السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله ?
"أعترافي بأنني أحبك اعتراف باطل
فقد كنتِ وقتها تنظرين اليّ وهذا ما
يسمى اعتراف تحت الت***ب"
ـ ادهم شرقاوي
ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـ ـــــ ـــــ
نظرات ضجِرة توجهت نحو الساعة الحائطية التي تُشير إلى الرابعة عصرا وضع صحابُها رأسهُ على الطاولة التي أمامهُ ثم تن*د بضيق لكنه ما لبِث عائدا إلى قراءة الكتاب الموضوع أمامه، تناهى إلى مسامعه رنين هاتفه الخلوي ليترك كتابه مرة أخرى مجيبا عليه...
ـ أين أنت؟ لقد انتظرتك طويلا... استقبلت أُذناه صوت صديقه المُنزعج.
ـ لا أقدر على الخروج اليوم؛ فوالدتي في المنزل ويجب علي أن أدرس قبل أن تتراكم الدروس فوق رأسي.
ـ يا لك من مُمل هنالك شهران كاملان قبل موعد الامتحانات، قٌل لي فقط أنك تخاف من أُمك.
أستشعر نبرة السُخرية في صوت صديقه ليُجيبه بضيق:" توقف عن قول اله***ء يا يوسف".
ـ أنت شخص... أراد أن يٌناديه بالصفة التي يكرهها بشدة ليقول من فوره:" حسنا أنا قادم، حدد لي المكان؟".
ارتدى معطفه بسرعة مُحاولا الخروج من المنزل خلسة دون أن يُثير انتباه أحد لكن والدته شعرت بحركته لتصيح عليه بغضب:
" هل تُحاول الخروج مرة أخرى يا أحمد دون اكمال دراستك؟".
ـ أنا أعدكِ يا أمي سأعود بسرعة... قال لها على عجل بينما يهم بالمغادرة دون انتظار موافقتها حتى!.
ـ لقد وصل صديقك.
أعلن أحد الفتيان ليوسف الذي كان جالسا على دراجة بُخارية وحوله خمسة أولاد.
ـ هل فاتني شيء؟ سأل أحمد بينما يضع الخوذة فوق رأسه ويستعد لركوب دراجته.
ـ وصلت في الموعد.
تحرك الفتيان بدراجاتهم البُخارية حتى وصلوا إلى الطريق السريع المزدحم بالسيارات ليقف كل اثنان بقرب بعضمها؛ حتى لا يُثيروا أي شكوك.
ـ ما هي قواعد اللعبة هذه المرة؟
ـ المرور عبر هذا الطريق وصولا إلى الغابة والتي سنعبر من خلالها ونتوقف
عند مطعم الوجبات السريعة في الناحية الشمالية.
ـ سيكون أروع سباق أخوضه في حياتي... هتف أحمد بحماس ثم انطلق بدراجته غير مُكترث بالسيارات التي تمر بالقرب منه. زاد من سرعته عندما لاحظ اقتراب فريق آخر منه ليلحق يوسف به فجأة.
دخلا إلى الغابة في وقت وجيز، كان الطريق بالغ الوعورة وتُحيط به العديد من الأشجار الضخمة والكثير من الصخور!.
بعد رُبع ساعة خرجا منه وأوشكا على الوصول إلى نقطة النهاية، اقترب يوسف منه قائلا له بصوت عالي حتى يستطيع سماعه:" سالم وصديقه يٌحاولان الوصول إلينا، أنت تقدم أمامي وأنا سأُخفف من سرعتي حتى أمنعهم من الوصول إليك.. أُريد أن أراك فائزًا هذا اليوم".
أومأ له أحمد برأسه وزاد من سرعته أكثر
مُبتعدا عنه كانت مُجرد لحظة.. عدة ثواني فصلت بينهما! فكرة سخيفة أقنع بها يوسف صديقه جعلته يخسر جزءً من روحه! تمنى لو أن الأرض ابتعلته قبل أن يرى هذا المشهد المروع... جسد أحمد مستقر على الأرض ودماؤه تملأ المكان!.
فور رؤية يوسف لهذا المنظر بدا المكان ضبابيا واختفت معالمه من أمامه ليفتح عينيه فجأة ويدرك أنه مجرد حلم أعاد له ذكريات من الماضِ المرير.
" بياض" كانت هذه هي الكلمة الوحيدة التي احتلت عقله حال استيقاظه، تأمل السقف لبُرهة مُحاولا استيعاب ما حصل له، كُل ما يذكُره هو لحظة اصطدامه بتلك السيارة ثم السواد الذي ملأ عالمه.
حاول أن يُحرك جسده لكنه شعر بثُقل في يده اليُمنة ليُلاحظ الضماد الأبيض الملفوف حولها، رفع جسده قليلا بمساعدة يده اليُسرة مُتأملا الغرفة التي يقبع فيها..
كانت متوسطة الحجم يطغى عليها اللون الأبيض الناصع، بقربه جهاز لقياس نبضات القلب وفي الجهة الأُخرى وُضع المُغذي الموصول بيده اليُسرة.
حاول أن يتذكر ما حصل له بعد انحراف السيارة خارج الطريق لكنه شعر بألم شديد في رأسه وقتها دخل الطبيب ليهتف بسعادة:" سيد يوسف لقد استعدت وعيك أخيرا، نحمد الله على سلامتك".
ـ شكرًا لك، لكن كيف وصلتُ إلى المشفى؟ سأله بوهن لكن الطبيب لم يُجب على سؤاله وبدأ في مُعاينته بدءً من قياس نبضات قلبه ورؤية الجروح التي حصل عليها نتيجة الحادث ثم سأله إن كان يشعر بأي ألم؟
ـ رأسي يؤلمُني بشدة..
ـ هذا متوقع؛ فأنت تعرضت لارتجاج في المُخ ولكن لا تقلق سأكتب لك بعض الأدوية التي ستُخفف من وقع الألم.
أخرج الطبيب ملفه الطبي ثم حادثه بنبرة حذرة:" ما سأقوله لك الأن قد يبدو غريبا عليك لكنك تعرضت لحادث خطير، عندما جاءوا بك إلى المشفى كُنت مُصاب ب**ر في يدك اليُمنة وفي عُنقك أيضا وكما ذكرتُ لك سابقا تعرضت لارتجاج في المُخ مما سبب فُقدانك لوعيك لمدة طويلة ".
ـ مُنذ متى وأنا فاقد الوعي؟
ـ مُنذ ثلاثة أيام..
ـ هل تمزح معي؟! تساءل يوسف بصدمة محاولا استيعاب الأمر، **ت لبرهة ثم أكمل حديثه:" هل تعلم عائلتي بالأمر؟".
ـ نعم لا تقلق، الجميع ينتظرون خروجي حتى يطمئنوا عليك.
أكمل الطبيب فحصه ثم خرج مُتمنيا له دوام العافية، وما هي إلا لحظات حتى دخل أفراد عائلته المتشوقون لرؤيته كانت والدته تبكي بقهر وقد نُحل جسدها من شدة خوفها عليه بينما والده يُحاول تهدئتيها وملامح وجهه تدل على الإرهاق الشديد، مازن يبدو عليه الثبات وملاذ توشك على البُكاء لكنها تدعي القوة.
رفع يوسف يده اليُسرة مرحبا بأمه ورسم ابتسامة على ثغره حتى يُطمئنها على حاله لكنها أرتمت على ص*ره وبكت بشدة حتى تحول بُكاؤها إلى شهقات مُتقطعة.
ـ دموعكِ تُؤلمني يا أمي أنا أرجوكِ توقفي عن ذرفها.. أنظري إلي أنا بخير الأن وما زلتُ على قيد الحياة.
ـ لقد كُنت السبب في حادثك، ما كان علي تركك تخرج من البيت وأنت غاضب مني.
ـ أمي أرجوك! قولكِ لهذا الكلام يجعلني أتألم أكثر..
ـ توقفي عن قول هذا يا رُقية إنه قضاء الله ولا يحق لنا الاعتراض في حُكمه! حادثها جمال بنبرة مُعاتبة لتستغفر ربها من فورها لكنها لم تتوقف عن البُكاء.
حاول يوسف تهدئتها لكنه لم يُفلح في ذلك وكانت كلما رأته يتألم تعود لبُكائها من جديد.
ـ هي على هذا الحال مُنذ وقوع الحادث لك.. همست له أخته ملاذ ليتن*د بضيق ثم قال لها:" حبيبتي حاولي اقناعها بفكرة الذهاب حتى ترتاح قليلا فكما يبدو لي هي مُرهقة جدا ".
وافقته ملاذ في رأيه، لكنها لم تُفلح في إقناعها ليظهر الضيق جليا على ملامح جمال الذي طلب منها القدوم معه للحظات وقبل أن يخرج همس لابنته بشيء ما.
ـ ما الذي قاله لكِ؟ سألها مازن الذي جلس بجانب أخيه.
ابتسمت ملاذ ثم أجابته بينما تأخذ مكانها بجانبه:"سيطلب منها الذهاب معه إلى المنزل حتى يجلبا بعض الأغراض ليوسف ".
ـ لا أظنٌه سيُرجعها حتى تنال قسطا من الراحة.
ـ عليها ذلك... عقّبت ملاذ على حديثه.
تحدث يوسف معهما كثيرا وكان كمن سافر عن وطنه لفترة طويلة، ولم ينسى السؤال عن سبب غياب أخته أمنية فأخبرته ملاذ عن عودتها إلى منزل زوجها قبل ساعات وعن وعدها بالقدوم يوم غدِ، كان مازن سيتحدث لكن سماعه لصوت طرق على الباب جعله يقف ليستقبل الزائر.
شعر يوسف بفضول شديد عندما طال وقوف أخيه بالقرب من الباب وأمال جانبه قليلا ليلمح ثوبا طويل رمادي اللون. أبتعد مازن عن مرمى بصره وألتفت إليه بعد أن زين ثغره بابتسامة ماكرة ثم جلس في مكانه.
رمش يوسف عدة مرات وأبتلع ريقه محاولا تهدئة نبضات قلبه فلم يكن الزائر سوى فاطمة. كانت تقف في مكانها والتوتر بادي على ملامح وجهها ليسمع صوتها الهامس:
ـ الحمد لله على سلامتك، كيف هو حالك الأن وهل تشعر بإي ألم؟
ـ أنا بخير ولطف منكِ القدوم لزيارتي أرجو أن تتفضلي.
وقف مازن من مكانه سامحا لها بالجلوس فلم يكن هُنالك مقاعد أخرى مُتاحة، ليقول من فوره دون أن يمسح تلك الابتسامة عن وجهه:" هنالك بعض الأمور علي قضاؤها لذا أستأذنكم بالذهاب " وأكمل حديثه بعد أن شارف على الخروج:" ألن تُساعديني يا ملاذ؟!".
ـ نعم سأذهب معك... أجابته بسرعة وخرجت معه فهي فهمت مقصده منذ البداية.
شعر يوسف بالضيق من تصرفهما فلا
يجوز له البقاء معها لوحده حتى وإن كانا مخطوبين، لكنه شعر بالراحة قليلا عندما تركا الباب مفتوحا، التفت إليها ليجدها تُحرك أصابع يديها بشكل دائري.. على الأقل هو ليس الوحيد الذي يشعر بالتوتر.
ـ كُنا قلقين عليك عندما طالت فترة غيبوبتك أرجو أن تكون بخير الأن، لقد فرحتُ كثيرا عندما سمعت خبر استعادتك لوعيك.
هل على قلبه أن يرقص فرحا الأن؟! فهي لأول مرة تتحدث معه بهذه الطريقة.. لقد قالت " فرحت" هي سعيدة لأجله كما أنها كانت قلقة عليه!.
ـ لقد عدتُ من أجلكم.. أجابها بعد لحظات وكم أراد حذف الميم من جملته لكن للواقع أحكام. **ت قليلا بعد أن لاحظ قرنها لحاجبيها ثم أكمل حديثه مبعدا أنظاره عنها:" هل فعل جدي شيئا في غيابي؟".
شعر بانزعاجها الشديد عند ذكره لجده مما دل على حدوث شيء ما ليؤكد على سؤاله "أتمنى أن تكوني صريحة معي".
ـ في آخر مكالمة له مع جدي طلب منه إلغاء الخِطبة أو هو لن يتخلى عن القضية.. هل تتخيل أن جدك أراد خطبتي لشخص آخر عندما طالت فترة غيبوبتك!.
شعر يوسف وكأن صاعقة سقطت عليه من هول ما سمِع، كانت خيبته من جده هذه المرة كبيرة جدا.
ـ لستُ لعبة بين أيد*كم كما تعلم.
أنهت حديثها بنبرة غاضبة ليهمس لنفسه:
" يا ليتها لم تُضيفني معهم " ثم استعاد رباط جأشه ليُخاطبها بثقة:" أنا أعدكِ يا فاطمة ستنتهي هذه المهزلة بعد أيام قليلة وستُسحب هذه القضية بدون أي شروط!".
ـ لن أُصدقك بسهولة.. أجابته بريبة واضحة.
ـ لن يُجبرك أحد بعد اليوم على فعل شيء لا تٌريدينه!
ـ من أين لك هذه الثقة؟! سألته بحاجب مرفوع.
رسم ابتسامة لطيفة على وجهه خلافا للجو المتوتر ثم أجابها:" ستعرفين فيما بعد ".
أكثر شيء قد يُثير غضب فاطمة هو عدم حصولها على الإجابة التي تٌريدها وقد
لاحظ يوسف هذه الصفة فيها وكم اسعده اكتشاف شيء جديد عنها.
ـ أتمنى لك دوام العافية.. قالت له بسرعة بينما تهم بالخروج دون أن تنتظر رده مما أثار استياءه.
ـــــ ـ ـــــ ـ ــــــ ـ ــــــ ـ ــــــ
دلفت فاطمة إلى منزلها بحذر شديد حتى
لا تلتقي بأحد فهي الأن لا تملك أي قدرة على الكلام ولكن آمالها خابت عندما وجدت ابن خالها وليد ينتظرها في غرفة الجلوس. تن*دت بضيق واضح وأرادت أكمال سيرها لكنه أوقفها بقوله:
ـ هل ذهبتِ لرؤيته اليوم؟
ـ ما دخلك أنت..
أجابتها المستفزة جعلته ينهض من مكانه ليُمسكها من رسغها بشدة ثم جرها ناحيته لتشعر بأنفاسه الحارقة.
ـ أبعد يد*ك عني حالا.
ـ وإن لم أفعل؟ أجابها بحدة وزاد من ضغطه على يدها.
ـ سأُنادي على جدي.
رسم وليد ابتسامة خبيثة ثم همس لها:" لا يوجد أحد في المنزل أي يٌمكنني.." وقبل أن يُكمل حديثه صفعته بقوة وأبعدت يده عنها، لم تنتظر ردة فعله بل هرولت إلى غُرفتها مُغلقة الباب خلفها.
ـ أفتحي هذا الباب يا فاطمة قبل أن أ**ره فوق رأسكِ.. كان وليد يصيح بغضب ويض*ب الباب برجله حتى كاد أن ي**ره وأثناء ذلك سمع صوت والدته التي عادت إلى المنزل ليذهب إليها بسرعة.
ـ هل كنت تض*ب الباب يا وليد؟ سألته بقلق ليرتدي قناع البراءة ثم أجابها:" طلبت مني فاطمة اصلاح بابهم؛ فقد كان عالقا بشدة ".
ـ هكذا إذا... تحدثت بلا مبالاة ودخلت إلى المطبخ حتى تُعد العشاء لهم.
تن*د وليد براحة ثم اتجه إلى غُرفته بعد أن توعدها بالنيل منها.. من جهة أُخرى كانت فاطمة قد تكورت على نفسها وسمحت لدموعها بالنزول، شعرت بالخوف يجتاح كُل خلية في جسمها وتمنت لو لم يضمنه صديقه كمال حتى لا يقدر على الخروج من السجن.
ـ أرجوك يا الله أخرجني من هذا البيت.
ــــ ـ ــــ ـ ـــــ ـ ـــــ
مضى أسبوع مُنذ خروج يوسف من المشفى وقد كان جالسا هذا اليوم في حديقة منزلهم الخلفية بعد أن أُرهق من كثرة الزوّار. ارتشف من الشاي بينما يُطالع ابن عمه مُهند الذي يجلس مقابلا له وقد بدا عليه الخوف!.
ـ كيف جرى الأمر؟
ـ وافق المحامي على سحب القضية دون علم جدي.
ـ أحسنت والأن ما رأيك في اخباره؟
ـ أرجوك يوسف لا تورطني أكثر، ما زلتُ خائفا من ردة فعله، سأخسر كل شيء بسببك لا أعلم لِما وافقتُ على طلبك؟!.
ـ سأتحمل المسؤولية كاملة لذا توقف عن القلق.
تن*د مُهند براحة ثم سأله فجأة بينما يُراقص حاجبيه:" هل تٌحبها لهذه الدرجة؟".
ـ لدرجة قد تجعلني أسكب الشاي الساخن على وجهك الجميل أن تحدثت عنها مرة أخرى.
اجابته جعلته يضحك بقوة لكنه أغلق فمه بسحاب خيالي عندما لاحظ نظراته الغاضبة.
دلف يوسف إلى المنزل بعد ذهاب ابن عمه، كانت العائلة مُجتمعة في غرفة الجلوس عندما وقف أمامهم ثم حمحم حتى يُثير انتباههم. تسلطت جميع الأنظار إليه ليقول لهم دون مقدمات:
ـ من بعد إذنكم أُريد أن يتم زواجي بعد شهر من الأن.
يتبع...
يا هلا، كيفكم؟ ?
تقييمكم للفصل؟
ما رأيكم بتصرفات وليد مع فاطمة؟
الجزء الأول كان لمحة صغيرة عن ماضٍ يوسف.
أسعد برؤية تعليقاتكم ونقدكم فلا تبخلوا علي ?