سنة كاملة قبل طردها و نبذها من عائلتها عاشتها مع زوجة أبيها و ابنها ياغيز..سنة..كانت كفيلة بجعلهما يتعلقان ببعضهما و يعيشان قصة حب كبيرة..انتهت في ليلة قاسية..و باردة..ليلة..كلفت هزان غاليا..هزت هزان برأسها بقوة لكي تطرد تلك الذكريات التي أخذت تندفع تباعا داخل رأسها..لا تريد أن تتذكر..ضغطت بأظافرها داخل كفها حتى كادت تدميه..نظر إليها إيلكار و سأل" هزان هانم.. هل أنت بخير؟" انتبهت لنفسها و أجابت" ..أنا بخير" ..اضطربت أنفاسها و تسارعت دقات قلبها و هي ترى مدخل أملاك عائلة شامكران..تجاوزت السيارة البوابة الأمامية و توقفت أمام القصر..قصر فخم بهندسة معمارية ملكية..تمتد أمامه مساحة خضراء و بجانبه مسبح كبير..فتح إيلكار الباب لهزان و انتظر خروجها من السيارة..ارتعش جسدها بقوة و هي تسمع صوت والدها يصيح بها" اذهبي من هنا..اخرجي من منزلي و من حياتي..أنت لست ابنتي بعد اليوم..ابنتي هزان ماتت و لم تعد موجودة..اغربي عن وجهي..لا أريد رؤيتك مرة أخرى..هل فهمت؟" ..كانت تلك آخر كلمات سمعتها منه..منذ خمس سنوات مضت..خرجت من السيارة و بقيت واقفة في مكانها..لمحت باب القصر يفتح على مهل و تطل منه أختها نازان( ميليسا باموك) و سيفنش..و من خلفهما..أطل ياغيز و سرعان ما تعلقت عيونه البلورية بوجه هزان..أسرعت نازان نحو أختها و ارتمت بين أحضانها باكية و هي تقول" آه أختي آه..ليتنا لم نلتقي في هذه الظروف..لقد رحل أبي..لقد ذهب و لن يعود مرة أخرى..لقد اشتقت إليكي كثيرا أختي" ربتت هزان على ظهر أختها و قالت" و أنا أيضا أختي الحبيبة..ليرحمه الله" تقدمت منها سيفنش و قالت" أهلا هزان..تعازي الحارة" صافحتها هزان ببرود و هزت رأسها دون أن تقول شيئا..نظرت نازان إلى ياغيز الواقف بعيدا و قالت" ياغيز..عزيزي..ألن تسلم على هزان و تعزيها..اقترب حياتي" تقدم ياغيز بخطوات ثقيلة ..تعلقت عيونهما ببعض..كانت هزان تعلم أنه تزوج من أختها منذ سنتين..قرأت الخبر في الجرائد..هو الآن زوج أختها..و حبيبها السابق..وضعت يدها في يده الممدودة و صافحته..قال بصوت جهوري" مرحبا هزان..ليسلم رأسك" أجابت " شكرا لك..ليسلم الأصدقاء" و سارعت إلى سحب يدها منه...نظرت سيفنش إلى هزان و قالت" لا بد أن الطريق كان طويلا و متعبا..لقد جهزنا لك غرفة الضيوف لكي ترتاحي بها" كان وقع كلمة غرفة الضيوف على هزان كوقع الصاعقة..إلى ماذا آلت حالتها؟ إلى أن تصبح ضيفة في منزل أبيها..طأطأت رأسها و لم تقل شيئا..تداركت نازان الموقف و قالت" غرفتك جاهزة هزان..لقد بقيت على حالها منذ .." صمتت نازان فربتت هزان على كتفها و تبعتها إلى الداخل..جالت هزان ببصرها داخل أرجاء القصر..كل زاوية تحتوي ذكرى..هنا لعبت..هنا ضحكت..هنا بكت..هنا شاغبت..هنا عانقت أمها و أباها..هنا غنت و رقصت مع أختها..هناك تبادلت القبلات مع ياغيز..و هناك..كانت النهاية..مرت من أمام غرفة صغيرة مغلقة..تلك الغرفة التي تحتوي على ذكريات أسوأ يوم مر عليها..مازالت تسمع صوت بكاء ذلك الطفل الرضيع..ذلك الصغير الجميل الذي رحل مبكرا..وضعت هزان يديها على أذنيها..لا تريد أن تسمع صوت بكاءه..و لا صوت أبيها و هو يتهمها بقتله..كان ذلك الصغير هو أخاها أوزان..ذلك الرضيع ذي الثلاثة أشهر الذي أنجبته سيفنش من والدها ..و كانت تطمع أن يكون هو رجل العائلة و حامل اسم شامكران بعد وفاة أمين..لكن ذلك لم يحدث..سارعت هزان إلى فتح باب غرفتها و الدخول..علها تجد الراحة هنا..لكنها لم تحصل على الراحة المبتغاة..هنا..صفعها والدها بقوة للمرة الأولى في حياتها..هنا أهانها و طردها..هنا تبرأ منها و نبذها..هنا..كان آخر لقاء لهما..وضعت هزان رأسها بين يديها و انفجرت باكية..لم تنجح هزان في ابعاد تلك الذكرى السيئة من عقلها..يومها..كانت قد تكلمت مع والدها عن طريقة جديدة للإنتاج و عن غلاف مبتكر لزجاجات النبيذ المصنع في مصانع شامكران ..أعجب والدها بذلك و قرر اعتماد فكرتها..و بالمرة فاتحها في موضوع تغيير الوصية..تناقشا يومها بطريقة حادة قليلا..عندما أخبرها أبوها بأنه يفكر في تغيير اسم الماركة إلى أوزان للنبيذ..رفضت هزان ذلك بصورة قطعية..و اتهمها هو بالغيرة من أخيها الصغير..فخرجت هزان من غرفة المكتب و هي غاضبة..دخلت إلى غرفتها و استلقت على سريرها..سمعت صوت بكاء أخيها الصغير ثم صمته المفاجئ..ذهبت إلى غرفته..فتحت الباب و دخلت..وجدت وجهه محتنقا و يميل إلى اللون الأزرق..أسرعت إليه و أخذت تفحصه..قطعة قماش كانت داخل فمه..تمنعه من التنفس و تكاد تقتله..حاولت اخراجها..و في نفس اللحظة..فتح الباب و دخل والدها متبوعا بسيفنش..صاحت سيفنش بصوت عالي" أرأيت..لقد أخبرتك أنها ستحاول التخلص منه..انها تحاول قتله..ابني الصغير..ابتعدي عنه يا قاتلة" حاولت هزان الدفاع عنه لكن والدها جذبها من يدها و أخرجها..و مع الأسف..كان قد تأخر الوقت من أجل انقاذ أخيهاالصغير..و مات المسكين..فجن جنون والدها و قام بضربها و طردها..لم يسمح لها بالدفاع عن نفسها..و لا بتبرير ما حدث..اكتفى بتصديق ما رآه..و عاقبها بأقسى عقاب ..خمس سنوات قضتها منفية و منبوذة..لم يتصل بها و لو لمرة واحدة..لم يأتي للبحث عنها أو لرؤيتها..لم يمنحها أية وسيلة مساعدة..تركها لمواجهة مصيرها لوحدها..