" القصر.."
دقت الساعة الثانية عشر والنصف صباحًا وفجأة رفعت جذعها عن الفراش تلهث بصوت مسموع.. نظرت حولها لتري الغرفة مظلمة وعلى وجه السرعة تحسست الحائط المجاور إلى الفراش حتى وصلت إلى مفتاح المصباح وضغطت عليه كي تضيء الغرفة..
بعد ذلك مسحت حبات العرق المنتشرة أعلى جبهتها وضمت قدميها إلى ص*رها.. تذكرت ذلك الكابوس الب*ع لتشعر بالخوف الشديد.. وبعد لحظات تناولت الهاتف الخاص بها وكادت أن تتصل على حازم لكنها سمعت إغلاق باب الجناح بالخارج.. تركت الهاتف أعلى الفراش الذي تركته وعندما دخل الغرفة ركضت إليه واحتضنته بشدة..
أحاط خصرها بكلتا يديه يضمها إليه أكثر وتساءل في توجس :
-ايه يا حبيبي مالك؟!
-كابوس بشع.. أنا بخاف أنام لوحدي
طبع قبلة طويلة على جانب رأسها وتحدث بنبرة هادئة تشعرها بالهدوء :
-أسف كان عندي شغل متأخر لازم يخلص
ابتعدت عنه قليلا لتنظر إليه بحزن قائلة :
-أنت حتى لو جيت بدري هتفضل قاعد تحت في المكتب
نظر اتجاه الاريكة المجاورة إلى باب الشرفة ثم عاد بالنظر إليها وقال مبتسمًا :
-ايه رأيك هجيب مكتب جديد احطه هنا مكان الكنبة واهو هبقى معاكِ
تشبثت في تلك الفكرة قائلة :
-حل عبقري وممتاز جدًا.. لكن هنحط الكنبة فين
-ممكن في البلكونة عادي..
ثم مسح على جانبي شعرها متأملًا ملامحها بتمعن شديد هامسًا :
-وحشتيني يا جنتي
اتسعت ابتسامتها فوضحت غمزتها ليجد نفسه يطبق شفتيه عليها فقالت بنعومة :
-أنت كمان وحشتني
مسك بكفها ورفعه إلى حيث شفتيه وطبع عليه قبلة رقيقة للغاية.. ثم استند بجبينه على جبينها ونظر إلى بنيتها بعمق حتى خيل له بأنه يرى نفسه داخلهما وقال بجدية :
-عيونك جميلة.. عيونك هي وطن لقلبي
-بتجيب الكلام الجميل ده منين؟
قطب جبينه يحرك رأسه في كلا الاتجاهين بمرح وأجاب على سؤالها وهو يغمز :
-من عيونك.. عيونك داخلها أجمل الكلمات الجميلة عيني بتقرأها لقلبي وأنا بقولها لك
أطرقت عيناها متشبثة في قميصه من الأمام قبلها على جبينها بحنان ثم حملها على ذراعيه متجهًا إلى الفراش ووضعها عليه برفق.. ثم استأذن لدقائق ودلف إلى الخزانة كي يبدل ثيابه وعاد إليها.. مدد إلى جوارها وأضاء المصباح الصغير الموضع أعلى المنضدة الصغيرة لينبعث منه إضاءة خافته وأطفأ المصباح الكبير قائلاً :
-كده جو رومانسي
اتسعت ابتسامتها واقتربت من آذنه هامسة بنبرة حب صادقة :
-بحبك
-بموت فيكِ
ثم ضمها إلى ص*ره عنوة وقبلها على خصل شعرها الليلي ابتسمت هامسة :
-ربنا يديم وجودك في حياتي
***
" بعد مضي ثلاثة أيام.."
كانت تجلس مع صديقتها المقربة داخل شرفة منزلها.. استندت بجانب رأسها على السور فيما كانت تنظر لميس إليها في حيرة كبيرة وقالت بهدوء :
-لينا المحاضرة فاضل عليها ساعة..
نظرت إليها بحزن واضح فوبختها بحنق :
-مش معقول يا لينا بقالك يومين غايبه عن الجامعة.. ده كله علشان دكتور عُدي
-مش عارفه اركز في حاجة غير فيه يا لميس ده زي اللي عملي عمل
قالت كلماتها في حيرة شديدة وحركت رأسها في كلا الاتجاهين عنوة.. ف*نهدت الأخيرة وقالت بتأكيد :
-حبتيه يا لينا
أطرقت رأسها عاقده بين حاجبيها وتحدثت بنبرة بكاء :
-مش عارفه ليه حبيته.. أنا كنت رافضه فكرة الارتباط والحب والكلام الفاضي ده وأنا بدرس
-طيب علشان خاطري ركزي شوية في مذاكرتك واحضري المحاضرات
تحدثت بحده فلتت منها بدافع الغيرة :
-لاء أنا كل ما بشوفه واقف مع بنت ببقى هجنن
-وحل اللي أنتِ فيه ده ايه؟!
تساءلت في حده لكونها خائفة على مستقبلها فأومأت بالنفي وهي تقول في حيرة :
-مش عارفه انا خلاص تعبت من كتر التفكير
مدت يدها لتمسك بكفها وقالت بهدوء علها تقنعها :
-استهدي بالله يا حبيبتي وروحي الجامعة
تأملتها للحظات من الحزن ثم رفعت عيناها إلى السماء.. في ذات الوقت صدح رنين هاتفها داخل حقيبة يدها فقامت بفتح السحابة وأخرجت الهاتف لتنظر إلى شاشته التي تضيء باسم " دك عُدي.." اتسعت عيناها عنوة ونهضت عن المقعد ويديها ترتعش في توتر وكأنها مسكت بسلك كهرباء.. شعرت صديقتها بالقلق من رعشتها متسائلة :
-فيه ايه يا لينا مين بيتصل؟!
وضعت الهاتف أعلى الطاولة وقالت في توتر :
-هو دكـ دكتور عُدي
-طيب ردي شوفيه عايز ايه
ابتلعت ل**بها وهي تومئ بالنفي وانتظرت حتى انتهت المكالمة ووضعت الهاتف داخل الحقيبة قائلة :
-بقولك ايه أنا هروح وهبقى اكلمك اوكي
ثم اقتربت منها وقبلتها على وجنتها واتجهت إلى الداخل من ثم تركت الشقة بل العمارة واستقلت سيارتها وغادرت إلى وجهتها.. عند وصولها صفت السيارة أمام ال*قار التي تمكث به تزفر بهدوء ثم ترجلت راكضة إلى الداخل واستقلت المصعد الكهربائي إلى الطابق المنشود.. من ثم خرجت متجه إلى باب الشقة لتفتح إياه ودخلت راكضة إلى الدرج وصعدت إلى الطابق العلوي ودلفت إلى غرفتها..
أخرجت الهاتف وألقت حقيبتها على الفراش وجلست على حافته تنظر إلى شاشة الهاتف في انتظار مكالمته.. لكن طال انتظارها ولم يتصل ف*نهدت بعمق ونظمت أنفاسها ثم اتصلت هي.. أجاب عليها بعد لحظات :
-السلام عليكم
ابتسمت بمجرد أن استمعت إلى نبرة صوته كما اهتز قلبها فحقًا اشتاقت إليه وتصنعت انها كانت نائمة قائلة :
-وعليكم السلام.. معلش كنت نايمة وصحيت لقيت حضرتك رنيت عليا.. خير يا دكتور؟!
قطب جبينه وبيده الأخرى يشخبط على الورق وقال مبتسمًا :
-بقالك يومين غايبة عن الجامعة لعل المانع خير
اتسعت ابتسامتها ونهضت عن الفراش واضعه كفها أعلى ص*رها لتشعر بنبضات قلبها العالية وقالت بشغف :
-خير الحمد لله.. انا بس قولت اخد اجازة يومين
-وناويه تيجي النهاردة ولا لاء؟!
-أكيد جايه لكن للأسف مش هلحق أول محاضرة وكمان هاجي علشان سيكشن حضرتك
قال بترحاب :
-مستعد اشرح لك كل اللي فاتك
-مش عايزة اتعب حضرتك
-تعبك راحة.. أنا في انتظارك
أومأت بالإيجاب عدة مرات وأنهت معه المكالمة.. نظرت إلى الهاتف في دهشة ثم ضمته إليها عنوة وبدأت تستدير حول نفسها والسعادة حولها.. ثم بدأت في وضع ما ستحتاج إليه داخل حقيبة الظهر وارتدت إياها وخرجت
***
" مكتب المحاماة.."
-كده أنت عرفت كل حاجة عن القضية يا عمرو.. لازم تجبلي أسماء البنات اللي كان خاطبهم قبل كده وانا هعملهم استدعى
-تمام يا فندم.. بإذن الله ن**ب القضية
لاحت ابتسامة بشوشة على ثغرة وقال كي يحفزه :
-أنا واثق فيك يا عمرو.. بالتوفيق
دق الباب ودخلت ميار قائلة :
-أستاذ حازم والد شهد في انتظار حضرتك
آذن له بالدخول فاستأذن عمرو وغادر وبعد لحظات دخل والد شهد.. في أواخر الخمسينات ويمتلك ملامح الرجال المصريين الطيبين.. نهض حازم عن مقعده متجهًا إليه ووقف أمامه يصافحه مرحب به :
-اهلًا وسهلًا حضرتك نورتني
-ده نورك يا بني.. خير إن شاء الله
-خير يا راجل يا طيب.. اتفضل اقعد الأول وقولي تشرب ايه
جلس على الاريكة وهو ينظر إليه في توجس قائلًا :
-مش عايز اشرب.. المهم عايزني في ايه؟
جلس على المقعد المجاور إلى الاريكة وبدأ يضبط في معطفه وهو يفكر من أين يبدأ..
علي الجانب الآخر كانت تجلس فاطمة إلى جوار شهد التي تبكي بحرقة خوفًا من رد فعل والدها.. كما أنها تخاف أن يصيبه شيء.. قامت فاطمة بدورها وبدأت تهون عليها قائلة :
-حبيبتي دي حاجة حصلت غصب عنك.. وبإذن الله حازم يقدر يفهمه
أدارت وجهها الشاحب ناحيتها وهمست بنبرة اهلكتها الحزن :
-خايفة يا فاطمة.. حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا شادي
جاء عمرو وقبل أن يدخل دق على الباب فنظروا إليه وهو ينظر إلى شهد قائلًا :
-أستاذة شهد معاد التحقيق بكره الساعة تسعة
نهضت عن المقعد تمسح انفها بمنديل ووقفت أمامه تشكره بصوت هزيل :
-شكرًا أستاذ عمرو
-العفو.. المهم أنا رايح بيت شادي وهعرف بإذن الله من والدته عناوين البنات وأستاذ حازم هيستدعيهم
-هي والدته عرفت باللي حصل؟!
تساءلت بلهفة ليجيب عليها بجدية :
-أه طبعًا عرفت من وقت ما اتقبض عليه
عقب انتهاء كلماته استأذن وغادر فجلست على المقعد تتن*د بحزن قائلة :
-ربنا يصبرها.. بجد صعبانه عليا لأنها طيبة جدًا
ربتت فاطمة على كتفها وتحدثت بحزن :
-الإبن السوء بيجيب لأهله العار.. هو ماعندوش اخوات؟!
-عنده وكلهم محترمين مش عارفه هو قذر ليه كده
أومأت برأسها ثم نهضت متجه إلى المكتب الخاص بها ساحبة مقعدها معها وضعته جوار المكتب.. وهمت أن تغادر ألا انها رأت رهف تضع الكثير من مساحيق التجميل وفي ذات الوقت صدح صوت هاتفها.. أجابت على شاب ما وبدأت تتحدث معه بدلال وأخذت منه ميعاد.. فلم تستطيع فاطمة أن ت**ت وتقدمت نحو مكتبها ووقفت أمامه قائلة بحنق :
-يا رهف اتعظي وحافظي على نفسك
-يا فاطمة من فضلك سبيني في حالي
تحدثت علها تقتنع :
-اللي بتعمليه ده آخرته وحشه صدقيني.. نصيحة يا رهف حافظي على نفسك
ثم تركتها واتجهت إلى الخارج فزفرت الأخيرة بضجر مستنده بوجنتها على قبضة يدها.. خرجت فاطمة متجه إلى غرفة مكتب حازم ووقفت تدق الباب ودخلت بعد أن آذن بالدخول.. نهض والد شهد عن الاريكة وهو يمسح دموعه بمنديل فضعفت أمامه كما أنها تأثرت وتذكرت والدها.. اجتمعت دموعها حول بنيتها بعد أن تألم قلبها من أجله.. نعم تعلم بماذا يشعر الآن.. يشعر بالضعف وقلة الحيلة وجاء يتحرك اهتز بدنه وجلس ثانية على الاريكة.. فلتت شهقة فزع من بين شفتيها فيما مسك حازم بمرفقة وجلس إلى جواره قائلًا :
-اجبلك دكتور؟!
نظر إليه بنظرة تضرع واضحة وتحدث بصوت مبحوح :
-لاء يا بني أنا بخير.. عن اذنك
-طيب استنى أنا هوصل حضرتك لحد البيت
ربت على كفه الممسك بمرفقة وقال بحزن :
-كتر خيرك يا بني.. أنا هاخد بنتي ونتمشى شوية محتاج اتكلم معاها
نهض عن الاريكة متجهًا إلى الباب وخرج مغلقًا إياه خلفه.. تقدمت نحوه وجلست إلى جواره وهي تمسح دموعًا عالقة برموشها.. لاحظ هذا ومسك بكفها متسائلًا :
-بتعيطي ليه يا حبيبى؟!
أدارت وجهها ناحيته وهي تقول بنبرة ضيق :
-صعبان عليا جدًا.. الأب ده هو أمان وحماية البنت.. ولما يحس انه فشل بحماية بنته قلبه بيت**ر
قبلها على جانب رأسها بحنان وضمها إلى ص*ره بعد أن أحاط كتفها بذراعه.. تشبثت به عنوة وتن*دت بهدوء فذلك العناق هو موطنها وحمايتها.. وبعد لحظات تحدث بجدية :
-المهم بقى يا روحي مفيش داعي لوجودك هنا وتركزي في دراستك أفضل
رفعت رأسها عن ص*ره تطلع إليه في شك مما تعجب من نظراتها وتحدثت بجدية :
-لاء يا روحي أنا موجودة هنا حتى وقت الدراسة
رفع حاجبيه قليلًا وتساءل في تعجب :
-ايه نظرة الشك دي
-أصل أنا بشوف بنات وستات هنا كتير داخلين خارجين فلازم اراقب
ضحك ضحكة خفيفة ثم مسك بذقنها وقال بجدية بعد أن اختطف قبلة رقيقة من شفتيها :
-أنتِ في عيوني كل نساء العالم.. أنتِ جنتي
-أنت بتثبتني وللأسف نجحت
ثم احتضنته عنوة فأحاط خصرها بكلتا ذراعيه وهمس بنبرة ثابته بالقرب من آذنها :
-بحبك
تن*دت بحب وهي تقول بشغف :
-أنا كمان بحبك.. بحبك أوي
***يتبع