الفصل الثالث

2805 Words
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله ? هؤلاء الفتيات ال**بسات دوما تكون ضحكتهن فاتنة حقا؛ كأن النيل يتدفق على أرض يابسة ف*نبت.. - أحمد خالد توفيق. ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ ــــــ ـ ــــــ أوقف يوسف سيارته بالقرب من بوابة المشفى ثم رفع رأسه ناظرا إلى اللوحة المُعلقة أمامه.." مشفى الحوادث و الإصابات" كانت هذه الكلمات الثلاث كفيلة بإثارة ذكريات ماضيه الذي حاول بشتى الطُرق نسيانه لكنه لم يقدر على ذلك!. لم يٌلاحظ يوسف بِركة العرق المُتجمعة على جبينه ولا يداه اللتان توشكان على خلع المِقود من شِدة ضغطهما عليه ولم ينتبه إلى ذلك حتى انتشله صوت والده القلق: ـ يُمكنك البقاء في السيارة حتى عودتنا، لا داعي لإجبار نفسك على فِعل شيء تكرهه. أرسل يُوسف أنظاره بعيدا ريثُما يستجمع شتات نفسه، ثم ترجل من سيارته بعد أن أجابه باختصار:" لا تقلق علي فأنا بخير.." . كانت رُقية قلقة جدا على ابنها فما مر به في الماضي لم يكن سهل عليه ألبته! أمسكت يده بإحكام لتجذبه نحوها ثم همست له:" أنا بقُربك دائما" حاول أن يُطمئنها لكنه لم يقدر سوى على رسم ابتسامة صغيرة على ثغره. كان المشفى مليء بالجرحى بينما المُسعفون يركضون في كل مكان لمُزاولة أعمالهم، توجه جمال إلى الطابق الثاني بعد أن حادث والده في الهاتف ليُخبره بأنهم ينتظرون بالقرب من غرفة العمليات. توجهت رُقية نحو " صفاء" ـ والدة مُهند ـ فور رؤيتها محاولة تقويتها ومواساتها؛ فقد كانت حالتُها يُرثى لها. سلّم جمال على والده وأخاه الأكبر " جلال" وبدأ يستفسر عن الحادثة.. بعد نصف ساعة من الانتظار المرير خرج الطبيب الجرّاح ليُبشرهم بنجاح العملية واستقرار حالة المريض لينزاح الحِمل عن الجميع وبدأوا بحمد الله. لم تتوقف الاتصالات مُنذ أن نُقل مُهند إلى الغرفة الخاصة به وكان آنذاك تحت تأثير المُخدر، فرِح الجميع بمرور الأمر على خير لكن كان هنُالك شخص واحد ساءت حالته بشدة! ولم يعُد بمقدوره البقاء ثانية أخرى في هذا المكان الذي يُعيد تنشيط ذاكرته. ـ أرجوك يوسف لا تترٌكني أموت!!. تردد هذا الصوت على مسامِعه مِرارًا وعلى الرغم من معرفته التامة بأنهُ من صُنع خياله لكنه لم يقدر على أيقاف ارتجاف يديه أو منع قلبه من النبض بطريقة مؤلمة؛ ليقف من مكانه فجأة ثم تحرك باحثا عن المخرج الذي سيُبعده عن كل شيء. لم ينصت إلى نداء والدته التي رجتهُ بالتوقف، وحال خروجه من المشفى أسند ظهره بالجدار فقدماه لم تعودان تقدِران على حمله ثم أجهش بالبُكاء كطفل صغير أضاع أهله!، حاول أن يضبط نفسه لكنه لم يقدر ليُنيخ رُكبتيه على الأرض ويغلق أُذنيه مُحاولا عدم سماع تلك الأصوات.. " ما زلتُ صغيرا.. أنا لا أُريد الموت بهذه الطريقة...أنت السبب! " عند سماعه لكلماته الأخيرة ازداد بُكاءه أكثر حتى أضحى نحيبا ليجتمع الناس من حوله. اخترق جمال ذلك الحشد وجلس بجانبه هامسا بكلمات جعلته يتوقف عن البُكاء فورا لكنه لم يقدر على الوقوف مما جعل والده يُسنده على كتفه ثم سار به حتى جلسا في الحديقة الخارجية للمشفى. ـ طلبت منك البقاء في السيارة لكنك لم تُنصت إلى حديثي.. حادثه بعتاب. ـ الأمر خارج عن إرادتي.. أجابه يوسف بينما يُخبئ وجهه بين يديه. نظف جمال رئتيه من الهواء ثم سأله بهدوء:" إلى متى ستلوم نفسك؟ فلقد مضى على وفاته ستُ سنوات!". ـ وكأنه مات البارحة.. أجابه بسرعة ثم عاد إلى البُكاء مرة أخرى حتى تقطعت أنفاسه. ـ ألا تؤمن بالقضاء والقدر؟! ارتعشت كل خلية في جسده عند سماعه سؤال والده ليأخذ نفسا عميقا ثم ردد: "أستغفر الله.. أستغفر الله". نظر إلى ساعة يده ليجدها تُشير إلى العاشرة فتذكر فجأة عدم تأديته لصلاة العِشاء!. ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ ــــــ دلفت فاطمة إلى غُرفتها بعد أن خاضت حديثا طويلا مع جدِها انتهى بتعكير مزاجها كما يحدث في العادة، استلقت على جانبها واغتالت دمعة حاولت الفرار من مُقلتيها لتسمع صوت مؤيد الذي ينام في السرير المُقابل لها:" ما الذي قاله لكِ جدي هذه المرة؟". بدلت تعابير وجهها بسرعة ثم أجابته بتوتر:" ألم تنم حتى الأن؟، الوقت مُتأخر جدا".. بدا مؤيد منزعجا من تهربها ليقول لها بضيق:" لا تُحاولي تغيير الموضوع". ارتسمت تعابير باردة على وجهها بينما تُجيبه:" جدك الموقر يُريد أن يجمع مالا أكثر لذا اقترح علي فكرة السفر إلى الخارج حتى أعمل كخادمة..". ـ خادمـة!!.. صاح بغضب ثم سألها بخوف:" أنتِ لم توافقي أليس كذلك؟" ـ بالطبع لم أوافق!، قد أبدو يائسة من هذه الحياة ولكن ليس لهذه الدرجة فأنا لن أسمح له بالتحكم بي أكثر. ـ لقد طمأنتني.. أجابها مؤيد براحة وعاد لينام وفي قلبه كره ينبت تجاه جده. في صباح اليوم التالي استيقظت فاطمة بذعر إثر مكالمة من صديقتها، فقد تأخرت عن عملها بيد أن هذا اليوم مهم جدا بنسبة لمديرها وإن علم بتأخرها فسوف يطردها على الفور. ارتدت ملابسها على عجل والتي لم تكن سوى عباية سوداء واسعة وحجاب بنفس اللون حتى أنها لم تُتعب نفسها برؤية وجهها في المرأة كما تفعل الفتيات! حاول مؤيد أن يُخبرها بشيء مهم لكنها لم تستمع إليه طالبة منه تأجيل الأمر حتى عودتها ليتأفف بانزعاج. وما زاد الطين بِلة هو استيقاظ رهف من النوم ورؤيتها لها بينما هي تهمُ بالخروج لتبدأ بالبكاء. أشارت فاطمة لمؤيد بأن يُشغلها بشيء حتى خروجها ليُكور قبضته بانزعاج محاولا ضبط أعصابه. أثناء خروجها من المنزل لاحظت زوجة خالها سوسن جالسة بالقرب من عتبة الباب بينما عيناها مليئتان بالدموع. صحيح أنها تزعجها بشدة ولكن هذا لم يمنعها من الاطمئنان عليها فسألتها عن سبب حزنها؟ ـ ابني وليد لم يرجع إلى المنزل ليلة البارحة كما أنه لا يردُ على مُكالماتي.. أجابتها سوسن وبدأت بالبُكاء. فاطمة تعلم جيدا أن ابن خالها شاب طائش جدا وليس غريب عليه فعل هذه الأشياء لهذا قالت لها بهدوء محاولة طمأنتِها:" لا تقلقي عليه لابد بأن العمل كان كثيرا يوم أمس لهذا لم يقدر على العودة، أنا مُتأكدة بأنه سيتصل عليكِ فور استيقاظه من النوم". ـ أنا أرجو ذلك حقا. تذكرت فاطمة المُصيبة الواقعة فيها لتُسرع الخُطى حتى تصل في الموعد. ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ ــــــ ـ ــــــ افاق يُوسف بعد أن أزعجه رنين الهاتف المُتكرر ليجد نفسه نائما في المسجد القابع خلف المشفى، كانت الساعة تُشير إلى السادسة صباحا ليتعجب من هذا المُتصل!. ـ يُوسف أين أنت؟ هل نسيت موعدنا؟! ..وصله صوت رفيقه في العمل. ـ وعليكم السلام ورحمة الله.. رد عليه بسخرية. ـ لا وقت " لبروتكولاتك" الصباحية هذا عصر السرعة أسرع في القدوم فاليوم موعد استلام البضائع. ـ إنها تعاليم إسلامنا أمجد!! ـ حسنا فهمت حضرة الشيخ هل يمكنك القدوم الأن؟ نظر إلى ساعة يده ثم أجابه:" أوافيك بعد ساعة" أعلم يوسف والديه برحيله وذهب نحو منزله أولا ليُغير ملابسه ثم توجه حيث ينتظره رفيقه أمجد. في ذلك الوقت كانت فاطمة قد وصلت إلى المكان الذي تعمل فيه وهو عبارة عن مصنع لتعليب المُنتجات الغذائية وقفت بالقرب من صديقتها "سارية" بعد أن سلّمت عليها لتقول لها الأُخرى: " أي حظ تملكين لقد تأخر المدير على غير عادته!". ـ ليت هذا الحظ يُخرجني من منزل جدي.. ـ ما الذي فعله الأن؟ سألتها سارية بعد أن بدأت بتغليف العلب التي تتحرك أمامها. ـ طلب مني أن أعمل كخادمة في احدى دول الخليج. ـ هل هو جاد؟!.. سألتها سارية بصوت عالي مما آثار انتباه الجميع لتلكزها فاطمة بحرج. ـ وهل وافقتي؟.. سألتها بهمس هذه المرة. كادت فاطمة أن ترد عليها لكنها **تت عندما لاحظت مدير قسم الانتاج قادم نحوهما.. ـ من منكما كانت مسؤولة عن دفتر الانتاج الأسبوع الفائت؟..سأل دون أن يُلقي التحية عليهما، أشارت سارية نحو فاطمة ليُكمل حديثه بعجل:" تعالي إلى مكتبي وأحضري معك الدفتر؛ فالعميل الذي نعمل معه جاء لأخذ بضاعته". اومأت له برأسها ثم ذهبت لتُحضر الدفتر، عدلت حجابها قبل أن تطرق باب مكتبه لتسمع الإذن بالدخول.. كان مكتبه واسعا جدرانه مطلية باللون الأبيض به مكتبة صغيرة مليئة بالكُتب وفي وسطه يجلس المدير وأمامه شابان أحدهما يرتدي زي رسمي والآخر اكتفى بقميص أزرق وبنطال رمادي اللون، لم تُدقق فاطمة في ملامحهما كثيرا لتقول بصوت خافض:" السلام عليكم". ـ وعليكم السلام ورحمة الله... رد احدهما بينما اكتفى الآخر بتحية باردة، شعور غريب جعلها ترفع رأسها نحوه لتتفاجأ مما رأت، لعنت اللحظة التي جعلتها تحضر إلى هنا.. فاطمة كانت ستتصرف بشكل عادي كأنها لم تتذكر يوم أمس حين ساعدها يوسف لكن نظراته التي لم يُبعدها عنها جعلتها تتوتر بشكل ملحوظ. ـ الدفتر .. همست بصوت مُتوتر ليُجيبها المُدير:" من فضلكِ يا فاطمة قولي للسيدان الكمية التي انتهينا من تعليبها حتى الأن ونسبة الانتاج في بداية كل أسبوع". شتمت حظها كثيرا ثم بدأت بالحديث مُتجاهلة تلك النظرات وفور انتهائها من الشرح وضعت الدفتر في طاولة المُدير وهمت بالخروج لكن سماعها لسؤال يوسف جعل كل خلاياها في حالة هلع!!. ـ هل أبنتكِ بخير؟ لم تُرد الالتفات إليه حتى لا يرى ملامح وجهها لتسمع صوت المدير الذي أجابه بتعجب:" أبنتها!! يبدو بأنك قد أخطأت سيد يوسف فهي غير متزوجة". ـ هل تعرفينه؟.. وجه لها السؤال هذه المرة لتستجمع فاطمة شتات نفسها ثم التفتت نحوه لتُجيبه متحاشية النظر إلى يوسف:" أنا لا أعرفه، أظنه شبّهني بشخص آخر" ولم تترك له المجال حتى يتحدث بل اندفعت إلى الخارج بسرعة. ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ عادت رُقية مع زوجها إلى المنزل بعد أن اطمأنا على صحة مُهند وقد اعتذرت منه لعدم حضور يوسف لرؤيته بعد استيقاظه. بعد خروجهما بلحظات جاء مجموعة من الضُباط إلى غُرفته لينشغل جده بالحديث معهم عن تفاصيل الحادثة... ـ لقد تم القبض على الجاني صباح هذا اليوم وهو في السجن الأن.. قال له ضابط المُخابرات. ـ ذلك الحقير أُريده أن يتعفن في السجن لجُرأته على إيذاء أحد أحفاد " آل المالكي" . ـ هل تُريد أن ترفع عليه قضية سيد مُهند؟. بدا الآخر مُرتبكا جدا بسبب نظرات جده التي كادت أن تحرقه ليُجيب بتردد:" أنا كنت مُذنبا أيضا؛ لأني استفززتهُ وأثرت غضبه كما أنه شريكي في العمل مُنذ مدة طويلة و..." لم يسمح مالك لحفيده بأن يُكمل حديثه ليهتف بحدة:" أظن بأن قراري كان واضحا أيها الضابط، هذا المُجرم سينال جزاء أفعاله". السيد مالك كان كبير عائلة آل المالكي التي تُشتهر بسلسلة مصانع موزعة في أنحاء البلاد وخارجها وقد عُرف بشخصيته الفذة وهيبته الطاغية فهو عندما يُقرر أمرا لا يقدر أحد على الاعتراض عليه وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل جمال يتخلى عن ممتلكات والده ويبدأ بالعيش بعيدا عن منزل العائلة حتى لا يتحكم في طريقة تربيته لأبنائه. كاد الضابط أن يُغادر لكن الجد أوقفه سائلا أياه عن أسم الشاب الذي اعتدى على حفيده؟ ـ اسمه وليد كامل المنصوري. ـ هل هو أحد أحفاد المنصوري؟! سأل مالك بتعجب ثم التفت نحو مُهند كأنه يتوعد له بعواقب وخيمة، وفور خروج الضابط أنفجر فيه كالبركان:" كُنت تتعامل مع حفيد ذلك الحقير ولم تُحاول اخباري بالأمر؟" ـ جدي أرجوك لا تُقحم وليد في مشاكلكما... حاول أن يترجاه لكن الآخر رسم ابتسامة مخيفة على وجهه كأن الأمر قد نال أستحسانه فهو وجد سبب مُقنع للانتقام. وفور خروج جده في ثورة غضبه نظر مهند إلى سقف غرفته وبدأ بتذكر ما حصل له، كان يجلس بالقرب من أحد المقاهي الشعبية أمامه صديقه وليد ليبدأن بالشجار والصراخ دون سابق انذار مما سبب الإزعاج للأشخاص المحيطون بهما، تدخل رجلُ مسن قائلا بنبرة صوت حاول أن تكون هادئة بقدر الإمكان: ـ لو سمحتُما توقفا عن الشجار وتعوذا من الشيطان الرجيم، نحن في شهر رمضان!. ـ إني صائم، إني صائم... أجاب وليد وقد مسح حُبيبات العرق المُتجمعة في جبينه. ـ وهل تراني كافرا هنا؟! أنا أيضا صائم مثلك لهذا وكما قلتُ لك سابقا اعطني مالي بسرعة أيها المُحتال ودعني أعود إلى عملي... صاح مهند بغضب. "مُحتال!" صرخ وليد مرة أخرى ويبدو أن صبره قد نفد ليوجه له لكمة قوية على وجهه أردته طريح الأرض. أسرع الجميع إليهما حتى يوقفوا هذا الشجار العقيم وقد حاول الرجل المُسن مُساعدة مهند لكنه وقف من الأرض كمن تلبسه شيطان ورُغم امساك رُجلان له ومحاولاتهما تهدئته إلا أنه لم يهتم بحديثهما بل أرجع اللكمة لكمتان ليدخلا في شجار عنيف وكلما حاول أحد فض النِزاع عجز عن ذلك أو تلقّى ض*بة جعلته يبتعد خوفا على نفسه، ظن الجميع أن الشجار سينتهي حالما يتعبان لكن سماع صُراخ مُهند أفزعهم فهرعوا إلى نجدته لكنهم صُدموا من الدماء التي تخرج من بطنه بغزارة. نظر وليد إليه بفزع وقد جحظت عيناه بشدة من رؤيته لرفيقه وهو يموت أمام ناظريه، وعندما لاحظ انشغال الجميع بمساعدة المُصاب جمع ما تبقى من قوته وركض بأقصى سرعته هاربا من جريمته الشنعاء. ـ لقد هرب المُجرم... صاح أحد الرجال لكن للأسف لم يقدر أحد منهم على اللحاق به. من جهة أُخرى كان يوسف قد أنهى عمله في المصنع ليخرج برفقة أمجد وفور صعوده إلى السيارة وضع رأسه على المقود قائلا بتعجب:" كيف يمكنها أن تكذب هكذا!". ـ من تقصد؟... سأله أمجد بتشوش لكن الآخر لم يرد عليه فعقله كان منشغلا بشىءٍ آخر حتى أصابه صداع مُزعج. ـ هل يمكنك أنهاء العمل لوحدك فأنا مُتعب جدا هذا اليوم وأود العودة إلى المنزل. ـ لا بأس يا صديقي صحتك أهم.. أجابه الآخر بسرعة فهو لاحظ أثر الإرهاق على ملامحه ولم يشأ أن يُتعبه أكثر، قام يوسف بإيصال صديقه إلى الشركة التي يعملان فيها ثم عاد إلى منزله حتى يأخذ قسطا من الراحة. ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ كادت الشمس أن تغرُب وفاطمة لم تصل حتى ذلك الوقت إلى منزلها حتى أنها خشيت من اضاعة وقت الإفطار وقد كان عقلها مُتخما بالتفكير في الموقف الذي وضعت نفسها فيه.. فأحيانا يُقنعها بأن ما فعلته هو الصواب وأحيانا أخرى يرسم لها الصورة السيئة التي سيأخذها عنها ذلك الغريب وإلى أي مدى قد يصل به التفكير في طبيعة حياتها. أنهى تلك الأفكار الاتصال الذي وردها من سوسن لتُجيبها على الفور.. ـ هل تظُنان بأني مربية أطفال، لماذا لم تأتيا حتى الأن؟ لقد **ّت هذه الصغيرة أُذني ببُكائها. ـ ألم يأتي مؤيد من المدرسة حتى الأن؟.. سألتها فاطمة بفزع. ـ لا، لم يأتي هذا الشقي فقط أسرعي بالقدوم. أغلقت سوسن المكالمة في وجهها تاركة أياها وقد ذاب قلبها من فرط الخوف لتنقر أزرار الهاتف بسرعة وتتصل على صديق مؤيد فهو يملك هاتفا، سألته إن كان يعرف مكان أخيها ليُجيبها على الفور: " نعم اعلم مكانه فهو قد ذهب إلى منزل صديقه مازن من أجل إنجاز البحث الذي طلبه منهما المعلم ". ـ وأين يعيش صديقه هذا؟ سألته بنبرة غاضبة. ـ هو بعيد قليل عن حارتنا دعينا نلتقي وسوف أخُذكِ إليه. وصل صديق مؤيد بعد مُدة قصيرة ليدُلها على الطريق ثم عاد إلى منزله حتى لا تقلق عليه أُسرته. وقفت فاطمة مبهورة من جمال المنزل فلقد كان كبيرا جدا لدرجة أنه يُعادل حجم بيتها مرتين وبه ثلاثة طوابق اضافة إلى الحديقة الخارجية التي تخ*ف الأنفاس بروعتها!. ـ من أين أتى بهذا الصديق؟..سألت نفسها بحيرة ثم دلفت إليه بتوتر، ضغطت على الجرس عدة مرات وما هي إلا لحظات حتى فتحت لها الخادمة الباب. ـ كيف أخدمكِ؟... سألتها الخادمة بريبة ـ أتيت من أجل أخذ أخي مؤيد من عندكم. بدت لها الخادمة في حيرة من أمرها لتسمع صوتا أنثويا يُعاتبها من الداخل: " ألم أطلب منكِ يا ماري عدم ايقاف الضيوف في الباب وسؤالهم عن حاجتهم؟". كادت أن تُبرر لها لكنها أمرتها بإدخال الطارق لتسمح لفاطمة بالدخول. ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ كان يُوسف مُنشغلا برؤية الت**يم الذي وضعه سيد" مُنذر" في البضائع التابعة لشركة والده ليُثني على اتقانه وقد مدحه أمجد أيضا.. سمع صوت الباب وهو يُطرق ليأذن مُنذر لذلك الشخص بالدخول. لم يكن يوسف مهتما به حتى سمع ذلك الصوت الأنثوي الخافض " السلام عليكم " رد عليها السلام كاملا ورفع رأسه نحوها بتلقائية بغية أن يُبعد أنظاره فورا لكنه تفاجأ من رؤيتها مُجددا وكأن عيناه رفضتا الانصياع لأوامر عقله ليتحكم قلبهُ بها! كانت موشحة بالسواد، ملامحها شاحبة، عيناها السوداوتان مليئتان بالحزن!. " الدفتر" حادثت مُديرها بتلكؤ وقد تعجب يوسف من قِلة الكلمات التي تنطق بها! "يوسف أبعد أنظارك عنها فهذا لا يجوز في الاسلام". نبهه عقله ليغض بصره فورا. "من فضلكِ يا فاطمة قولي للسيدان الكمية التي أنتهينا من تعليبها حتى الأن ونسبة الانتاج في بداية كل أسبوع". قال لها مديرها مُتفاخرا بأدائه في العمل ليبدأ قلب يوسف بالإنقباض عند سماعه لاسمها... "فاطمة" ردد حروفه بتلذذ كأنه طفل تعلم النطق حديثا!. بدأت بشرح ما في الدفتر مُتفادية النظر إليه، بينما هو يُكافح هوى نفسه ولكنه فشل عندما لاحظ نبرتها المتوترة، صوتها الخجول، تلك الخُصلة العنيدة التي تخرج من حجابها بينما هي تُحاول ادخالها إلى رفيقاتها لكنها تأبى الانصياع لها! أنهت حديثها بسرعة لتضع الدفتر على الطاولة وتهم بالخروج، لم يُعجبه رؤيتها وهي تهرب من مرمى بصره بتلك السرعة!. ـ هل أبنتكِ بخير؟ يوسف كان مُتفاجئا من سؤاله الفُضولي وكأن ل**نه نطق لوحده، هو حقا لم يعُد يستطيع السيطرة على نفسه! وقد لاحظ وقوفها للحظات كأنها انزعجت من سؤاله لكن السيد مُنذر سبقها بقوله:" أبنتُها!! يبدو بأنك قد أخطأت سيد يوسف فهي غير متزوجة". ـ كيف ذلك؟.. سأل نفسه بصوت غير مسموع وانتظر ردها بلهفة عندما سألها مُنذر إن كانت تعرفه؟.. هو حقا تمنى سماع اجابة مثل:" نعم، هذا الشاب الطيب ساعدني يوم أمس" لكن أجابتها حطمت كل توقعاته بقسوة. " كيف لها أن تنسى شخصا ساعدها بهذه السرعة؟! أهي من النوع الذي يُنكر الجميل؟" أسئلة كثيرة حطت رِحالها في عقله واستحوذت على تفكيره لدرجة أنه عندما أفاق من شروده وجد مكانها فارغا وكأنها لم تكن أمامه قبل لحظات!. ـ أعوذ بالله من هذا الشيطان.. هتف يوسف بضيق وجلس على حافة السرير بعد أن أعاد له عقله ذكرى هذا اللقاء مرارا وتكرارا حتى سئم من نفسه. ـ هل أنا مجنون؟ لماذا أُفكر في فتاة قد تكون زوجة لشخص آخر؟ بل لماذا أُفكر فيها أصلا؟! سأل نفسه بحيرة ووقف من مكانه بغية فعل أي شيء قد يُخرجها من عقله، لكن القدر وقف ضده فحال نزوله إلى الطابق السُفلي لاحظ يوسف والدته التي تقف مع فتاة غريبة وكانت توليه ظهرها. ـ بُني هل يمكنك أن تُنادي على مازن وصديقه حتى يأتيا إلي؟ طلبت منه لتلتفت تلك الفتاة بتلقائية وتلتقي نظراتهُما لوهلة جعلت نبضات قلبه تزداد عن الوضع الطبيعي!. يتبع... يا هلا? كيف كان الفصل؟ توقعاتكم؟ أرائكم ونقدكم؟ حتى الأن هذا مُجرد تمهيد لسة في أحداث كثيرة وغموض أكثر ??.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD