|١| الحبيبة الأولى.

4374 Words
فصل بعنوان: {إسراء والمُنحرف.} - شرق القاهرة، منطقة التجمع الخامس. - الثاني عشر من يناير عام ٢٠١٨. - الثامنة وخمسٌ وثلاثون دقيقةً صباحًا. «جوزي جيه يا صلاااااااح!» صرخةٌ تلتها تلك الجُملة خرجت من فتاةٍ شبه ع***ة كان انعكاسها بشاشة الحاسوب المحمول أمام المدعو صلاح، ثم ضغطت تلك الفتاة زر إنهاء المحادثة التصويرية في حاسوبها المحمول لتختفي منه. مما جعل صلاح يتن*د بضيقٍ مُغلقًا حاسبه المحمول هو الآخر يتمتم بغيظٍ: «أنا فقر ليه؟ يعني حبكت جوزها يجي في الوقت دا؟ بس هو شافني في كاميرا اللاب بتاعها ولا إيه؟ عرف إنها بتخونه معايا؟ شكله هايقتلها بعد صريخها دا، يلا الله يرحمها كانت سافلة..» قهقه بغباءٍ على جملته الأخيرة ليستدير بكامل جسده حيث كان جالسًا على سريره بغرفة نومه، ولكنه صرخ صرخةً فاقت صرخة تلك الفتاة بحاسوبه المحمول يتراجع للخلف بسرعةٍ حتى سقط عن السرير بقوةٍ على رأسه؛ حينما وجد زوجته تجلس على ركبتيها على السرير خلفه وتنظر له بملامح قاتلة. حاول النهوض عن الأرض يحُك مؤخرته بألمٍ ينظر لزوجته بخوفٍ، رسم ابتسامةً بلهاء على شفتيه يتحدث بهدوءٍ: «في إيه يا إسراء يا روحي؟» «يا روح أمك.» هتفت الأخرى مكشرةً عن أنيابها لتلتمع عيناها البنيتان بالخطر، فازدرد الآخر ل**به بخوفٍ يسألها باستمالةٍ: «اهدي بس وصلي على النبي كدا في نفسك، أنتِ هنا من إمتى؟» «من ساعة ما كنت بتقول لها وريني لابسة إيه تحت قميص النوم يا زبالة يا كتلة انحراف مُتنقلة على الكوكب.» صرخت بالأخيرة فاندفعت الدماء لوجهها حتى تحولت بشرتها من الأبيض للأحمر تمامًا، كان ينقصها ظهور قرنين أعلى رأسها وتصبح كالثور الهائج، فزحف الآخر للخلف مقهقهًا بتوتر يجيبها: «دا أنتِ هنا من بداية الڤيديو كول (call) بقى! إوعي تفهميني غلط، دي كان عندها التهاب في جسمها وبتوريني الالتهاب علشان أقول لها على اسم علاج ليه.» «وحياة أمك! سيادتك اتخرجت من كُلية طب وأنا ما أعرفش، دا أنت ساقط ثانوية يالا.» صرخت بالأخيرة جاذبةً شعرها الأ**د للجانبين بغيظٍ، ثم قفزت عن السرير مقتربةً منه، ولكنه قفز عن الأرض سريعًا كالكنغر يركض لخارج الغرفة صارخًا بخوفٍ: «خلاص يا إسراء والله أنا آسف، مش هاخونك تاني، وبعدين دي المفروض مش خيانة لإني ما لمستهاش، لو لمستها تبقا خيانة.. الحق حق.» استمر في الركض حتى دخل غرفة طفلهما بجوار غرفتهما مباشرةً، ثم أغلق الباب بسرعةٍ حينما كادت تصل له، ليصطدم الباب بوجهها، فتأوهت عاليًا تركل الباب بقدميها بعنفٍ صارخةً: «حرام عليك يا صلاح والله! متجوزين من ٣ سنين وكل يوم بأشوفك بتخونني مع واحدة جديدة، بتلاقي البنات دي فين ربنا ياخدك؟ أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كدا يا صلاح.. حرام عليك.» تحشرج صوتها أخيرًا ببحة بكاءٍ لم تستطع كتمها، فسقطت دموعها تستدير مبتعدةً عن الغرفة للصالة الداخلية، وبداخل الغرفة تن*د صلاح بضيقٍ من نفسه يزُم شفتيه مستديرًا هو الآخر. فوجد طفله ذا الثلاثة أعوامٍ ممددًا على سريره الصغير على ظهره ويضع ساقًا فوق الأخرى، متخذًا من ذراعيه وسادةً أسفل رأسه، فالتفت الصغير المشابه لوالده بنفس تقاسيم الوجه الوسيمة والشعر الأ**د الثقيل. نظر لوالده بهدوءٍ يتحدث معاتبًا بطفوليةٍ: «عاجبك كدا يا عم بابا؟ روح ثالحها (صالحها) يلا قبل ما تنكد عليك عيشتك كلها.» «أثالحها؟ أيوا أنت صح ياض يا (زياد)، لازم أثالحها وإلا هاصحى من النوم ألاقيها غارزة وتد في قلبي.» قهقه صلاح بغباءٍ على حديثه، ثم فتح الباب وخرج سريعًا يبحث عنها حتى وجدها جالسةً على أريكةٍ حول مركز الصالة الداخلية، تلصق ساقيها لص*رها مستندةً بذقنها على ركبتيها وتبكي بشهقاتٍ مسموعةٍ. رقّ قلبه لها وعبس بملامحه يجلس بجانبها لافًا ذراعه حول كتفيها، جذبها بقوةٍ يحتضنها جانبيًا، فتململت تبتعد عنه ضاربةً ص*ره بقبضتها تهتف بنحيبٍ: «ابعد عني ما تلمسنيش، ابعد يا خاين روح لها توريك هي لابسة إيه تحت قميص النوم!» «طيب ما توريني أنتِ!» أجابها بنبرةٍ لعوبٍ غامزًا لها، فخمدت حركتها تبتعد عنه مشيحةً بوجهها للجهة الأخرى بضيقٍ، ف*نهد هو بعمقٍ يقترب منها حتى ألصق ص*ره بظهرها، طوّق خصرها بذراعيه يسند ذقنه على كتفها قائلًا باستمالةٍ: «يا بت افهمي! كل اللي بأعمله دا لعب وتسلية، لكن أنتِ اللي في الحتة الشمال، أنتِ الحب كله يا إسراء قلبي.» «أيوا كُل بعقلي حلاوة، دا اللي أنت فالح فيه، تخونني وتيجي تقول لي أنتِ اللي في الحتة الشمال، يا أخي يا رب الحتة الشمال دي تفرقع وأخلص منك!» أجابته بامتعاضٍ مكشرةً ملامحها لتهز كتفها حتى أسقطت رأسه عنها، نهضت من جانبه بضيقٍ تتجه لغرفة طفلها، فاقتربت من الصغير المُمدد على الفراش بملامح مميتةٍ، لينهض الصغير سريعًا بقامته القصيرة متخذًا وضعيةً دفاعيةً: «لا يا مامي أبوث إيدك! ما تتخانقيش مع بابي وتيجي تعثبيني (تعذبيني) أنا!» «اخرس يالا! يلا روح على الحمام علشان تلبس وتروح الروضة، لسه عشر دقايق والباص (Bus) يوصل.» أمرته بحدةٍ واتجهت ناحية خزانته الزرقاء كما لون جميع الأثاث الصغير بهذه الغرفة الصبيانية، فتحتها تُخرج له ثيابه، ثم ألبسته وجهزته لمدرسته وخرجت من شقتها بالطابق السابع بهذا المبنى ذي الخمسة عشر طابقًا تتأكد من ركوبه لحافلة مدرسته. ودّعت صغيرها وصعدت لشقتها ثانيةً تبحث بعينيها عن زوجها، تن*دت بيأسٍ حينما سمعت صوت سقوط المياه بدورة المياه المُلحقة بغرفتهما، فخلعت ثيابها المنزلية تُبدلها لثيابٍ أخرى مناسبة لعملها كطبيبة في النادي الأهلي لكرة القدم. وقفت أمام المرآة أعلى طاولة الزينة تلف وشاحًا حول رأسها أبيض يناسب كَنزتها الصوفية الوردية وسروالها الچينز الأبيض لتلمح انعكاسه في المرآة أمامها. كان واقفًا خلفها مباشرةً عاري الص*ر يلفُ منشفةً بيضاء حول خصره، بدا من عضلات معدته المنحوتة بدقةٍ أنه رياضي يهتم بالرياضة كثيرًا، وهذا كان يناسبه كلاعب كرة قدم بنفس النادي التي تعمل به. تجاهلت نظراته الهادئة لانعكاسها في المرآة تتحدث منشغلةً بلف وشاحها: «روح البس هدومك، هاتاخد برد والمطر شديد اليوم!» «خايفة عليا؟ يبقى سامحتيني، كنت عارف إنك طيبة يا سو يا قلبي.» رمش بجفنيه طويلًا ببراءةٍ يلف ذراعيه حول خصرها مسندًا ذقنه على كتفها بحركةٍ جعلت قلبها مضطربًا، لا سيما وهو عارٍ لا يستره سوى منشفةٌ سريعة الإزالة! «لا طبعًا مش خايفة عليك، خايفة على نفسي لإنك لو أخدت برد هاتعديني وتعدي ابني حبيبي.» «عنيفة أوي. اجلديني أحسن يا إسراء بدل العُنف في الردود دا!» تحدث بضيقٍ قالبًا عينيه يبتعد عنها تجاه الخزانة أمام سريرهما الدائري، فتحها ينشغل بإخراج ثيابه فحملت هي حقيبة يدها وخرجت من الغرفة تتجاهله، ولكن صوته أوقفها متسائلًا باستنكارٍ: «رايحة فين؟ استني اركبي معايا نروح النادي مع بعض!» «لا روح أنت النادي، أنا مش رايحة.» أجابته باللامبالاة وخرجت من الغرفة تسير بسرعةٍ، فشد ثيابه من الخزانة وخرج يركض خلفها يجذبها من ذراعها متسائلًا بحنقٍ بسبب تجاهلها وبرودها معه: «يعني إيه مش رايحة النادي؟ رايحة فين إن شاء الله يعني؟» «مش لازم تعرف، زي ما ليك أسرار أنا كمان ليا، وابعد عني يا صلاح دلوقت علشان أنا مخنوقة منك!» بصقت الإجابة بوجهه وتحركت تفتح باب الشقة، خرجت منها بهدوءٍ وأغلقت الباب بنفس الهدوء تتركه بالداخل ينظر للباب المغلق بغيظٍ مشتعلًا بسخطه منها وكأنه لم يخنها قبل دقائق. خرجت من المبنى لتُخرج مفتاح سيارته من حقيبتها، ركبت سيارته وأدارت محركها تنطلق بها في طريقها متمتمةً بابتسامةٍ جانبيةٍ: «ابقى اركب أنت تا**ي بقا يا خاين!» استغرقها الأمر عشر دقائق تقود في شوراع هذا الحي الراقي الذي تعيش به لتصل لوجهتها حيث منزل والديها، اعتادت الذهاب هناك كلما تشاجرت مع زوجها تشتكي لوالدتها التي تستمع لها بمللٍ ولا تفيدها بنصيحةٍ حتى بعد هذا الاستماع. أدارت مقود السيارة تنعطف في شارعٍ جانبي، ولكنها ضغطت المكابح سريعًا ما إن ظهر ذلك الجسد الطويل أمام سيارتها فجأةً تتحاشى صدمه، ولكن الأوان كان قد فات. فاصطدمت بذلك الشاب ليسقط أرضًا يصرخ متأوهًا مع تجمُّع المارة حوله. فخرجت من السيارة مذعورةً تركض حتى كادت تتعرقل بكعبها العالي إلى أن وصلت له، أشاحت التجمع من حوله تقف بالقرب منها، كان مُخفضًا رأسه ويمسك بساقه اليُمنى متأوهًا بخفوتٍ. فعضت شفتها بذعرٍ تُحني جذعها العلوي متفحصةً هيئته البسيطة وثيابه البالية، ازدردت ل**بها بتوترٍ تسأله: «أنت بخير؟ أأ..أنا آسفة والله بس أنت الـ ظهرت قدامي فجأة، ببـ..بجد آسفة مش قـ..» «خلاص يا آنسة حصل خير أنا كويس الحمد لله.» أجابها بهدوءٍ ورفع رأسه ناظرًا لها بعينيه الخضراوين، وكان لصوته بحةٌ عميقةٌ مميزةٌ. اضطرب قلبها بخفةٍ لرؤية ملامحه الوسيمة من هذا القُرب بسبب انحنائها، ف*نحنحت قبل شرودها بتفاصيل وجهه تستقيم، مدت له كفها ليتكئ عليه قائلةً بارتباكٍ: «بجد آسفة جدًا، قوم معايا آخدك لأي مستشفى قريبة! رجلك شكلها مش بخير.» أمسك بكفها الصغير لتسير تلك القشعريرة السريعة بكامل جسدها من لمسته، فاستند عليه ينهض مجعدًا ملامح وجهه بألمٍ، أخفض رأسه ينظر لساقه مجيبًا بهدوءٍ: «لا لا ما فيش داعي أنا بخير، مجرد كدمة بسيطة وهاتخف.» «كدمة بسيطة إزاي وأنت مش قادر تقف على رجلك؟ أرجوك تعال معايا المستشفى وبلاش تحسسني بالذنب أكتر من كدا!» توسلته والتمعت الدموع بعينيها، ف*نهد بيأسٍ يومئ لها باستسلامٍ، فساعده أحد الرجال المتجمعين ليركب سيارتها بالمقعد الأمامي، احتلت هي مقعد القيادة وانطلقت بالسيارة تجاه أقرب مشفى، ليصلها صوته بتلك البحة المثيرة قائلًا: «ماكانش في داعي والله أروح معاكِ، أنا هبقى كويس دا مجرد خلع خفيف في رجلي.» عضت شفتها بتأنيبٍ ما إن ذكر صدمها له، رمقته بنظرةٍ خاطفةٍ قبل أن تعيد نظرها للطريق مجيبةً بأسفٍ: «أنا بس عايزة أتطمن أنت بخير ولا لاء! وممـ..ممكن يعني أعوضك ماديًا بسبب تأخيرك دا.» نطقت الأخيرة بارتباكٍ؛ فلم تكن تتوقعه سيرفض مالًا بسبب هيئته الرثة وملابسه شبه البالية، ولكنه خالف توقعها حينما تن*د بضيقٍ يجيبها: «لو سمحتِ يا آنسة بلاش الكلام دا، أنا جيت معاكِ بس علشان ما أحسسكيش بالذنب..بس أنا مش محتاج فلوس الحمد لله.» «أأ..أنا مش قصدي حاجة والله، أنا ببـ..بس آسفة.» تمتمت بالأخيرة بخفوتٍ وانشغلت بالقيادة ملتزمةً ال**ت طوال الطريق حتى وصلا للمشفى، وهناك أخذته لطبيب عظامٍ ليفحصه، وانتهى به الأمر بجبيرةٍ صناعيةٍ على طول ساقه من القدم وحتى الركبة. خرجت معه بسيارتها لمنزله بناءً على إصرارٍ منها لتُقلّه بسبب شعورها بالذنب لما هو فيه، بعدما ألحت عليه كثيرًا ومع رفضه المتواصل وكأنه يخشى رؤيتها لشيءٍ بمنزله. وقد كانت محقةً تمامًا في شكها؛ فبالنظر لذلك المنزل الذي وقفت بسيارتها أمامه أدركت أنه معدومٌ وليس فقيرًا فقط. المنزل بمنطقةٍ شعبيةٍ جدًا، أقرب في الوصف لكوخٍ وليس منزلًا، مبني من الطين ويغطي سقفه ألواح من الخشب والقش لا تعرف كيف يقي هذا السقف ساكنيه من مطر هذا الشتاء البارد. نظرت له بشفقةٍ بعد شرودها بتفاصيل منزله، فوجدته ينظر للأسفل بخزيٍ، رسمت ابتسامةً هادئةً على شفتيها تتحدث بحنانٍ: «وصلتك لبيتك بس بردو مش هامشي غير لما تعطيني رقم تليفونك، لازم أتطمن عليك كل يوم لحد ما رجلك تخف.» رفع رأسه ناظرًا لها، فشردت بتفاصيله الدقيقة، وجهه البيضاوي، بشرته البيضاء كالجليد، فكه المنحوت بدقةٍ، عيناه الغائرتان خضراوي اللون، رموشه الكثيفة وحاجباه الكثيفان، ذقنه النابتة ب*عرٍ أ**د كشعر رأسه الكثيف، جبينه الحُر وخصلاته المتساقطة بفوضاويةٍ على جبينه، حتى أن عينيها وصلتا لتفاحة آدم البارزة برقبته، كل تلك التفاصيل خلقت ذكرًا وسيمًا لم يكن يناسبه العيش بمكانٍ كهذا، أو ربما لم تتوقع هي هذا! أجابها وأخرجتها إجابته من شرودها الذي طال به، فزمت شفتيها بتفهمٍ تهز رأسها قائلةً: «ماشي ما فيش مشكلة، كدا هاتخليني آجي أزورك على الأقل يومين في الأسبوع.» «والله يا آنسة ما فيش داعي لكل اللي بتعمليه دا، كفاية إنك أخدتيني للمستشفى ودفعتِ التكاليف كمان، أنا مسامحك والله.» نطق بالأخيرة وابتسم بخفةٍ لتسرق ابتسامته أنفاسها، فتحمحمت تهز رأسها بثباتٍ قائلةً: «مدام مش آنسة، اسمي إسراء. وبعدين ما تحاولش لإني مش هاسيبك غير لما أتأكد إنك بخير وهاتقدر تمشي على رجلك تاني!» تن*د مبتسمًا باستسلامٍ يومئ برأسه مادًا كفه يقول: «وأنا اسمي (أدهم).» بادلته المصافحة مبتسمةً، ثم خرجت من السيارة وساعدته في الخروج مستندًا على كتفها حتى قادته لمنزله، فدخلا من الباب المفتوح مباشرةً لتكتسي الشفقة ملامحها، خارج المنزل كان أفضل من داخله بكثير. فالمنزل عبارةٌ عن غرفةٍ واحدةٍ يفصل أركان النوم بها ستائر بالية، لم يكن به أثاثٌ يُذكر سوى أريكةٍ خشبيةٍ بالية وبجانبها كرسي، وبالركن الأيمن صندوقان خشبيان للثياب وأواني الطهي القليلة الصدِئة. فقاطع تأملها للمنزل صراخ تلك السيدة الكبيرة وهي تركض بصعوبةٍ تجاه أدهم بجانبها تتفحصه ضاربةً ص*رها بشهقةٍ: «مالك يا ابني؟ إيه اللي حصل لك يا حبيبي؟» ازدردت إسراء ل**بها بتوترٍ؛ فهي السبب في ما حدث له، ويبدو أن هذه المرأة هي والدته، ولكن أدهم ابتسم بخفةٍ وجلس على الأريكة الوحيدة مجيبًا: «أنا بخير يا ست الكل، حادثة بسيطة بس والمدام كانت معايا وساعدتني.» نظرت المرأة لإسراء بامتنانٍ وشكرتها، فابتسمت الأخرى بخجلٍ؛ كذب على والدته ولم يخبرها أنها المُتسببة بالحادث، ف*نحنحت تستأذن بالخروج: «طيب أنا اتطمنت عليك لازم أمشي بقا علشان اتأخرت!» أومأ لها الآخر بهدوءٍ وابتسمت لها والدته مودعةً، فعادت هي لمنزلها لتجد طفلها نائمًا على الأريكة بالصالة الداخلية ورأسه على فخذ والده. وما إن رآها صلاح حتى أزاح رأس طفله بخفةٍ ونهض سريعًا يقترب منها بملامح أبلغتها كم هو غاضبٌ! جذبها من ذراعها لغرفتهما وأغلق الباب يتأكد من عدم وصول صوتهما لطفلهما، ف*نهدت هي بهدوءٍ واقتربت من الخزانة تبدل ثيابها، ولكنه جذبها بقوةٍ لتصبح مواجهةً له متسائلًا من بين أسنانه: «كنتِ فين لحد دلوقت ومش بتردي على اتصالاتي؟ الساعة بقيت ٣ العصر وحضرتك برا البيت من ٩!» «كنت عند ماما يا صلاح هاكون فين يعني؟» أجابته بضيقٍ واستدرات تخلع وشاحها، فسمعت زفرته الطويلة ليأتيها صوته: «ولما أنتِ عند مامتك مش بتردي على اتصالاتي ليه؟ قلقتيني عليكِ على الفاضي.» ظهرت ابتسامتها الخفيفة وهي تجذب ثيابها المنزلية؛ حينما استشعرت قلقه فعلًا من حديثه، ولكنها أخفتها سريعًا تتجه لدورة المياه مجيبةً: «كنت عاملة التليفون صامت علشان أتكلم مع ماما براحتنا.» دخلت وأغلقت الباب خلفها تسمع تنهيدته الحانقة، فبدلت ثيابها لسروالٍ قماشي ثقيل باللون الرمادي وكَنزة بنفس اللون تقيها برد هذا اليوم، وجدته بمكانه جالسًا على طرف السرير بالغرفة يخبرها بهدوءٍ: «أنا اشتريت غدا علشان عارف إنك هاتاخدي حجة الخناقة وما تعمليش غدا، يلا تعالي ناكُل..» «لا أنا مش جعانة، خلي زياد بس يصحى وياكل معاك، وأنا هانام شوية.» أجابته باللامبالاة واتجهت للسرير، فرمقها بنظرةٍ ضائقةٍ وخرج من الغرفة، بينما تمددت هي على طرفها من السرير وشدت الغطاء عليها تغمض عينيها سامحةً لمئات الأفكار عن ذلك المدعو أدهم بالتدفق برأسها. ولكن أهم تلك الأفكار.. إن كانت هي السبب في كَسْر ساقه ولن يستطيع تحريكها لشهرٍ على الأكثر؛ فكيف سيذهب لعمله الذي تأخر عليه اليوم بسببها أيضًا؟ يبدو أن هذا العمل مهمٌ جدًا لحياتهم الفقيرة تلك، وبسببها لن يستطيع العمل وعيش تلك الحياة مع والدته، وربما لديه إخوة وأخوات أو من يعيش معه ويتكفل هو بالإنفاق عليه. ضايقتها تلك الأفكار ف*نهدت بعمقٍ، لتنتفض بخفةٍ ما إن شعرت به يُلصِق ص*ره بظهرها ويطوّق خصرها بذراعه، دفن وجهه برقبتها يسألها بخفوتٍ: «لسه صاحية ليه؟ مش كنتِ هاتنامي؟» «أها كنت هانام فعلًا بس أنت اللي قطعت نومي.» أجابته وزفرت بقوةٍ، فأبعد وجهه عن رقبتها ينظر لتفاصيل وجهها متسائلًا بضيقٍ: «أنتِ لسه زعلانة مني؟ خلاص بقا أنا آسف مش هاخونك تاني.» «مش هاصدقك، كل مرة بتقول كدا وبترجع تخونني بعدها بساعة، سيبني بقا يا صلاح عايزة أرتاح شوية!» أغمضت عينيها بعد هذه الجملة الهادئة وكأنها تخبره أن المناقشة انتهت، ف*نهد بضيقٍ ليبتعد عنها خارجًا من الغرفة، فنامت هي بالفعل واستغرقها النوم لليوم التالي. حتى استيقظت على صوت زقزقة عصافير صغيرةٍ يضعونها بقفصٍ بشرفة غرفتهما، وجدت النهار بالكاد ظهر والشمس على وشك الشروق، فنظرت بجانبها لتجد زوجها مستغرقًا في نومه ويعانق ابنهما الصغير يستغرق في النوم هو الآخر. فابتسمت تنهض من السرير، قامت بعاداتها الصباحية حتى خرجت من المنزل متحججةً لزوجها بزيارةٍ صباحيةٍ لوالدتها ثم ستلحق به بالنادي بعد ذلك. كانت الساعة قد تعدت التاسعة والنصف حينما أشارت لسائق سيارة الأجرة ليقف أمام منزل ذلك الشاب الفقير، فخرجت من السيارة لتجد الباب مفتوحًا كالعادة والشاب مُمددٌ على الأريكة وبجانبه فتاةٌ صغيرةٌ خمَنت أنها ربما بالثامنة من عمرها، كانا يضحكان سويًا بمرحٍ. فتحمحمت هي لتجذب الانتباه، استقبلتها والدة أدهم بالترحيب وبابتسامةٍ شقت وجهها، فمدت إسراء ما بيدها من أكياس طعامٍ ومعلباتٍ وحلوياتٍ كانت قد أحضرتها عند مجيئها، لتنظر لها والدته بحاجبٍ مرفوعٍ، فتحمحمت إسراء تجيب تساؤلها الخفي: «أنا قولت أجيب فطار ونفطر مع بعض هنا.» مضى أسبوعٌ على زياراتها المُتكررة بالأطعمة تارةً وبالأل**ب تارةً لمنزل أدهم، وتكررت أيضًا كذباتها على زوجها، إلا أن ما كان يضايقه بحقٍ هو نفور إسراء منه إذا أراد الاقتراب منها ليلًا، كانت تتحجج بالإعياء وتبتعد لنهاية طرفها من السرير مدعيةً النوم حتى تسمع تمتماته المتضايقة. أومأت لها والدة أدهم بابتسامةٍ حزينةٍ، بينما شرد أدهم بتفاصيل إسراء حتى استدارت تنظر له بابتسامةٍ هادئةٍ، فبادلها الابتسامة ليبدأوا بتناول ذلك الطعام الذي فاض وكفى حتى خرجت إسراء من منزلهم بعد ساعتين بعدما استغرقها الحديث مع والدته والضحك والمرح مع الفتاة الصغيرة التي علمت أنها ش*يقته. في مساء اليوم الثامن من لقائها بأدهم، كانت جالسةً على الأريكة بغرفة المعيشة تشاهد التلفاز على إضاءةٍ خافتةٍ بالمنزل، حتى شعرت بزوجها أمامها يسألها بهدوءٍ: «مش هاتنامي؟ الساعة بقيت ١١ وعايزين نروح النادي الصُبح بدري!» «هانام بس مش دلوقت، هاسهر نص ساعة كمان.» أجابته ولم تكلف نفسها عناء النظر له حتى، فزفر يجلس بجانبها على الأريكة، تمدد على ظهره واتخذ من فخذيها وسادةً له يريح رأسه عليهما، فتجاهلته وأكملت مشاهدتها للتلفاز. حتى شعرت بأصابعه تسير على وجنتها بخفةٍ يملس عليها وينظر لتفاصيلها بهدوءٍ، فانتفض قلبها حينما رفع رأسه يُقبل ذقنها مطيلًا القُبلة، وما إن كادت شفتيه تلمسان شفتيها حتى ابتعدت عنه ونهضت متجهةً لغرفتهما. فبقي بمكانه ينظر لظلها بصدمةٍ وكأنه لم يتوقع ذلك النفور المباشر بعدما كانت تتحجج له بالتعب، حينها نهض يسير خلفها ليدخل الغرفة، فوجدها تمددت سابقًا على السرير وشدت الغطاء على كامل جسدها، فنظر لها بغيظٍ يجذب غطاءً آخر ووسادةٍ، ثم اتجه لخارج الغرفة هاتفًا بسخطٍ: «مش عارف هاتفضلي إمتى لحد كدا! دي بقيت عيشة تقرف.» أغمضت عينيها أسفل الغطاء جافلةً من صوت صراخه تعض على شفتيها بتأنيب ضميرٍ، لم يستطع أحدهما النوم تلك الليلة، هو بالخارج على الأريكة وهي بالغرفة تفكر فيما تفعله، وما السبب في نفورها منه بتلك الطريقة منذ مقابلتها لذلك المدعو أدهم؟ نهضت من السرير باكرًا وبدلت ثيابها لتخرج من المنزل ملتقطةً مفتاح سيارته، خرجت باكرًا قبل استيقاظه أو إيقاظ طفلها لمدرسته حتى، وتوجهت مباشرةً لمنزل أدهم، فدخلت من الباب المفتوح كما العادة وكأن المنزل لم يعد غريبًا عليها. تفاجأت بوالدة أدهم تحمل ش*يقته الصغرى بين ذراعيها شاحبة الوجه بالكاد تتنفس، فأسرعت إليها تتفحص الصغيرة بواقع كونها طبيبةً، فوجدت أنفاسها خافتة تكاد تختفي وأدهم جالس على الأريكة لا يستطيع النهوض حتى. فأسرعت بالصغيرة لسيارتها، وأخذتهم جميعًا للمشفى، وهناك جلست أمام غرفة الطوارئ تنتظر الطبيب بلهفةٍ، وهاتفها بالسيارة يصرخ باتصالات زوجها بها. حتى خرج الطبيب واقترب من أدهم يتحدث معه بهمسٍ، ولكن إسراء اقتربت محاولةً استراق السمع للطبيب يقول: «حالتها اتدهورت خالص، أنا لازم أعاتبكم على الإهمال دا في حق طفلة زي دي، لما أنتم عارفين إن عندها ثقب في القلب من سنة ليه مش بتعالجوها؟ في خلال يومين لو ما عملتش العملية مش هاقدر أقول لك غير البقاء لله في الطفلة دي.» اتسعت عيني إسراء بصدمةٍ لرؤيتها دموع أدهم، هذه المرة الأولى منذ مقابلتها له تراه بهذا الضعف، فكافحت دموعها هي الأخرى واقتربت منه تربت على كتفه بخفةٍ، جلست بجانبه على المقعد الحديدي أمام الغرفة تُحدِثه بحنانٍ: «ما تقلقش عليها، إن شاء الله خير وربنا مش هايسيبك، وأنا كمان معاك مش هاسيبك.» «ما أقلقش إزاي يا إسراء؟ العملية تمنها ١٠٠ ألف جنيه، وأنتِ شايفة إني مش معايا فلوس أشتري أكل لنفسي حتى، هاجيب ١٠٠ ألف جنيه إزاي في يومين؟» نطق بالأخيرة بنبرةٍ متحشرجةٍ بغُصة بكاءٍ لم يستطع كتمها ليجهش في البكاء مورايًا وجهه بكفيه ووالدته أمامه تنتحب متحسرةً حظها وحظ صغيريها في الدنيا. فلم تجد إسراء مفرًا من النهوض سريعًا تعود لسيارتها، ركبتها وانطلقت بها للمنزل تقود بسرعةٍ وكأنها النهاية، حتى وصلت لتصعد للشقة بالمصعد سريعًا، فتحتها ولم تجد لا زوجها ولا ابنها بالداخل، ف*نهدت بارتياحٍ واتجهت ناحية خزنة زوجها حيث يحتفظ بأمواله وأوارقه وكل ما هو قيمٌ ومهمٌ بها. فتحتها والتقطت الكثير من الأموال منها، جلست تعدُها حتى أتمت عد مبلغ مائة ألف جنيه، فأغلقت الخزنة سريعًا وعادت للسيارة تركبها باتجاه المشفى، سمعت رنين هاتفها فالتقطته عن المقعد بجانبها لتجد والدتها المتصلة، تن*دت وردت على الفور ليأتيها صوت والدتها القلِق متسائلةً: «أنتِ فين يا إسراء؟ إيه اللي عملتيه دا؟ إزاي تكذبي على جوزك طول الفترة دي وتقولي له إنك بتيجي عندي من أسبوع؟ جوزك لسه ماشي من عندي بعد ما عرف إنك ما كنتيش بتيجي هنا!» «أنتِ عملتِ إيه يا ماما؟ ليه تقولي له إني ما كنتش بآجي عندك؟» «صلاح كان متعصب وعلى آخره منك وأنا ما كنتش فاهمة إيه اللي بيحصل! ولما سألني قولت له إني ما شوفتكيش من أسبوع، قال لي إنك خرجتِ من البيت من غير ما يعرف بدري ومش بتردي على اتصالاته، كلمي جوزك يا بنتي هو قلقان عليكِ وخايف يكون حصل لك حاجة!» أتاها صوت والدتها ناصحًا بقلقٍ، فأجابتها بالموافقة وأغلقت الهاتف ما إن وصلت للمشفى، فدخلت سريعًا متجهةً لغرفة الطوارئ، لتخبرها الممرضة أنهم نقلوا الطفلة لغرفة العناية المُركزة، فذهبت مسرعةً لتجد أدهم ووالدته بالخارج ينظرون للطفلة من خلف زجاج الغرفة الشفاف نائمةً وملتصقٌ بجسدها الكثير من الأجهزة والمحاليل. «خُد الفلوس اعمل العملية لأختك!» نظر للمال ثم لها بصدمةٍ ليشيح بوجهه للأمام سريعًا مجيبًا بحدةٍ: «أنا مش عايز منك حاجة، كفاية اللي عملتيه لينا طول الأسبوع اللي فات، كنت عارف إنك بتحاولي تعوضيني عن الحادثة بس بطريقة غير مباشرة، أرجوكِ يا مدام إسراء بلاش تحسسيني أنا بالذنب.» كانت والدته تتابع الحوار ب**تٍ والدموع تنساب على وجنتيها، ف*نهدت إسراء بعمقٍ تجيبه بإصرارٍ: «فكّر فيها زي ما تحب، أنا بأعمل كدا علشان الطفلة دي مش علشانك ولا علشان أي حد تاني، أنا كمان أم وابني لسه ٣ سنين وحاسة باللي مامتك حاسة بيه وهي بتشوف بنتها بتعاني قدامها ومش قادرة تعمل حاجة، سواء أخدت الفلوس أو لاء أنا هاروح أدفعها لتكاليف العملية حالًا.» كانت سترحل ولكنه مد كفه يمسك بكفها قائلًا بحزنٍ: «أنا م**وف منك جدًا والله، من ساعة ما ظهرتِ في حياتي وأنتِ مشغولة معانا وأهملتِ حياتك أنتِ.. بس بس أنا مش عارف لو أخدت منك المبلغ دا هاقدر أرجعه تاني ولا لاء!» فاستأذنت مسرعةً وخرجت من المشفى عودةً للمنزل، وما إن صعدت لشقتهم وفتحت الباب حتى وجدت زوجها في وجهها والغضب يحتل تقاسيم وجهه مما جعلها تشعر بالخوف قليلًا، فآخر مرةٍ شهدت نوبة غضبه قبل سنةٍ انتهت بطلاقهما الطلقة الأولى. لم يمنحها فرصةً للدخول حتى وسحبها من يدها بعنفٍ تجاهه يصرخ في وجهها: «عايز تفسير حالًا للي بتعمليه دا! بتكذبي عليا ليه وأنتِ مش بتروحي لمامتك؟ كنتِ بتروحي فين الفترة دي من ورايا؟» جفلت من صراخه بخوفٍ، كانت ستتحدث ولكنها لمحت طفلهما يقف خلف الحائط في الممر المؤدي للغُرف ينظر لهما بخوفٍ والدموع تلمع بعينيه، فعضت شفتها بضيقٍ تهمس لزوجها: «تعال نتكلم في غرف*نا يا صلاح! زياد خايف منك.» التفت ينظر لابنه نظرةً خاطفةً ثم أعاد نظره له يكمل صراخه غير مبالٍ لما قالته: «ردي عليا يا إسراء أحسن لك! أنا عفاريت الدنيا كلها بتتنطط في وشي من ساعة ما سيبتينا وخرجتِ زي الحرامية من البيت الصبح، روحت لمامتك وقالت لي إنها ما شافتكيش من أسبوع، انطقي كنتِ بتروحي فين؟» زمت شفتيها بضيقٍ وبادلته الصراخ مجيبةً: «فاكر لما قفشتك بتخونني من أسبوع وأخدت عربيتك ومشيت؟ وقتها عملت حادثة وخبطت واحد مسكين و**رت رجله، كنت حاسة بالذنب وفضلت معاه طول الفترة دي لإن رجله اتجبست وهو فقير جدًا وبالعافية بيصرف على نفسه غير والدته وأخته الصغيرة المريضة بالقلب، طول الفترة دي كنت بأروح بيته أزوره وآخد معايا أكل و***ب لأخته، بس ما قولتش ليك علشان عارفة إنك هاترفض زيارتي ليه.» أنهت صراخها لتسمع نحيب طفلها الذي انفجر باكيًا بخوفٍ، كانت ستسرع له ولكن صلاح جذبها بعنفٍ يمنعها من الرحيل صارخًا: «ودي كذبة جديدة بقى.. صح؟ مش هاصدقك تاني، زي ما كذبتِ عليا إنك بتروحي لمامتك أكيد هاتاخدي حجة الحادثة دي كذبة، وبعدين حادثة إزاي والعربية سليمة؟ قولي الحقيقة يا إسراء حالًا!» زاد بكاء طفلهما حتى سقط على الأرض، فحاولت جذب ذراعها من قبضته القوية لتتأوه حينما ضغط على ذراعها بقوةٍ، وأخيرًا تن*دت تدفعه بعيدًا عنها بكل قوتها صائحةً: «لو مش مصدقني تعال معايا المستشفى وشوف رجله الم**ورة وشوف أخته المريضة ووالدته كمان هناك!» «ماشي.. هاجي معاكِ، يلا!» نظرت له بصدمةٍ خفيفةٍ؛ فلم تتوقع موافقته بتلك السرعة، ظنت أن بقولها ذلك سيصدقها دون الذهاب، فارتعدت بخوفٍ حينما أيقنت أن بذهابه للمشفى سيعلم أنها أخذت مائة ألفٍ من خزنته بدون الإذن، سارقة! لم يمهلها وقتًا وحمل صغيرهما وجرها خلفه لسيارته وصولًا للمشفى، ليدخلوا مباشرةً تجاه غرفة العناية المركزة. ولكن المفاجأة كانت رجلًا كبيرًا بالسن ممددًا على السرير بغرفة العناية بدلًا من الفتاة الصغيرة، فنظر لها صلاح بحاجبٍ مرفوعٍ يسألها: «فين أخت الأستاذ الم**ور اللي أهملتيني وكذبتِ عليا علشانه؟» «أكيد نقلوها لغرفة العمليات أو غرفة عادية.» أجابته وازدردت ل**بها بقلقٍ تبحث بعينيها حولها حتى وجدت ممرضةً تتوجه للغرفة، فأوقفتها تسألها: «لو سمحتِ فين البنت المريضة بالقلب اللي كانت محجوزة في الغرفة دي من شوية؟» رفعت الممرضة حاجبها بعدم فهمٍ تجيبها: «بنت مريضة بالقلب؟ لو قصدك الطفلة اللي كانت محجوزة هنا من شوية فـهي مشيت من عشر دقايق مع أخوها ومامتها، بس هي مش مريضة بالقلب، دي كان عندها غيبوبة بسبب الأنيميا (فقر الدم) وفاقت منها وبقيت كويسة الحمد لله ومشيت.» اتسعت حدقتيّ إسراء بصدمةٍ بعد رحيل الممرضة لداخل الغرفة، فالتفتت تنظر لزوجها الذي يطالعها بحاجبٍ مرفوعٍ ليسألها: «ها؟ لسه م**مة تكذبي عليا؟» «أنا مش كذابة يا صلاح، أكيد في حاجة غلط ولازم أتأكد منها، لو مش مصدقني تعال نروح بيتهم!» أجابته بامتعاضٍ مشيحةً بوجهها للجهة الأخرى، فجز على أسنانه بضيقٍ يجذبها من ذراعها خلفه قائلًا بحدةٍ: «طيب تعالي نروح بيته لما أشوف آخرتها معاكِ، أنا ما فيش ورايا حد غيرك اليوم، بس أقسم بالله يا إسراء لو طلعتِ بتكذبي مش هاتشوفي مني خير!» جذبت ذراعها من قبضته بحدةٍ وتبعته للسيارة بضيقٍ وقلبها يدق دافعًا الدماء محملةً بالأفكار والشكوك لرأسها. أوقف سيارته أمام المنزل حيث أشارت، فنزلت هي سريعًا وهو خلفهما بعدما أغلق السيارة تاركًا طفلهما بالمقاعد الخلفية نائمًا بعدما هدأت نوبة بكائه. فازدادت صدمتها حينما وجدت باب المنزل مغلقًا بقفلٍ من الخارج، وقفت أمام الباب تدق عليه بعنفٍ وص*رها يعلو ويهبط بتوترٍ وصلاح من خلفها يقف مشبكًا ذراعيه على ص*ره منتظرًا انتهاءها مما تفعله. حتى أوقف نوبة توترها صوت رجلٍ كبيرٍ خرج من منزله المجاور على صوت الطرقات ينظر لإسراء قائلًا بصوته الخافت: «ما فيش حد في البيت يا بنتي، الأستاذ أدهم جيه من شوية أخد حاجاتهم من البيت وقفله وقال لي إنه مش هايرجع هنا تاني.» «يعني إيه مش هايرجع هنا تاني؟ هايروح فين يعني؟» صرخت إسراء بغضبٍ غير واعيةٍ ليجفل الرجل من صراخها، فشد صلاح على ذراعها بخفةٍ حتى انتبهت لصراخها، فاعتذرت من الرجل الذي ابتسم لها قائلًا: «الأستاذ أدهم جيه هنا من أسبوعين بالضبط وأخد البيت دا إيجار لشهر من صاحبه، بس ما كملش الشهر ومشى من شوية وصاحب البيت جيه قفله، بس ساب معايا ورقة وقال لي لو في بنت اسمها إسراء سألت عليا أعطي لها الورقة دي.» «أأ..أيوا أنا إسراء، هات الورقة!» أجابته بلهفةٍ فأومأ لها الرجل وعاد لمنزله، تأخر به دقيقتين ثم عاد لها بورقةٍ حمراء طويلةٍ مطويةٍ، فأخذتها سريعًا من يده تفتحها وتقرأ ما بها بعينها وصلاح خلفها يقرأ معها المكتوب: «ربنا قال 'إن كيدهن عظيم' ولإن كيدكن عظيم قررت آخد حقي وحق كل الرجالة منكم. ومبارك يا مدام إسراء كنتِ أول واحدة في لعبتي! كنتِ تستاهلي فعلًا إني أرمي نفسي قدام عربيتك ورجلي تت**ر بعد ما فضلت أراقبك وأراقب بيتك أسبوع قبل الحادثة، يوم ١٢ من شهر يناير كان يوم بداية خدعتي اللطيفة الظريفة ليكِ. أولًا أنا اسمي مش أدهم ولا الست الـ شوفتيها معايا دي تبقى أمي، ولا البنت الصغيرة دي تبقى أختي، بس الاتنين ما كانش عندهم مانع يشاركوني خدعتي اللطيفة معاكِ. شكرًا على الـ١٠٠ ألف جنيه وشكرًا على الأكل والمصاريف بتاعت كل يوم. ما أخدتيش في إيدي أكتر من أسبوع ودا إنجاز بالنسبة ليا. بس مش حلوة يعني واحدة محترمة وقمر زيك تخون جوزها وابنها الصغير معايا. بس ربنا يغفر لك بقا. كانت فرصة سعيدة جدًا والله يا مدام إسراء سلمي لي على جوزك وما تنسيش تبوسي ابنك بوستين مني. التوقيع: A.E» ظلت تقرأ حتى النهاية ويدها الممسكة بالورقة ترتجف حتى أجهشت في البكاء حينما سمعت صراخ زوجها من خلفها بملامح مصدومةٍ: «خيانة؟ خيانة وسرقة يا إسراء؟» كانت تساعد ذلك المدعو أدهم بنيةٍ صافيةٍ، ولكنها لم تتوقع ذكره الخيانة بالرسالة بالرغم من عدم خيانتها لزوجها. كذب صاحب العينين الخضراوين بشأن الخيانة الزوجية، مشعلًا الفتيل بنفس صلاح الذي انفجر في زوجته، فماذا سيفعل يا تُرى؟ ولمَ كذب صاحب العينين الخضراوين بشأن الخيانة؟؟ يُتبَــع...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD