الفصل الاول (بين الشرق والغرب)

1804 Words
بين الشرق والغرب شاب مصري أكمل الثلاثين من عمره منذ أيام قليلة، يعيش بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة بعد أن هاجر إليها من مصر،أنهى دراسته الجامعية بكلية العلوم، ليكمل دراساته العليا هناك وبعد أن حصل على الماجستير والدكتوراه واتته الفرصة في الحصول على عمل بجامعة كاليفورنيا فقرر الإستقرار بها والعيش هناك، خاصة بعد حصوله على الجنسية الأمريكية وهنا اصبح له مركز مرموق وشقة خاصة به والحياة متكاملة والأفضل لأي شاب، إلا أنه ذات يوم فوجىء أسامة بإحدى الجامعات المصرية ترسل له طلب أن يأتي ليدّرس بها، ومع أن أسامة لم يكن ينوي العودة إلى مصر وأن القرار البديهي والمنطقي هو الرفض إلا أن هذا الطلب أيقظ شىء بداخله جعله يفكر قليلاً قبل الرد. جلس أسامة أمام شرفة شقته التي تقع بالأدوار العليا بأحد البنايات القريبة من الجامعة وهو ممسك بكوب القهوة الساخن ويده الأخرى بجيب معطفه الثقيل يحاول أن يشعر بالدفىء، ثم راح ينظر إلى السماء وقد تخللتها الغيوم في وقت قد بدأ الجو البارد الذي يعلن قرب أعياد الكريسماس هناك يزحف إلى المكان ويشعر به جسده، وهو يتذكر مصر وطقسها في مثل هذا الوقت من السنة فعلى الرغم من أن معظم الناس في هذا الوقت بمصر كانوا يتهيأون للشتاء ويرتدون كل مايقع عليه أيديهم للهروب من البرد، إلا أن جو مصر بالمقارنة مع جو البلاد هنا يعتبر في غاية الدافئ، وحتى وان تقاربت درجات الحرارة أحياناً، فبمصر دفىء أخر لايشعر به ولا يفتقده سوى من ابتعد عنه فهو دفىء يتعدى درجة حرارة الطقس، دفىء يجعله يشتاق إلى البرد كي يشعر به، ثم إبتسم وهو يتذكر جده وقصصه عندما كان يأخذه معه إلى الحقول ووالده ووالدته وما إعتاد فعله معهم في مثل هذا الوقت، وعمه وزوجة عمه وابنتهما الصغيرة التي كان اللعب معها من أمتع لحظات حياته مع أنها تصغره بأكثر من عشر سنوات فعلى الرغم من أن والده وعمه فارق السن بينهم عام واحد وأنهما قد تزوجا في نفس اليوم إلا أن عمه لم ينجب سريعا ولكن ظل الأمر لأكثر من عشر سنوات حتى تمكن من إنجاب إبنته الصغيرة والتي كما يقال ولدت على يده ومنذ ذاك الحين وهو يعتني بها وتعتني هي به حتى أنه عندما كان بالعشرين من عمره وهو بالجامعة وهي لاتزال بالصف الخامس الإبتدائي كانت تحاول أن تقرأ بكتبه وتقوم بتسميع النظريات له وإن كانت لا تفهم كلمة مما تقرأه وضحكتها البريئة التي تجعله يبتسم مهما كانت صعوبة الأوقات التي يمر بها، ثم إبتسم أسامة مرة اخرى وراحت ذكرياته معهم تجوب قلبه وعقله وكأنها تدفع بدفىء خاص بجسده بأكمله وجال بخاطره السؤال الذي جاء بباله بمجرد أن عُرض عليه طلب الجامعة....وتن*د وهو يتمتم "هل يستحق الأمر أن أترك كل ماحققته هنا وأعود...إلى مصر؟!". في صباح اليوم التالي فوجىء أسامة عند ذهابه لمكتبه بالجامعة بصديقه دكتور حسام يخبره أنه هو الاخر قد حصل على نفس العرض... "حقاً حصلت على نفس العرض ؟!" سأل أسامة حسام فرد حسام وهو يلعب بكرة صغيرة بيده يمرن بها أصابعه "نعم عندما كنت أهم لمغادرة الجامعة بالآمس إتصل بي رئيس الجامعة وطلب هذا" فرد اسامة "إذاً وماذا ستفعل؟" فأجاب حسام "لو كان الأمر بيدي لرفضت فوراً فمن المجنون الذي سيترك الولايات المتحدة ويعود إلى مصر" ثم أكمل وهو يهز رأسه بأسى "لكن للاسف يبدو أني سأكون هذا المجنون" قطب اسامة حاجباه وقال له "مادمت تراه جنوناً فلماذا ستقوم به؟" فقال حسام "أمي ..بالأمس ذلّ ل**ني وأخبرتها بالأمر وإذ بها تترجاني للعودة فأنا أبنها الوحيد وأخواتي البنات يحتجن إلي لأكون إلى جوارهن وهي الأخرى الإبتعاد عني أصبح لا يطاق إلخ ...إلخ ..إلخ" فنظر له اسامة وقال وهو يضحك "إذا ستعود لأجل هذا حقاً ...لو كنت لا أعرفك لصدقت كلامك لكني أعرفك جيداً ... قل لي ما الأمر؟" فنظر له حسام وهو يبتسم لإستطاعة صديقه فهمه ثم قال "حقاً هناك شىء أخر،... في حقيقة الأمر قد أشارت لي أمي من بعيد عن أنها تريدني أن أتزوج وقد فكرت بالفكرة ورأيتها جيدة" فإعتدل أسامة بجلسته وقال له "جيدة من ناحية؟ أنا ايضاً أعرف من أنت جيداً والزواج بالنسبة لك سجناً بأسوار عالية!" فأجاب حسام "هذا صحيح لكن من وجهة نظر أخرى أنا قد قاربت الثلاثين وحققت كل ما أريده تقريبا حتى اني لم أترك أي فتاة قابلتها هنا حتى لهوت معها" فرد أسامة "إذاً قد إكتفيت!! هذا جيد" ثم اكمل "ولكن لو كنت تريد العودة من أجل الزواج فلتتزوج من هنا ما المشكلة؟" فأجاب حسام "لا أعلم لكن عندما أتحدث عن الزواج لا أجد سوى إبنة بلدي هي التي تأتي برأسي، هي التي تناسبني، أجدها حتى دون ان اراها أنها تحنو عليا كأمي وتخاف عليا أكثر من خوفها على نفسها، هي الوحيدة التي أستطيع أن أثق بها لتحمل أسمي ، وأجد أن جمالها يتعدى جمال مظهرها إلى جمال روحها، ولا استطيع أن أتخيل أي إمرأة تحل محلها" ابتسم أسامة وهو ينظر لحسام في ذهول وقال له "حسام ..مابك؟! ..لو كنت مرتبطاً بإحداهن ماكنت لتقول فيها ماقلته الآن؟؟؟؟ هل أنت بخير؟" فألقى حسام بالكرة الصغيرة التي كانت بيده على اسامة وقال له "انت حقاً سخيف" ثم ابتسم وقال له "سأذهب الآن لدى محاضرة، بالمناسبة دكتورة بشرى أيضاً ستعود إلى القاهرة وستذهب للعمل بنفس الجامعة فقد علمت أن والدها هو عميد هذه الجامعة إلى اللقاء". لم يصدق أسامة ما سمعه "حقاً ستسافر بشرى؟" تمت اسامة لنفسه وهو يبتسم إبتسامة عريضة وكأنه أخيراً إتخذ قراره بالعودة إلى مصر وكأن خبر عودة بشرى هو الحد الفاصل في الأمر ، فقد كان اسامة معجب ببشرى منذ سنوات عديدة منذ أن رأها أول مرة بالمدرج عندما بدأ في دراسة الماجستير، حينها ظهرت ب*عرها الأ**د الطويل وعيناها السود الواسعتان وكأنها جنية آتية من النيل إلى هنا لتخ*ف أنفاسه ليس فقط لجمالها الخارجي ولكن أيضاً لذكائها فمع أن بشرى تصغر أسامة بسنتين لكنها إستطاعت الدراسة حتى سبقت أقرانها بالإضافة لخفة ظلها وحبها الدائم للمرح هذا مع تقديسها للعمل فوقت العمل بالنسبة لها وقت مميز مما جذب أسامة لها أكثر لذا من حينها هما معاً وهو معجب بها طوال فترة وجودهما كزميلين بالماجستير والدكتوراه وحتى اصبحا أصدقاء الآن وأساتذة بالجامعة ورغم كل هذه السنوات لم تأتيه الشجاعة ليصارحها بمشاعره، لذا فقد كان خبر عودتهم هم الثلاثة بمثابة فرصة لا تعوض ليتقرب منها أكثر ويصارحها بما في قلبه. "إذاً قد إتخذت قراري... سوف أقبل بالعرض واعود إلى مصر" قال اسامة لحسام عندما كان يهمان للإنصراف فنظر له حسام وقال "حقاً هذا خبر سعيد ولكن ما الذي حسم الأمر معك؟!" فقال اسامة "منذ اللحظة الأولى وانا متردد فأنا اشتاق لعائلتي كثيراً كما أنك أخبرتني أنك ستعود أيضاً" فضحك حسام ثم نظر له وقال "حقاً هذا السبب أم أن السبب هو عودة بشرى معنا" إبتسم اسامة وهو يشعر بالخجل والسعادة في آن واحد ويمسك بحقيبته ليسير بها وقال "نعم هذا سبب أخر" فضحك حسام وقال له" كنت أعلم ولكن إلى هذا الحد" لكنه عاد وقال "بالطبع فأنت معجب بها منذ اكثر من سبع سنوات فلما لا" فضحك اسامة وقال له "فلت**ت ولنرى ماعلينا فعله قبل أن نغادر هيا" وفجأة ظهرت بشرى أمامهما وقالت "ماذا ستغادران الأن؟" فأجاب حسام "نعم، هل تأتي معنا؟" فسألت "إلى أين؟" فقال حسام "لاشىء سنذهب للتسوق ولشراء بعض الهدايا لأهلنا بمصر فلايصح أن نعود ونحن خالي اليدين" فقالت بشرى "حقاً فكرة جيدة ونعم سأتي معكما ليس لمساعدتكما لكن شفقة بمن ستشترون لهم الهدايا فأنا أعرف ذوق الرجال جيداً" فضحك حسام على كلام بشرى ثم خبط على كتف اسامة الذي ما أن رأي بشرى حتى **ت وراح ينظر لها دون كلام فض*به حسام لينبهه فضحكت بشرى وقالت "أسامة هل أنت معنا في هذا العالم...هل تسمعني؟" فإنتبه أسامة وابتسم وقال "عفوا ..، نعم معكما وسنكون في إنتظارك" فأومأت بشرى وهي تبتسم وذهبت. "اسامة ليس إلى هذا الحد المرأة تحب أن يكون رجلها منتبهاً ولا يجب أن تظهر لها مشاعرك بهذه الطريقة" قال حسام لأسامة وهما في طريقهما للخروج إلى باب الجامعة حيث سيتقابلان مع بشرى فأجاب أسامة "أنا لم أفعل شىء لكل هذا لاتتحدث كثيراً" فقال حسام "ليتك فعلت سيكون أفضل"، وهنا وصلا إلى باب الجامعة حيث وجدا بشرى في إنتظارهما وذهبا للتسوق معاً ولاحقاً حجزوا تذاكر العودة ثم ذهب كلاً منهم ليرى ماذا سيفعل قبل أن يغادر. كان أسامة في غاية السعادة وهو يضب حقائبه ليغادر أمريكا، لايعلم حقاً ماهو سبب سعادته ، هل لأنه سيرى أهله بعد مرور حوالي ثمان سنوات أم أنه إفتقد مصر أم لأجل بشرى، أم ماذا؟ لكن في كل الأحوال كان سعيداً ولا يستطيع أن ينتظر أكثر حتى أنه لم يستطع النوم طوال الليل. "اسامة نحن هنا" صاح حسام وهو يرفع يده وينادي اسامة بالمطار فأشار اسامة بيده له وجاء اليهما ثم قال "لماذا انتم هنا فالطائرة بالبوابة الأخرى" فقال حسام "حقاً أريني" ثم نظر إلى تذاكر الطيران ثم قال "حقاً وأنا اتساءل لماذا كلما حاولت الدخول كان الموظف يحيني ويشير لي إلى هناك" فضحك أسامة وبشرى على حسام وذهبوا إلى بوابة الدخول ثم إلى الطائرة إلا أن حسام قبل دخوله إلى الطائرة وهو بأعلى السلم قال بصوت مرتفع "باي باي أمريكا" ثم ألقى قبلة بيده ودخل الطائرة ، ظل أسامة وبشرى يضحكان على مايفعله حسام طوال الطريق فساعة تراه يريد أن ينام وما أن يرى المضيفة حتى يستيقظ ويظل يبتسم لها وما ان يرى اخرى حتى يقف ليتحدث معها فتعيده إلى مقعده وظل هكذا حتى وصل إلى بريطانيا حيث الترانزيت ثم غيروا الطائرة إلى الطائرة المتجهة إلى مطار القاهرة وكما فعل في تلك فعل في هذه، أما عن بشرى واسامة فقد ظل يتحدثان طوال الطريق عن العمل والتجارب وأهم الأبحاث العلمية حتى وصلوا اخيرا إلى مطار القاهرة، وما ان نزلوا من سلم الطائرة حتى ركع حسام وقبل الأرض وهويقول ياحبيبتي يامصر، وظل يغني طوال الطريق "يابلادي ياأحلى البلاد يابلادي" وغيرها من الاغاني الوطنية. أخيرا وصل الجميع مصر، وبمجرد خروجهم من بوابة الخروج من المطار حتى ذهب كل واحد منهم إلى اسرته ، بشرى كان ينتظرها والداها بشوق كبير وبترحاب وعرفتهم بشرى على أسامة صديقها من الولايات المتحدة وعرفته على والدها أنه هو أحد الأساتذة اللذان سيأتان للجامعة معها ، أما عن حسام فبمجرد ظهوره خارج المطار حتى وجد هجوم من والدته وأخواته السبع بنات عليه وكل واحدة معها زوجها و أولادها أوخطيبها حتى أنه وقع على الأرض من قوة إندفاعهم عليه. وأخيراً ذهب كل واحد إلى منزله ، بشرى مع والداها وحسام مع والدته وإخوته أما أسامة فقد ذهب إلى الفندق الذي حجز فيه بالتليفون قبل مغادرته الولايات المتحدة. لم يكن أحد من عائلة أسامة يعيش بالقاهرة، فعائلة أسامة تعيش بصعيد مصر حيث أن جد أسامة هو عمدة لإحدى القرى بمركز طهطا بمحافظة سوهاج وقد قرر أسامة ألا يخبرهم بقدومه وأن يمكث بالقاهرة قليلاً حتى يستقر بعمله بالجامعة ويجد شقة مناسبة يقطن بها ثم يسافر إليهم لاحقاً، وبالفعل ذهب إلى الفندق مؤقتاً وخرج لاحقاً للبحث عن شقة وبالفعل وجد واحدة بالقرب من الجامعة وبدأ بفرشها وبنهاية الأسبوع كان قد إستعد للبدء بالعمل. "مرحبا أهلاً أهلاً بكما" هكذا رحب والد بشرى دكتور جمال المصري عميد الجامعة بأسامة وحسام عندما حضرا إلى الجامعة بأول الأسبوع وقالت بشرى "د.أسامة ود.حسام هما زميلين عزيزين لي ياأبي، منذ أن بدأنا الدراسة معاً بأمريكا ولاحقاً عملنا أيضاً كأساتذة بجامعة كاليفورنيا وقد ساعداني كثيراً" فابتسم والدها لهما ثم قال "إذاً سوف نسعد كثيراً بإنضمامكم لأسرتنا الجامعية" فإبتسم أسامة وحسام وقال أسامة "هذا شرف لنا سيادة العميد" فأومأ جمال برأسه بالإيجاب إعجاباً بهما ثم بدأ يشرح لكل منهما طبيعة العمل وقام بالإيجابة على تساؤلاتهم ثم قام بجولة معهم بالجامعة وعرفهم على رئيس القسم الخاص بهم. هكذا بدأ أسامة وحسام العمل بكلية العلوم بالجامعة وإستلم كلاً منهم جدول بمحاضراتهم وبالمواد اللذان سيقومون بتدريسها ثم عاد لمنزلهما ليتحضرا ليومهما الاول بالتدريس بالجامعة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD