إستيقظ اسامة مبكراً ليستعد للذهاب إلى الجامعة، في الحقيقة هو لم ينم جيداً، فقد ظل لوقت متأخر يفكر كيف يجب أن يكون أول لقاء له مع تلاميذه بالجامعة، ومع أنها ليست المرة الأولى لإلقاء المحاضرات والتدريس فقد عمل كأستاذ بجامعة كاليفورنيا لسنة كاملة إلا أن ط0بيعة الشباب المصري من المؤكد أنها تختلف عن الشباب الأمريكي ولكن من أي ناحية؟ هل متحرر أكثر لكن لا فالعادات المصرية لازالت لا توافق مايحدث بالخارج هل هناك تشدد أكثر؟ أيهما أفضل أن أتعامل معهم بتحرر أم بحزم؟ ، كل هذا يدور بعقل أسامة، كيف يستطيع أن يصل إلى الدرجة التي تقربه منهم دون أن تقلل من شأنه كأستاذ، وفي النهاية قرر أن يذهب للتريض والجري قليلاً ثم عاد وأخذ حمام وإرتدى ملابسه وذهب إلى العمل.
أخيراً قرر اسامة أن يرتدي بذلته وأن يظهر في أول يوم بشكل رسمي وحازم ليضع النقاط على الحروف، ولاحقاً سيحاول أن يتقرب منهم سواء بالرحلات أوالمناقشة، كذلك لن تكون الملابس رسمية دائماً، لكن في البداية يجب أن ي**ب إحترامهم أولاً وفي الطريق وبالقرب من الجامعة وقف وقام بشراء قهوته السريعة ثم عاد إلى سيارته.
دقائق وكان أسامة بالجامعة ثم نزل من سيارته وقد وضع قهوته عليها حتى يغلق بابها وما أن أمسك بكوب القهوة وإلتفت ليذهب إذ بفتاة تأتي مسرعة وفي عجلة لتسكب كوب القهوة عليه.
وقف أسامة في ذهول مما حدث وقد انسكبت القهوة الساخنة عليه ثم رفع نظره لينظر إلى الفتاة وإذ بها فتاة بيضاء طويلة ذو شعر طويل كيرلي بني فاتح وذات عينان بنيتان بنفس لون شعرها لذا عندما تنظر لها تشعر وكأن هناك هالة من النور تضىء وجهها لشدة تناسق الألوان. نظر أسامة إلى الفتاة في ذهول وقبل أن يفعل شىء إذ بها تعتذر له من بعيد ثم اسرعت في عجلة مرة أخرى، لم يصدق أسامة ماحدث وهو ما كان يشغل باله مظهره أمام تلاميذه ... !!!!
"أووه ما العمل الأن؟!" تمتم أسامة وهو أمام المرآة بالحمام يحاول أن يمسح مافعلته القهوة بجاكته وقميصه، ودقائق ودخل حسام وما أن رأه حتى ضحك وقال "ماهذا؟ مالذي حدث؟" فرد اسامة "ماذا ترى" فقال حسام "ماهذا" فقال أسامة "قهوة ألم تصل إليك رائحتها بعد!" فضحك حسام وسأله "كيف حدث هذا وفي أول يوم؟!" فقال اسامة وهو غاضب من تذكر ماحدث "هذا ماحدث إحدى الفتيات .... لا أعرف كيف أصفها أتت بتهور وسكبتها عليا حتى أنها لم تعتذر بشكل لائق تخيل" فقال حسام وهو لايزال يضحك "وماذا ستفعل؟" فرد أسامة بغضب "لا أعلم إتركني الأن" فأجاب حسام "حسناً حسناً" وذهب وهو لايزال يضحك.
لاحقاً قرر أسامة أن يدخل المحاضرة هكذا، وقد خلع جاكته وأمسكه بيده وباليد الأخرى أمسك بحقيبته ثم دخل إلى المحاضرة ، وما أن دخل وجلس الطلاب بأماكنهم حتى إبتسم أسامة وقال لهم "ترون بالطبع ماحدث ، عفوا منكم لكن زميلة لكم قد تسببت في هذا على العموم ربما يكون هذا أفضل في أول لقاء لنا، لا أعلم كيف لكن ربما" فضحك الطلاب على كلام أسامة وشعروا أنه سيكون أستاذ متفهم لهم وليس فقط حازم ومتشدد لكن صديقاً لهم.
بدأ أسامة حديثه إلى طلابه وعرفهم بنفسه ثم بدأ يشرح لهم كيف ستسير الأمور وقبل أن يبدأ في شرح المنهج المقرر قال لهم "حسناً لأكون صادقاً معكم سأحاول قدر الإمكان أن نكون أصدقاء لكن في حدود إحترام الطالب لأستاذه ومن أهم هذه الحدود الإلتزام والدقة ... الإلتزام بمواعيد الحضور، في عمل ما سأطلبه منكم على أكمل وجه. والدقة فيما تعملون قدر المستطاع لن أطلب أن تبذلوا فوق طاقتكم وبالمقابل سيكون مكتبي مفتوح لكم بل ورقم هاتفي أيضاً إذا إستدعى الأمر، سأكون كأخ كبير لكم لكن ستكونون أنتم أيضاً على قدر المسئولية" وقبل أن ينهي جملته وإذ بطرقات خفيفة على باب المدرج وتدخل نفس الفتاة صاحبة حادثة القهوة، إلتفت أسامة ولايزال فمه مفتوحاً قليلا وكأن رؤيتها أوقفت الكلام بفمه خاصة وانه كان ينبه على التأخير في هذا الوقت، فأخذ أسامة نفس عميقاً وزفره ثم نظر إليها، فنظرت الفتاة له وهي تشعر بالإحراج الشديد فقد تعرفت عليه ثم قالت بصوت منخفض "أسفة، أعتذر" فنظر لها أسامة وهو يفكر فمايجب أن يفعله بها ثم اومأ برأسه قليلا وكأنه عرف ماسيفعل ثم قال "حسناً أدخلي تعالي إلى هنا" وأشار أن تقف أمامه بجانب المنصة ثم قال لها "كنت أتحدث إلى زملائك الأن عن أننا سنكون في هذا المدرج أصدقاء وسنتعامل كأخ أكبر لكم لكن في حدود الاحترام الواجب وان أهم جزء في هذا هو إحترام المواعيد واتمام المهام الذي سأكلفكم بها" ثم سألها "هل هذا واضح؟" فأومأت الفتاة برأسها بالإيجاب على انها تفهم ثم أكمل "وبناء عليه وبما أنك اول من اخترق الامر ستكونين اول من يتلقى العقاب لسبب واحد وهو ان يكون كلامي واضح لزملائك" **تت الفتاة وهي تنظر له ولم تجب فسألها مرة أخرى "هل كلامي واضح؟" ف*نهدت وأومأت برأسها ثم قال "لذا سيكون العقاب كالآتي...انتي ممنوعة من حضور المحاضرات والسكاشن طوال هذا الاسبوع" فحملقت الفتاة له وقد فتحت فمها في ذهول ثم قالت "ماذا؟!" ثم أكمل وقد أدار ظهره لها "ومطلوب منك أن تقدمي لي تقرير بكل ماتم دراسته خلال هذا الاسبوع بالمحاضرة الأولى من الاسبوع المقبل" فتحت الفتاة فمها أكثر وقالت "ماذا؟! كيف؟" فإلتفت إليها وقال وهو ينظر لها مباشرة بعد ان اقترب قليلاً "هل هذا مفهوم." نظرت الفتاة له وهي في شدة الغضب والحيرة لكنها أمسكت فمها ولم تجب فنظر إليها وكأنه يسألها عن ردها فزفرت بعض الهواء وقالت له "حسناً" ثم سألها أسامة "ما أسمك؟" فقالت له "منى أمين" ثم قال لها وهو يكتب اسمها أمامه في إحدى الورقات "حسناً يامنى يمكنك الذهاب الآن" واشار لها بيده لتخرج من المدرج.
خرجت منى من المدرج وهي تزفر بعض الهواء وتقطب حاجباها وتقول لنفسها "كان يجب أن أتوقع هذا" ثم أكملت "لكن كيف هذا ؟؟؟ كيف سأكتب هذا التقرير لو كانت الكلية نظرية ككلية آداب مثلاً لفعلت لكن هذه كلية علوم يعني السكاشن ستكون عبارة عن معمل وتجارب" ثم قالت وقد بدا عليه الضيق والحزن "كيف سأفعل هذا وحدي؟!" ثم هزت شعرها بيدها وهي غاضبة وفجأة صاحت "المحاضرة" ثم أخرجت هاتفها وكتبت رسالة لهند صديقتها أن تصور المحاضرة فيديو إن أمكنها دون أن يلاحظ الدكتور وبالفعل ردت هند برسالة "حسناً" .
في صباح اليوم التالي كان الهدوء قد بدأ يعود لأسامة خاصة بعد أن قام بإلقاء أولى محاضراته لليوم والذي بدأ معها بالفعل تدريس المنهج المقرر وإستطاع التعرف على الطلبة والتقرب منهم ، لذا بعد أن أنهي تلك المحاضرة ذهب ليرتاح قليلا بمكتبه قبل أن يبدأ المحاضرة الأخرى ، وقد كان، وذهب إلى هناك وتناول إفطاره ثم أخذ حقيبته وخرج من الغرفة.
كانت منى في مثل هذا الوقت تساند زملائها بكلية التجارة حيث أن لهم مطالب من الجامعة وظلت لأكثر من ثلاثة ساعات منذ الصباح معهم في تظاهرهم حتى قرر العميد فض المظاهرة والقبض على بعض الواقفين فيها لمعاقبتهم، فاسرع كل طالب لينجو بنفسه وأسرعت منى هي الاخرى ودخلت إلى مبنى كلية العلوم في محاولة منها للهروب من الأمن وما أن وصلت إلى أحدى الأدوار وهي تخطو بخطى مسرعة وتنظر خلفها على أفراد الأمن الذين يلاحقونها إذ بها تصطدم بدكتور اسامة، وهذه المرة اسقطته أرضاً، ووقعت عليه هي الأخرى حتى أن رأسها قد اصطدم بفمه مما تسبب في جرح شفتيه وسال الدماء منها.
وضع دكتور أسامة يده على مكان الجرح بفمه وهو لايصدق، فنظرت له منى بعد أن إبتعدت قليلاً عنه وهي في ذهول وإحراج وقالت له "عفوا دكتور" فأشار بيده أن تنهض وتبتعد عنه ثم قال وهو يعتدل ويقف "أووه" ثم نظر لها في غضب "ماذا تفعـــ " وقبل أن يكمل لاحظ أفراد الأمن فكظم غيظه وأمسك بيد منى وجذبها وأدخلها إلى مكتبه وأغلق الباب فجاء أفراد الأمن ليبحثوا عنها ولم يجدوها وعندما سألوه عنها إدعى انه لم يرى أحد فذهبوا بعيداً.
لاحقاً فتح دكتور أسامة المكتب وصاح بها "ماذا تفعلين؟!... لماذا أراكِ دائماً هكذا إن لم تستطيعي أن تغيري من سلوكك على الأقل تجنبيني ...هل هذا ممكن؟" ثم قال وهو ينظر لها بغيظ "هل هذا واضح؟ .... أتكلم جدياً هذه المرة ...هل من الممكن أن لا اراكي مجدداً سوى في المحاضرة؟" فأومأت منى برأسها دون كلام فزفر بعض الهواء ثم تركها ومضى.
بدأ الأسبوع يمر واليوم تلو الأخر كانت منى تحصل على المحاضرات عن طريق صديقتها أما المشكلة الحقيقية كانت في السكاشن والتجارب التي يجب أن تقوم بها فكانت تأتي إما في الصباح الباكر أو تنتظر حتى ينتهي الطلبة والاساتذة من عملهم طوال اليوم وتدخل هي لاحقاً ، ظلت منى هكذا حتى جاء يوم الخميس ، أخر يوم في الاسبوع وكان عليها الانتهاء من التجارب المتبقية لتكتب النتائج وتنتهي من التقرير المطلوب منها إلا أن هذا اليوم كان المعمل مشغول معظم الوقت وحتى الساعة السادسة مساء وظلت منتظرة حتى خرج الجميع ودخلت هي.
أيضاً اسامة في هذا اليوم قد شعر بالتعب والإرهاق الشديد فقد كان اليوم مليء بالمحاضرات والسكاشن ولا توجد فرصة راحة بينهم. وظل من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساء وهو من هذا لذاك ولم يكن يصدق نفسه أن هذا اليوم قد إنتهي أخيرا،ً ثم ذهب إلى مكتبه ووضع بعض الاشياء به، وهمّ للخروج إلا أنه تذكر بعض الأوراق الهامة التي تركها بأحد المعامل والتي يجب أن يسلمها السبت إلى رئيس القسم فعاد مرة أخرى إلى مبنى المعامل ليجلبها.
صعد أسامة إلى المبنى ودخل المعمل الذي به الأوراق. وبالفعل جلبها وأثناء خروجه سمع صوت، فعاد ليرى من فلاحظ منى وهي تحاول أن تقوم بالتجربة المطلوبة منها وظل يراقبها من بعيد قليلاً ثم إبتسم وهمّ ليذهب وما أن إلتفت ليمضى حتى سمع صرخة صغيرة مكتومة من منى أسرع على إثرها بالدخول إلى المعمل.
تفاجأت منى من وجود دكتور أسامة في مثل هذا الوقت، لكن أسامة بادرها بالسؤال وهو منزعج وينظر إلى المواد وإلى يدها "ماذا تفعلين؟" فقالت له "أحاول أن أطبق التجربة" فأمسك بيدها ونظر لها وإذ بها حرق طفيف فأسرع وأتي بحقيبة الإسعافات الأولية ووضع بعض من الدواء على الجرح ثم أتى بضمادة ووضعها عليه ثم قال لها وهو منزعج وقاطباً حاجباه وينظر إلى الحرق ويبدو عليه القلق ألا تعلمين أن هذه مادة حارقة ثم تن*د وقال يجب أن تنتبهي، ثم وضع حقيبته جانباً ووضع حقيبة الاسعافات الاولية بمكانها وخلع جاكته وشمر ذراعه ثم أمسك بالمواد وقال لها إنتبهي سأقوم بالتجربة الآن أمامك وعليك أن تقومي بها لاحقاً أمامي أيضاً" فأومأت منى برأسها بالإيجاب فراح هو يجري التجربة أمامها مرة وأثنان ثم قال لها "هذه التجارب ليست هامة جداً بالمقرر لذا عندما عاقبتك كنت أعلم ماذا أفعل فلا تقلقي لكن من الجيد أن أراك ملتزمة هكذا" ثم إرتدى جاكته وأمسك بحقيبته وهمّ للإنصراف وقال لها وهو يغادر "حسناً أركي السبت مع التقرير" فردت منى وهي تومىء برأسها وتبتسم "حسناً بالتأكيد" فرد أسامة "حسناً إلى اللقاء الآن".
كانت الساعة قد قاربت الثامنة مساء عندما انتهي أسامة ومنى من التجارب وهمّ أسامة بالإنصراف أولاً، ثم ذهب إلى سيارته وإستقلها للعودة إلى منزله إلا أن في الطريق رأى منى تسير وحدها وقد كانت السماء تمطر والجو عاصف قليلاً فإقترب بسيارته منها وسألها "منى، كيف ستصلين إلى منزلك هكذا؟" فأجابت "لاتقلق يادكتور، منزلي يبعد عشر دقائق فقط" فقال لها "لا إركبي ومادامت عشر دقائق سأوصلك أولاً" وبالفعل ركبت منى سيارته وبمجرد أن ركبت لاحظ أسامة أن منى لديها رعشة بسيطة وملابسها مبللة تماماً فأعطاها جاكته فقالت له "شكراً أنــ" وقبل أن تكمل قال لها "خذيه وإحضريه لاحقاً حتى لا تصابي بالبرد لن أقبل أعذار يوم السبت" فأخذته منى وشكرته ثم وصلت إلى منزلها وما أن ترجلت من السيارة حتى إنطلق أسامة إلى منزله بأقصى سرعة.
في صباح السبت دخل اسامة إلى المدرج وقد اصطف جميع الطلاب في إنتظار دخوله وفي مقدمتهم كانت منى فإبتسم أسامة بعد أن نظر لها ثم توجه للطلاب وقال "صباح الخير" فرد الجميع التحية عليه ، فأذن لهم بالجلوس ثم فتح حقيبته وأخرج بعض الأوراق وبدأ في إلقاء المحاضرة، في نهاية الدرس توجه أسامة بالحديث إليهم وهو يقول "حسناً كافة التقرير المطلوبة منكم سيسلمها لي كل واحد أثناء خروجه من المدرج ولكن قبل أن نبدأ أريد أن أقول شىء" ثم أشار لمنى أن تقف ثم قال بصوت مسموع لمنى " أين التقرير الذي طلبته منك" فقدمته له فنظر له نظرة عابرة ثم قال "حسناً سأراه لاحقاً أما الآن فكما عاقبتك أمام زملائك الأسبوع الماضي وإنتقدت عدم الإلتزام يجب أن أثني عليك أمام زملائك أيضاً" ثم توجه للباقين وقال "حسناً "زيملاتكم منى هنا قد سلمت تقريرها في ميعاده وقد لاحظت أنها طوال الاسبوع المنصرم لم تدع أي محاضرة إلا وحصلت عليها وأظهرت من الإلتزام والجد مايستحق الثناء حتى أنها كادت أن تؤذي نفسها – واشار إلى الضمادة الموضوعة على يدها- ثم قال لها "شكراً لك مرة أخرى وأنا كأخ كبير لك حاولت أن ألقنك دراساً وقد تعلمتيه" ثم هز رأسه وابتسم ثم نظر للطلبة وقال "حسناً إنتهت المحاضرة وإلى اللقاء يمكنكم الإنصراف" ثم وقف وهو يستند على طاولة المنصة ليستلم التقارير من الطلبة إلا أنه أثناء ذلك سمع همسات غاضبة من الطلبة "من يظن نفسه ليفعل كل هذا، هل تستحق عشر دقائق تأخير أن تصاب ، ألم يشعر بالألم لما فعله" وهنا وقف أسامة وقد قطب حاجباه وصاح بهم "ماذا تفعلون؟" فرد أحدهم "يادكتور كليتنا عملية فكيف لها أن تقوم بتلك التجارب وحدها دون أن تصاب؟" وقال أخر "نعم منى لا تستحق هذا وأنا متأكد أن تأخيرها كان لسبب وجيه وحتى لم تعطها فرصة لتدافع عن نفسها" وأجاب هذا "نعم يا دكتور أنت لم تعطها فرصة" وهنا صاح أسامة وهو في ثورة غضبه "مابالكم؟! ...ما الذي تفعلونه؟ هل نسيتم أني أستاذكم؟ أين الإحترام الذي إتفقنا عليه؟" ثم أمسك بالتقرير التي بيده وأخذ حقيبته وجاكته وخرج من المدرج بعد أن أغلق الباب خلفه بقوة، فنظرت لهم منى وقالت "لم يكن هناك داعي لهذا أنا لم أكن وحدي حتى أنه هو الذي وضع لي هذه الضمادة بنفسه" ثم أسرعت هي الأخرى لتلحق به.
دخل أسامة إلى مكتبه وطلب من الساعي أن يأتي له بكوب من القهوة بسرعة ثم جلس على مكتبه وراح ينظر إلى التقارير التي بين يده ، لحقت به منى بعد قليل وقرعت على باب المكتب وهو مفتوح وقالت "دكتور هل لي أن أدخل؟" فرفع أسامة نظره ليجدها هي فقال لها وقد عاد يقرأ في التقارير ويشرب من قهوته "نعم يامنى أدخلي ..ما الأمر؟" فردت منى "قد جئت لأعتذر عن تصرف زملائي .. هم حقاً لم يقصدوا هذا" فرد أسامة وهو لايزال يتصفح التقارير "لاعليك زملائك كما قلت كأخوتي الصغار لذا عليا أن اسامحهم تارة وأعاقبهم تارة أخرى فليس هناك مايفاجئني ولا مايجب أن تعتذري أنت عليه" فقالت له "حسناً سأذهب أنا الآن شكراً لك" فأومأ برأسه دون أن ينظر لها وأشار لها بالإنصراف، وإلتفتت منى لتنصرف إلا أنها عادت مرة أخرى لتتحدث معه وقالت "دكتور ولكن هناك مايجب أن أخبرك به حتى لا تتفاجأ" فعقد أسامة حاجباه ونظر لها ثم أخذ رشفة من القهوة وقال "أتفاجأ! ماالأمر؟" فقالت له "ليس بالأمر الكبير لكن أثناء عملي للتقرير ومتابعتي للمحاضرات هناك بعض الاشياء التي لم أستطع فهمها مهما حاولت وستلاحظ هذا في التقرير" فقال لها "ماهي أريني إياها إن كانت معك الآن" فأجابت "نعم هاهي" وفتحت إحدى كتبها وأشارت إليها.
كان من الواضح حقاً أن منى قد حاولت كثيراً لدراستها وفهمها خاصة وأن الأوراق مليئة بأنواع متعددة من خطوط الاقلام وألوانها لذا إبتسم أسامة ثم بدأ يشرح لها وفي النهاية سألها "هل فهمتيها الآن" فردت منى وهي تشعر بالإحراج وهزت رأسها بالنفي وقالت "لا" فنظر لها اسامة و**ت قليلاً ثم قال "حسناً لن تفهميها إلا عملي لذا انا الأن لدى محاضرة بالمعمل وستنتهي..." ثم نظر إلى ساعته وكأنه يحسب شىء ثم قال"ستنتهي بعد حوالي ساعتين من الآن هل يمكنك الحضور هناك سأريك التجربة عملياً وعلى العموم لا عليك فكما قلت هذه التجارب ليست بالهامة فلا تقلقي" فردت منى عليه وقالت له "ليس بالكيمياء شىء غير هام فكل تجربة هي درجة سلم توصلك للتي تليها" إبتسم أسامة عند سماعه هذه الجملة فهذه بالذات كان يرددها لنفسه منذ أن دخل كلية علوم فقال لها "حسناً إذاً إتفقنا أراك لاحقاً وإن كان أحد من زملائك يريد أن يأتي أيضاً فليأتي" فأومأت منى برأسها ثم همت بالخروج إلا أنه أثناء خروجها إصطدمت بحسام وهو يدخل الغرفة فوقفت وإعتذرت منه ومضت.
"وووووه" قال حسام وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه فنظر له أسامة وقال له "مابك؟ هل كانت الخبطة شديدة إلى هذا الحد؟" فأجاب حسام "بل أقوى" ثم أخذ نفسه وقال "من هذه الملاك؟" فرد أسامة "أي ملاك؟!" فقال حسام "الذي إصطدمت به... ألم تراه" فضحك أسامة وقال "أتقصد منى؟" فقال حسام وهو يتن*د "منى!" فنظر له أسامة مرة أخرى وهو يضحك فسأله حسام بسرعة "حقاً من هي؟" فرد أسامة وقد عاد لينظر لأوراقه "طالبة لدي بالفرقة الثانية" فقال حسام "حقاً أووه خسارة حقاً أردت الإرتباط بها" فقال أسامة "حسام إنها تصغرك بأكثر من عشر سنوات كما أن الإرتباط بين الأساتذة والطلبة ممنوع أتذكر؟" فرد حسام "نعم، نعم أذكر لكن ألم تلفت نظرك للحظة ألم تراها جيداً ألم ترى وجهها وكأنه مضىء وعيناها و..." قطعه أسامة بض*بة على جبينه وقال وهو ينظر له "حسام إستيقظ" ثم أمسك بأوراقه ووضعها بحقيبته وذهب ليلحق بالمحاضرة التالية.
بالفعل أتت منى في الوقت المحدد هي وزملائها هند وهالة وصلاح وبدأ أسامة يقوم بالتجربة أمامهم عملياً ويرد على كافة تساؤلاتهم ، وهكذا كان الحال بين دكتور أسامة وطلابه فقد استطاع بوقت قصير أن يحصل على حبهم وتقديرهم واحترامهم له في نفس الوقت خاصة مع منى والذي استطاعت هي الأخرى أن تحصل على تقدير وإحترام دكتور أسامة حتى أنك بعد فترة قصيرة تراهم كصديقين أكثر منهم كتلميذة وأستاذها.
"دكتور أسامة هل أنت بخير؟" سألت منى أسامة بعد أن رأته يجلس على مكتبه بالمعمل وقد إنصرف الجميع بعد المحاضرة، وكان أسامة شارد الذهن فلما سألته رد عليها وكأنه لم يكن منتبه "نعم ...نعم أنا بخير لاعليك" ثم ابتسم وقال "شكراً لسؤالك" ثم همّ ليرتدي جاكته وأمسك بحقيبته ليمضي فنظرت له وقالت "حقاً يبدو أن هناك مايشغل تفكيرك...ما الأمر؟" فرد أسامة وهو في طريقه للخارج "حقاً لا شىء" ثم خرجت منى من المعمل وأغلق هو الباب لاحقاً بيده وهو لايزال على نفس الحالة فوقفت منى أمامه وقالت له "حقاً مابك، اسمعني يادكتور أعلم ان هذا قد يكون تدخل في شئونك لكنك كما قلت أنت أخ أكبر لنا لذا فأمرك يهمنا كما أنك تهتم بنا وان كنت صغيرة، أحيانا الكلام بصوت مسموع يفتح المجال للعقل ليرى أوضح فتجد الحل أمامك وأعدك أني لن أنطق بكلمة" فرد أسامة وهو لايصدق مايسمعه وقال لها "أي كلمة لايوجد شىء يامنى" ثم نزل على الدرج.
لاحقاً رأت منى أسامة وهو يسير وحده ولايزال على نفس الحالة فأسرعت وأتت بكوب من القهوة وأخر عصير ثم لحقت به وأوقفته "أستاذ ألاتريد قهوة؟" فقال لها "لاشكراً لا أريد" فقالت له جربها وخذها مني حقاً طعمها عندما تشربها سيختلف كثيراً عما كان عندما سكبتها عليك" وهنا ضحك أسامة "حقاً ..." ثم مد يده ليأخذها وقال "سأشربها أفضل" ثم تابع سيره إلى الحديقة مبتعداً عنها.
جلس أسامة قليلاً على العشب وأحاط ركبتيه بذراعيه وقد وضع حقيبته وكوب القهوة جانباً وراح ينظر بعيداً، وهنا لحقت به منى وجلست بجانبه وقالت "دكتور ألاتزال لاتريد أن تخبرني ما الذي يشغل بالك؟" فنظر لها أسامة وقال "حقاً أنتم الشباب الآن في منتهي الجراءة أن تأتي وتتحدثي مع أستاذك هكذا؟!" فإبتسمت منى وقالت له "أنا لست قلقة على معلمي ولا أتحدث معه ...أنا الأن أحاول أن اساعد أخي الأكبر ...أليس هذا كلامك؟" فإبتسم أسامة وقال لها وهو يومىء برأسه بالإيجاب "نعم" فقالت "اذاً هيا أخبرني ....هيااااااا" فقال "حسناً حسناً..أنتي حقاً لحوحة" فإبتسمت منى وقالت "أعلم" ثم أخذ أسامة نفساً عميقاً ونظر بعيداً عنها وهو يقول "لاشىء فقط هناك موضوعان يشغلان بالي جداً هذه الايام وأشعر أني لا أعرف كيف أتصرف معهما" فنظرت له منى وقالت "ماذا؟!" فأجاب وهو متردد "لاشىء... أولاً أريد أن أسافر لأرى أهلي بسوهاج فمنذ أن رجعت لم أخبرهم إلا أمس وبالطبع غضبوا كثيراً وطلبوا أن أتي إليهم في أقرب وقت وكما ترين لايمكنني ذلك الآن" فقالت منى "ولماذا لايمكنك ذلك ، هذا الاسبوع توجد امتحانات الميد تيرم فلتنتهي من امتحانك وتذهب إليهم بعطلة نهاية الاسبوع وان أخذت فترة قصيرة كأجازة لن تكون مشكلة كبيرة ...أم ماذا؟" فأومأ أسامة برأسه بالإيجاب وقال بعد أن تن*د "حسناً سأفعل" لكنه ظل على حاله فنظرت له منى وقالت "هذا ليس الأمر الأكبر الذي يشغل بالك... أخبرني ربما اجد حلاً" فإبتسم أسامة ثم ظل شارداً و**ت فقالت له منى "ماذا أهي إمرأة ما" فإبتسم أسامة إبتسامة كبيرة لكن منى فهمت أنها قد اصابت الهدف فقالت له "إذاً هي إمرأة أليس كذلك؟" فضحك أسامة وقال "أيتها الفتاة الصغيرة" ثم همّ ليقف إلا أنها أوقفته وقالت "حقاً تحدث معي أنت لاتعرف كم أحب المساعدة وكم أنا جيدة بها" فنظر لها أسامة وتن*د ثم إبتسم وقال "ليس شىء حقاً يامنى" فقالت له "دكتور من فضلك" فإبتسم ثم قال "لاشىء حقاً أنا فقط معجب بأحدهم لكن لم أستطع أن أخبرها حتى الآن وأريد بشدة ان أتحدث معها قبل أن أسافر حتى أستطيع أن أخبر أهلي عنها أفهمتي المشكلة؟" ف**تت منى قليلاً بعد أن قالت "نعم فهمت المشكلة" لكنها عادت وأكملت "إذاً المطلوب أن تعرف ردها خلال هذا الاسبوع أليس كذلك؟" فأومأ برأسه وهو ينظر بعيداً وبدأ يسير ليغادر الحديقة إلى مبنى الكلية، فزفرت منى بعض الهواء وقالت وهي تحاول اللحاق به وأن تسير بجانبه "حسناً فليكن إذا..فلتدعوها على العشاء وهذه ستكون بمثابة إشارة لها ولاحقاً تخبرها بالأمر..كل هذا في يوم واحد أما عن المطعم فهناك بالقرب من الجامعة مطعم فخم جداً وبالطبع أسعاره مرتفعة مما يجعل دخول الطلبة به مستحيل فلتذهب وتجعل منه حدثاً خاصاً" فإبتسم أسامة وقال "بهذه السهولة؟" فوقفت منى وأوقفته وقالت "نعم بهذه السهولة" ثم أخذت نفس عميقاً وزفرته وأكملت "دكتور أسامة أنت حقاً شخص رائع في كل شىء، ليس فقط لكونك أستاذ بالجامعة، لكن شخصيتك، ومزحك، إهتمامك بنا، وحرصك على أن تكون قريب كقرب الأخ منا، هذه أخلاق لايتمتع بها الجميع وأنا متأكدة أنها لاحظت هذا وأنها تشعر بما في داخلك" ثم **تت لبرهة وقالت "وإن كانت من أظن فأعتقد أنها تبادلك نفس الشعور" فنظر لها أسامة وقال "حقاً؟!" ثم سألها "من تظنين أنها هي؟" فإبتسمت منى وإبتعدت عنه قليلاًَ وقالت وهي تنظر بعيداًً عنه لكي لايلاحظ الدمعة التي بعينها "دكتورة بشرى......أليس كذلك."