كانت أيام تمتلك فيها راحة البال ، وكل شيء كانت ترى جميل حتى النجوم المتناثرة في السماء فوقها ، حيث كانت تمدد على الأرض الخضراء وبيدها تصل النجوم ببعضها البعض ، وكل همها أن تعلم ما عدد النجوم ، ولكن الأن الهم أكبر بكثير ، فتحت عيناها على صوت رنة هاتفها لترفع ظهرها عن الفراش ، ثم تناولت الحقيبة لتأخذ وتجيب على المتصل :
-مرحبا بيير .. كيف حالك ؟!
تحدث بحده :
-ستتزوجين كما قالت جوليا ؟!
زفرت بسأم وهي تومئ برأسها ثم قالت بصوت مبحوح :
-نعم سأتزوج ..
ثم هبطت الدموع على الدموع التي قد جفت وتابعت ساخرة :
-من أجل الحفاظ على المال وأسم العائلة
ثم تركت العنان للكثير من الدموع ، فتأثر بيير على حالها وفي نفس الوقت شعر بالسعادة لأنه علم انها مجبره على الزواج ، فهو يحبها كثيرا ولم يخبرها حتى الأن ، ثم قال بتأفف :
-أرفضي ذاك الزواج اللعين يا جين .. أو أهربِ من المنزل
-لقد هربت يا بيير ولكن لا مفر من الزواج .. استسلمت لأمر والدي
وبخها بيير على سلبيتها فيما وضعت جين يدها على جبينها عندما شعرت بألم داخل رأسها ، ثم قالت بوهن :
-اتركني الأن يا بيير .. فأنا أشعر بالإرهاق
اغمض عيناه متألما بدلا منها ثم انهى معها المكالمة ، فألقت بالهاتف على الفراش ثم نهضت متجه نحو المرحاض ، ودخلت لتضع جسدها أسفل الماء البارد ، ومسحت على وجهها كثيرا ، وبعد ساعة تقريبا أغلقت المياه وارتدت الروب الخاص بالاستحمام ، ثم وقفت تطلع إلى انعكاسها في المرآة بحزن واضح ، وأخذت تفكر في جوزيف ، لماذا ترفض الأن وهي تحبه وتعلقت به ؟! ، عقدت حاجبيها قليلا ثم قالت بصوت منخفض :
-نعم أحببته
***
هبط الدرج واتجه نحو غرفة سفرة الطعام و وقف أمام الباب ، ليجد أديل تضع الطعام أعلى المائدة بشكل منظم ، فتذكر ما أخبرته به اليوم ، فيما لفت نظرها وأخذت تضع الطعام بتوتر وترمقه بنظرات سريعة مما انتبه جان لنظراتها ، ثم تقدم نحوها و وقف مستند بذراعيه إلى إحدى المقاعد قائلا بابتسامة خفيفة :
-أعشق تلك العيون التي تطلع إلي بحب .. أحبك أديل .. وسأتزوج
وضعت أخر طبق على الصينية الكبيرة ثم نظرت إليه متسائلة :
-وماذا عن عائلتك ؟! .. ستوافق ؟!
ليرتفع حاجبيه بمرح ويتحدث بثقة بالغة :
-أنتِ عائلتي يا أديل
حدقت به في دهشة من ردة الجاهز دائما على حديثها ، ويشعرها بالحيرة دائما ، هل تصدق حديثه وتطمئن ؟! أو لا تصدق وتعيش حياتها كما هي بعيدا عن المشاكل ؟! ، حقا احتارت كثيرا ولم تجد الإجابة المناسبة ، فقط حملت الصينية واتجهت نحو الباب ليمسك جان بذراعها وتوقفت عن السير ، وهمس في أذنها :
-اليوم الساعة الثانية عشر سأنتظرك في سيارتي لأخذك إلى مكان ما
ادارت رأسها اتجاهه لتجد انفها ملتصقة بأنفه وشعرت بأنفاسه الساخنة على انفها وفوق شفتيها ، ثم قالت باضطراب :
-لا تنتظري .. فأنا لن أتي معك
لاحت ابتسامة جانبيه على شفتيه وهمس بالقرب من شفتيها :
-من حقك أن تتدللي علي يا فتاتي
أطرقت رأسها فأخبرها مجددا انه سيكون في انتظارها ، ثم ترك ذراعها لتذهب ، وظل جان واقفا شاردا في عيناها وكأنها لا زالت واقفة أمامه ثم رفع رأسه متأوه ، وفي نفس اللحظة استمع إلى بوق سيارة والده ليخرج على الفور ، و وقف أمام الباب منتظر السيارة حتى دخلت من البوابة و وقفت أمامه ، ليخرج جوزيف منها متجه نحو ش*يقة ليضمه إليه مشتاقا له ، ومشتاق لذاك العناق الذي يشعر بال
***ة داخله وتشفى جروحه ، بادله جان بالعناق مربتا على ظهره بخفة ، فيما سار والدهم من جوارهم وهو يتطلع إليهم بحده وجان يتابعه بعينيه حتى دخل القصر ..
ثم ابتعد جوزيف عن ش*يقة ليرى اللاصقة التي بجوار عيناه ، فرفع يده ليضعها عليها متسائلا بقلق :
-ماذا حدث لك ؟!
-سأقول لك فيما بعد
ثم دخلوا القصر ليجد جوزيف الجميع في انتظاره ، وسلم عليهم ثم دخلوا إلى الغرفة عدا جوزيف الذي دخل المرحاض يغسل يداه و وجهه بالماء ، ثم نظر إلى انعكاسه في المرآة ، وتذكر حديث جين عن زواج القاصرات وكأنه يستمع إلى نبرة صوتها ، نبرة صوتها عندما تذكرها شعر بالاشتياق لها ، ولكن كيف سيتزوج من فتاة صغيرة ؟! ، واذا معترض عليها لماذا وقع في حبها ؟! ، وجد نفسه يزفر بسأم ثم جفف وجهه وخرج لتقا**ه أديل ، فوقف ليصافحها وتساءل عن حالها بود لتبتسم له وتخبره ان كل شيء على ما يرام ، فأعطى لها ابتسامة ثم تركها ودلف إلى غرفة الطعام وجلس بجوار ش*يقة ، تاركا أديل تسأل نفسها في حيرة ، هل سيبتسم لها عندما يعلم أن جان يود الزواج منها ؟! ، أجابت على ذاك السؤال وهو أن العائلة بأكملها سيكرهونها وسيطردها دانييل بك خارج القصر ..
تطلع توماس إلى جان و جوزيف بحده وهو يتناول طعامه ، فيما كانت أوجين شاردة حزينة بفضل سماع اعتراف جان بحبه إلى فتاة المزرعة اليوم ، لم تتخيل يوما أن جان يحب فتاة غيرها ، **ر توماس حاجز ال**ت الذي بينهم بقولة السخيف :
-اعلم انك لا تود الزواج من الفتاة يا جوزيف
لينظرن إليه باهتمام عدا جوزيف الذي يلوك الطعام داخل فمه ثم ابتلعه ، لينظر إلى توماس بجمود قائلا :
-هذا الشيء يخصني أنا فقط توماس .. و وقاحة منك أن تقول كلام مثل هذا
ابتسم بخفة ثم قال بثقة :
-لقد اتفقت مع والدي وعمي على الزواج من تلك الفتاة إذا لن تتزوجها
غضب عمه دانييل منه كثيرا فيما وبخه والده بحده على حديثه السخيف مما غضبت لويز من زوجها كثيرا ، لأنها هي من اتفقت مع توماس أن يخبرهم بذاك الحديث ، فيما شعر جوزيف بالغيرة التي فجأت قلبه وعقلة ، عندما هتف توماس بتلك الكلمات اخترقت أذنيه كالسيف الحاد وقلبه نبض بشدة ، ثم أخذ القرار المناسب وهو أنه تركهم وخرج لأنه اذا ظل حتما سيؤذيه ، ونهض جان ليمضي خلف ش*يقة ، مما نظر دانييل إلى ابن ش*يقة بحده قائلا بصوت عنيف :
-لا تدخل بيني وبين أولادي يا توماس
ثم تركهم وذهب وبعد لحظات تركتهم أوجين التي شعرت بالسأم منهم ، وعندما خرج والده تحدثت لويز مع ابنها بالهمس ، وشجعته على ما هتف به للتو ..
-الحياة لا تعطينا كل ما نريد .. أنا أومن بهذه المقولة
هتف جان بتلك الكلمات حتى يهدأ ش*يقة قليلا ولكن بلا جدوى ، فالغضب واضح على كل خلجة من خلجات وجه ، بفضل حديث توماس الب*ع ، حقا شخص لا يطاق ، اشعل جوزيف سيجارة أخرى وأخذ يسحب الدخان بعصبية بالغة ، وهو ينظر إلى الخارج بواسطة النافذة ، ثم قال :
-كانت ماكثة معي .. في منزلي وأنا مثل الأ**ق
-لا تظلم الفتاة .. من المحتمل انها لم تعلم مثلك
-ومن المحتمل انها تعلم
ثم سحب الدخان ليزفره في الهواء ثم التفت إلى ش*يقة الجالس على الفراش وقال بحده :
-والدي وضعني في موقف لا يمكن الفرار منه .. وأنا وافقت على الزواج
تناول المال من يد أبراهام لينظر إليه ثم وضعه فوق المنضدة وشبك يديه في بعضها البعض قائلا بحنق :
-قلت لك تعود بـ أديل وليس بالمال
ليرد أبراهام عليه :
-لا تسطيع المجيء الأن .. وأخبرتني أن حديث كيفن غير صحيح .. لا تقلق عليها يا عمي
نهض واقفا وهو يخبرهم بقرار حاسم وهو أنه سيذهب إليها ويطمئن عليها بنفسه ، ثم خرج من المنزل لتتحدث زوجته مع أبراهام عن حال ابنتها وطمئن قلبها عليها ، فيما استقل ديفيد سيارة أجرة متجه نحو قصر أورليان ، وطوال الطريق السائق كان ينظر إليه في المرآة الأمامية مما لفت انتباه ديفيد ، الذي سأله لماذا ينظر إليه هكذا ؟! ، ليجيب السائق :
-هل أنت فرد من عائلة أورليان ؟!
ليبتسم ساخرا على حديثه وينظر إلى ثيابه البسيطة قائلا :
-اذا كنت فرد من العائلة لكنت في أحسن حال
ليبتسم السائق وينتبه إلى الطريق ، وعقب وصوله اعطى له المال ثم ترجل من السيارة ، رأى سور كبير ضخم طويل ، ثم وقف أمام البوابة وأخبر الأمن من يكون ، ليفتح له البوابة وذهب خلف الأمن وهو يتطلع حوله ، المكان حقا رائع حيث ممتلئ بالأشجار الخضراء والأشجار الوردية والزهور الجميلة ، فيما طلب الأمن منه أن يبقى في مكانه ثم دخل ، وبعد لحظات خرج ومعه أديل التي سعدت كثيرا برؤية والدها ، وتعانقا باشتياق واضح ، ثم ابتعدت عنه وبعد تبادل السلام بينهم ، تسأل :
-لماذا لم تأتي مع أبراهام يا ابنتي ؟!
-أسفه يا أبي .. لم أخذ اجازتي بعد ..
***يتبع