الفصل السابع

1877 Words
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله ? وصيـام القلـبِ مُختلِـف! تراه يصـوم الدهر كُلـه ويفطر حين يـرى الهِلال. ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ جلس يوسف في كُرسي خشبي بُني اللون مُتأملا الغُرفة للحظات، كانت صغيرة الحجم يُطل بابها على غُرفة الجلوس التي لم تكن بعيدة عنهما مما سمح للجميع برؤيتهما دون الاستماع إلى حديثهما. أعاد أبصاره نحو فاطمة التي بدت مُنزعجة لسبب ما!، هو حقا أنبهر من جمالها هذا اليوم فهذه أول مرةِ يراها ترتدي لونا غير الأ**د ويرى فيها هذا الجانب الأنثوي الخجول.. فقط لو كان يملك حقا عليها لأمَرها بمسح هذه الزينة التي تضعها على وجهها والتي لا يرغب لأحد غيره بالنظرِ إليها!. ـ توقف عن التحديق بي لهذه الدرجة؟ سمع صوتها المُنزعج ولاحظ حاجباها المقرونان ليقول لها من فوره بعد أن زين ثغرهُ بابتسامة هائمة:" تُسمى في الإسلام الرؤية الشرعية ". ـ كُنت تُحدق بي هكذا في المرة السابقة فهل تُسمى أيضا رؤية شرعية؟ سألته باستفزاز وشعرت ب ***ة الانتصار لكنه أجابها بنبرة غريبة:" حاولت أن أغُض بصري عنكِ لكنني لم أقدر! كُلما أغمض عيناي تقفز صورتكِ في خيالي، حتى عندما أنام يُزورني طيفكِ عنوة فماذا أفعل إن كنتِ أنتِ السبب؟!". " هل على قلبها أن يخفق بهذه الطريقة من مُجرد كلمات قد يكون كاذبا في قولها؟" سألت نفسها بتعجب وأمسكت طرف ثوبها حتى تستعيد شخصيتها الباردة ثم ردت عليه بثقة: " كاذب، كلكم كاذبون". ـ عفوا!. همس لها بحيرة لتُكمل حديثها بنفس النبرة الحادة:" لا تدعي البراءة فأنت تُدرك مقصدي جيدا.. جدي، جدك، الاتفاق، وأخيرا اجباري على الزواج منك من أجل حماية عائلتي! ". يوسف كان يتوقع حلول هذه اللحظة ولكن ليس بهذه السُرعة؛ فعائلته تنتظر قرارهما في الخارج ولا يعلم أحد مُنهم بالاتفاق الذي عقده مع جده. ـ لن أُنكر الأمر، لكنني وافقت على هذا الزواج من أجل حمايتكِ أولا، ومن أجل شيء آخر لا أستطيع أخباركِ به الأن. ـ من أجل حمايتي؟ هتفت فاطمة بضيق وجزت على أسنانها:" هل تراني غ*ية؟ هل أبدو لك كطفلة؟ عُمري ثلاثة وعشرون عاما إن لم تكن تعلم! جدك الموقر تخلى عن القضية لكن بشرط تزويجي لأحد أحفاده وأنت كُنت حفيده المُطيع الذي لا يرفض له أمرًا حتى ولو كان على خطأ، فكيف بربك ستحميني؟!". ـ الشخص الذي أختاره جدي للزواج بكِ لم يكن أنا، بل كان شخصا آخر لن يكترث لأمركِ وسيعذبك طوال حياتك. ـ وأنت الفارس النبيل الذي قبِل التضحية بنفسه حتى يُنقذني من ذلك الشرير! عفوا منك سيد يوسف ولكننا لسنا في فيلم هندي حتى أُصدق حديثك. ـ صدقتي حديثي أو لم تُصدقي، فأنا كُنت أُخطط لطلب يدكِ للزواج قبل معرفتي بعداوتكم مع جدي وبعد معرفتي بالأمر زاد إصراري على الزواج بكِ. هل على قلبها أن يخفق الأن؟ بالطبع لا فهذه فاطمة ذات التفكير المنطقي. زفرت الهواء من رئتيها علّها تشعر ببعض الراحة ثم تحدثت بنبرة بدت يائسة وحزينة:" على كل حال ما حصل قد حصل، لن أقول لك أني أُرغمت على هذا الزواج بالقوة فقد كان هذا قراري بالأخير وأنا الوحيدة التي لها الحق بالرفض أو القبول وقد اخترت الخيار الثاني؛ لهذا أرجوك لا تجعلني أندم". جملتها الأخيرة نطقتها برجاء، ليُجيبها يوسف بأصدق نبرة يحملها: ـ أعدكِ لن تندمي أبدا. هدأت فاطمة من روعها قليلا لكنها لم تستطع كبح دموعها التي ملأت تجويف عينيها لتسمع صوته القلق.." أرجوكِ لا تبكي حتى لا أُسجل في التاريخ بالشخص الذي أبكى الفتاة التي تقدم لها!!" لم تقدر على منع ابتسامة صغيرة تسللت إلى ثغرها جراء حديثه لكنها أعادت ملامحها الجادة من جديد لتقول له: ـ قبل أن أقبل عرضك بالزواج عندي شرط... ـ كُلي آذانُ صاغية. ـ رهف ومؤيد، لن أقبل العيش بعيدة عنهما بعد الزواج، هما وصية أُمي الأخيرة قبل وفاتها ولن أتركهما أبدا. كم تمنت أن ترى علامة تدل على اعتراضه، أن يقول لها من فوره " ما دخلي أنا بإخوتكِ "، أو أن يُظهر تردده على الأقل لكنهُ أجابها بثقة بعد أن ابتسم لها بصدق:" لا أُمانع ذلك فأنا سأكون و*دا إن أبعدتُكِ عنهما، أرجوكِ لا تقلقي فمؤيد مثل أخي تماما ورهف ستكون كأبنتي وسيعيشان معنا". ـ هل أنت صادق؟ سألتهُ بريبة. ـ هل أقسم لكِ الأن حتى تُصدقيني؟ ـ لا داعي لذلك... أجابته بسرعة وشعرت براحة كبيرة، هي في الحقيقة لا يهمها شيء غير ضمان بقاء رهف ومؤيد بجانبها. ـ هُناك أمر آخر أود قوله لكِ " عائلتي لا تعلم أي شيء عن هذا الاتفاق، فأرجو أن يكونوا خارج الموضوع". نظرت فاطمة إليه دون إبداء رأيها، كانت تُريد أن تقول له بأنه كاذب في هذا أيضا لكنها فضلت ال**ت وأدّعت عدم المُبالاة. ـ سأعتبر **تكِ موافقة على الزواج... تحدث بعد أن شعر بطول **تها لتومىء له دلالة على موافقتها. ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ الساعة التاسعة مساءً استلقى يوسف على فراشه بعد أن عاد من صلاة التراويح ليبتسم من فوره حال تذكُره لأحداث اليوم، رفع يده ناظرا إلى "الدبلة" الفضية التي زين بها أصبعه ليهمس لنفسه بقلق: - أمي غاضبة جدا، يجب أن أجد طريقة ما حتى تُسامحني! . تذكر ملامح فاطمة عندما أخرج لها الخاتم، كانت مصدومة جدا ولم تتوقع أن يخطبها بهذه السرعة ومن دون شعور وجدته يضع الخاتم لها في أصبعها وأثناء ذلك سمع صوت والدته التي هتفت باعتراض:" لم نتفق على هذا يا بُني! كيف تخطب الفتاة بهذا الطريقة من دون دعوة رسمية؟! أنا حتى لم أُفاتح أخوالك وأعمامك في الأمر ". ـ أخبرتُكِ سابقا يا أمي.. أنا لا أُريد أي تكلُف زائد، الجميع سيعرف بالأمر حين نُحدد موعد الزفاف. كانت رُقية ستعترض على حديثه لكن جمال أشار لها بال**ت ثم تحدث قائلا:" خير ما فعلت يا بُني ولكن يجب أن نأخذ رأي الجد هنا، ما رأيك سيد منصور؟". ـ ليس عندي أي مانع سيد جمال طالما أبناؤنا سُعداء. ـ إذا كان كذلك فلِما لا أسمع زغاريد الفرح؟! سأل جمال وهو ينظر إلى الفتيات ليطلقن "زغرودة" عالية تُعبر عن سعادتهن. عاد يوسف إلى الواقع حين سمع صوت جدته التي قالت له:" حفيدي الصغير اصبح شابا مُقبلا على الزواج، كم تمُر الأيام بسرعة!". ـ تفضلي بالجلوس جدتي.. ـ لِما تتعجل الأمور يا ولد، محبوبة قلبك لن ي**قها أحد منك! تحدثت إليه بعتاب جاعلا أياه يخفض رأسه نحو الأرض ثم سألها بقلق:" هل أمي غاضبة حتى الأن؟". ـ غاضبة وبشدة.. ـ جدتي أنتِ تعلمين طِباع أمي، هي ستدعو العائلة كلها إلى خطبتي وتعلمين طِباع أخوالي أيضا! هم سيُقيمون حفلة كبيرة فيها موسيقى وغناء، واختلاط وأنا لن أقبل بهذا أبدا، هل تُريدين أن أبدأ زواجي بمعاصي تُغضب الله؟!. ـ حبيبي يوسف أنا معك في كُل ما قُلت، لكن كان عليك مُفاتحة والدتك وحسم الأمر مُنذ البداية. ـ لا تقلقي سأتحدث إليها عندما تهدأ. ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ عادت فاطمة إلى غُرفتها بعد أن خلعت ثوبها وأزالت مساحيق التجميل من على وجهها لتجد مؤيد ورهف يتأملان الهدايا التي ملأت المكان!. ـ ما هذا التبذير؟ تحدثت بملل واستلقت على فراشها بغية النوم لتسمع سؤال أخيها المتعجب من أمرها:" ألا يُراودك أي فضول لرؤية الهدايا التي جلبوها؟!". همهمت فاطمة دلالة على عدم اكتراثها ليُكمل مؤيد حديثه:" هل تعلمين أن المواد الغذائية التي جلبوها معهم تكفينا لثلاثة أشهر؟". ـ إذا كان كذلك سأقتسمها مع أُسرة خالي فهم يحتاجون لها بعد أن سُجن وليد وانقطع مص*ر دخلهم. ـ أنتِ تهتمين بالجميع دون أن تشعري بذلك!. ـ لِما لا أهتم!، على الأقل سيكون هذا ردا لفضل خالي علينا فقد كان طيب التعامل معنا. تذكر فاطمة لخالها جعل الحزن يعود إلى قلبها فهو الآخر رحل فجأة دون وداع.. ـ ماما أنظري إلى الدُمية التي جلبها لي يوسف.. ـ لقد جلب لي هاتف حديث أليس هذا رائعا... هتف مؤيد بسعادة من بعدها فكم تمنى أن يملك واحدا مثل أصدقائه في المدرسة لكن ظروفهم لم تسمح له بذلك. شعرت فاطمة بالحزن أكثر وأحست بأنها مُقصرة تجاههما ولا تُلبي لهما كُل ما يتمنيان، لكنها ابتسمت بزيف ثم قالت: " عليكما شُكره عندما تلتقيان به " مؤيد يعلم تفكير أُخته جيدا لذا غيّر الموضوع ليقول لها:" هو لم ينساكِ أيضا، لقد أحضر لكِ هاتفا جديد ووالدته قدمت لكِ الكثير من الهدايا، هل رأيتِ كم هم طيبون ويُحبون بعضهم". أثناء حديثه تذكرت فاطمة شيئا مهم لتُقاطعه بسؤالها:" ما الذي تحدثتما عنه عندما وقفتما لوحُدكما؟" ـ تقصدين أنا ويوسف؟ ـ لا، أقصد خيالكما... أجابته بضجر ليضحك من فوره ثم قال:" هذا سر بيننا ولن أُخبركِ به مهما فعلتي!!". ـ ستندمون جميعا... هتفت بحنق فهذه هي المرة الثانية التي يستميل يوسف شخصا آخر إليه. في صباح اليوم التالي خرجت فاطمة إلى عملها باكرا وكأن شيئا لم يكن!، نفس العباية السوداء والحجاب الأ**د لم تتأمل وجهها في المرأة كما تفعل الفتيات في العادة، ولم تبتسم عندما لاحظت الخاتم الذهبي الذي يُزين أصبعها حتى أنها حاولت إخراجه حتى لا ينهال عليها الجميع بالتبريكات لكن مُزن منعتها من ذلك وأسمعتها مُحاضرة طويلة عن ما يعنيه تبادل المُحبين للخواتم. "تتحدث وكأنني أُحبه!" همست لنفسها بانزعاج. وقفت فاطمة بقرب صديقتها سارية بعد وصولها إلى المصنع وألقت عليها السلام لتُجيبها الأُخرى بسعادة ثم عانقتها وباركت لها الخِطبة. ـ هل تُدركين ما أنتِ مُقبلة عليه؟ سألتها صديقتها بحماس. ـ الزواج. جراء حديثها أطلقت سارية تنهيدة منزعجة ثم قالت:" ليس أي زواج! إنها أسرة المالكي صاحبة أكبر المصانع الغذائية في البلاد" . ـ وإن يكن. لو كان هنالك شخص سيموت من البرود الذي يُحيط بشخصية فاطمة فهي صديقتها بلا شك، لقد حاولت سارية تغيير طباعها كثيرا لكنها لم تقدر على ذلك فما مرت به في حياتها جعل قلبها جامدا كالصخر.. فسارية من الأشخاص القليلين الذين عاشروا فاطمة في فترة طفولتها وحتى نُضجها وتُدرك تماما أن ما تراه الأن ليس شخصيتها الحقيقية، هذه فقط نسخة مُزيفة صنعتها قسوة الأيام. ـ أرجوكِ أظهري بعض السعادة. ـ سأُحاول. اجابة أُخرى مختصرة جعلت سارية تعمل في **ت فيبدو أن الأُخرى مُنزعجة من شيء ما. ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ حمحم يوسف قبل أن يجلس بجانب والدته في الحديقة مُعلنا وجوده، فهو قرر التحدث إليها قبل ذهابه إلى العمل " صباح الخير يا قمري".. كعادته حاول استمالتها بكلامه المعسول لكنها التفتت إلى الجانب الآخر. ـ قرأت يوم أمس معلومة تقول أن الأبن إذا خرج وأمه غير راضية عنه فإن مُصيبة ستحل عليه ولن يسعد في حياته أبدا، فهل يهون عليكِ ذلك؟. ـ لا تُحاول معي يا يوسف أنا حقا مُنزعجة منك، أنت اتخذت قرارك دون أن تُخبرني، ما الذي سأقوله لأخوالك الأن.. " لقد خطبنا له يوم أمس دون علم أحد لكنكم ستحضرون زواجه لا غير" متى عليك أن تفهم أنا أُريد أن أفرح بك. ـ أفرحي بي كما تشائين ولكن بطريقة تُرضي الله أولا.. أخبرتُك سابقا يا أمي أنا لن أُقيم أي حفلات، لن يكون هناك اختلاط كما يحدث في العادة، لن أحجز صالة بملايين الجُنيهات حتى أفرح لعدة ساعات بينما يُمكنني إعانة الفقراء بهذه الأموال!!. ـ إذا خططت لكل شيء فلِما تتحدث إلي الأن؟! اذهب وتزوج لوحدك أنا لن أتناقش معك بعد اليوم.. أسند يوسف رأسه على ظهر الكُرسي وردد من فوره:" اللهم أعني على الصبر والثبات" ليسمع صوت والده: ـ لا تحمل هما بُني أنا سأتحدث إليها لاحقا فأنت تعلم كم هي عنيدة. ـ هل من الصعب ترك العادات والتقاليد الخاطئة من أجل ارضاء الله؟!. ـ ليس صعبا، لكن البشر عندما يُفطرون على شيء يصعب عليهم التخلي عنه والهداية توفيق من الله. ـ عندك حق، أسأل الله التوفيق والهداية. اتجه يوسف إلى عمله وهو يشعر بالضيق الشديد، تذكر عدد المرات التي أغضب فيها أمه ليشعر بالسوء من نفسه " هل هو حقا بار بوالديه؟ ماذا سيحدث لو أن الله كتبه مع العاقين لأمهاتهم؟!" مجرد التفكير في الأمر جعل قلبه ينبض بخوف ليُقرر فتح الراديو علّه يستمع إلى القرآن الذي يُريح روحه ويُبعده عن هموم الدُنيا الزائلة. أبعد أنظاره عن الطريق لثواني معدودة كانت كفيلة بجعله يتسبب بحادث لنفسه!! لم يشعر إلا وسيارته تُقذف بعيدا جراء اصطدامها بسيارة اخرى كانت قادمة من الاتجاه المُعا**. قُلِبت السيارة عدة مرات ويوسف بداخلها ثم استقرت بجانب الطريق بعد أن تحطمت!. يتبع... يا هلا، كيفكم؟ تقييمكم للفصل؟ مسكين يوسف ?، كيف ستكون ردة فعل الجميع.. عائلته ووالدته خاصة؟ فاطمة؟ كبار العائلة؟.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD