- القاهرة، مدينة ماونتين ڤيو.
- الثاني عشر من شهر أبريل عام ٢٠١٨.
- التاسعة وخمس دقائق صباحًا.
-«استنى! قول للسواق يستنى! استنى..عاااااا»
استمرت بالصراخ بصوتها العالي وهي تركض بأقصى سُرعتها خلف حافلة المدرسة، ولكنها بالأخير توقفت عن الركض منحنية الظهر لتسقط حقيبة ظهرها عن كتفها، استيقظت متأخرةً وفاتتها حافلة المدرسة كما العادة، أو بالأحرى تركها سائق الحافلة عقابًا بعدما ملّ من الانتظار.
عبست بملامحها تستقيم مُلتقطةً حقيبة ظهرها، ارتدتها ونظرت لزيها المدرسي ومظهرها المتدهور، صرخت شادةً شعرها الأ**د القصير للجانبين، استيقظت متأخرةً وأهملت ملابسها ومظهرها وبالأخير لم تلحق الحافلة.
تن*دت بحزنٍ وقررت السير حتى المدرسة رغم تأخرها، فسارت على الرصيف أسفل الأشجار التي تغطيه سيرًا حتى سمعت بوق سيارةٍ مألوفًا، فالتفتت لتتسع ابتسامتها حينما وجدته صديقها المُقرب وابن عمها (مصطفى)، ولكن السيارة لش*يقه الضابط (أحمد). رائع.. فهي تخافه كثيرًا.
«باكي! شكلك متأخرة زي كل يوم، تعالي، تعالي وأحمد أخويا هايوصلنا!»
ناداها مصطفى بابتسامته الواسعة الجذابة، فنظرت لأحمد الجالس خلف عجلة القيادة مرتديًا نظارته الشمسية ولا ينظر لها حتى، تحمحمت بارتباكٍ تومئ برأسها مجيبةً مصطفى:
«لا لا شكرًا يا مصطفى أنا حابة أمشي للمدرسة.»
«اركبي العربية!»
كان الأمر هذه المرة من أحمد ودون أن ينظر لها حتى، ولكن نبرة صوته الصارمة أجبرتها على الركوب سريعًا بالمقاعد الخلفية، أغلقت الباب ووضعت حزام الأمان لينطلق أحمد بالسيارة ب**تٍ.
استغرقهم الأمر ما يقارب العشرين دقيقةً ليصلوا، وما إن أوقف أحمد السيارة أمام المدرسة حتى فتحت هي الباب وركضت للخارج ليتبعها مصطفى ركضًا، دخلا المدرسة فأوقفها مصطفى مناديًا:
«باكينام استني! في إيه بتجري ليه؟»
«أخوك مخيف أوي يا صاصا.»
توقفت تواجهه مجيبةً فقهقه بخفةٍ لتضيق عيناه العسليتان قائلًا:
«أول مرة تعرفي إنه مخيف؟ يلا بس علشان هانتأخر أكتر ما إحنا متأخرين.»
«باكينام ومصطفى! التأخير اليوم زيادة عن كل يوم، تختاروا تكنُسوا البلاي جراوند (play ground) من ورق الشجر ولا تختاروا إنذار تأخير وطلب استدعاء ولي أمر وأنتم الاتنين في آخر سنة ليكم في الثانوية؟»
عبس مصطفى باستياءٍ بعدما سمعا صوت مديرة المدرسة من خلفهما، فنظرت لها باكينام بغيظٍ ونفخت خديها تغتصب ابتسامةً على شفتيها مجيبةً:
«نكنُس البلاي جراوند طبعًا يا ميسز أميرة.»
أومأت لهما المديرة بصرامةٍ ورحلت، فتبعاها لغرفة الأدوات، حمل كلٌ منهما مِكنسة يدوية وخرجا لساحة الملعب المدرسية يكنُسان أوراق الشجر المتساقطة عليها، فنظر مصطفى لباكينام بغيظٍ يسألها وهو يزيل الأوراق:
«عاجبك كدا؟ على آخر الزمن أشتغل خدام؟ ليه قولتِ لها نكنُس؟ ليه يعني؟»
«بتقول لك إنذار تأخير واستدعاء ولي أمر، وأنت ولي أمرك أحمد أخوك، فاهم يعني إيه ولي أمرك أحمد أخوك ولا نو استيعاب؟»
رفعت حاجبها تسأله فابتسم ببلاهةٍ يهز رأسه مجيبًا:
«أيوا أنتِ صح يا باكي يا عبقرية.»
«يا ربي!»
تمتمت بقلة حيلةٍ بسبب لُطفه الذي يصله للبلاهة وأكملت عملها، انتهيا وصعدا لفصلهما لحضور حصصهما الدراسية، كانت تجلس في الصف الأوسط وهو بالمقعد المجاور لمقعدها في الصف المجاور للنوافذ.
كانت منشغلةً في التنفس بمللٍ والرسم في دفترها متجاهلةً ثرثرة معلم الرياضيات، والآخر يستند بذقنه على راحة يده شاردًا بالنظر لها بحبٍ، حتى لكزه زميله الجالس خلفه في ظهره يتحدث بخفوتٍ:
«طب ما تقول لها إنك بتحبها بدل نظرات سوما العاشق دي!»
«هاها ظريف أوي، اخرس خالص وركز في الراجل الـ بيرغي في حاجات مش مفهومة دا..»
أجابه مصطفى بضيقٍ ودفع وجهه للخلف، فانتفض حينما سمع صراخ المعلم باسمه:
«مصطفى! ركز معايا وبلاش كلام جانبي وإلا هاطردك!»
ابتسم الآخر بارتباكٍ وأومأ للمعلم ليلمح ابتسامة باكينام الساخرة منه فتحمحم بحرجٍ منشغلًا بالمعلم حتى انتهت الحصة ليخرج المعلم، حينها استقامت باكينام وجلست على طاولة مقعد مصطفى تسأله:
«إيه رأيك نروح سينما بعد المدرسة؟ ماخرجناش مع بعض من بداية السنة، خلينا نفرفش شوية في السنة الكئيبة دي!»
«أيوا فكرة حلوة أنا موافق.»
أجابها زميلٌ لهما طويلًا بجسدٍ نحيف وملامح وسيمة متدخلًا في الحديث، فنظرت له باكينام بابتسامةٍ خجولةٍ ليرمقهما مصطفى بضيقٍ قائلًا:
«لاء أنا مش موافق، مشغول اليوم عندي تمرين في النادي.»
عبست باكينام بملامحها ونهضت تجلس بمقعدها متمتمةً:
«بني آدم رخم وكئيب.»
عبس مصطفى هو الآخر وكان سيتحدث لولا مقاطعة صوت المديرة له، فالتفت جميع الطلاب للأمام ينظرون للمديرة وبجانبها ذلك الطويل بجسده الرياضي المُعضل وملامحه الوسيمة، يرتدي بذلةً رسميةً سوداء اللون أسفلها قميص أبيض دون ربطة عنقٍ، حتى تحمحمت المديرة تتحدث مشيرةً لهذا الغريب:
«ركزوا معايا يا طُلاب لو سمحتم، دا مستر (كاظم) مدرس مادة الميكانيكا الجديد.»
«كاظم الساهر!»
قاطعها أحد الطلاب بسخريةٍ، فرمقته المديرة بتحذيرٍ ليتحدث المعلم الجديد بصوته ذي البحة المميزة وابتسامته الساحرة:
«لا أنا بأنام بدري مش ساهر!»
أص*ر الطلاب صوتًا ساخرًا على حديثه غير المضحك لتصرخ المديرة فيهم حتى أخرستهم مكملةً حديثها، وما إن انتهت حتى خرجت من الفصل تاركةً المعلم خلفها وقد بدأ يتعرف على الطُلاب.
كانت ملامحه الرجولية الوسيمة وابتسامته الساحرة قد جذبت جميع فتيات الفصل حتى أصبحن يتهامسن بإعجابٍ، بمن فيهن باكينام التي قضت الحصة بأكملها شاردةً بتفاصيل ذلك المعلم ومصطفى ينظر لها بحزنٍ تارةً، وأخرى ينظر للمعلم بغيظٍ.
حتى انتهت الحصة وجاء وقت الاستراحة فخرجت باكينام سريعًا مع زميلاتها متجاهلةً نداء مصطفى باسمه. جلست معهن في ساحة اللعب أسفل مظلةٍ كبيرةٍ يتحدثن عن المعلم حتى هتفت إحداهن بسرعةٍ:
«إيه رأيكم لو طلبنا من مستر كاظم يعطينا دروس خصوصية في البيت؟ وأهو نشوف جماله وحلاوته دي لأطول وقت!»
قهقهت الفتيات لتتحدث أخرى بعدما زفرت باستياءٍ: «ما أعتقدش إنه ممكن يوافق، شكله من النوع المُتزمت الشَريف اللي مش بيحب يعطي دروس خصوصية في البيوت.»
«وأنتِ ما شاء الله حللتِ شخصيته من أول يوم؟ خلينا نجرب ونسأله مش هانخسر حاجة.»
قاطعتها ثالثة قالبةً عينيها بمللٍ حتى همهمت الباقيات بموافقةٍ، لتتحدث الفتاة صاحبة الاقتراح ثانيةً:
«بس مين هاتكلمه في الموضوع دا؟»
«أنا بأقول ولد من أصحابنا هو اللي يكلمه علشان لو واحدة مننا مش هاتاخد راحتها في الكلام.»
اقترحت فتاةٌ وأخذت قضمةً من شطيرتها، فقررت باكينام أخيرًا المشاركة بعدما ارتشفت من مشروبها الغازي تقول:
«مافيش غيره طبعًا، مصطفى ابن عمي الكيوت هاقول له يكلمه!»
«بيس يا باكي.»
هتفت الفتيات بسعادةٍ، فنهضت باكينام باحثةً عن مصطفى حتى وجدته يلعب كرة القدم مع رفاقه، فركضت إليه سريعًا وجذبته من الخلف تجبره على السير خلفها أمام زملائه بعدما غمزوا لبعضهم، فحاول مصطفى مجاراة سيرها يهتف:
«في إيه يا باكي؟ دا مش أسلوب يعني!»
«اخرس! عايزينك في حوار مهم!»
«عايزيني؟ أنتم كتير؟ ربنا يستر مش متفائل.»
تمتم بتوترٍ حتى أخذته باكينام لمكان تجمُعها وصديقاتها، فجلس بمنتصف باكينام وصديقتها، أمامه فتاتان وخلفه أخرتان، ابتلع ل**به بتوترٍ وأخفض نظره حاشرًا كفيه بين فخذيه بخوفٍ من نظراتهن، حتى لمست باكينام كتفه فانتفض بفزعٍ لتقهقه الفتاة خلفه قائلةً:
«اهدى يا عم مش هانعمل فيك حاجة، عايزينك في خدمة بس!»
«خخـ..خدمة إيه؟»
سألها بارتباكٍ ورفع رأسه فابتسمت الفتاة أمامه بخبثٍ تجيبه: «عايزينك تقتل ميسز أميرة المديرة!»
«إيه؟ قتل؟»
صرخ منتفضًا من مكانه، فانفجرت الفتاة ضحكًا تدفعه ثانيةً حتى أجبرته على الجلوس، ف*نهدت باكينام بضيقٍ تدير وجهه تجاهها قائلةً:
«عايزينك تطلب من مستر كاظم الجديد دا يعطينا دروس خصوصية في البيت/!»
«كل الت***ب دا علشان طلب زي دا؟ ربنا ياخدكم!»
هتف بضيقٍ ونهض يهرب، ولكن باكينام أمسكت ذراعه قائلةً: «استنى بس! موافق ولا لاء؟»
«موافق، هاكلمه بعد حصة الكيمستري.»
قفزت باكينام بسعادةٍ واقتربت تُقبل وجنته شاكرةً، ثم تركته ورحلت مع صديقاتها يكملن حديثهن، والآخر متصنمٌ بمكانه ينظر للفراغ أمامه بصدمةٍ متفاجئًا من هذه القُبلة، حتى استعاد تركيزه على صوت زميله الجالس خلفه بالفصل، يظهر من خلفه فجأةً يهتف:
«طالما بتحبها للدرجة دي قول لها بقا قبل ما تحب غيرك!»
«يا عم غور يا عم! أنت بتطلع من؟»
دفعه مصطفى للخلف بضيقٍ وركض بعدما سمع جرس انتهاء الاستراحة، وبعدما انتهى الدوام المدرسي في الثالثة ظهرًا، خرج سريعًا خلف باكينام يوقفها قبل ركوبها حافلة المدرسة قائلًا:
«كلمت مستر كاظم ووافق يعطيكم دروس، بس طلب تروحوا له بُكرا مكتبه في البريك تحددوا مواعيد وكدا.»
«حُب، أحلى صاصا دا ولا إيه! شكرًا يا برو.»
أجابته بسعادةٍ ثم ركبت الحافلة، فصعدها خلفها متمتمًا بحزنٍ: «برو؟ بعد كل دا برو؟ ماشي يا باكي ماشي!»
«يابني لو بتحبها للدرجة دي قول لـ..»
«بس بقا يا عم بس بقا زهقتني!»
صرخ مصطفى في زميله ودفعه بقوةٍ حتى سقط الآخر للخلف من الحافلة.
---
مرّ يومان بعدما اتفقت باكينام مع معلمهم الجديد على موعدٍ لدرسٍ خاصٍ بمنزلها، فكان اليوم الثالث والمعلم جالسٌ بغرفة المعيشة بمنزل باكينام مستعدًا لبدء الدرس الخاص، باكينام جالسةٌ على مقعدٍ مثله يفصل بينهما طاولةٌ مستطيلة صغيرة، أغلبها ملئ بالكعك والحلويات والعصائر المنزلية.
كان مندمجًا بالشرح وكانت مندمجةً بالشرود بتفاصيله الوسيمة، صوته المميز وعينيه الخضراوين، حتى رفع رأسه ومد لها ورقةً قائلًا:
«يلا وريني هاتحلي السؤال دا إزلي بعد شرحي البسيط دا!»
«إيه؟ سسـ..سؤال؟ أها طبعًا يا مستر هات!»
فزعت من صوته بالبداية بعدما أخرجها من شرودها، ثم ابتسمت بارتباكٍ لاعنةً تحت أنفاسها، كيف ستجيب عن السؤال وهي لم تركز بشرحه أساسًا؟
حاولت إجابة السؤال لاعنةً اليوم الذي قررت فيه الالتحاق بالقسم العلمي في الثانوية، حتى انتهت لتمد له الورقة بتوترٍ، فابتسم وهو يراجع إجابتها قائلًا:
«ما شاء الله! ما أنتِ ممتازة أهو ليه طلبتِ أعطيكِ درس خصوصي؟»
«عدم ثقة في النفس بقا أههه»
أجابته بارتباكٍ وأشاحت نظرها بعيدًا عنه تلعن تحت أنفاسها حتى جذبها حديثه قائلًا بجرأةٍ:
«تعرفي إن عينك حلوة جدًا يا باكينام؟»
«ها؟ آمم أ ششـ..شكرًا يا مستر، أأ آمم عينك أحلى طبعًا أهه هه»
رمشت متسعة العينين بعدما أدركت ما قالته تشيح بنظرها بعيدًا عنه متمتمةً في نفسها بغيظٍ:
«إيه اللي أنا بقوله دا؟»
«بتقولي حاجة يا باكينام؟»
«ها؟ آمم لا..لا كنت بأقول إن حضرتك ماشربتش العصير، أها العصير والحلويات صح! حضرتك ما أكلتش حاجة، اتفضل يا مستر اتفضل»
وجدت العصير حجةً جيدةً، فدفعت بالعصير تجاهه حتى سقط على ثيابه، فانتفض واقفًا لتنتفض معه معتذرةً بملامح أقرب للبكاء.
«خلاص حصل خير، ممكن بس أستخدم الحمام!»
«أأ..أكيد طبعًا أنا آسفة بجد، اتفضل من هنا!»
دلته لدورة المياه ووقفت تنتظره بتوترٍ حتى خرج يخبرها بانتهاء درس اليوم، فودعها وخرج من منزلها لتركض هي لغرفتها مهاتفةً صديقاتها، أخبرتهن بما حدث ولم تخلُ محادثاتهن من الصراخ والحماس والتهنئة وكأنه تقدم لطلبها للزواج.
مرّ أسبوع تكررت فيه زيارات ذي العينين الخضراوين لمنزل باكينام بحجة الدرس الخاص ولم تمانع هي الحصص اليومية، ولم تمانع كذلك حديثه الجرئ ومغازلته لها، بل كانت سعيدةً بذلك وفسرته اهتمامًا وحبًا منه.
حتى كانت تسير مع مصطفى في باحة المدرسة وقت الاستراحة تتناول شطيرةً وتحكي له عما حدث قائلةً:
«مستر كيوت جدًا يا صاصا، قمور ومحترم ولسه شاب عنده ٢٤ سنة، كلامه حلو جدًا وعينيه أحلى..»
كانت تثرثر عن جمال المعلم والآخر يسير بجانبها يقضم شطيرته باانتقامٍ وكأنه يصُب غيرته وغضبه بها حتى سمعها تقول:
«طلب مني أخرج معاه بالليل نروح سينما وأنا وافقت.»
«نعم ياختي! سينما؟ مستحيل إزاي توافقي أصلًا؟ دا واحد غريب! أنتِ اتجننتِ؟»
قفز أمامها فجأةً صارخًا بعينين جاحظتين، فنظرت له بغيظٍ ثم نظرت للطلاب حولهما بعدما انتبه معظمهم لتعيد نظرها له قائلةً من بين أسنانها:
«مصطفى! صوتك عالي هاتفضحنا، وبعدين فيها يعني لما أخرج معاه، دا المستر بتاعنا يعني مش حد غريب، وبعدين أنا بأخرج معاك سينما أنت كمان وعادي.»
«أنا ابن عمك يا باكينام ومتربيين مع بعض، باباكِ ومامتك بيثقوا فيا وأنا عُمري ما أقدر أؤذيكِ. لكن دا واحد غريب وبعدين شكله مش طبيعي، حتى لو قولتِ لعمو إنك هاتخرجي معاه مش هايوافق وأنا متأكد.»
رفع حاجبه مشبكًا ذراعيه بتحدٍ فرفعت حاجبها هي الأخرى مضيقةً عينيها تمد ل**نها للخارج تغيظه قائلةً:
«لا بابا موافق، أنا قولت له إني خارجة معاك أصلًا مش مع مستر كاظم.»
«يا كذابة! مستحيل أوافق على الكذبة دي أصلًا، أنا هاتصل بعمي وأقول له إنك كذبتِ عليه.»
ردها بضيقٍ مجعدًا ملامحه بقلقٍ، فنظرت له بعدم تصديقٍ وكأنها لم تتوقع رد فعلٍ كهذا منه أبدًا، توقعت موافقته، وقوفه بجانبها كما العادة منذ صغرهما، فما بينهما تعتبره أقوى من رابط الصداقة والقرابة، طالعته بغضبٍ لتحتد ملامحها هاتفةً بانفعالٍ غير منتبهةٍ لنظرات الطلاب:
«لو اتصلت ببابا وقولت له يبقى تعرف إن صداقتنا وقرابتنا انتهت يا مصطفى، مش عارفة أنت بتتدخل في حياتي ليه! أنت مش ولي أمري علشان تعترض على اللي هاعمله، أنت مجرد ابن عمي ومش ليك الحق تقول كدا، هاخرج معاه بالليل وغصب عن أي حد، ولما تفهم إنك غلطان بكلامك إبقا تعالَ واعتذر مني يا مصطفى!»
ألقت كلماتها بقسوةٍ وتركته تركض تجاه الفصل، بينما تصنم مكانه شاحب الملامح غير مصدقٍ لما قالته بعد، آنهت صداقتهما وقرابتهما بهذه البساطة من أجل غريبٍ؟
لم تكن تدرك قسوة حديثها سوى عند حلول الليل، كانت عقارب الساعة تشير للسابعة إلا عشر دقائق مساءً وهي واقفةٌ أمام مرآتها بغرفة نومها تمشط شعرها القصير لتعقص خصلاته للخلف بمِشبك شعرٍ من جانبٍ واحدٍ، شاردةً بالتفكير بمصطفى وما قالته له، حتى أخرجها من شرودها رنين هاتفها، التفتت تلتقطه عن سريرها الأزرق لتجد المُتصل معلمها. فتحمحمت تُنظف حلقها تجيب برقةٍ:
«ألو!»
«مساء الخير! كنت بأتصل بس علشان أسأل لو غيرتِ رأيك في دعوتي للسينما!»
أتاها صوته المميز يزعزع قلبها، فعضت شفتها السُفلى تجيبه: «لا لا طبعًا ماغيرتش رأيي، أنا جاهزة ونتقابل بعد عشر دقايق في الكافيه اللي حددته.»
«تمام. شكرًا بجد يا باكي، مش عارفة سعادتي وصلت لفين بسبب موافقتك دي.»
ابتسمت بخجلٍ والتمعت عيناها بحبٍ ناسب مراهقتها تودعه بخفوتٍ مغلقةً الهاتف، نظرت لثوبها الأزرق بأكمامٍ تصل للمرفقين بطولٍ يتخطى ركبتيها ببضع سنتيمترات ناسب قِصر قامتها، ثم ابتسمت برضا عن مظهرها، التقطت حقيبة يدٍ صغيرةٍ دون حاملةٍ تضع بها هاتفها وبعض المال ومستلزماتٍ أخرى لتخرج من المنزل.
ودعت والدتها بكذبة ذهابها مع ابن عمها مصطفى وخرجت من منزلها ذي الطابقين تسير حتى المقهى ببداية الحي حيث اتفقت مع معلمها على اللقاء، فوجدته بالفعل جالسًا على مقدمة سيارته السوداء في انتظارها.
نظرت لثيابه غير الرسمية، من سروالٍ من الچينز الأزرق وقميصٍ رمادي بنصف أكمامٍ يضيق على عضُديه مظهرًا عضلات ذراعيه وص*ره لتبتلع ل**بها راسمةً ابتسامةً واسعةً متجهةً ناحيته، ما إن رآها حتى قفز واقفًا يمد يده مصافحًا إياها.
بادلته بحرجٍ فتحمحم مرجعًا خصلات شعره السوداء الكثيفة للخلف قائلًا:
«يلا بينا الفيلم هايبدأ بعد دقيقتين!»
أومأت بخجلٍ وتبعته سيرًا ولكنه توقف فجأةً مفتشًا بجيوب سرواله ليض*ب جبينه قائلًا:
«أوف نسيت المحفظة في البيت.»
«ممـ..مش مشكلة أنا معايا فلوس.»
أجابته بترددٍ ليرمقها بنظرةٍ وترتها للحظاتٍ قائلًا:
«لا لا مستحيل دي دعوة مني، لو ينفع تيجي معايا أجيب المحفظة من البيت، هو قريب من هنا، في الحي الرابع، خمس دقايق بالعربية علشان مش هاينفع أسيبك وحدك هنا.»
ابتسم بخفةٍ لتجذبها ابتسامته، ولكنها بدت مترددةً قليلًا بالموافقة، استغرقت بضع دقائق أمام نظراته الهادئة لتنظر لعينيه الخضراوين مجيبةً بابتسامةٍ:
«أكيد طبعًا. يلا بينا!»
منحها أوسع ابتسامةٍ، فركبا سيارته حتى توقف أمام منزلٍ من طابقين أصغر من منزلها ولكنه يشبه جميع المنازل بهذا الحي من هذه المدينة السكنية الراقية، فنظر لها وهو يوقف محرك السيارة قائلًا:
«خمس دقايق بس وراجع فورًا.»
أومأت له بابتسامةٍ فخرج من السيارة وضغط زرًا بمفتاحها الإلكتروني لتنغلق نوافذ السيارة وأبوابها بالقفل، وفور تحركه شعرت هي بقماشةٍ على فمها وبذراعين تطوقان جسدها والكرسي من المقاعد الخلفية بالسيارة.
فحاولت الصراخ والتحرك بعشوائيةٍ ولكن المُخدر بالقماشة أفقدها وعيها وارتخي جسدها في ظلام السيارة وزجاجها المُعتم بحيث لا يراها أحد من الخارج.
حينها عاد ذو العينين الخضراوين للسيارة وفتحها ينظر لصديقه متوسط الطول يقول:
«اخرج أنت من العربية وحضر الشُنط علشان نمشي من هنا فورًا!»
«كلمني بأسلوب أحسن من كدا علشان أنا نايم في العربية من ساعة من غير صوت علشان ماتحسش بيا، بس البنت مش صغيرة شوية المرة دي يا مِعلم؟»
تساءل ف*نهد الآخر بعمقٍ مجيبًا: «مراتي اللي خانتني ونصبت عليا مافكّرتش في فرق السن يا (ميدو)!»
ابتلع المدعو ميدو ل**به بقلقٍ وخرج من السيارة سريعًا يراقب الحي الفارغ حوله بطبيعة هذه المدينة الهادئة، بينما اقترب الآخر من باكينام يخلع عن رقبتها العِقد الذي ترتديه متمتمًا:
«عُقد ألماس؟ من حقها دا باباها صاحب معرض سيارات كبير.»
ابتسم ساخرًا يخلع حلقتي أذنيها، ثم أخذ حقيبتها وفتشها، أخذ ما بها من مالٍ وهاتفها المحمول قائلًا:
«آيفون وحوالي ١٠٠٠ جنيه، عقد ألماس وحَلقين دهب، دا كدا اتعشت أوي والله.»
وضع غنيمته بجيب سرواله وخرج من السيارة، التف حولها حتى فتح الباب المجاور لباكينام، حملها بين ذراعيه يسير لداخل ذلك المنزل الذي توقّف أمامه وميدو خلفه يراقب المكان.
وما إن رآهما مصطفى المُختبئ خلف شجرةٍ على رصيف الجانب الآخر من الطريق حتى اضطرب قلبه بصدمةٍ، توترت ملامحه وأصبح يتصبب عرقًا وهو يخرج هاتفه من جيبه مهاتفًا ش*يقه الضابط:
«أأ..أحمد الحقني! بـ..باكينام! باكينام يا أحمد مخطوفة.»
وبداخل المنزل وضع ذو العينين الخضراوين باكينام على سريرٍ بغرفةٍ ونظر لتلك الفتاة التي كانت معه وقت ا****فه لأمينة آمرًا:
«اخلعي هدومها وصوريها صورتين حلوين يلا بسرعة!»
تن*دت الفتاة وأومأت له فخرج من الغرفة ينتظرها حتى خرجت له بعد دقائق، أعطته الهاتف ونظرت لميدو قائلةً:
«كدا مهمتنا انتهت، لما تخلص ابقى ابعت حصتنا في حسابنا في البنك، يلا بينا يا ميدو!»
ابتسم الآخر بسخريةٍ وهو يراقبها تخرج مع ميدو ليفتح هاتف باكينام مدونًا رقم والدها منه في هاتفه، ثم أرسل صورها ع***ةً لوالدها من هاتفه مرفقًا معها رسالةً نصيةً محتواها:
«كانت أحلى ليلة قضيتها مع بنتك يا عمو.»
وكما فعل مع أمينة أخرج الشريحة من هاتفه ورماها أرضًا يلتقط غنيمته متجهًا لخارج المنزل، وما إن فتح الباب حتى تلقى ض*بةً قويةً على رأسه من مصطفى المُختبئ خلف الباب.
فسقط أرضًا وسالت الدماء من رأسه من الخلف ليرتجف مصطفى متعرقًا بخوفٍ، كان قد لحق باكينام منذ خروجها من المنزل خوفًا عليها، ورغم مهاتفته لش*يقه الضابط ولكنه لم يحتمل الانتظار وقرر التدخل لإنقاذها بنفسه.
ألقى مصطفى العصا أرضًا وابتلع ل**به بخوفٍ يتقدم لداخل المنزل، ولكنه لم يكد يخطو حتى تلقى هو الآخر ض*بةً على رأسه ليسقط على الفور فاقدًا وعيه والدماء تتدفق من م***ة رأسه بغزارةٍ.
فظهر ذو العينين الخضراوين من خلفه بعدما ض*به بالعصا نفسها ممسكًا برأسه مكان ض*بة مصطفى يلعن تحت أنفاسه متجهًا لسيارته سريعًا، ركبها بملامح متجهمة وانطلق بها هاربًا بوقتٍ قياسي قبل ظهور سيارة الشرطة والإسعاف.
فخرج الضابط ش*يق مصطفى من سيارة الشرطة سريعًا يدخل المنزل، وما إن رأى ش*يقه بتلك الحالة والدماء تحيط برأسه حتى صرخ في رجال الشرطة وحمل ش*يقه للإسعاف.
ثم عاد للمنزل ليخرج له شرطيٌ من** الرأس قائلًا بخجلٍ:
«لاقينا البنت يا فندم في غرفة و..ومش لابسة حاجة، ودي ورقة لاقيناها على السرير جنبها.»
ناوله ورقةً حمراء اللون وضعها في كيسٍ بلاستيكيّ حتى لا تتلف الب**ات عليها، فارتدى أحمد قفازين يخرج الورقة من الكيس ويفتحها قارئًا ما بها بعينيه:
«ربنا قال في كتابه: 'إن كيدهن عظيم'.
ولإن كيدكن عظيم قررت آخد حقي وحق كل الرجالة منكم.
ومب**ك يا آنسة باكينام كنتِ رابع واحدة في لعبتي.
كنت بأراقبك من فترة، عرفت إنك زي أي مراهقة هرمونات الحب والإعجاب زايدة عندك في الفترة دي وبتكراشي على أي حد، فقررت أكون المستر الوسيم المحبوب ليكِ.
شكرًا على الفلوس والآيفون وال*قد والحَلقين، بجد غنيمة جميلة، وطبيعي أخدتِ فترة على ما قدرت أخدعك بس كان وقت حلو والله، وجسمك كان أحلى.
وعلى فكرة أنتِ فاشلة في الميكانيكا ومش بتعرفي تحلي مسائلها، وأنا أصلًا بأكره الرياضيات وفروعها.
سلمي لي على صاصا، شجاع جدًا الولد دا رغم ضعفه.
التوقيع: A.E.»
-انتهت قصة باكينام وصاصا-