :
- شكراً
و هرعت من أمامي بغنيمتها الأخيرة من قبلي و هي تعيد احكام شرشفها المزكرش على جسدها من جديد.
اللعين من ظننته توقف عن العربدة له عشيقة سرية توافيه بعد منتصف الليل ثم يتوضأ ويصلي معنا الفجر. انما من يلومه تنزانيا بأكملها بل أفريقيا لا تملك جمالاً مثل ذاك. حقاً كانت محيرة أفريقية تملك عيون زرقاء وقوام هلامي, لم تكن ع***ة فلما رأيتها لاحقاً وجدتها تعرض مأكولاتها وملبوستها للبيع وليس جسدها إذاً العربيد الصموت مع معشر النساء عاشق لها. لها ولد صغير بعمر ولدي الأكبر تقريباً, دائماً في ظلها وأحياناً يدفع عنها الراغ*ين بشيء بخلاف منتجاتها رغم صغر سنه فقد كان بالسابعة أو الثامنة من عمره تقريباً. حفظت السر لليال ولكن أرقني الكتمان وعند كوب شاي أخر من عدوي قلت :
- شفت صاحبتك يا خلبوص إسمها إيه؟
- سيسكا
أدهشني إعترافه المباشر فقد ظننته قد يراوج لإثبات عفته الأخيرة مما جعلني أقول متبحثاً:
- شكلها غريب .. خلطة غريبة
أجابني بشعف :
- أجمل خلطة يا صديقي لو تحب السمر أبعتهالك ؟
قلت هازئاً من حالي الأعزب :
- ده انا معلتهاش وانا عازب أعملها وانا مجوز اتنين
- لكن ما نك مرتاح معاهم
- ومين مرتاح .. إنما قولي الواد اللي معاها مالوش أب ؟
- انا ابوه
هذه المرة فجعت ولم أفاجأ فحسب فقد أكل علي الصمت وشرب لحين و إلى أن أردف:
- انت اقرب صديقي ليا عشان كده صارحتك .. و ياريت تبطل تديها فلوس من غير عمل
ما أناوله لها سراً صدقة ليس أكثر, شفقة على صغيرها من له أب غير عابئ به ولكن قلت :
- طب ما تجوزها .. ولا هاتلها بيت تعقد فيه بإبنك بل لفها على العساكر
- إتهم بشئونك يا جلال .. وتاني بطلب منك ما تناولها فلوس دون عمل
ومن حينها إنقطعت الصلة غادر جماعتنا وعاد لجماعته أما عن السر حفظته ولم أبح به لأحد من زملائي أما عنها عيونها الزرقاء تلاحقني وأحياناً أبحث عنها. قد يكون لتشابه عيناها بعينا أمي فأمي زرقاء العيون بدورها ولكن شقراء. قد يكون لجفاء فدوى الذي فاق كل الحدود فبأخر إجازة لي طلبت الطلاق إما لها إما لزوجتي الأولى فغادرت دون وصالها حتى نهال نالت منها علل القلب وألزمتها الفراش لأسابيع.
لازلت أناولها الصدقات غير عابئ بعيناه المستنكرة . أمسيت أعرف سبب غضبه من نفحاتي لها فقد إعتزلته ولم تعد تزور خيمته ورغم ذلك لم يطلب وصال غيرها.
عراك كنت أنا مسببه وكذلك لم أبالي وإنتظرت مقتلي برحابة ص*ر. إكتشف المستعمرين حقل بترول بكر ولكن واقع بمنطقة زراعية آهلة بالسكان, و كذلك بمنطقة جبال وعرة والحط بها بطائرة بضائع كبيرة من المستحيلات ولكن ليس علي أو علي فهد؛ كان هذا إسمه الجديد . المهمة الجديدة إنزال جنود غلاظ لترحيل أهل المنطقة أو قتلهم على سبيل اليسر فرفضت التحليق وحلق فهد بالطبع وجائت الأخبار مقتل العشرات وإصابة فهد بإصابات خطيرة إذاً لابد من بديل وأنا البديل وحينها طلبني الجنرال الإنجليزي قائد كافة البعثات, من جيش المملكة المتحدة البريطانية . لبّيت ندائه وذهبت لكارفانه الفاخر المجهز كفيلا بالريف الإنجليزي وليس ساحة قتال . بعد التحية العسكرية مني إليه قال مباشرة:
- سوف تحلق بالغد بحقل البترول الجديد
- آسف انا أحمل مؤن فقط
- انت تحمل كل ما أطلبه منك
- آسف مجدداً
- لن تأخذ مستحاقك
- على الله التساهيل
ترجم له جملتي مساعده للإنجليزية فصاح بي :
- انت وطاقمك .. لن تنالوا مستحقاتكم
- يعوض الله
وبعد الترجمة من مساعده مرة أخرى رضخ وقال مساوماً :
- حسنناً كم تريد ؟
- أنزل بطائرتي بمؤن ومعدات لأهل المنطقة وسوف أحاول إقناعهم بترك المنطقة لأخرى عوضاً عن قتلهم
- سوف تهدر الكثير من النقود .. سوف أضاعف أجرك وطاقمك وترقية فخرية
- يا سيدي الرصاص له ثمن تدفعه بلادك لتدفع للحياة و ليس الموت ووفر ذخائرك لحرب قادمة فما أكثر حروبكم
- وماذا لو قتلت بطاقمك برحلتك الروحية تلك
- سوف يكون قدرنا
- حسنناً لك ذلك .. قم بإمضاء التقرير الذاتي انت و زملائك .. أنتم المسئولون عن حماية أنفسكم من الان فصاعد
- أشكرك سيدي الجنرال
أذعيت الأخبار بين باقي الفرق التي وجدت موقفي النبيل خرف شرق أوسطي, حتى فهد نظراته كانت تشي بسخرية قاربت للإحتقار ولم أبالي كذلك وذهبت لطاقمي لأشرح لهم الوضع الجديد بكارفان قائدنا ذو المستوى الحربي المصري أي تحت المتوسط . نقلت لزملائي ما أوقعت نفسي به و سألتهم بحيادية شديدة لخطورة الموقف القادم:
- اللي عايز يجي معايا هو حر واللي خايف يفضل مكانه وكل مستحقاته هياخدها
قال هاشم :
- دول همج يا جلال لو دخلنا عليهم من غير حراسة هياكلونا
أجبته:
- إنهارده هزور الكبيرة بتاعتهم وهتكلم معاها و هي اللي هتمهد الطريق
قال هاشم هازئاً مني :
- عشيقتك اللي فهمتك كده .. ما يمكن كمين
- إحترم نفسك
صاح بي هاشم :
- إحترم انت نفسك يا جوز الاتنين .. ما خلاص كل حاجة بانت عامل علينا شيخ وداير مع البت ام عيون زرقا و عايزنا نروح في جراريك
أبتلعتُ كلماته المعيبة وأعيد القول :
- نرجع للمهم مين طالع معايا؟
- فهد طالع معاك إيكش تخلصوا على بعض عشانها
قالها اللواء بينما يتقدم من مجلسنا فقد ظل يراقبنا في صمت للحظات حتى إتخذ قرار المشاركة وحينها أجبته متعجباً :
- مين اللي قال كده .. طقم الطيارة لازم يكون من جنسية واحدة ؟
اقترب مني و قال ساخراً:
- انت اللى طرحت الفكرة على الجنرال من غير ما ترجعلي و لا ترجع لزمايلك فالراجل كتر خيره غيّر البروتوكول لأنه واثق إنك مش راجع ولأنه مش عايز يضحي بباقي الطقم بتاعك حط فهد معاك لأنه عارف برضه إنك ماشي مع البت بتاعته وعايزكوا تخلصوا على بعض بعيد عنه .. خد بقه البلوبيف والميه الساقعة وقدمها قرابين لألهة تنزانيا .. إخس يا جلال أخر حاجة كنت أتوقعها منك, ولو إتكتبلك عمر بعد المهمة حسابك هيكون تقيل اوي في مصر
كذلك كان أخر شيء أتوقعه من نفسي. لا أعلم ما الذي دهاني الوحدة أم الهجر ألوم ولكن الان لا ألوم إلا نفسي الضعيفة المعرضة لإغرائها . هي اللعينة أول وأخر إمرأة خانتني . لم تتوقف عن زيارتي وسؤالي عن صحتي اليوم أو ردت يدي بإحسان من أجل ولدها الجائع . تعد لي وزملائي أكلات البلاد الشعبية أما فهد إعتزلته بجفاء أفقده صوابه حتى لم تكن تلبي ندائه إن ناداها لإبتياع مأكولاتها. تغسل أواعينا وملابسنا بالنهر وتعود بهم مجففين إنما ملابسي كانت تعود معطرة بالياسمين فقد كانت تضع أزهار الياسمين بجيوبي مما جعلني مادة ساخرة لا تنضب من باقي الزملاء الذين يشتمموا ملابسي و يُملِّسوا عليها طالبين بركاتي التي أرضخت الحرون ذو العيون الزرقاء .
تعيد لي ملابسي المعطرة مع إبتسامتها المنيرة ثم تذهب ملوحة بميوعة ولكن يلتقط يدها فهد ويسألها شيء ما بلغة البلاد ولكن لا تستجيب على ما يبدوا فقد حدجته بإزدراء وهمت بالمضي ولكن فهد تفاقم غضبه هذه المرة وصفعها على وجهها صفعة قوية أسقطتها أرضاً وإتهز لها وجداني فذهبت لها وساعدتها على النهوض بينما أصيح بفهد :
- إيه الهمجية اللي انت فيها دي حد يضرب واحدة ست ؟!
إبتسم لي بإستهزاء ثم دفعني بكتفي بلا مبررات فوجدت نفسي أدفعه بدوري ولكن دفعتي أسقطته أرضاً وحينها نهضت جماعته لمآزرته إنما جلسوا من جديد عندما نهض هاشم و وحيد من خلفي وتقدما للدفاع عني. جميع الفرق تخشى وحيد خاصة لأنه يتمرن عليهم يومياً أو يشاركهم التمرن عبر دحرهم جميعاً أما أنا تأست عيوني لحالها بينما أجمع معها ما سقط من خبز تضعه بطيات ملابسها لتبيعه للجنود وأرافقها حتى منزلها أعلى التل . كانت تبكي طيلة الطريق ولا أملك كلمات تهدهدها فهي تتحدث اللغة السواحلية لتنزانيا إنما هي أهدتني السبيل .
- أنه حيوان
حدجتها بغرابة وأعقبتُ قائلاً:
- تتحدثي الإنجليزية ؟!
- نعم
- جيد ولكن لماذا لم تخبريني من قبل ؟
- فهد طلب مني ذلك
- لماذا ؟
- إنها قصة طويلة
- معنا كل الوقت
- انا لست من تنزانيا بل من زائير هو طلب مني الرحيل من الكونجو أو انا من توسلت له أن يخرجني من جحيم الحروب بين التوتسوا والهوتو .. أبولو ولده
- نعم أعرف أخبرني
هي من حدجتني بغرابة ثم قالت :
- شيئاً غريب كان يخجل مني على الدوام لا أصدق أنه أخبرك بذلك
- أخبرني بذلك لأنه يغار عليكي مني
ضحكت هازئة بينما تقول :
- يغار!! فهد لا يغار خاصة علي
- كيف تعرفتي عليه؟
- إنها قصة مأساوية للغاية لن تحب سمعاها
- جربيني
- هوجمت قريتي من فرق الهوتو وجنسيات عديدة .. فجروا منجم كان يعمل به كل رجال القرية ثم نزلوا للقرية وقتلوا باقي الرجال والاطفال وإغتصبوا النساء وانا كنت منهن .. إقتحم بيتي أربعة رجال ذبحوا إبنتي ذا الخمس سنوات ثم توالوا على إغتصابي وهكذا حبلت بأبولو
بالله إقشعر جسدي لتلك المأساة المهولة ولكن تعذر علي فهم شيء فتسائلت :
- عذراً لا أفهم, هل فهد إغتصبك ؟
- مع ثلاث أخرين .. كان مراهق حينها, مجرد خادم لضابط يبدوا عظيم الشأن بعدما إنتهى مني هو ورجاله أجبر فهد على ذلك
- عذرا ولكن كيف تعرفين إن فهد هو أبو ابولو
- لم يستخدم حماية يبدوا أنه كان أفقر من إبتياعه
ورغم كل ما شاهدته من مآسي تلك المأساة نالت من قلبي وجعلتني أفعل شيء أ**ق للغاية فقد أخرجت من جيبي كل ما به من نقود وناولته لها فقالت مستنكرة:
- لا أريد نقودك يكفي ما فعلته لأجلي اليوم .. ما رأيك أن أعد لك غداء هيا بنا
ولا أعلم أي قوة تملك تلك اللعينة لتسحبني من يدي مثل نعجة طيعية حتى منزلها أعلى التل وتجلسني على كومة قش. تتركني وتنادي دجاجتها فيأتوها طيعين بدورهم, تنتقي من بينهم أسمنهم وتمسكها من رأسها وتضعها على صخرة ملساء وتهبط عليها بساطور كبير يفصل رأس الدجاجة عن جسدها بكل غلظة . تلك المرأة المريبة قد تدخل موسوعة جينيس كأسرع معدة للدجاج المقتول غدراً فقد ذبحت دجاجة وأعدتها في أقل من نصف ساعة ثم وضعتها أمامي مع بعض الأرز الأبيض ولمزيداً من الحمق أخرجتُ رزمة النقود من جديد لأدفع ثمن غدائي ولكنها قالت باسمة :
- انت ثري أليس كذلك ؟
- نعم
- لذلك تظن أن المال يشتري كل شيء .. هيا كل
أكلت بالطبع إنما هي لم تشاركني وظلت ترقبني مبتسمة حتى إنتهيت, و لما إنتهيت إختفتْ ببيتها الخشبي لثوان ثم خرجت بسطل ماء وشيء أخر أثار ريبتي. خففت ملابسها بعض الشيء فعصابة رأسها التي تخفي شعرها صنعت منها عمامة تهدل من حولها خصلاتها المضفورة السوادء, شرشفها الذي كان يغطي جسدها لم يعد يغطي إلا خصرها أما جذعها تكفل به حمالة ص*ر إنما محتشمة لا تظهر ما أملت فقط تبدي بطنها . تجثوا على ركبتاها أمامي وتسحب يدي للسطل لتسكب عليها الماء لأغتسل ثم تناولني صابون معطر ليس له وجود بتنزانيا .. حتى أمي لم تكن تفعل ذلك مع أبي وكذلك زوجتاي.
انتهيت من الإغتسال و نفضت عن يدي يداه ما تبقى من قطرات المياة و لكن كان لسيسكا وسيلة أخرى, سحبت جزء من شرفها و جففت عن يدي البلل ثم أمسكت بيدي وتمشت بي لتدخلني منزلها وحينها أفيق من الحلم وأقول :
- لا كده حلو أوي سلاموا عليكوا
- إستنى
تقولها بسقم بنعومة وعذوبة جعلتني أعود لها من جديد فتردف :
- إقضي معي اليوم
- لا أستطيع انا رجل متزوج من امرأتين
- بتنزانيا يتزوج الرجل أكثر من إمرأة ويكون له خليلات
- على المضي
- لماذا ؟
- صدقيني لا أعلم لماذا
وأمضي يعتصرني الألم. لم أشعر بالزهو كأي رجل طلبته امرأة مثلها وتعفف بل شعرت بندم شديد بدل كل ثوابتي وجعلني ألعن ضعفي وتخاذلي الدائم كما تنعتني فدوى. أصابني السأم أصابني الكدر أصابني مرض معوي جعلني أتقيأ كل ما أتناوله ولو ماء . ألزمني المرض خيمتي وفراشي الأرضي, ولم يفلح الإسترخاء أو الأدوية التي جلبوها زملائي فلم يفلح إلا هي. جائتني ببعض الخزعبلات جرة ماء من شلال مقدس لديهم وأعشاب جبلية برية وتدعي إنهما دوائي من كل سقم. يتناولهم منها هاشم صديقي ليعدهم فترفض وتقول:
- لن تستطيع إعدادهم
يجيبها هاشم بعيونه الخبث :
- هي شغلانه يا بت !! شوية أعشاب هيتغلوا, يايلا غوري من هنا .. الراجل أدامك مش قارد يصلب طوله .. شكلك انتي اللي جبتي أجله.
أوفر عنه عناء هزئه منها لأنها لا تفهمه وأقول :
- مش فاهمه حاجة من اللي بتقولها على فكرة
- إبقى ترجملها انت في العشة ولا أقولك أخلاق مني ترجملها هنا, انا ماشي.
ويخرج ويتركنا وحيدين ورغم ذلك لم تعد وصفتها وظلت ترقبني في أسى للحظات ثم قالت:
- لابد أن فهد سممك
- لا نأكل برفقته
- لماذا توقفت عن زيارتي ؟
- ولكني أرسل لكي المؤن
- أريدك انت
- أخبرتك إني متزوج من ....
قاطعتني شفاها لما أطبقت على شفتاي ولم أمانع, بادلتها كل عاطفة عزفت عنها, كل شعور إنتزعته من ص*ري ونمى من جديد لرؤياها, غاب عن ذهني مكانتي, زوجتاي حتى الإيدز إلي أن قاطعنا وحيد لما إقتحم خلوتنا وقال هازئاً :
- لا إنت تاخد خيمة إيجار جديد للعروسة
وحينها إنتفضت عن شفتاي فزعة وقامت تلملم شرشفها على جسدها وخرجت من الخيمة فقال وحيد :
- أمك لو عرفت اللي بيحصل ده هتحبسك في أوضتك يا صغير
وقبل أن أدفع عني هزئه لمجرد إني أصغر فرد بعائلتي جائت من جديد وناولت وحيد سرة الأعشاب و قالت منبة :
- إسقه الوصفة قبل كل طعام
- بس كده من عينيا يا جميل
وخرجت هذه المرة نهائياً إنما لم تغادرني رائحة الياسمين الذي ينضح منها دائماً فقد أزكم أنفي ولم تبدله رائحة أخرى. أعشابها كانت الدواء والكفاء أم شفاها لا أعلم ولكن ما أعلمه جيداً إني باليوم التالي غادرت فراشي وحلقت بطائرتي ثم تسلقت التل عدواً. إليها سرت يقتلني الشوق ولا حياة دون بحورها الزرقاء .. سرورها لرؤيتي أثلج قلبي بفرح ذهب عني منذ صرت زوج لإمرأتين شاغلهما الشاغل كدري .. إستقبالها الحار تكفل بكل عذر قد يدفعني بعيداً عن أحضانها .. إنها البدايات ما أجملها خاصة لو رقبتك إمرأة بجمالها بجلال وكأنك ملكاً من السماء شاركها فراشها الأرضي .
- من أين لكي تلك العيون ؟
كان سؤالي لها بينما هي مستقلية بجانبي رأسها مستندة على يدها اليمنى وتقول باسمة :
- من أبي .. انا أيضا أبي ثري .. بلجيكي .. رجل قانون كان يسكن مع عائلته بزائير ..امي عملت لديهم خادمة ..إغتصبها وكنت أنا النتاج وللمفارقة أغتصب انا وأنجب أبولو .. أحياناً أشفق عليه, كثيراً لأنه له أم مثلي
أجذب رأسها لشفتاي وأطبع على جبهتها قبلة ثم أقول :
- انت إمرأة طيبة القلب لو أخرى لإستغلت جمالها