الفصل الأول

2045 Words
- " سأختصر لك الأمر فارس اخي ، يوم رحلنا جميعا ، يوم تخرجك يعنى ، كنا نؤيد سولاف في قرارها ، الذى كانت قد ناقشته معنا سرا ، بمجرد أن ص*ر حكم المحكمة بإسترجاع جزء من الميراث ، حينها كانت سولاف قد قررت أن ترحل عنك ، وتوهمك بأنها غير عائدة حتى تخضع لإجراء جراحة فى عينيها ، نسبة نجاحها لا تتجاوز العشرون بالمئة ، ولكنها فكرت بأنها ان نجحت ستعود لك ، وحتما ستسامحها وتبدآن من جديد ، وإن لم تنجح فإنها ستختفى من حياتك إلى الأبد ، "بدأت دموعى بالتساقط وأنا أهمس : - " وبعد ؟ هل فشلت الجراحة ؟ هل تأذت صغيرتى ؟ " - " لا فارس اخي ، الجراحة لم تتم بسبب وضع سولاف الصحى ، " - " ما به وضعها الصحى ؟ " - " جسدها لا يحتمل التخدير ، لأن سولاف ، لأن سولاف ، " صرخت بعنف : - " لأن سولاف مااااااذاااااا ؟ " - " لأنها حامل ، سولاف حامل فى الأسبوع التاسع من الحمل الآن ، " لحظتها لم أعد واثق فى حدة سمعى ، ولا فى سلامة قواى ال*قلية ، كنت أذرف الدموع ، وأتخيل شكل صغيرتى ببطن منتفخ ، وبرضيع في حضنها ، وبطفل ينادينى أبى ، كنت أبكى وأضحك في وقت واحد ، - " صغيرتى ، صغيرتى أنا حامل ؟ " - " وهذا ما جاء بى إلى هنا ، عندما عرفت سولاف بحملها كانت الدنيا لا تسعها سعادة ، رغم صعوبة وضعها ، كانت تبكى وتردد بأن قطعة من فارس فى تنمو داخلى ، وأنه هدية الله لها ليؤنس وحدتها ، ويخفف من شوقها إليك ، ولكن والدتها كان لها رأى آخر ، " - " ماذا ؟ ماذا فعلت بها ؟ هل أساءت لسولاف أو الطفل " - " لا لم تفعل ، فقط طلبت منها أن تختار بين إنزال الطفل لأنها لن تنجح في تربيته وحيدة ، أو أن تحتفظ به ولكنها تقبل بعرض الجد مجددا ، فبذلك تضمن والد لطفلها ، وفى الوقت ذاته عودة بقية ميراث والدها ، " لحظتها شعرت بغثيان ، ورغبة في الطيران إلى حيث تكون والدتها ، حتى أفصل رأسها عن جسدها ، ولكنى فقط نطقت بجملة واحدة : - " وماذا قررت سولاف ؟ " - " رفضت أن يلمسها أحد ، رفضت أن تنزل طفلك ، وهددت بالانتحار إن عرضوا عليها أمر جسور مجددا ، ولكن والدتها لا تتركها بسلام فارس ، إنها تعايرها وتعذبها بكلامها الجارح ، وأن زواجها منك لم يجلب عليهم إلا المصائب ، " - " والآن ، ماهو الوضع الآن ؟ " - " لا أخفيك سرا ، إن وضع سولاف سىء جدا ، لقد توقفت المسكينة عن تناول الطعام ، لدرجة تدهورت معها صحتها ولأنى وسليم بدأنا نقلق على صحتها وصحة الجنين ، فقد قمنا بالأمس بإدخالها إلى مصح ، دون إستئذان الخالة نريمان ، إنها هناك الآن ، فى مشفى صغير بإحدى قرى أدانا حيث قررنا الرحيل ، " - " وهل قررت سولاف الاحتفاظ بالطفل من أجلى ؟ " - " بل من أجل أن تمنحه لك بعد ولادتها ، تقول بأنها ستمنحه لك ولكن ، " - " ماذا لارا ، تكلمى فيما تشكين ؟ " - " يدور برأسى أمر مخيف ، هو ما جعلنى أقرر أن آتى إليك رغم عدم علم سليم بحضورى ، إدعيت بأنى آتية لزيارة عائلتى ، " - " ماذا يدور في رأسك ؟ " - " أظن بأن سولاف تنوى إجراء العملية بعد الولادة ، فإن نجحت وعاد بصرها ، عادت إليك بطفلها وإن لم تنجح ستهبك الطفل ، وإما ستختفى أو أنها تنوى أن تنهى حياتها فارس ، " حينها قبضت على ذراعيها بقوة صارخ بها : - " أتوسل إليك ، أستحلفك بأغلى ما لد*ك ، أن تأخذينى إليها الآن ، " - " ولهذا أنا هنا فارس آبى ، هيا بنا ، ولكن لا تفزع عندما تراها ، لأنها قد أصبحت نصف سولاف في غيابك ، " - "انتظرينى هنا ، خمس دقائق وننطلق ، " ثم غادرت حجرة الجلوس ، لأعود إليها مسرعا وأعانقها وأشكرها بعيون دامعة ، وقلب يخفق فى جنون شوقا إلى صغيرته ، وأخيرا وصلنا بعد طول سفر ، وأخير حانت اللحظة التي انتظرتها لسبعين يوم ، وثمان ساعات ، وعشرين دقيقة ، ولولا الخجل لكتبت حتى عدد الثوانى ، ولكن ما أن دخلت تلك الغرفة الباردة ، فى ذلك المشفى البائس ، الردىء الإمكانيات ، وما أن وقع بصرى على ذلك الجسد الصغير ، النائم بسلام بذلك الفراش البالى ، ذلك الجسد الهزيل الذى لا أستبدله بكنوز الكون جميعها ، حتى وجدتنى قد نسيت الزمان والمكان ، وتغاضيت عن كل كلمات العتاب والملام التى جهزتها لسليم ، الذى خذلنى وخان ثقتى بمساندته لأخته ، في قرارها الظالم ، لأنى ما أن دخلت ووجدته جالس على كرسى قرب فراش صغيرتي ، يراقبها بحب وقلق وحزن حتى غفرت له فورا ، وشعرت بأنه كان يحرسها من أجلى ، ويرعاها لى حتى أعود واستلم مهمتى من جديد ، تجاهلت نظراته المصدومة لدخولى المفاجىء ، وانتقلت بنظرى إلى ملاكى النائم بسكينة ، بملامحها البريئة الحزينة ، وهى تلف بذراعيها أسفل بطنها ، وكأنها تعانق روحى الساكنة بداخلها ، وكأنها تخاف أن ي**قوها منها أثناء نومها ، فتفقد بذلك آخر خيط يربط بين روحينا ، كانت حبيبتى تضم بذراعيها أمانتى ، التى خبأتها في أحشاءها في لحظات عشق خالدة ، محفورة بداخلى كما هى محفورة بداخلها وإلى الأبد ، أشرت لسليم بأن ي**ت ، واقتربت من فراشها ، أتأملها بعيون قد بللتها الدموع ، وبمجرد أن مسحت على شعرها بأناملى ، حتى استفاقت فورا لدرجة أفزعتنى وأربكت داخلى ، وجدتها تحاول الجلوس وهى تسحب الغطاء فوق جسدها ، بتشوش واضح ، بدأت تتنفس بصعوبة وهمست بصوت لا يكاد يسمع : - " سليم ؟ ، سليم أين أنت ، ؟ " يا إلهى حبيبتي كم اشتقت إلى هذا الصوت ، وهذه البحة المغرية التى تجرى شحنات من الكهرباء في جسدى الآن ، أشرت له بأن يجيبها فقال : - " أنا هنا يا أختى ، لا تخافى ، " إضطربت أكثر وسألت بريبة : - " وهل ، هل نحن وحدنا في الغرفة ؟ " ف**ت سليم ، فقالت هى بصوت موجوع : - " سليم ، هل حقا تراه يعصف الشوق بالإنسان إلى هذا الحد يا أخى ؟ " - " ماذا تعنين سولاف ؟ " - " إلى حد أن تحس بلمساته ، وتشم عطره ، وتستشعر أنفاسه معك في الغرفة ، سليم ، جسدى تخدر وكأنى أحس بفارس ، أحس بقربه ، لربما لأنى كنت أراه فى حلمى ، أو هل تراه يبحث عنى الآن ، وقلبى أحس بذلك ، أو آه ، لربما كان يبحث عن غيرى الآن ليبدأ من جديد ، من يدرى ، " أراد سليم الرد عليها بشىء ما ، ولكنى طلبت منه بإشارة من رأسى أن ي**ت ، وعندها قالت صغيرتى وهى تمد يدها في الهواء : - " سليم ساعدنى لأنزل عن السرير ، أرغب في السير في الرواق قليلا ، أحس بنفسى يضيق في هذه الحجرة ، " وعندها أشرت لسليم لأن يتركنا وحدنا ، ثم قمت بالإقتراب منها و بإمساك يدها المرفوعة فى الهواء ، شابكا أناملها الرقيقة بأصابعى المشتاقة بجنون ، لملمس جلدها ، وعندها بدأت حبيبتى ترتجف رغما عنها ، أرادت قول شىء ولكن سماعها لوقع خطوات سليم المبتعدة ، وصوت إغلاق الباب خلفه ، قد بدآ في تأكيد شكوكها ، وعندها همست مصدومة وهى تتلمس خاتم زواجنا بإصبعى : - " سليم هذا ، هذا ، ليس ، أنت ، " وعندها أطلقت لأنفاسى العنان ، لأبوح لها بصوت تخنقه الدموع : - " لست هو أجل ، لست سليم ، بل أنا فارس ، فارس الذى ، لا يمكنه مناداة غيرك ب " صغيرتى " ، ولا يرغب بمعانقة سواك يوما تحت المطر ، " - " أنت ، هنا ، فارس ، أنت ، هنا ، " - " أجل سولاف ، فارس الذى أحرقتى قلبه برحيلك هنا ، " سحبت يدها بعنف من يدى ، وهى تحاول إغلاق أذنيها صائحة باكية : - " لا تخدعنى أرجوك ، أهو خيالى ؟ لاتعيدنى إلى نقطة الصفر مجددا ، بعد أن بدأت أعتاد وحدتى ، فارس ؟ أنت هنا حقا ؟ " - " أنا هنا يا صغيرة فارس التى مات فارس وإنتهى فى غيابها ، أنا هنا لأنى لم أعتد يوما على وحدتى ، ولم أتقبل غيابك ساعة واحدة ، أعيدى لى يدك صغيرتى لكى تعود روحى إلى جسدى ، سولاف أنا أموت شوقا رغم ما فعلته بى ، " مدت يديها لتضعها على وجهى ، تحسست ذقنى الذى طال ودموعى التى إنسابت أنهارا ، وهمست بندم وهى تتلمس ذراعي : - " هل آذيتك بغيابى كثيرا فارس ؟ هل إفتقدنتى إلى هذه الدرجة ؟ تبدو متعبا ، مرهقا ، وقد فقدت من وزنك الكثير ، هل آلمتك سولاف يا روحها ؟ " - " أجل ، لقد آلمتنى كثيرا ، وخذلتنى ، ولست أدرى إن كنت سأسامحها بسهولة على ت***بها لى ، ولكنى لا أعرف الآن سوى شىء واحد ، بأن لا حياة لى فى بعدها ، حتى وإن كنت مجروحا وغاضبا منها لأبعد حد ، " ألصقت أنفها بعنقى تستنشقه بقوة ، وكأنها لا تصدق عودتى بعد وقالت باكية : - " دعوت الله كل يوم ألا يضعفك الشوق ، وتأتى لتبحث عنى ، ولكني كنت كلما نمت حلمت بعطرك ، ووقع أقدامك وهمس صوتك وحرارة أنفاسك ، إنه الإدمان فارس ، إنه إدمانى عليك ، لقد تعذبت فى غيابك أضعاف عذابك فارس ، فأغفر لى ما فعلت ، ولكن ، مهلا ، كيف عرفت بمكانى وكيف وجدتنى ؟ " - " زارتنى ملاك رحمة ، رأفت بحالى بينما أنت وسليم لم تفعلا ، " - " أتقصد لارا ؟ " - " أجل ، هى من جاء بى إلى هنا ، و لقد حكت لى الكثير ، و كذلك عن ، " عندها وضعت يدها لا إراديا على بطنها ، فسمعتنى أقول لها بتأثر : - " أجل صغيرتى ، لقد أخبرتنى بأنك تخبئين لى كنزا في أحشاءك ، جميلة تشبهك ولا شك ، " ولحظتها إنفجرت سولاف في بكاء حار ، وهى تعانقنى بقوة حتى كادت تخنقنى وهتفت : - " سامحنى حبيبى ، سامحنى فأنا أردتك أن تعلم قبل الجميع ، أردت الركض إليك ومعانقتك ، وإخبارك بأن حلمك قد تحقق ، وبأنك ستصبح أبا من صغيرتك ، التى أثبت لها حبك مرارا ، ولكنها ، " - " ولكنها استسلمت لسلبيتها وضعفها ، أوهمتنى طوال الوقت بأنها قوية ، فإذا بها جبنت ، في أول مفترق طرق تضعنا فيه الحياة ، " - " لا تقسو علي ، لست كذلك ، أنا فقط أردت لك الكمال لأنك تستحق الأفضل ، " - " ومن أخبرك بأنى لم أكن أشعر بالكمال في قربك ؟ وكيف تقررين عنى ما هو الأفضل لى ؟ لماذا كنت أنانية بسلبية في رحيلك ، ولم تتعلمى الأنانية الإيجابية عوضا عن ذلك ؟ الأنانية الإيجابية فى بقاءك قربى ، وكفاحك لتثبتى للعالم بأن العجز هو عجز النفوس ، وضعفها وليس في عجز الحواس ؟ " أطرقت عندها برأسها وقالت بألم : - " ربما لأنى أعانى من عجز النفوس كذلك فارس ، " - " لماذا تفكرين هكذا ؟ " - " لأنى لم أكبر كطفلة سليمة المشاعر ، أنا طفلة نشأت وسط أهل وأقارب أكدوا لها في كل يوم ، بأنها مختلفة عنهم ، سواء بإبداء الشفقة أو النبذ ، ومهما حاولت الإندماج بهم كانوا يصرون على صدها وفصلها عنهم ، ورغم أنى لم استسلم لمشاعر الرثاء على النفس ، والشعور بالإضطهاد إلا أن والدتى ساهمت في تغذية تلك المشاعر السلبية بداخلى ، وبشدة ، هل تصدقنى إن أخبرتك بأنها لم تعانقنى يوما ، منذ أن فقدت البصر ، نسيت حتى رائحة حضنها فارس ، وهل تعلم بأنك الأول الذى سميتنى ب " صغيرتى " ؟ لقد كانت والدتى غاضبة ساخطة ، بأن القدر قد فرض عليها طفلة ضريرة ، فوق كل ما عندها من هموم ، لم تقلها يوما فى وجهى ولكن تصرفاتها معى هى التى كانت تقولى لى ، أنت ما كان ينقصنا ، إهتمت ربما بنظافتى وجوعى و عطشى ومدرستى ، ولكنها أهملتنى عاطفيا بشكل رهيب قاسى جدا " عانقتها بقوة ماسحا على ظهرها وأنا أقول لها : - " سامحينى سولاف ، سامحينى صغيرتى لأنى لم أسمعك سابقا ، ولم أسألك الحديث عن همومك ومخاوفك وماضيك ، لقد كنت أراك قوية صامدة ، فخلت أنك لا تعانين هموما دفينة ، لقد كنت أنانيا معك ، " - " بل أنا من لم تكن راغبة في الحديث فلا تلم نفسك ، أردت أن تكون كل ذكرياتى معك جميلة ، متكاملة ومثالية دون تجريد نفسى أمامك وإظهار ضعفى ، " - " ولكنك وعدتنى سابقا ، بأن أكون الوحيد الذى يطلع على داخلك والذى ستطلبين دعمه ومساندته ، "
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD