الفصل الاول
كانت نعمة تجلس بجوار جعفر الذي يمسك بإحدى يديه عصاه والأخرى تحتضن كف نعمة باحتياج يزيد كلما زاد عمره وكلما مر الزمن، ينظر لابنته بخوف ثم يعود لنعمة بعينيه فتهديه الأمان في ابتسامة تشق ثغرها لأجله أما هي فقلبها يتوسط كفيهما المطبقين بحنان، وأمامهما يجلس عبد الرحمن ب**ت لا يفهمه سوى منار التي تجاوره ب**ت احتراما ل**ته فهو موجوع لأجل أخته ولكن منذ متى يشتكي رجال العزايزة، مدت يدها تربت على ظهره بحنان فرفع وجهه إليها فهمست له برقة "ستكون بخير، لا تقلق عليها نساء العزايزة محاربات، إنها قوية لا تخدعك هشاشتها" نظر لها عبد الرحمن بعمق ثم استدار ينظر إلى غفران الجالسة على السرير تأخذ آخر محلول ملحي قبل دخولها العمليات فقاطع **تهم دخول حورية التي تحمل عدة أكياس وخلفها منير يشاركها حمل البقية قالت حورية ببهجة "أحضرت لكم الطعام ولم أنسَ طبق السلطة لأجل عبد الرحمن أعلم أنه لا يستطيع تناول الغداء من دونه" قال لها جعفر "لم يكن لهذا داعي يا ابنتي، من يملك منا مزاجا للطعام؟ لقد أجهدت نفسك" نظرت لمنير الصامت بغضب تحثه على الكلام ثم قالت بهدوء "لم يكن هناك أي تعب يا أبي، ثم لماذا لا نملك مزاجا فهذا يوم سعيد، أخيرا غفران ستعود لنا سالمة كما كانت، إنه يوم المنى" قالت منار "سلمتِ يا حورية بنت أصول يا حبيبتي، حتى طبق السلطة لم تنسيه، بصراحة زوجة أخيك تقدرك كثيرا يا عبد الرحمن" كانت تحاول أن تخرجه من عالمه السوداوي ف*نحنح بهدوء وقال "إنها أختي كغفران تماما، سلمت يداك يا حورية" حادت أعين منير نحو غفران وعيناه تمسكان دموعه بقوة مقهور منها ولها وعليها، م**ور مما حدث وخائف مما سيحدث لأول مرة يشعر أن غضبه منها قوي وغير مفهوم، انتبه على صوت حورية تقول "منير، تحدث من فضلك" نظر لها للحظات ثم تحرك كالمغيب تجاه نعمة وجلس بجانبها وأمسك يدها الأخرى وانحنى يقبلها ويقول "أرجوك يا أمي ادعي لها" كانت هذه أول كلمة تصل ل*قل غفران التي انفجرت في البكاء فلم تتماسك نعمة التي ردت بخوف "لم يتوقف قلبي عن الدعاء لها يا بني، لقد استودعتها من لا تضيع ودائعه" أحاط جعفر نعمة بذراعه فوضعت رأسها بص*ره تبكي وعبد الرحمن انتفض يضم غفران بقوة فجلست حورية بجانب منار والمشهد يفرض على عيونهم الدموع، فقال جعفر بقوة "خير إن شاء الله، لا تقلقي يا حبة القلب، غفران ستعود لنا سالمة" قالت منار "اهدئي يا أمي، لقد بدأت غفران بالبكاء والطبيب حذرنا من هذا" حاولت نعمة جمع شتات روحها المقهورة فقالت وهي تدعي الصلابة "أنا لا أبكي، أنا…….بخير، لنأكل" وقفت حورية تمسح دموعها بخفة وترص الطعام بمساعدة منار وعيناها لا تفارقان الصامت با*****ة ودموعه متحجرة بقهر فنادت عليه "منير اقترب" ثم التفتت تقول للجميع بمرح "غفران م***عة من الطعام، لنأكل لنا ولها هيا اقتربوا"
بعد دقائق كان يجلس الجميع حول المنضدة الزجاجية الموضوعة في الغرفة يتظاهرون أنهم أفضل، وكل منهم بقلبه ثقل موجع لأبعد حد، كان ال**ت يخيم على الغرفة ولا يسمع سوى همس جعفر الذي لا يتوقف عن طمأنة نعمة بالكلمات كأن روحه معلقة بقهر روحها ،قال عبد الرحمن لمنير محاولا تغيير جو الحزن والدموع "أظن أن بعد خروج غفران بالسلامة ستعود لتهتم بمالك وأرضك، لقد أهملتهما جدا بالفترة الأخيرة، كما أن هناك مشروعا أريد مناقشتك به لعلك تحب أن تشاركني لم أرد أن آخذ بشأنه أي قرار دون أن أتحدث معك" رفع منير عينيه لأخيه ودار بينهما حديث صامت كل منهما يطلب من الآخر أن يشد من أزره، ألا يتركه للضعف أو التخبط، كل منهما يخبر الآخر أنا هنا سند لك وكتف ستميل برأسك عليه إن اشتدت عليك مصائب الدنيا، فقال له منير بدون تفكير "أنا معك يا أخي كل ما أملك بين يد*ك، كل ما تراه خيرا لنا افعله بدون تردد فلن يخاف على مالي أحد سواك" مد عبد الرحمن يده وربت بها على ساق منير بأخوة فقال جعفر "بارك الله في محبتكما، إذاً توكل على الله يا بني، أخوك سيعود معنا ويكون بضهرك إن شاء الله، بمجرد أن تقوم حبيبتي بالسلامة سنرحل من هنا ونعود إلى منزلنا" قالت نعمة برجفة "بإذن الله سنعود جميعا سالمين، وسيرد الله لي قلبي بسلامتك يا نور عيني" قال لها جعفر بمشا**ة "إذا كانت هي نور عينك فماذا أكون؟" ردت عليه بلهفة "أتسأل بعد هذا العمر يا جعفر؟ مرت كل هذه السنوات وما زلت تسأل، ارحم قلبي الذي ما عاد يجد لهذا السؤال إجابة شافية، وارحم روحي التي تفقد المعاني كلما واجهت هذا السؤال" لم يكن يقصد سوى أن يبعد عن قلبها الحزن لكن إجابتها أصابته في **يم وجعه فهي كانت ومازالت وجع قلبه الذي أدمنه لحدٍّ لا حد له بل أكثر بكثير، فتجاهل كل الجالسين، تجاهل عمره الذي ضاع وهو يتمنى لو أنه يعيش بجانبها ألف عمر ولن يكتفي وقال "سأظل أسأله حتى وأنا على فراش الموت، وبعد الموت ستعود روحي لتطير حولك كل ليلة وتعيد سؤالي، لا أستطيع التوقف عن سؤالك فكأنني أسألك هل أنا حي، هل مازال في القلب نبض و في العيون نور، حبك الحياة يا نعمة فلا تمنعيني من أن أسأل عن حياتي" عادت برأسها لص*ره تهمس بحب "أطال الله في عمرك يا قلب نعمة" كان أمامهم خمسة قلوب تسارع النبض فيها جميعا، كانت حورية تشاهد هذا الحب بعدم تصديق فلأول مرة تحضر لحظات كهذه لجعفر ونعمة، كانت تسمع عن حبه لها لكن هذا ليس حبا بل بلغ مرتبة أعلى، شعرت بكف منير التي تحتضن خصرها فاستكانت برضا تدعو الله أن يرزقهما شعلة حب لا تطفئها الأيام، أما عبد الرحمن فلمح الدمع بعيون منار فابتسم بهدوء ابتسامة لم تكن سوى ارتفاعا طفيفا في طرف شفتيه لكنها أضاءت وجهها الذي يدرك ماذا تعني هذه الابتسامة، لقد رد على دموع عينيها بأقوى طريقة يملكها... **ته، لقد أخبرها أنها تحتل بداخله القلب والروح، أما غفران كانت تسمع كلمات والدها ورائحة العشق التي ملأت الغرفة تزكم أنفاسها وهي تتساءل لماذا لا يمكنها أن تمتلك حبا مثل هذا؟ لماذا لا يمكنها أن تجتمع برجل يعشقها بجنون؟…. أكبر القهر أن تعلمي أنك ستشاركين إنسانا حياته وقلبك وروحك ملك آخر، إنها أكبر خيانة وأعظم نكبة من الممكن أن تحل عليها، حكم مؤجل بالإعدام عليها الاستسلام له لا استئناف ولا مفاوضات فقط سلم تسلم وانتهى النقاش، اختض جسدها بعنف فقالت بنداء استغاثة "منير" قفز واقفا واقترب منها قائلا بوجع "أنا هنا" مدت يدها كأنها تبحث عنه فتلقفها بحنان لكنه تفاجأ بها تلقي نفسها بين أحضانه أمام الجميع، لم تفعلها قط منذ أن كبرت وأخوتهم غدت محفوفة بحدود ولكن اليوم هي تحتاجه أن يحتويها فلا أحد يعلم جرحها سواه، ضمها بخفة وهو يقول "توقفي عن البكاء ستلتهب عيناك، دعينا ننتهي من هذا الوقت الصعب، دعي كل شيء يعود كما كان" حقا كانت تحاول ولكن بكاءها كان نزيف جرح لا يتوقف، بقدر ما كان من الممكن أن يتحول هذا المشهد لتعنيف من الجميع في وقت آخر ومحاضرات طويلة عن الالتزام بحدود الله لكن هنا كانت المشاعر طاغية على ال*قول ف**ت الجميع بتأثر حتى قاطعهم طرق على الباب فأسدل جعفر بيده نقاب نعمة وقال "تفضل" فابتعد منير عن غفران وأجلسها على السرير فدخل طاهر ومعه ممرضتان قائلا "السلام عليكم" اقترب منه منير وعبد الرحمن وسلما عليه باحترام فقال معاتبا "لماذا لم يخبرني أحد أن اليوم موعد عمليتها؟ لقد علمت بالصدفة من طبيبها، ألسنا أهلا؟" رد عليه منير "طاهر لم أرد أن أشغلك معنا فأنا أعلم أن وقتك الآن أصبح لا يسمح لك بالتواجد في المشفى أغلب الوقت، ويكفي أننا مقصرون بحق هنا وأمها ولكن كما ترى" قال له طاهر بعبوس "منير لقد أصبحنا أهلا، لا داعي لهذه الحساسيات غفران كحورية تماما، لذلك توقف عن هذا الكلام" قال عبد الرحمن "هذا من أصلك الطيب، لقد تشرفنا بمعرفتك يا طاهر" وقف جعفر وتقدم قائلا "فعلا يا بني نحن أهل، كيف حالك؟" قال طاهر "بخير يا شيخ، الحمد لله رب العالمين، لقد جئت لآخذ غفران" كانت هذه الكلمة كفيلة بجعل الشيخ جعفر يقترب منها ويغمرها بأحضانه فضاعت بداخل عباءته وهي تسمعه يهمس "في حفظ الله، أستودعك من لا تضيع ودائعه، كوني قوية يا بنت نعمة، كوني كأمك تماما لا تنحني ولا تضعف، أنا سأنتظرك هنا، وسأكون بجانبك حتى نعود لمنزلنا معا" هزت رأسها بارتجاف فاقترب الجميع لتوديعها ولكن جعفر أصرّ أن يوصلها لغرفة العمليات بنفسه فخرجت تسير بجانبه والجميع خلفهما يحيطها بذراعه فتخفيها العباءة ولا تُظهر منها سوى رأسها ودموعها صامتة تناجي الغائب الذي لبى النداء وكان يتقدم نحوهم بسرعة..........
تقدم عاصي يجاوره أسد وإياد من الممر الذي توجد به غرفتها فتفاجأ بالجميع في مواجهته فعلم أنه لو كان تأخر للحظات لم يكن ليراها قبل أن تخضع لعمليتها، تقدم بثقة فهد وخوف طفل وشوق عاشق فتوسعت الأعين التي تقا**ه بين خوف واستنكار وغضب، وقف جعفر فوقف الجميع فوقفت هي أيضا ولا تدري ماذا يحدث حولها لكن صوت والدها الذي قال بقوة "ماذا تفعل هنا يا بن رأفت؟ أرى أن العصاة التي **رت أنفك لم تؤدبك بعد" أدركت أنه يقف أمامها، كانت كطفلة لا تفكر في الكارثة التي تحدث لكنها تريد أن تراه حاولت أن تظهر رأسها أكثر ظنا منها أنه لم يرها ولم تكن تعلم أن قلبه ينطلق منه ألف ذراع تشق عباءة والدها وتودعها بلهفة واشتياق وتقرأ عليها آيات الله وتربت عليها بحب وحنين، فرد عليه عاصي باحترام "السلام عليكم يا شيخ، جئت لأقابلك، حاولت كثيرا في الشهرين الماضيين أن أدخل أرض العزايزة لكنني تفاجأت أني م***ع من الدخول رغم أنها أرضي وأرض أهلي" لم يكن كلامه موجها لجعفر بقدر كونه موجه لها لتعلم أنه لم يتخلَّ عنها كما فعلت معه ويا للعجب ابتسمت ودارت وجهها بص*ر أبيها كأنها عروس خجلة من عريسها العاشق فلمحها عاصي الذي رقص قلبه طربا واستمد منها طاقة شجاعة هائلة ليكمل طريقه إليها لكن جعفر كان له بالمرصاد وهو يقول "أي أرض يا بن رأفت؟ أنت وأبوك لا تملكان أي شيء لدينا سوى الدماء والاسم، فأرضكما أنت تعلم أين ذهبت ولماذا، ويبدو لي أن العرق دساس فها أنت تعيد خطأ أبيك وزوج أختك" انتفخ عرق بعنق عاصي الذي قال بغضب "إذا كان طلب الحلال ممن أحبها يحتاج لعرق دساس، فليندس بي حتى النخاع، انا لا أطلب شيئا أخجل منه أو أتبرأ من أبي إن فعله يوما، أختي تزوجت رجلا محترما على سنة الله ورسوله، وأنا هنا لأطلب يد غفران على سنة الله ورسوله" توسعت عينا منير بجزع من هذا الأرعن الذي جاء ليلقي نفسه بالنار، أما عبد الرحمن فتقدم صارخا "أيها اللعين، سأقتلك إن لم تغرب عن وجهي، المرة الماضية نجوت من الموت، لكن هذه المرة صدقني سأرسلك إليه بنفسي" كانت نعمة تقف بين حورية ومنار تشاهد هذا الشاب الذي جاء يحارب من أجل ابنتها وهو لا يملك سلاحا غير حبه، وقفت بقلب مقبوض فقلبها يحدثها أن هذه المواجهة ستكون لها عواقب وخيمة، تحدث عاصي بثبات وقال "يا أبا جعفر، أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟ تريد قتلي لأنني طلبت أن أتزوجها، هل الشرع أن أخطبها وتوافق أم أن تقيد بأغلال كالمكاتيب اللعينة التي تعتبر منتهى الإجحاف والظلم؟ أرجوك اسمعني لن يحافظ على أختك رجل مثلما سأفعل، يعلم الله أنني سأضعها على رأسي ولو أقدر لوضعتها في قلبي، فتفهم موقفي وساعدني" رد عليه منير بغضب فهو يعلم أن ما يسعى إليه عاصي مستحيل "عاصي ارحل، أرجوك لا تجعل الأمور تتطور أكثر، يكفي" صرخ عاصي “لن أرحل فأنا ما جئت اليوم لأرحل خالي الوفاض، جئت اليوم إما قاتلا أو مقتولا لأجلها، متى ستعرفون أن الرسول عندما قال لا أرى للمتحابين غير الزواج كان عليه الصلاة والسلام يتشفع للأحبة رحمة بقلوبهم من ألم الفراق وعذابه، أنا لا أطلب سوى الرحمة" كان أسد يقف وقلبه يتمزق بوجع فالألم واحد والصرخة واحدة لا فرق سوى أن عاصي قرر المواجهة وهو ظل يؤجلها حتى تدهورت حياته، تدخل طاهر عندما رأى الأمور تتفاقم وقال "من فضلكم هذا ليس مكان ولا وقت نقاش من هذا النوع سآخذ أنا غفران وبإمكانكم الحديث في الداخل" صرخ به عاصي "لن تأخذها إلى أي مكان قبل أن أنهي هذا الأمر" قال له جعفر وقد بلغ من الغضب أشده "لا تتحدث عن ابنتي بوجودي، ولا تفكر أن ما تفعله سيمر بسلام، فلابد من إقامة مجلس تأديب لك ولإخوتك الذين لم يسيطروا على جموحك وقلة عقلك" رد عليه عاصي بغضب "إخوتي لا دخل لهم بهذا الأمر، أنا كبير بما يكفي لأتحمل مسؤولية أفعالي، ولكن يا شيخ لماذا لا تستمع لصوت ال*قل لمرة واحدة؟ هل ستكون مرتاحا عندما تتزوج ابنتك بالإكراه من رجل لا تحبه؟ رجل متزوج؟ رجل لم يهتم بما حدث لها وأسرع يبحث عمن تحل مكانها؟ أين ال*قل في هذا ولماذا تفرق بيننا؟ أرجوك وافق وإذا طلبت مهرها روحي لن أتأخر" تقدم عبد الرحمن يمسكه من تلابيبه وقال "روحك هذه سأزهقها إذا لم ترحل الآن، أيها اللعين من ينظر لأختي بعينيه سأقتلعهما من محجريهما أدبا له" نظر له عاصي بتحدي "أنظر لها بقلبي، اقتلعه لو تستطيع، أنا وهي نحب بعضنا وليس هناك أهم من هذا، ولن أرحل حتى آخذ من أبيك كلمة، إنها لي" كانت غفران ترتجف والدموع عادت تجري كالأنهار تشق وجنتيها بحسرة، ونعمة تقف ذاهلة من هذا المحارب الشرس الذي لا يكف عن التحاور والهجوم، ومنار وحورية يدق قلباهما كقرع الطبول من الخوف الذي ازداد عندما شاهدتا عبد الرحمن يدفع عاصي بقوة للخلف فتلقفه أسد وهو يصرخ به "من التي تحبك؟ أقسم أنني كنت قتلتك وقتلتها ودفنت هذا العار" اعتدل عاصي يقول بقوة "اقترب منها وأنا من سيقتلك، أختك لن تتزوج غيري، وإذا كان الموت الحل فسأقتل من يقترب منها" وفي لحظة كان سلاح عبد الرحمن موجها لص*ر عاصي الذي لم يهتز بل وقف كالوتد وقال "سلاحك هذا لن يجعلني أنكر حقيقة ما بداخلي وداخلها، أنا لا أُهدد فأنا حقا تعبت من جمود عقولكم، كم مرة سأقول لكم لا تفرقوا بيننا، لا تأخذوها مني، كم مرة سأرجوكم أن تدعوا حبي لها وحبها لي يكبر بسلام" انطلقت صرخة من فم جعفر قائلا "اخرس أيها الو*د" لكن رد عبد الرحمن كان من مسدسه الذي انطلقت رصاصته مخترقة ص*ر عاصي فعلا الصراخ فجأة وصرخت غفران برعب "ماذا حدث؟ من أطلق النار؟" دفعت جعفر الذي كان يحتويها وهي تصرخ "هل مات؟ فليجبني أحد، هل مات؟" كانت تتقدم للأمام وتبحث بيدها عنه تبكي وتصرخ "عاصي" أمسكها عبد الرحمن من خصرها وسحبها للخلف وهو يقول "اخرسي ولا تدفعيني لأذيتك" خر أسد يجلس على الأرض وعاصي بين يديه ينزف بغزارة فقال له بعدم تصديق "إما قاتل أو مقتول، هل أقسمت ألا تعيش بدونها؟" صرخ فجأة بقهر "هل ارتحت الآن؟ قف وكلمني، هل ارتحت الآن؟" صرخ إياد "نريد طبيبا، بسرعة" تحرك طاهر الذي تجمد للحظات ونزل على ركبته يغلق جرح عاصي بيده ويصرخ بالممرضات "أحضرن سريرا متحركا بسرعة" اقتربت حورية من منير تقول بصدمة "هذا يعتبر شروع في القتل علينا …..." قاطعها منير مغلقا فيها يسحبها للخلف وهو يقول "أخفضي صوتك ما يحدث داخل العائلة يبقى داخلها" قالت له بعدم تصديق "لا نعلم إذا كان الرجل سيموت أم لا، أخوك حاول قتله، علينا إبلاغ الشرطة" رد عليها بحزم "حورية لقد أصبحت من العائلة فعليك أن تلتزمي بقوانينها وتحترمي أسرارها وهذا ليس وقت نقاش، لا أريد منك أي حركة طائشة يكفي ما حدث" ثم تركها واقترب وهو يلمح نعمة تنسحب للغرفة وبجوارها منار وعبد الرحمن يسحب غفران التي تصرخ أما جعفر فيقف بهدوء يشاهد عاصي الغارق في دمائه وأسد يصرخ ببكاء مهول وطاهر يسأل عاصي "أما زلت معي؟ هل تسمعني؟" كان عاصي يشعر ببرد ويجاهد ليفتح عينيه اللتين تنغلقان بدون إرادة منه، يسمع صراخ أسد يصل إليه من مكان بعيد، حاول أكثر فانف*جت عيناه فلمحها تصرخ بين يدي عبد الرحمن وهو يسحبها بعنف نحو الغرفة وهي تجاهد الفكاك منه فحرك رأسه بضعف تجاه أسد ودمعة وحيدة تسللت من عينه يهمس بضعف “أريدها ……. أرجوك" رفع اياد رأسه باستغراب فعاصي رغم أنه يجاهد الموت مازال متمسكا بها وطاهر كان سيقف قلبه فالنزيف لا يتوقف وبدأ حشد من رواد الغرف يجتمع حولهم فصرخ بعنف "الجميع إلى غرفته من فضلكم، لا تقلقوا، سيصلكم من يوضح لكم الأمر، أنتم في أمان" انسحب الأشخاص ببطء رغم الفضول الذي يعربد بداخلهم أما أسد فوقف بقوة واضعا رأس عاصي على الأرض ببطء وتقدم ودموعه لا تتوقف مارا بجعفر الذي استدار عائدا إلى غرفة ابنته غير مبالي بما حدث حتى اقترب من عبد الرحمن فعاجله بلكمة عنيفة بأنفه وصرخ بغفران "يريد رؤيتك تقدمي إنه أمامك" لم تصدق أن تنحل أيدي أخيها عن خصرها وجرت بسرعة وهي تقول ببكاء "عاصي أين أنت؟"حاول جعفر سد الطريق عليها لكنها كانت كالصاروخ فانطلقت للأمام ترهف السمع فقال طاهر بسرعة "احترسي إنه أمامك" جلست على ركبتيها تبحث عنه بيدها فلمست وجهه تقول ببكاء مرير "هل أنت بخير؟ لماذا لا تتحدث؟" كانت يدها تجري على ملامحه برعب قاتل فشعرت بحركة شفتيه الضعيفة فأنزلت رأسها نحو شفتيه فسمعت ما يقوله فتوقفت فجأة عن البكاء وابتسمت فنظر طاهر لإياد باستغراب ثم قال له "لقد وصلت النجدة ساعدني لنرفعه" في هذه الأثناء كان جعفر يسحب غفران التي استسلمت له بهدوء وأسد وعبد الرحمن يخوضان معركة عنيفة يحاول منير فضها، عندما رأى أسد عاصي يتجه نحو المصعد على السرير النقال انسحب يجري خلفه ولكنه لم يغفل عن الابتسامة التي كانت تنير وجه غفران …...
بعد ساعتين كان سالم يصعد الطائرة وهو يصرخ بأسد عبر الهاتف "أهذه الأمانة التي تركتها لد*ك؟ ألم أطلب منك أن تكون كظله فتتركه للموت؟ لقد اكتفينا من الفقد، لقد اكتفينا من الوداع وأنا لن أترك أخي لتكون نهايته على يد كبير العزايزة، هذه الفتاة يجب أن ينساها وأنا سأحرص على هذا" ثم أغلق الخط وصرخ بصفي الذي يساعد بلقيس في صعود الطائرة "هيا احملها ليس أمامنا اليوم بطوله" كان الجميع وجوههم مسودة لا أحد منهم مستعدا لوداع آخر فيكفيهم ما حدث، حمل صفي بلقيس التي وضعت رأسها على كتفه تبكي ب**ت وصعد إلى الطائرة فوجد الجميع جالسين والقلق يكاد يحرق قلوبهم حية فوضع بلقيس على مقعدها وربط حزامها ثم جلس بجانبها وضمها لص*ره قائلا "سيكون بخير، أرجوك توقفي عن البكاء، لا أتحمل بكاءك، صحتك لا تتحمل هذا الضغط اهدئي" قالت له بشهقة عنيفة "أنا خائفة" شدد ذراعيه حولها وقال لها "لا تخافي، وفكري بصحتك قليلا أقسم لو أن الطبيب لم يؤكد لي أنه ليس هناك خطر في سفرك ما تحركت من سريرك حتى لو أصبت أنا شخصيا" نظرت له بعدم تصديق وقالت "لماذا هذا الخوف؟ أنا ما عدت أفهم شيئا، أرجوك ساعديني لأفهم ما يدور بعقلك" نظر لها ب**ت لثواني ثم قبل جبهتها بعمق وهمس لها "لا تسألي، فقط أغمضي عينيك ونامي قليلا، ولا تحاولي البحث عن إجابات لن تفعل شيئا سوى أن تزيدك ضياعا، بيلا أنا هنا وأنت على ص*ري لا شيء بعدها يهم، لا أسئلة ولا إجابات" وضعت رأسها على ص*ره بتسليم وأغمضت عينيها تستمع لدقات قلبه الصاخبة ويصل إلى أذنها صوت منذر الجالس خلفها يسأل أسمهان “حبيبتي هل أنت بخير؟" نظرت له أسمهان ثم هزت رأسها بنفي فاحتواها بذراعه وقال "أيتها القوية، لا أصدق أنك تبكين، تماسكي، عاصي بخير، الله رحيم بنا وبإذن الله خير" همست له بخوف "إن شاء الله سيعود لنا عاصي، إنه طيب لا يستحق ما يحدث له" ابتعد عنها قليلا ينظر لها وقال "أعلم ولكن ماذا نفعل، الموضوع معقد للغاية، ليعد إلينا سالما وبعدها فليحلها من لا يغفل ولا ينام، انظري إلى أمي لقد نامت من شدة بكائها" نظرت أسمهان تجاه خالتها كوثر التي تنام ودموعها مازالت على خديها وعمها محسن ينحني ليمسحها لها بخفة وقالت "عمي حنون جدا، أريدك أن تصبح مثله، رغم قسوته على سمراء التي لم يسامحها حتى الآن" نظر منذر إلى سمراء التي منذ أن فاقت من آخر أزمة صحية لها وهي ليست هي، لقد فاجأت الجميع بقرارها بارتداء الحجاب وأصبحت هزيلة لدرجة مخيفة، صامتة تكاد تشعر أنها ليست موجودة، كانت جالسة بجانب عزيزة التي لا يعلم ما بها هي أيضا وتقرآن القرآن بخشوع ودموع خائفة فقال بحيرة "لا أعلم ماذا حدث لنا، انظري إلينا، هل كنا هكذا قبل عامين؟ بعد شهرين أو أقل الذكرى الأولى لرحيل عمي وعائلته، عام مر ومازالت المصائب لا تتوقف، متى سنرتاح؟" مالت برأسها على كتفه وقالت "لا أعلم، كل ما أفكر به أن أبي لن يرحم أسد فأمي لا تتوقف عن البكاء والدعاء أن تمر هذه الأزمة على خير" تلفت منذر حوله ثم سألها بحيرة "أين نزار؟" همست بضعف "لا أعلم ربما جالس في الأمام" ربت على رأسها بهدوء حتى غفت وبدأت عيناه تنغلقان وينسحب وعيه وكان آخر ما رآه نزار يتوجه نحو عزيزة............
إذا ظننت أنك ستجد الراحة في النسيان عليك أن تحدد لذاكرتك ما عليها أن تنساه فهناك ذكريات م***عة من الصرف، وإذا شعرت أن البعد سينجيك فاختر المسافات بحذر فهناك مسافات أقرب مما نظن فقط تخدعنا عقولنا، وإذا شعرت أن الحنين سينطفئ يوما ما عليك بأن تفكر جيدا فهناك أحاسيس وجدت لتشتعل فقط، عليك أن تكون أذكى من الحب فهو كلصّ تسلل إليك وأنت تريد حماية نفسك منه.........
دخل فخر غرفة المكتب يحمل ملفا ويقول بسعادة "لا أصدق أن الشركة الألمانية وافقت على التعامل معنا، لقد كدت أجن وأنا أنتظر هذا الرد" وقف ليل وقال بسعادة "أحقا وصل ردهم؟" قال له فخر وهو يرفع الملف ويلقيه على المكتب بحماس "منذ دقائق فقط، لم أكن أعتقد أن عقلك سيستطيع التعامل مع تعقيدات العمل، فلبعض الوقت اعتقدت أنك ستمل من رتابة العمل وتعقيداته"هز ليل رأسه بخفة وقال "أبدا لم أكن لأخذل نفسي أو أخذلك لقد تعبنا كثيرا…. منذ شهرين ونحن نجتهد من أجل هذا ال*قد، الشركة يجب أن تعود كما كانت في السابق" رد عليه فخر "توكل على الله وأنا معك، في ظهرك دائما، أظن أننا سنكوّن معا ثنائيا مميزا في عالم الأعمال" ض*به ليل بخفة وقال "أنت محق، ألا ترى أننا نستحق أن نكافئ أنفسنا على أول نجاح؟" لمعت أعين فخر بشقاوة وقال "ما رأيك بليلة خارجة عن المألوف؟ ليلة من الدلال الخالص" نظر له ليل باستفهام وقال "وأين سنتدلل يا فخر العزايزي؟" عض فخر على شفته السفلية وقال "في نادي ليلي يذهب له سعد، يقول لي أنه على مستوى عالي من جميع الاتجاهات" سحب ليل الملف وض*به على رأسه وقال له "أيها الأ**ق تزوج وأرحني من حوارات المراهقين هذه، واعلم أن صديقك هذا فاشل ولن يجلب لك سوى الفشل" تأوه فخر بمزاح وقال "لن أتزوج قبلك، دعني أجرب الفشل وأنا عازب، أفضل من أن أجربه وأنا مرتبط" رد عليه ليل وقد غامت عيناه "لا تنتظرني فأنا لن أتزوج، تزوج أنت وابتعد عن طريق الفشل أفضل لك ولي" لاحظ فخر ما أصاب أخيه من ذكر الزواج فشعر بالندم وحاول تغيير الحديث قائلا "أخي أنا جائع، ألا أستحق وليمة بهذه المناسبة السعيدة؟" تنبه ليل لما يقوله فخر فقال بهدوء "تستحق كل خير، فلترَ ماذا تريد أن تأكل وأنا معك" سحبه فخر من يده وقال "سآخذك إلى مطعم ستشبع فيه من الرائحة فقط هيا بنا" قال له ليل "انتظر سأحضر هاتفي" عاد فخر إلى المكتب وجذب الهاتف بسرعة وقال له "ها هو الهاتف، هيا بنا" خرج فخر بجوار ليل الذي قال لمساعدته الشخصية "آنسة هاميس سنخرج لساعة أو ساعتين، إذا وصلك أي خبر من الشركة الألمانية سيكون هاتفي متاحا طوال الوقت، لا أحد سيرحل قبل موعد انتهاء العمل الرسمي واذا حدث أي شيء مهم عليك إبلاغي" ضبطت هاميس نظارتها الطبية على أنفها بتوتر وقالت "أمرك يا سيد ليل" تقدم ليل نحو المصعد وخلفه فخر الذي اقترب من هاميس قائلا بسخرية "هاميس أين أخيك تاتون؟" زمت هاميس شفتيها بقهر وهي تراه يلوح لها وباب المصعد يغلق فجلست على مقعدها بقهر……..
بعد قليل دخل ليل بجوار فخر إلى المطعم الذي يحمل الطابع الشرقي بامتياز، تقدم نحو طاولة في أحد الأركان وجلس عليها قائلا "لا أريد أن يتأخر الطعام، وراءنا الكثير من المشاغل، لا تؤخرنا وإلا سنبقى هناك للصباح لننهي كل شيء" تأفف فخر بملل وقال له "لا تذكرني فأنا أعلم كل شيء، هل تريد شيئا محددا أم ستدعني أطلب لك؟" قال له ليل بسخرية "اطلب ما تريده يا فخر، لكن أسرع" عبس فخر بوجهه وقال "علم وينفذ يا كبير" ثم تحرك نحو المطبخ فهو معروف جدا في هذا المكان يكاد يكون زبونا يوميا فللعزوبية أحكام، أما ليل فانتهز الفرصة وغرق في **ته وبص*ره دفاتر الذكريات تتطاير أوراقها، اشتاق لقوتها وعنادها وكبريائها، اشتاق لنظرتها وتوعدها وتوبيخها، اشتاق لها عندما تحاول أن تتعلم الوقاحة لكنها لم تفلح يوما، اشتاق لامرأة كانت كنور الشمس تدب الحياة في جسده إذا أشرقت على عينيه ملامحها، كانت كدفء الصيف تلهب حواسه وتجعله حانقا من إثارتها، مغرم هو بامرأة ككوكب عطارد مستقلة بذاتها لكن من يقترب منها تأكله الشمس، إنها كالرياح من الممكن أن تكون نسمة تلطف أيامك أو إعصارا يض*بك بدون رحمة، إنها سيدة التناقضات ..وسيدته . . صرخ داخله باشتياق (أين أنت يا سمراء وماذا تفعلين بدوني؟ أما اشتقتِ يا سمارة لوحشك؟ لقد أهلكني العشق وما عاد بي تحمل بمقدار ما كان، أنا مجهد وأشتاقك حد الجنون، أين أنت؟" رأى فخر عائدا ناحيته وأمامه امرأتان إحداهما يبدو أنها مجهدة والأخرى تسندها متوجهتين ناحية الحمام أوشكت المرأة المجهدة على السقوط فلحقها فخر الذي توسعت عيناه بصدمة ونظر له بطريقة غريبة جعلت قلبه يدق بعنف فهب واقفا وتقدم نحوهما..............
قبل قليل
كان إياد يقف في مطار القاهرة لا يعلم كيف وقع في وسط كل هذا، لا يذكر منذ متى لم ينم أو يعود للمنزل، مازال لا يصدق أن هناك من يضحي بعمره لأجل الحب كما فعل عاصي وأن هناك من يستهتر بحياة الناس مثل عبد الرحمن الذي أطلق النار على عاصي كأنه حشرة لا تستحق أن يلتفت لها، مسح وجهه بعنف ثم نظر إلى ساعته بانزعاج فجاءه صوت منذر يناديه "إياد" التفت إياد فوجد العائلة قد وصلت فقال بإرهاق "حمدا لله على سلامتكم، تفضلوا معي" اقترب نزار من إياد وسأله"هل عاصي بخير؟" أجابه إياد بحزن "مازال تحت المراقبة، الإصابة كانت خطرة، لقد ظل في غرفة العمليات لساعات" حرك نزار رأسه بأسف فتوقف إياد يشير لثلاث سيارات وقال "هذه السيارات لنا، من سيقود؟" أخذ منذر مفتاح سيارة وأخذ سالم مفتاح الأخرى والثالث كان بيد إياد الذي أخذ نزار وسمراء وعزيزة وانطلق وخلفه كان منذر وأسمهان وصفي وبلقيس في السيارة الأخرى والأخيرة كان بها سالم وفوزية وكوثر ومحسن، انطلقت الثلاث سيارات تنهب الطريق نحو المشفى ………..
قالت أسمهان لمنذر برجاء "منذر أريد أن آخذ وردا لعاصي، توقف عند أي محل للورود" قال لها منذر "يا حبيبتي هو لم يفق بعد، لن يراها" قالت له برجاء "أعلم، لكن عندما يستيقظ سيجدها بجواره لعله يستفيق عند وصولنا لا أحد يعلم، أرجوك توقف" هز رأسه بطاعة وقال "أعرف محلا للورود على هذا الطريق وعندما نصل إليه سأتوقف" قالت بلقيس "وأنا أيضا أريد باقة لعاصي" قال لها صفي "عندما نصل لمحل الورد سأجلب لك أجمل وأكبر باقة هناك ولكن لتبقي في السيارة" هزت رأسها بطاعة فقال منذر "ها قد اقتربنا سأشير لإياد ليتوقف" سأله صفي "أين عمك سالم؟ لا أرى سيارته" هز رأسه وقال "لا أعلم لعله علق بالزحام سأهاتفه" أوقف منذر السيارة ونزل منها وأسمهان وصفي فأوقف إياد سيارته خلفهم ونزل مع نزار والفتيات واقتربوا منهم فسأل نزار "لماذا توقفنا هنا؟" قالت له اسمهان "لنشتري الورود لعاصي" قال لها بغضب "وهل هذا وقتها؟ فلنطمئن عليه أولا" قال منذر "نزار نحن هنا الآن هذا الكلام لا يفيد فلنشتري الورد ونرحل" أنهى كلامه ثم سحب يد أسمهان نحو محل الورود فذهب صفي خلفهما فيما نظر نزار لإياد وقال "انتظرنا قليلا في السيارة، لقد أتعبناك معنا، أنا سأتولى القيادة فأنت تبدو مرهقا" انسحب إياد وهو يقول "ليس هناك تعب، سأنتظركم في السيارة" التفت نزار إلى سمراء وعزيزة التي كانت لا تبدو طبيعية كأنها ترتعش رغم حرارة الجو أو تبكي وتحاول أن تداري وقال "هل تريدان ورودا أنتما أيضا؟" لم ترد عليه واحده منهما فسأل بحيرة "وماذا عليّ أن أفهم من **تكما؟" قالت سمراء بهدوء "نزار خذ عزيزة واجلبا الأزهار وأنا سأبقى مع بلقيس فهي تبدو متعبة، هل تري ها هي تحارب الغثيان مجددا" سحب نزار عزيزة وقال "حسنا لا تتركيها، سأجلب لك معنا أزهارا" هزت سمراء رأسها وفتحت باب السيارة التي تجلس بها بلقيس وجلست على المقعد ولكن أقدامها على الأرض كالعادة تستمد طاقتها منها رغم أنها لم تعد كما كانت، رفعت عينيها للسماء تتن*د بألم يسكن خافقها تتساءل (أين أنت؟ ماذا تفعل؟ هل أنت سعيد؟ هل استطعت أن تنساني؟ تخطيت كل شيء ..أصبحت تتباسط مع أخرى، أنا هنا أين أنت؟) قاطع أفكارها صوت بلقيس تقول "سمراء، أشعر بغثيان شديد" نظرت سمراء لها بفزع فوجدتها تتماسك بأعجوبة فقفزت واقفة تنظر نحو محل الورود لكنه كان على بعد أربعة مباني فنظرت نحو سيارة إياد فوجدته يغط في نوم عميق فنظرت حولها وهي تسمع بلقيس تقول "لم أعد أستطيع، ساعديني" لمحت مطعما قبل سيارة إياد بخطوات فأمسكت يد بلقيس وقالت لها "تحركي معي بسرعة" استندت بلقيس على يديها حتى خرجت من السيارة فأغلقت سمراء الباب بسرعة وهي تقول "هل ترين هذا الباب الزجاجي؟ إنه مطعم، تماسكي لم يتبقَ سوى خطوات" كانت بلقيس تتماسك بأعجوبة وتسرع نحو المطعم وهي تغلق فمها بيدها وتنحني للأمام بألم وسمراء تمسك خصرها وتدفعها ببطء، دخلتا المطعم الذي كان هادئا ولم تعرف سمراء إلى أين تتجه فدفعت بلقيس نحو الممر الذي أمامهما فكادت أن تسقط منها لولا أن هناك يدا تلقفتها فقالت بسرعة وهي تنظر لبلقيس "أين الحمام من فضلك؟" لم تسمع ردا فرفعت رأسها نحوه لتتجمد عروقها وتتوسع عيناها وتنقطع أنفاسها وتغيب ولم يكن رد فعل الماثل أمامها ببعيد عن فعلها فهو لم يعد يفهم تدابير القدر ولو لم يكن هو من أحضر ليل إلى هنا لظن أنه يعلم أنها قادمة، نظر لأخيه بتوتر ثم عاد بعينيه إلى سمراء التي أخبرها قلبها أنه هنا خلفها، قطع دوامة مشاعرها انتفاض جسد بلقيس فنظرت لفخر بتساؤل فأشار لها على باب أقصى اليسار فاندفعت هي وبلقيس نحوه تاركة خلفها فخر الذي لمح أخاه يقترب فتقدم نحوه يمنعه من الاقتراب قائلا "إلى أين أنت ذاهب؟ الطعام على وشك الوصول، لنجلس" قال له ليل باستغراب "ماذا حدث؟ هل تعرف هاتين الامرأتين؟" قال له فخر بتوتر "لا أعرفهما، أظن أن إحداهما حامل وتشعر بالغثيان وكانت تسألني عن الحمام، لا شيء مهم" نظر له ليل بتدقيق وقال "حقا؟ لماذا أشعر أنك متوتر؟ لقد تصلبت أمامهما" نفى فخر قائلا "من؟ أنا؟ لا أبدا أنت من تتوهم، هيا لنعد إلى الطاولة" استدار ليل مع فخر وجلس على الطاولة لكن قلبه كان يدق بعنف لدرجة أنه مسد ص*ره وهو يتساءل عن سبب هذا الفوران البركاني الذي ض*ب ص*ره ……..