الفصل الثاني (العودة) "الجزء الأول"

1593 Words
أغلقت باب الشقة القديم خلفها ثم نزعت وشاح رأسها و قذفت به فوق الطاولة البسيطة ثم أطلقت تنهيدة حارة و هي تجلس فوق الأريكة مُغمضة لعينيها -عملتِ إيه يا ماما!... فتحت عيناها و هي تنظر إلى إبنتها ذات الثلاث و العشرين عامًا ثم إعتدلت و قالت بـ دون تعبير مُعين -روحت له و وافق -ردت مُستنكرة:بس كدا؟! -أنتِ عاوزة حاجة تانية مثلًا يا تالة!!... حكت تالة خُصلاتهِا المرفوعة بـ ترتيب ثم جلست جوار والدتها قائلة بـ تعجب حقيقي -مش قصدي.. لكن واحد منعرفش عنه حاجة ولا هو يعرفنا إزاي يوافق كدا -ردت مُقتبسه حديثه:الضُفر ميطلعش من اللحم… **تت تالة تتعجب من إجابة والدتها إلا أنها بعد لحظات تساءلت بـ نبرةٍ شبه هادئة -طب و طلب منك إيه أو إيه شروط الشغل!! -معرفش.. قالي خليها تبعت حاجة اسمها سي آآآآ.. مش فاكرة اسمها إيه وبس -الـ C.V فهمت.. وأكيد فيه إيميل للشركة… لم ترد بل أخرجت بطاقة تعريفية من حقيبتها الصغيرة ثم أعطتها إلى تالة قائلة -خُدي قالي كلميه وتواصلي معاه على الحاجات اللي مكتوبة دي… أخذت تالة البطاقة من والدتها و قرأت الاسم "أرغد الرازي" لا تعلم لِمَ أصابتها رجفة عنيفة بـ جسدها وهي تقرأ الاسم.. ألربما لأنها لا تعرفه! أم أن الاسم يشي بـ مدى ه***ة صاحبه! قبضت على البطاقة ثم قالت وهي تنهض -هقوم أبعت دلوقتي.. أنا مش عوزاكي تحملي هم يا ماما.. أنا بشتغل عشانا و عشان أنا حابة كدا.. متفكريش فـ حاجة تانية… نظرت إليها والدتها طويلة دون حديث قبل أن تُطلق زفرة طويلة ثم إستغفرت و تساءلت بـ فتور و قليل من الإهتمام -أبوكِ فين!.. أخد دواه! -بابا نايم من ساعتين.. أكل و أخد الدوا و نام… أومأت راوية ثم نهضت بـ تثاقل قبل أن توقفها تالة -مش هتاكلي! -همدد شوية و أبقى آكل… ثم تركتها و دلفت الغُرفة حيث يتواجد زوجها.. نزعت عباءتها السوداء و جلست جواره.. و بـ رأسها يطوف مئات الأفكار و الذكريات كيف إلتقت ش*يقتها بـ والد أرغد قبل أن تتوفى بعد ثمانية عشر عامًا عاشتهم و هي تعلم أن زوجها ي**نها تبعها عرضه بـ أن يتزوجها حتى لا يكبر ولديه دون والدة أو أن يضطر إلى الزواج و أن تترك زوجها و تتزوجه هو و تكبر إبنتها تالة كً واحدة من أولادهِ صرت على أسنانها و هي تُغمض عيناها و عبارة تطوف بـ ذهنها "أنتِ كُنتِ حلقة وصل مش أكتر يا راوية.. كُنتِ طرف لعبنا بيه أنا وأُختك" و والله تعلم أنه كاذب فـ ش*يقتها لم تكن تعلم بـ وجوده مُطلقًا.. أغواها و رحل.. أخذ منها ما تحمل عقوبته ذلك النائم جوارها و أثبت أنه رجل يستحق رغم فورات غضبه و تذكيرها بـ خطئها إلا أنها تتحمل يكفي أنه -سترني -بتقولي حاجة يا راوية!... فتحت عيناها مُجفلة و إلتفتت إلى زوجها الذي نهض من نومهِ لتقول وهي تعتدل -مفيش حاجة.. سلامتك يا خويا -تساءل بـ خشونة:عملتي إيه مع ابن الـ*** دا!... إرتبكت و توترت وهي تتيقن أن موافقة أرغد لم تكن سوى خُبثٍ تعلمه جيدًا ولكن لن يسعها الرفض.. إنهم في أمس الحاجة إلى المُساعدة و ليكن الله مع إبنتها مسحت على وجهها ثم قالت وهي تُحاول الإبتسام -قِبل يشغلني متقلقش يا إبراهيم -زمجر بـ حدة:مش فاهم إيه اللي يخليكِ تروحي لواحد زيه!.. نسيتي أبوه عمل فيكِ إيه! -صرخت هي الأُخرى بـ حدة:تاني هنعيده تاني.. خلاص يا إبراهيم الموضوع دا إتقفل و عدا عليه سنين طويلة منفتحوش تاني كفاية اللي فيا.. كفاية إننا إتذلينا لـ اللي يسوى واللي ميسواش عشان القرش وتمن الأكل.. مكنش قُدامنا حل غيره… نظر إبراهيم إليها بـ أعين سوداء ولكنها أكملت بـ تهدج -قولي حد من إخواتك فتحلنا بابه و بيته! مع إنهم ربنا اكرمهم من أوسع أبوابه بس نقول إيه.. كفاية إنه وافق أشتغل عشان أصرف علينا أنا تعبت يا إبراهيم من السيرة دي. سنين عدت وهتعدي و أنت بتفكرني بـ اللي جرى… إشمئزت نفسه قليلًا و على الرغم من بتر ساقيه إلى الرُكبة إلا أنه تحامل على نفسهِ و نهض يجلس نصف جلسة و هدر بـ صوتٍ خشن -لأجل تفهمي إن واحد عرق النجاسة بيجري فـ دمه وإن مش أي حد معاه فلوس تجري له.. أنا وافقت يا راوية أتجوزك لسببين أولهم إنك بنت حتتي و مش هسيب حد يجيب فـ سيرتك و التاني إنك إعترفتي وقولتي.. وأنا وافقت عشان راجل -و طالما راجل تم جميلك معايا و بلاش تفكرني بـ ده كل شوية -عمرك ما هتفهمي إيه اللي حاسس بيه… نطقها إبراهيم بـ يأس و **ت بعدها بينما راوية قد إحمرت عيناها تُحاول حبس العبرات التي تُهدد بـ الهطول حتى سمعت صوته يقول بعد تنهيدة طويلة -إقفلي السيرة العكرة دي و نامي… إستدارت تُعطيه ظهره بينما ظل هو يُحدق بها طويلًا بـ **تٍ حتى سأل ما يلح على عقلهِ الذي كاد أن ينفجر من كثرة التفكير به و ما يفعله بـ مُخيلتهِ -وهو موجود! -أتاه صوتها ثقيل:هو مين -أنتِ عارفة -زفرت راوية وقالت:اللي أعرفه إنه طفشان مع عروسته الجديدة و دا اللي قاله إبنه… لا يشبع ذلك الرجل من النساء.. إنه يُبدلهُن كما يُبدل سُتراته أو ساعاته سمعت صوت زفرته الخشنة ثم صرير الفراش و كأنه يتأهب ليعُاود النوم كما يفعل مُنذ أشهر متى وقع الحادث ************************************** بعد مرور سبعة أيام لا تعلم ماذا تفعل هُنا الآن وفي هذه اللحظة.. كل ما تعرفه إنها هاتفت إيليا مساء يوم إلتقاءها به و وافقت بلا تردد.. كما إنها إنتقلت إلى سكن مُشترك مع مواطنة إيطالية لتُخفف بعض النفقات وها هي تقف أمام المبنى كما وضح إيليا بـ الهاتف و الذي إكتشفت أنه سوري الج*سية و ليس إيطالي تشكر الله أن فُرصتها لم تضيع صعدت الدرج ثم طرقت الباب المُغلق لتفتح لها فتاة تسألها بـ اللغة الإيطالية -عفوًا ماذا تُريدين!... سيئة هي بـ اللغة الإيطالية ولكن أجابت بـ الإنجليزية كما ينبغي أن ترد وفقًا لما ترجمه عقلها لسؤال بديهي تسأله فتاة لا تفهم منها شئ -أُريد مُقابلة السيد إيليا -مَنْ أُخبرهُ؟… همت أريام بـ الحديث ولكن صوت إيليا المُشرق من خلف الفتاة جعلهما ي**تان و تُفسح الفتاة المجال -أريام.. إجيتي بـ معادك تمام… إلتفت إيليا إلى الفتاة التي فتحت الباب ثم قال بـ إبتسامة -إذهبِ لتُخبري بيدرو أن العارضة قد وصلت.. ليستعد الجميع… أومأت الفتاة ثم دلفت ليلتفت هو إلى أريام مُبتسمًا فـ إبتسمت هي الأُخرى ثم قالت -آسفة لو كُنت سببت إزعاج -أشار لها بـ الدلوف وقال:لك شو إزعاج.. نحنا ياللي بدنا نزعجك… دلفت أريام و تبعها إيليا مُكملًا حديثه بـ مرح على الرغم من نبرتهِ الرخيمة -الحقيقة إني مبسوط كتير إنك وافقتي على العرض.. كِنت راح أخسر كتير لو ما وافقتِ.. تسلمي… جلست أريام فوق المقعد ثم أردفت وهي تنفض خُصلاتهِا الحمراء،الثائرة إلى الخلف و لم تدرِ أن تلك الحركة قد أثرت عيني إيليا بـ ف*نة لا يصعب ألا يقع فيها ثم أردفت -لو على الشُكر فـ أنا اللي لازم أشكرك.. أنت عرفت ظروفي و إن الفرصة دي مكنتش هتتعوض -أجاب بعد أن تنحنح:يظهر إنك بتعرفي كيف تستغلي الفُرص -الحياة ممكن متديش فُرص تاني لو ضيعت أهم فُرصة… لم تزل الإبتسامة عن وجههِ بل أخفض رأسه و أرجع خُصلاتهِ بـ يدهِ ثم قال وهو يعود ويعتدل بـ جلستهِ -شو بتحبي تشربي! -أجابت دون تردد:عصير برتقال -بتأمري… أشار إيليا إلى فتىٍ صغير ليأتي راكضًا ثم قال بضع كلمات سريعة لم تفهم منها أريام شئ ليركض بعدها الفتى ويختفي بـ ممر طويل -لقد أتت العارضة… إلتفتت أريام على ذلك الصوت الرجولي بـ عينين خضراوين جامحة و جسد رجولي نحيل لتعلم أنه بيدرو الذي سبق و أخبرها إيليا عنه.. فـ نهضت و صافحته قائلة -مرحبًا.. أُدعى أريام القاسم -صافحها وقال:وأنا بيدرو بـ الطبع أخبرك إيليا عني… أومأت أريام بـ رأسها قبل أن يأتي الفتى و يضع العصير أمامها ثم رحل لتلتقطه قبل أن يتحدث بيدرو -لنبدأ العمل -مهلًا يا رجل.. فـ لندعها تُكمل عصيرها وفي تلك الأثناء نُخبرها عما ستفعله -حسنًا ستنرفق بها… نطق بها بيدرو مازحًا لتبتسم أريام إبتسامة لم تصل إلى عينيها ثم رفعت الكوب ترتشفه بـ أناقة بالغة جعلت إيليا يبتسم إنها و بلا شك هي ************************************* زفر بـ ضيق و هو يبتعد عن عدسة آلة التصوير ثم قال وهو يحك خُصلاتهِ بـ عصبية -أريام ما بك؟.. لِمَ لا تستطيعين التركيز! -أردف وهي تنظر حولها:إنها أول مرةً لي.. ترفق بي قليلًا… دلك بيدرو ذقنه ثم قال وهو يُشير إلى طاقم العمل -لنأخذ إستراحة صغيرة… و إبتعد يزفر بـ حدة ثم توجه إلى الشُرفة يُدخن أما أريام فـ جلست أرضًا وهي تضم ساقيها إلى ص*رها و تنظر إلى الأمام.. عليها التركيز هذه هي الفُرصة الأخيرة لها لتستطيع النجاة و العودة أجفلت أريام على ذلك الشئ البارد الذي وُضِع على وجنتها لتسدير فـ وجدت إيليا يبتسم وهو يمد يده بـ عُلبة عصير باردة.. لتبتسم هي و تأخذها منه قائلة -شكرًا يا إيليا وآسفة على التوتر اللي حصل فـ الإستديو بسببي… جلس جوارها و رفع رُكبته و وضع مرفقه يتكئ به إلى رُكبتهِ و إبتسم قائلًا بـ بساطة و دفء -ما في داعي تعتذري.. هاي أول مرة إلك.. لهيك لا تتوتري خدي راحتك -إبتسمت أريام وقالت:هو أنت طيب مع كل الموظفين كدا ولا أنا إستثناء! -أجاب بـ ذات الإبتسامة:الأتنين… رفعت كتفيها دلالة على الموافقة ثم بدأت بـ إرتشاف العصير حتى جاءت عاملة وهي تقول بـ الإنجليزية -هاتفك يص*ر صوتًا.. أعتقد أن هُناك من يتصل بك -شكرًا لكِ… أخذت أريام الحقيبة و أخرجت هاتفها لتجدها شريكتها بـ السكن لترد عليها غيرُ واعية لذلك الشئ الذي سقط منها و إلتقطته أعين إيليا نهضت أريام تبتعد عن إيليا لتُجيب زميلتها بينما هو إلتقط ذلك الشئ و الذي لا شك أنه إختبار حمل سريع.. لتتسارع دقات قلبه وهو يُحدق به مليًا و الأكثر رُعبًا حينما رأى خطين طوليين يفيدان أن النتيجة إيجابية لا يعلم كم ظل يُحدق بـ ذلك الإختبار إلا حينما أتت أريام و تساءلت بـ عدم فهم لعدم رؤيتها ما بـ يدهِ -فيه حاجة يا إيليا!... رفع إيليا رأسه إليها ناظرًا بـ شرود قبل أن يرفع إختبار الحمل أمام عينيها التي إتسعت بـ صدمة مُستغلًا إنشغال الجميع عنهم ثم تساءل بـ صوتٍ مُتباعد أجوف -أريام أنتِ حامل!!... الصدمة ألجمت ل**نها ولكنها عجزت أن تلجم جسدها فـ بحركة خاطفة إنتزعت إختبار الحمل ثم وضعته خلف ظهرها وقالت بـ صلف -حاجة متخصكش!... إندلعت نيران الغضب فجأة بـ عيني إيليا فـ تحولت من حجرين كريمين
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD